الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أين -المُطْلَق- في -النسبية-؟

جواد البشيتي

2013 / 12 / 8
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ثمَّة "مُطْلَقٌ" في "النِّسْبي"، أيْ في نظريتيِّ "النسبية الخاصة" و"النسبية العامة" لآينشتاين؛ فأين هو هذا "المُطْلَق"؟
قَبْل الإجابة، أقول إنَّ كثيراً من "الجدليين"، وأنا منهم، لا يروقهم أنْ تُفْهَم "النِّسْبية" على أنَّها نَفْيٌ مُطْلَق لـ "المُطْلَق"؛ لكنَّ بعضهم لم يُوفَّق في اكتشاف ورؤية "المُطْلَق" في "النِّسْبية"، فَمَالَ، من ثمَّ، إلى الارتياب فيها.
لا وجود لمراقِبٍ كونيٍّ إلاَّ بصفة كونه جزءاً من "إطارٍ مرجعيٍّ"، يتِّحِد معه اتِّحاداً لا انفصام فيه؛ فكلُّ مراقِبٍ هو ابن "إطاره المرجعي"، القابِل للتغيُّر؛ فإذا تغيَّر، تغيَّر المراقِب في رؤيته لـ "العالَم الخارجي"؛ وقد يَنْفَصِل المراقِب عن "إطاره المرجعي"؛ لكنَّه لا يَنْفَصِل، ولا يُمْكنه أنْ يَنْفَصِل، إلاَّ إذا ارتبط، في اللحظة عينها، بـ "إطارٍ مرجعيٍّ آخر"؛ فلا وجود لمراقِب مُجرَّد من "إطاره المرجعي"، أو يَقَع في "فراغٍ"، أو "منطقة محايِدة"، بين "إطارين مرجعيين".
افْتَرِضْ أنَّكَ في "مُخْتَبَر"، على هيئة "حُجْرَة (شَفَّافة)"، طولها (مثلاً) 600 ألف كم، مزوَّدة "ساعة" و"متر"، على هيئة "قضيب معدني"، وأنَّ هذه الحُجْرَة كانت ثابتة ساكنة على سطح الكرة الأرضية؛ ثمَّ غادَرَت كوكب الأرض، سائرةً، في استقامة؛ لكن بسرعةٍ متزايدةٍ، حتى بَلَغَت منطقة من الفضاء، بعيدة عن كلِّ مصادِر وحقول الجاذبية، فسارت فيها، بعض الوقت، بسرعة ثابتة، مُحْتَفِظةً باستقامة خطِّ سَيْرها؛ ثمَّ شرعت سرعتها تزداد، كل ثانية، حتى قارَبَت سرعة الضوء؛ ثمَّ سَقَطَت سقوطاً حُرَّاً نحو سطح نجم عظيم الكتلة، شديد الجاذبية، أو دارت حوله في مدارٍ ما؛ ثمَّ اتَّجَهَت نحو "ثقب أسود"، فسقطت سقوطاً حُرَّاً نحو سطحه، قَبْل أنْ تَخْتَرِق "سطحه (الحد المسمَّى "أُفْق الحَدَث")"، وتَسْقُط في جوفه (أيْ "نقطته المركزية، عديمة الحجم، لانهائية الكثافة" Singularity).
باستثناء إحساسكَ بالجاذبية، أو بانعدامها، لا شيء تغيَّر، على ما ترى وتشعر وتقيس، في داخل حُجْرَتِكَ؛ فَقَلْبُكَ ظلَّ ينبض نحو 70 نبضة في الدقيقة الواحدة؛ وطول حُجْرَتِكَ ظلَّ 600 ألف كم، يَقْطَع الضوء هذه المسافة في ثانيتين اثنتين؛ ولو قَذَفْتَ الكرة نفسها، بالقوَّة نفسها، وفي الاتِّجاه نفسه، لظلَّت تَقْطَع هذه المسافة في الزمن نفسه، أيْ بالسرعة نفسها.
ضِمْن "إطاركَ المرجعي (أيْ تلك "الحُجْرَة ـ المُخْتَبَر)" المتغيِّر، والذي مهما تغيَّر، لا شيء يتغيَّر؛ فكل شيء، وكل حادث، يَحْدُث كالمعتاد، ويَسْتَغْرِق حدوثه الزمن نفسه، وتراه، بكل أبعاده وجوانبه، كما اعتَدتَّ رؤيته، وكأنَّكَ ضِمْن "الثابت" في كلِّ ما تغيَّر، ويتغيَّر؛ فَهُنا "المُطْلَق" الكامِن في "النِّسْبية".
"إطاركَ المرجعي" هذا تغيَّر في استمرار، بالحركة تارةً، وبالجاذبية طوراً؛ وتغيَّر، في استمرار، أيضاً، "الزمن" لديك، لجهة سرعة جريانه، و"المتر"، مع "الأطوال".
نتائج وعواقب هذا التغيُّر (في "السَّاعة" و"المتر") لا تراها أبداً في "إطاركَ المرجعي"، أيْ ضِمْنه، وفي داخله؛ لكنَّكَ تراها في "العالَم الخارجي"، أيْ في كل ما يَقَع في خارج حُجْرَتِكَ.
وحده المراقِب الخارجي، أيْ الموجود في خارج حُجْرَتِكَ، وبعيداً عنها، هو الذي في مقدوره رؤية تلك النتائج والعواقب في داخل حُجْرَتِكَ؛ فهو الذي يرى (مثلاً) أنَّ الثانية الواحدة عندكَ تَعْدِل ساعات، أو سنوات، عنده، وأنَّ قَلْبَك ينبض 70 نبضة في السَّنة الواحدة، وأنَّ عُمْرَكَ الآن ألف سنة، وأنَّ طول حُجْرَتِك 300 متر، وأنَّ كل شيء عندكَ يَسْتَغْرِق حدوثه زمناً أطول بكثير من المعتاد.
أنتَ، وفي "أُطركَ المرجعية المختلفة"، ترى "المُطْلَق" مُقيماً أبدياً ضِمْن "إطارك المرجعي"، مهما تغيَّر؛ وترى "النِّسْبي" يتَّخِذ من "العالَم الخارجي" مسرحاً له.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مرشحو الدورة الثانية للانتخابات الفرنسية يحاولون جذب أصوات ا


.. هآرتس: الجيش الإسرائيلي يسيطر على أكثر من ربع قطاع غزة| #نيو




.. إسرائيل توافق على أكبر عملية مصادرة لأراضي الضفة الغربية منذ


.. الإصلاحي بزشكيان والمحافظ جليلي.. تعرف على مرشحي رئاسة إيران




.. الجيش الإسرائيلي يواصل حرق منازل بحي الشجاعية شرق مدينة غزة