الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفيون الأعجاز العلمي : رتقا

أمير البياتي
(Ameer Albayaty)

2013 / 12 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كنت قد تطرقت في مقال سابق من هذا المنبر الحر الى موضوع الاعجاز العلمي في القرآن لكن لم أتطرق الى تفاصيل هذا الأعجاز وجهت نقدي الى طريقة تعاطي المسلمين له وتقبله دون معرفة وشرحت الدوافع النفسية التي تجعلهم يتقبلون كل ما يسرد بخصوص الأعجاز العلمي, وكنت قد ذكرت في نهاية المقالة أني لست ضد فكرة الأعجاز العلمي لكني ضد التسليم المطلق بكل ما يقول دعاة الأعجاز مما تسبب في أتهامي بأني مروج لهذا الأعجاز وموافق عليه و أتهمني البعض بأني أول من يتعاطى هذا الأفيون ويروج له, في الحقيقة كل هذه الاتهامات باطلة, فأنا لم أناقش الاعجاز العلمي بتفاصيله ومواضعه لأنكره بلا دليل لكني تعرضت الى ردود أفعال المسلمين وأسباب تسليمهم بكل ما يقال في هذا المجال وكأنه الحقيقة المطلقة التي لا نقاش فيها, كوني قد قلت أني لست ضد فكرة الاعجاز العلمي بحد ذاتها لا يعني أني مقتنع بها بل يعني أنها ليست محل نقاش في الوقت الحالي, لكن عندما أرفض طرحا معيننا لا بد من مناقشته وتقديم أدلة النفي.
سعي المسلمين دوما لأثبات الاعجاز العلمي في القرآن ينم عن شكوك متواصلة في حقيقة هذا الكتاب ومصدره, فتراهم يسعون دائما لأخذ أمضاءة العلم عليه فلماذا يا ترى ؟ لا أجد تفسيرا سوى أنهم أنفسهم غير مقتنعين بهذا الكتاب ومصدره فلو تعاملوا معه ككتاب دين ليس له أي علاقة بالعلم لارتاحوا وأراحونا, لكن المشكلة تكمن في أن هذا الكتاب لم يترك صغيرة ولا كبيرة لم يتطرق اليها من معلومات كونيه الى تفاصيل الخلق الى مراحل تطور الجنين الخ ...الخ .
وبتطور العلم وتبيان الكثير من الأمور التي كانت مبهمة أصبح الدين في حيرة أما أنه يثبت عجزه أمام العلم أو يدعي بأعجازه للعلم. بالطبع الاعتراف بالخيار الأول غير ممكن من قبل رجال الدين لأنه يهدم الدين فاختاروا الخيار الثاني وهو الأعجاز العلمي, أو بالأحرى التطفل على العلم فكل نظرية يتم تقديمها مدعمة بالأدلة والبراهين يبدأ دور الإعجازيين في البحث عما يشير اليها في القرآن ضاربين بعرض الحائط كل التفاسير القديمة التي جاءت في شرح تلك الآيات. ومنها الآية الأتية :
(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ-;- وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ-;- أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ) الأنبياء 30
يدعي الكثير من المسلمون وعلى رأسهم دعاة الاعجاز ان في هذه الآية اشارة واضحة لنظرية الانفجار الكبير التي تفسر نشوء الكون . قد يبدو لمن هو مطلع على النظرية أن هذا كلام صحيح فرتقا التي وردت في الآية تشير الى الوحدة المادية الأولى التي بدأ بها الانفجار وهي السينكولارتي (singularity) . لنرجع الى تعريف الرتق في اللغة العربية التي جاء بها القرآن الرتق هو عكس الفتق كما في تكملة الآية (ففتقناهما). فجاءت التفاسير القديمة على أن السموات والارض كانتا ملتصقتين ففتقهم الله في بداية الخلق وجعل بينهما الهواء . وذهب البعض الى أنهما كانتا رتقا أي أن السماء لا تمطر والأرض لا تنبت ثم فتقهما الله وجعل من الماء كل شيء حي .
http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?flag=1&bk_no=49&surano=21&ayano=30
قبل أن أكمل فكرتي أحب التذكير بأن الديانات الإبراهيمية الثلاث اليهودية والمسيحية والاسلام يفترض بها أن تكون من نفس المصدر ويدلل على ذلك التوافق الكبير بين مضموناتها, وهذا ما يذكرني بمقولة الدكتور طه باقر في كتابه ( مقدمة في تأريخ الحضارات القديمة ) ( ومما يُقال عن بقاء اليهود في بلاد بابل – بعد السبي البابلي الثاني والذي تم فيه تدمير أورشليم ودك معالم هيكل سليمان – وما تركهُ من تأثيرات كبيرة في الديانة العبرانية وفي تطور معتقداتها الأساسية بحيث يصح القول ان هذه الديانة بوصفها ديانة مُوحِدة مع نضج فكرة الوحدانية فيها ، إنما نمت في أثناء بقاء اليهود في بلاد بابل ، كما بدأ فيها جمع أسفار التوراة وتدوينها ما بين القرنين الخامس والسادس ق.م ، ودُوِنَ التلمود البابلي الشهير في القرنين الخامس والسادس الميلاديين ، هذا بالإضافة إلى ما أخذهُ اليهود من آداب حضارة وادي الرافدين ومعارفها وأساطيرها وقصصها).
هنا أشارة تأريخية واضحة الى أن اليهود اقتبسوا الكثير من أفكارهم ومعتقداتهم من البابليين بعد السبي اثناء بقاءهم في بابل ومن ضمن ما أخذوه من البابليين هو أسطورة الخلق البابلية ( إينوما إيليش ) والتي تصب فحواها في أنه في البدء كانت الإلهة (نمو) لوحدها ، وهي المياه الأولى التي إنبثق منها كل شيء ، ثم أنجبت ولداً ذكراً (آن) إله السماء ، وأنثى (كي) آلِهة الأرض ، وكانا ملتصقين ببعضهما وغير منفصلين عن أمهما نمو ، وحدث آن تزوج (أن) من أخته (كي) وأنجبا إله الهواء (أنليل) والذي بقوته الجسدية حرر إلتصاق أمه وأبوه عن بعضهما فصار ابوه السماء وأمه صارت الأرض ، ثم أنجب أنليل (نانا) إله القمر ، والذي بدوره أنجب (أوتو) إله الشمس.
فلما لا يمكن ان تكون هذه الاسطورة هي الأصل وخصوصا أنها جاءت قبل القرآن بحوالي ألفين عام وكل الأدلة تشير الى أن اليهود هم من أقتبسوا هذه الاسطورة ونقلوها لتراثهم ومن ثم انتقلت الى الاسلام لكن بصورة مختصرة ومما يؤكد كلامي هو ما ورد في القرآن : ( وَهُوَ الذِي خَلقَ السماوات وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلى المَاء) سورة هود (7) أي أن القرآن يقر بأن الماء كان موجودا قبل كل شيء كما في الاسطورة البابلية والحديث النبوي أيضا يؤكد هذه الفكرة : ( كَانَ اللهُ وَلمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلهُ ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلى المَاءِ ، ثُمَّ خَلقَ السماوات وَالأرْض ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُل شَيْءٍ ).
فلماذا مطلوب مني أن أصدق ما قاله دعاة الاعجاز العلمي بخصوص الرتق ولا أصدق الأصول التاريخية التي تطرقت لفكرة الخلق؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كلام في الصميم
فهد لعنزي ـ السعودية ( 2013 / 12 / 15 - 03:43 )
صحيح ما قلت بان الدافع على تثيث المسلمين بالاعجاز العلمي في القرآن ـ ولا سيما المتنطعين منهم ـ هو دليل تشكيكهم في مصدره لان ليس هناك ما يثبت يقينا ان ما حواه هذا الكتاب الذي بين ايدينا هو وحي من عند الله او انه اتانا بدون حدف واضافات مع فقد النسخة الاصلية.لا يخفى على احد ان المسلمين انفسهم ـ سنة وشيعة ـ كانت لهم صولات وجولات حول سلامته من التحريف وكتب الفريقين تشهد على ذالك. لا شك ان المسلمين اتفقوا على ان لا يتفقوا حتى في اتفه الامور الا انه تحاشيا للانتقادات العلمية الموجهة للقرآن اصبح القرآن في شكله الحالي موضع اتفاق واصبح لي معاني الآيات وحرفها عن مقاصدها سمة بارزة ومما ساعد على ذالك هو مطاطية اللغة العربية ولا سيما لغة القرآن.وتاكيدا على من نقول يقول الشيخ محمد جواد معتية في كتابه الكاشف:اذا اثبت العلم شيئا ما مخالف للقرآن فعلينا ان نؤول الآية بما يتطابق مع القرآن لانه كتاب منزل من الله والله لا يخطأ.لكن للانصاف ان هناك علماء لا يرون اعجازا علميا في القرآن بل ان القرآن هو كتاب هداية فقط.اما ما ذكرت عن كثرة المواقع للاعجاز العلمي يعود للحكمة القائلة:ان الطبل الفارغ هو اكثر صوتا

اخر الافلام

.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي


.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ




.. المسيحيون الأرثوذوكس يحيون عيد الفصح وسط احتفالات طغت عليها


.. فتوى تثير الجدل حول استخدام بصمة المتوفى لفتح هاتفه النقال




.. المسيحيون الأرثوذكس يحتفلون بعيد الفصح في غزة