الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق ........3

عارف معروف

2005 / 6 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


......ثم ، هل ان الصدفة وحدها، هي التي جعلت مناطق معينه من العراق، وفئات محددة من السكان ، تلك التي وقفـت كراس حربة ضد قيادة الجمهورية العراقية الاولى وتصدت لها باعمال التهويش و العنف والتآمر ثم الاسقاط، تشكل هي ذاتها تقريبا جغرافية المناطق التي لم تنتفض ضد نظام صدام حسين حينما عمت البلاد انتفاضة شعبية كبرى في اذار 1991 وهددت باسقاط النظام ، وتشكل اليوم نفس جغرافية " المقاومة المسلحة "ومقاطعة او عرقلة العملية السياسية الجارية في العراق؟
لقدانتفضت جماهير الشعب عام 1991وعبرت عن تمردها ومقتها للسلطة وكانت انتفاضتها عفوية حقا لم تنظمها قوة او حزب سياسي، او مؤامرة خارجية ، كما حاول النظام الصدامي ان يتهمها، بل هي فاجأت الجميع واشتعلت اشتعال النار في الهشيم لتعبر عن حقد هائل ومعاناة رهيبة ، لقد امتدت الى كافة محافظات الجنوب وتهاوت السلطة في هذه المحافظات وكذلك محافظات كردستان واصبح النظام على شفير الهاوية حقا فلم تبق له سلطة ونفوذ الا في مركز بغداد ومحافظات الموصل والانبار وصلاح الدين وبعض مناطق ديالى (وهي خارطة مطابقة تقريبا لجغرافية المقاومة المسلحة الان)!! ، التي لم تنتفض الجماهير فيها وعبرت عن توجس غامض وخوف مبهم ! ، وبمعونة دول الجوار العربي وتواطؤ امريكا استطاع النظام ان يشن هجوما مقابلا استعاد فيه السيطرة وزمام المبادرة . ومنذ 1991 لوحظ استقطاب طائفي واضح وتخلى الكثيرون عن معارضتهم لصدام حسين او نظامه في حين انجر اخرون الى معاداته ومواجهته ممن كانوا يقفون في صفه وذلك وفقا للانتماءات الطائفية واتجاهات الصراع!

لماذا يلاحظ المراقب الموضوعي بالفعل ، ان" مقاومة الاحتلال الامريكي" المسلحة تتركز في المناطق العربية السنية في حين لا يبدي غالبية الشيعة والاكرادحماسة ظاهرة لذلك؟ ولماذا لايخفي الكثيرون من الاكراد فرحهم بامريكا بديلا لصدام ويفضل اغلبية الشيعة الكفاح السياسي السلمي او التفاوض مع امريكا؟ هل في كل ذلك مايعلي قدح فئة في الوطنية ويخّون ويقدح في اخلاص اخرى ، كما يتوهم الكثيرون وخصوصا من المثقفين العرب؟... ليس في هذا وذاك ، كما اعتقد ، اية مفخرة او معّرة ، فالمناطق التي تقاتل الامريكان ترى فيهم محتلين ،غاصبين، استحوذوا على البلاد وثرواتها واذلوا اهلها بعد ما كانوا اعزة وانتزعوا منهم الملك والسلطان فلا غرو ان يستميتوا في كفاحهم هذا ضدها خصوصا وان معظم مطالبهم الاساسية تتركز في " انصافهم " وتعديل الميزان لصالحهم!! بالرغم من ان معظم هذه المناطق ارتضت في البدء تسوية سلمية مع الامريكان وان الجيش في تكريت والانبار والموصل استسلم للامريكان دون معركة كما سلم المشايخ والوجهاء في هذه المناطق مناطقهم للمحتل الامريكي طوعاوان "الكفاح" اشتعل بعد ان تصرفت امريكا " بطائفية بغيضة" ، اما مناطق الجنوب العراقي فترى انها لم تخسر في حقيقة الامر سوى اغلالها وعبوديتها وانها ستربح المستقبل
او على الاقل علاقة سويّة بالوطن وثرواته كما ان اي عدو لايمكن ان يكون بمثل همجية ووحشية نظام صدام بالنسبة لها، ويرى الاكراد انهم تحرروا حقا من مخاوف جسيمة كانت تتهددهم وانهم بدأوا اخيرا يرون امكانية تحقيق ذاتهم و التماس انتماء ودي وحقيقي لوطن يحبهم ويحبونه .لقد رأى السنه في حل الجيش واجهزة القمع كارثة وطنية اما الشيعه فقد راوا فيه خلاصا من اغلالهم واستعبادهم في حين عبر الاكراد عن فرح اكيد فقد تخلصوا من اداة تهديد ورعب وهكذا نرى ضحالة الفهم والتحليل القائم على كلائش جاهزة وافكار مسبقة دون النظر الى الدوافع الحقيقية خلف كل سلوك وموقف.
ثم لماذا تميز الصراع السياسي في العراق باستمرار بطابعه العنيف والدامي فمقارنة بسيطة مع المحيط العربي والاقليمي ترينا هذه الحقيقة على نحو ساطع وجلي، وحتىفي الاوقات التي حكمت فيها العراق وبعض الدول العربية ا نظمة متشابهة او ذات اسس ومنطلقات فكرية وسياسية واحدة وممارسات واساليب متشابهة فانه كان ثمة فرق واضح في مدى ودرجة استخدام العنف واساليبه بالنسبة للعراق هل يعود ذلك الىطبيعة الشخصية العراقية كما يقول البعض ؟ هل يرجع الى اسباب بيئية او تاريخية او لعنة ما كما يحلو لاخرين ان يروا. ان الملاحظ بالنسبة لهذا العنف انه كان على الدوام عنفا منظما يصدر عن السلطة باتجاه المواطن او في حمى صراع من اجل السلطة ولم يميز علاقة السكان كمجموعات او اثنيات ببعضها البعض،طبعا ، ولكن تميز ضحايا هذا العنف بانهم كانوا في الاغلب الاعم من فئات معينه من العراقيين!! وقد حدد ت هذه الدرجة من العنف طبيعة ردة الفعل التي خرجت هي الاخرى عن حدودالمألوف والمفهوم، وعندما يحاكم البعض من الوطنيين والقوميين والمثقفين اليساريين العرب بصدق واخلاص، وقائع الامس واليوم لايستطيعون فهم او هضم المواقف والوقائع العراقية ، ولديهم بعض الحق ولهم العذر في ذلك ، فلا احد يفهم كيف يرجو من تميز بالمواقف الوطنية الصادقة خلاصا على يد الاجانب ، ولا من افنى سنوات عمره في الكفاح ضد "الامبريالية" كيف يداري فرحا خفيا بسقوط بغدادتحت سرفات الدبابات الامريكية. وعبثا الحديث عن الظلم والدكتاتورية والمقابر الجماعية فهذه امور لم تفهم اصلا من بعض قطاعات الشعب العراقي نفسه ، والسر في الامر ان هذه القطاعات لم تعاني من مثل هذه الفضائع والجرائم ، اما لانها كانت تقف بعيدا على التل او لانها مستفيدة او لانها تملك نوعا من الحصانة او لانها كانت هي ذاتها تمارس هذه الفضائع!!والسر في كل ذلك ان ثمة امتان عراقيتان ، امة الفقراء والمحرومين وامة الحاكمين والمتنعمين! امة من لايملكون حطاما من هذا الوطن الغني ولم يعرفوا منه سوى الموت والعبودية والجوع ، وامة المالكين اللذين رفلوا في عزه وتنعموا بثرائه ! امة الجنود والاسرى والمفقودين ومجدوعي الانوف ومقطوعي الاذان وموسومي الجباه بالحديد والنار وامة الضباط والامراء والقادة حاصدي اوسمة الانتصارات الوهمية والغارقين في ترف الامتيازات!
ترى هل تماهى هذا الانقسام الطبقي بالانقسام الطائفي واصبحا وجهين لعملة واحدة ، تدريجيا في البدء ثم بصورة واضحة ، بينة ، جلية فيما بعد ، مما سنتناول اسسه واصوله لاحقا، واتخذ الدفاع عن الاستعباد المهدد والقتال في سبيل الحضوة الغاربة طابع العمل الطائفي او الدفاع عن الطائفة؟؟
لماذا يلاحظ كذلك ، وينطوي على دلالة اخرى، ان الفئات الحاكمة وخصوصا خلال الاربعين عاما الاخيرة احتفظت بموقف معادي لايران باستمرار ، وكان التعبير عن هذا الموقف ياخذ صيغة العنصرية فهو عداء مع" العجم" وليس مع نظام سياسي او اجتماعي معين ؟ قد يكون هذا الموقف مفهموما من انظمة قومية ترى في ايران تهديدا لوحدة وسيادة العراق العربي باعتبارها كانت باستمرار ، تاريخيا ، احد طرفي النزاع والصراع الذي كان موضوعه وساحته ، العراق ، لكن الامر غير المفهوم اطلاقا ، هوالموقف الثابت ايضا ، من طرف النزاع والخطر الاخر ، اعني تركيا فقد احتفظ باستمرار لتركيا بموقف ينطوي على الوّد ومهما كانت مواقفها اتجاه العراق! وكانت اللهجة بازاءها دائما تصالحية والعجيب ان قواتها اجتاحت مرات عديدة شمال العراق وخرقت سيادته بصورة فاضحة فتوغلت عشرات الكيلو مترات واقامت نقاط السيطرة والتفتيش والقت القبض على من تريد دون ان تنبس اعتى الحكومات دفاعا عن" الحق والشرف القومي" ببنت شفة وكأن الامر لايعنيها او اصدرت بيانات تنطوي على شيء من الاستنكار وكأنها طرف ثالث لا علاقة له بالامر ! (1) هذا ناهيك عن علاقات تركيا الستراتيجية والتحالفية المعلنة مع اسرائيل " العدو اللدود". ماهو التفسير المقبول لهذه الحالة ؟ بل ان تدخلا غير مقبول بكل المقاييس وهو اعلانها المستمر عن ابوتها لتركمان العراق ووصايتها عليهم والتصرف ازاء كركوك وهي المحافظة العراقية التي يسكنون وكأنها موضوع غير محسوم مع تركيا ، كان هو الاخر يحضى بالتفهم او السكوت او العتب في اقصى الحالات؟ كما لم يُخّونْ بعض التركمان ، بناءا على ذلك ، او ينتقص من وطنيتهم ، في حين ذبح فقراء التركمان شر ذبحة وطعن في انتماءهم ! لماذا كان يجب ان تمثل ايران تهديدامستمرا، اخطر حتى من التهديد الاسرائيلي، وان تكون تهمة مستمرة باتجاه العرب الشيعة يغمزون بها عند كل صراع او جدال في حين لم نر احدا يغمز بالانتماء الى تركيا اوكونه تركيا رغم ان الكثيرين من ادعياء القومية والعروبةبل وقادة حركتها بالامس واليوم هم اتراك نسبا وانتماءا!!(2) .
ان الوقائع اشياء عنيدة ، كما يقول المثل، وماقدمناه هو غيض من فيض يمكن ان يستقريء من يريد العشرات والمئات من الامثلة والوقائع التي لم نوردها هنا ، لكن السؤال الاهم هو ما دلالة او مغزى كل ذلك ، هل نريد ان نثبت ان النظام المباد كان نظاما طائفيا ؟ ان ذلك يعد امرا مفروغا منه بالنسبة لكثيرين كما انه حتى لو اصبح في حكم البديهي بالنسبة للجميع فان النظام المنهار قد ولى الى غير رجعة ويتعين علينا التصدي للبناء ولازالة اثاره المخربة على كل صعيد . ام نريد ان نقول ان الطائفية كانت موجودة قبل النظام وانها شكلت باستمرار او على الاقل منذ تاسيس الكيان العراقي الحديث اسا ثابتا من اسس الممارسة السياسيةبالنسبة للسلطة والدولة على الاقل ، الامر الذي سيجر حتما الى تعزيز مشاعر الكراهية والانقسام واثارة العداء غير العقلاني بين ابناء الوطن الواحد والارومة الواحدة ويكون موقفنا في هذه الحالة لايفضل موقف التعمية والتجاهل الذي نقدناه في البداية ان لم يكن اسؤ منه ، اذن مالذي نبغيه تحديدا؟ اننا نقرأ في الاعمال الاجرامية الحالية ذات الطابع الطائفي وما سبقها من مواقف ووقائع تختلف كثيرا او قليلا، طوال عقود من السنين مغزى واحدا او على الاقل مغزى رئيسيا هو المغزى الطبقي ، وان الامر في جانب كبير منه يعكس نزاعا على الملكية والثروة العامةبين فئات اجتماعية محددة ولصالحها تسعى جاهدة لاضرام حرب بين فقراء الوطن لن يجني منها المكاسب المعفرة بالدم والدموع الاّ هي و سيضار منها الوطن والمواطن ، سواءا كان في العمارة او الموصل، الشعلة او الاعظمية ، ولايعنيه، هذا النزاع، في حقيقة الامرلا اختلاف الاحكام الفقهية او اشكال اداء الطقوس ولا الشعارات المعلنة من شعارات الوحدة والعروبة القديمة حتى دعاوى المقاومةوالتحرير الحالية .
(....يتبع)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كان الاستنكار الليبي للاجتياح التركي لشمال العراق اشد نبرة من البيان العراقي!!
(2) في التعليم الرسمي والثقافة السائدة ، كان يلاحظ باستمرار ،ان الشخصيات التاريخية المؤثرة والبارزة في التاريخ العربي الاسلامي تعامل وفق هويتها الطائفية ، فتبرز وتعظم حتى لو كانت غير عربية اذا كانت تنتمي الى الطائفة السائدة ، ويتم تجاهلها بل والقاء ظلال الشك والريبة عليها حتى لو كانت عربية ، اذا انتمت للطائفة المسودة ، ومن المضحكات المبكيات ان امانة بغداد ايام صدام مثلا،احتفلت مرة، احتفالا مهيبا، بيومها ويوم شاعرها" فضولي" الذي لم يعرفه او يسمع به احد وتبين انه تركي عاش في بغداد ايام العثمانين لايعرف من العربية حرفا وكانت قصائده في بغداد باللغة التركية !.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 154-Al-Baqarah


.. استقالة أول موظفة يهودية من إدارة بايدن -بسبب سياسة واشنطن م




.. المفكر د. يوسف زيدان: اجتماعاتنا في -تكوين- علنية وبيتم تصوي


.. المفكر د. يوسف زيدان: اتكلمنا عن أشكال التدين المغلوط .. وه




.. دار الإفتاء في طرابلس تدعو ل-قتال- القوات الروسية في البلاد