الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلتي مع العمل بين بغداد وسدني

علاء مهدي
(Ala Mahdi)

2013 / 12 / 12
المجتمع المدني


رحلتي مع العمل بين بغداد وسدني

في الثلاثين من حزيران 1971 كنت على موعد مع نقطة تحول في حياتي حيث أحتفلت وآلاف الطلبة من خريجي الكليات المختلفة في جامعة بغداد، الجامعة التي كان لها شأن في تلك السنوات بتخرجنا. يومها كانت الجامعة تعد إحتفالاً مهيبا في ملعب الشعب يحضره رئيس الجمهورية والوزراء ورؤساء الجامعات وأساتذتها وأهالي الطلبة المتخرجين ، يستعرض فيه الطلبة المتخرجون من الكليات المتخصصة كل عام.
بعد أسبوعين من ذلك، زرت صديقا لي في مكان عمله كان قد تخرج قبلي بعام واحد ، اخبرني بان الشركة الحكومية التجارية التي يعمل فيها بحاجة لمحاسبين من الخريجين الجدد وأكد لي بأن وظيفتي مضمونة. في البداية رفضت الفكرة حيث كنت بحاجة لبعض الراحة من دراسة أستمرت لمدة ثلاثة عشر عاماً. كنت أطمح بقضاء إجازة طويلة بعض الشئ مخططاً لمرحلة أخرى مهمة تعتبر نقطة تحول جوهرية في حياتي، الزواج.
كتب صديقي نيابة عني طلباً للتعيين كنا نسميه عريضة ، ألصق عليه طابعاً ماليا أخرجه من درج مكتبه ، وطلب إلي مني أن أوقع عليه ، وأن أتبعه في ممرات الشركة . . . . دخل غرفة صغيرة كان فيها طاولة عليها اوراق ودفاتر وسجلات وكرسيان للضيوف ورجل كبير العمر بنظارات سميكة، وبيده اليسرى سيكاره يمتص دخانها بلهفة وشغف وكأنه يمضغها. قال لي بحدة : أجلس. فجلست. ماذا تعرف؟ سألني. قلت: لاشي. بحث عن قلمه بين الأوراق المتكدسة على طاولته وحين وجده ، ترك سيكارته بين شفتيه يحركها يمينا وشمالاً ورايته يكتب على الطلب: موافق على التعيين. قلت له: لكنني أخبرتك بأنني لا أعرف شيئاً. قال: هذا ماكنت أتوقعه منك. لا أريدك أن تعرف شيئاً ، ستتعلم منا كل شئ.
أخبرني بأن مباشرتي العمل ستكون في الخامس والعشرين من شهر تموز. تركته وأنا في حيرة من أمري. لم أكن أنوي الحصول على وظيفة. كان عدد المحاسبين المتخرجين في ذلك العام من جامعة بغداد مائة وثمانين محاسباً فقط في حين أن الطلب الحكومي لوحده على المحاسبين كان بحدود ثلاثة آلاف محاسب! الوظيفة مضمونة بكل الأحوال ، كان علي أن أتخذ قرارا مصيريا وحياتياً بصورة سريعة قبل أن ارتبط بالعمل. فعلاً ، قررت الزواج وتمتعت بشهر عسل لم يتعد الأربعة أيام فقط قبل أن أباشر في وظيفتي الأولى.
كانت وظيفتي الأولى بعنوان معاون محاسب، ثم رقيت إلى محاسب بدرجة أعلى وبقرار من مجلس إدارة الشركة اعتمادا على الكفاءة المهنية ، ثم مديرا للحسابات بدرجة أعلى أيضاً، بعدها وقع علي الاختيار لأن أكون مديرا لفروع الشركة الداخلية ثم كل الفروع. وقد تضمنت هذه الفترة مهمات وظيفية متعددة في مجال الـتأمين والتدقيق والحسابات المالية والتسويق ومهمات أخرى في العديد من الشركات التجارية الحكومية طوال أحد عشر عاما، وقد شكلت تلك الفترة الأساس الفعلي لخبرتي العملية والمهنية في المجالات التي ذكرتها بنفس الوقت كانت الفترة الأهم من حياتي العملية.
وبعد هذه المرحلة الوظيفية الحافلة، بدأت مرحلة أخرى، وهي مرحلة جديدة لم نكن متعودين عليها نحن معشر العراقيين، إلا وهي مرحلة الهجرة. كانت محطتي الأولى في هذه المرحلة هي الكويت التي لم تصادفني فيها أية صعوبة من جهة إيجاد عمل أكثر من مناسب من النواحي المهنية والمالية والحياتية. لقد أمضيت هناك سنتين من العمل المكثف والجاد تحت ظل ضغط نفسي سيئ ومتشدد بسبب من إستمرار الحرب العراقية الإيرانية التي كنا نسمع مدافعها في الكويت بكل وضوح. كانت العلاقة بين العراق والكويت أكثر من شاذه يشوبها الحذر الكويتي من التهديدات العراقية . . العراقيون في الكويت تعرضوا لضغوطات نفسية كثيرة من قبل سفارة النظام والسلطات الكويتية في آن واحد وكان لابد من مغادرة تلك المنطقة الساخنة قبل ان تنفجر. . . إذن الخلاص هو ان نتجه نحو الغرب وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية!
عامان آخران يمران دون ان أحصل على عمل في مجال أختصاصي. الحياة سريعة ومرتبكة، نتأثر بالثلوج والصقيع فنهرب من أقصى الشرق إلى أقصى نقطة في الغرب الأمريكي. وفي يوم شتائي مشمس أتصلت بي القنصلية الأسترالية في لوس أنجلس لتقول لي: أهلاً بكم في وطنكم الجديد، أستراليا. نحن بانتظاركم.
نزلنا مطار سدني في يوم عيد أستراليا الوطني. بعد أسبوعين وجدت عملاً في مجال أختصاصي. ثمانية وعشرون عاما من العمل الجاد في أربع شركات إعلامية لازلت أتذكر كل لحظة منها. في تلك السنوات الطويلة تعلمت الكثير من الخبرات في مجالات عملية عديدة وتأقلمت مع طبيعة الحياة العملية الأسترالية فكونت علاقات وصداقات ثمينة مبنية على حسن التعامل والإحترام المتبادل بعيداً عن التعصبات القبلية والطائفية والمذهبية والسياسية، وبعيدأ عن وسائل النفاق الإجتماعي والحسد والغيرة والذميمة.
عملت مع أناس يملكون الكثير من المال والأملاك لكنهم لازالوا يعملون إيماناً بأن العمل واجب وبأنه جزء من حياتهم. لم أسمعهم يتفاخرون بما يملكون وبقدراتهم المالية والشرائية كما يفعل البعض. عملت مع آخرين كانوا من المتدينين جداً لكنهم كانوا حريصين على أن لا أتحسس ذلك حفاظاً على مشاعري! لم يتهموني بالكفر والزندقة مثلاً ولم يحاولوا سرقتي لأنني كافر حسب بعض المفاهيم التي يمارسها البعض. الصراحة في العلاقات هي أساس ومبدأ لايحيدون عنه ، لذلك هم متميزون في سمو الخلق والأخلاق. لايعرفون سبيلاً للمؤمرات والتخطيط لها ، ربما لايهمهم أن تكون علاقتهم بك مبنية على مبدأ المشاركة في الزاد والطعام لكنهم حريصون على عدم النفاق في حين نرى أنه عادة متفشية في مجتمعاتنا بغض النظر عن المستوى التعليمي للمنافق ومدى تقدمه بالعمر مثلاً.
نعم ، بعد واحد وأربعين عاماً من العمل قررت أن . . أتقاعد. ربما سأتفرغ للنشاط الإجتماعي والسياسي وربما سأمارس هواية الكتابة بصورة أوسع. أخطط لسفرات داخل أستراليا وخارجها ربما لمرة واحدة في كل عام وبما يتناسب مع مستوى المعيشة الجديد وليس أسبوعيا كما يدعي البعض !.
-;---;---;---;---;---;--








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس توافق على مقترح الهدنة المصري القطري.. وقف إطـ ـلاق الن


.. العالم الليلة | المسمار الأخير في نعش استعادة الأسرى.. أصوات




.. شبكات | طرد جندي إسرائيلي شارك في حرب غزة من اعتصام تضامني ب


.. مع مطالبات الجيش الإسرائيلي سكاناً في رفح بالتوجه إليها. منط




.. لبنان: موجة -عنصرية- ضد اللاجئين السوريين • فرانس 24