الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخروج من العاطفة الأنانية نحو العاطفة الإنسانية

حمودة إسماعيلي

2013 / 12 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


وأنت بالشارع، قد ترى شخصا دهسته سيارة فتسرع نحوه للتقصي حول الأمر أو تقديم يد المساعدة إن أمكن، ودون ذلك فإنك تشفق على حاله (بهذا الموقف). لكن ماذا لو أن ذلك الشخص الذي رأيته كان والدك أو والدتك أو ابنك أو أخاك ؟ فطبعا لن تتركه وستبدل كل جهدك حتى يتلقى الإسعافات بأقصى سرعة.
قد تجن امرأة أو تظل حزينة على طفلها إن مات (طوال حياتها)، لكن إن سمعِت أن باصا للمدرسة انقلب من فوق قنطرة وغرق جميع من كانوا فيه من أطفال، فإنها ستأسف وتنزعج من الخبر.

ما نود توضيحه هنا هو أن البشر طوّروا عاطفة إنسانية نحو بعضهم البعض، غير أنها عاطفة مقننة ومحدودة فقط بأشخاص معينين يربطهم الإنسان حوله ـ هم فقط من يستحقونها ـ أما البقية فما يربطه بها هو "نسبة" من تلك العاطفة "كحس اجتماعي اخلاقي" لاغير.

عندما تتعرض مجموعة من البشر لهجوم عدواني سواء تفجير لمكان محدد أو قصف مدفعي أو أي نوع من أنواع الأذى (أو الكوارث). فإن من يسمع الخبر قد يتألم لحالهم ويأسف لما تعرضوا له، لكن لو كان من بينهم أحد أفراد عائلته أو صديق(ة) عزيز(ة) فإنه لن يتوقف عند ذلك، بل تجده يطالب بالتحري عن من سببوا لهم الأذى (بواجب معاقبتهم)، ويتدخل بتقديم يد المساعدة سواء للضحايا، أو حتى بمعلومات قد تفيد بكشف أسباب الحادثة ـ أو المسبّبين ـ ، أو التظاهر ضد ذلك أو المطالبة بتعويض الضحايا.

إن غالبية الأطباء وذوي الحس الإنساني يهرعون لتقديم المساعدة للإنسان بغض النظر عن أي علاقة قد تجمعهم به. ولو كان غالبية الناس يتصرفون كذلك (بدل الوقوف والتفرج كأنهم بالمسرح) لتم إنقاذ العديد من الناس. بل الأسوأ أنهم يزيدون الطينة بلة بتجمعاتهم التي قد تؤذي المصاب أو تعطل عملية تقديم المساعدة. وبالحديث أيضا عن نوعية من المستخدمين بالجهاز الأمني والطبي (الإسعافات) من يتصرفون بلا مبالاة أو برود تجاه مثل هذه المواقف، ويتحولون لإلكتورنات تنتقل بسرعة الضوء لو كان المصاب من أفراد العائلة أو من الشخصيات الوازنة بالدولة. ببعض الدول المتقدمة تحضر الهيليكوبتر لأجل قطة، وبالمتخلفة لا تحضر إلا إن كان المصاب وزيرا أو رئيسا للدولة. بالولايات المتحدة تم تأخير إقلاع طائرة مرة لأجل انتظار مجموعة من السلاحف تنتقل من مكان إلى مكان فقط لأنها تمر أمام مسار إقلاع تلك الطائرة، واشتهر إطفائي أمريكي بسبب صورة جمعته بكلبة أنقذها من منزل محترق .. وتجد أحيانا ببعض المناطق أن الإنسان ـ المصاب أو المحتاج ـ لا يجد معاملة كالتي تعامل بها الحيوانات بمناطق أخرى.

الأقارب والمعارف والأصدقاء يربطهم الإنسان به فيطوّر عاطفته نحوهم كامتداد "له"، فإن تعرض أحدهم للأذى أو للإهانة فيشعر كأنما تعرض لها "هو" أيضا، لكن بالنسبة للباقين من الناس فإن العاطفة لم تمتد لكل تلك المسافة (حتى تطالهم بنفس الدرجة الانفعالية)، فلا يُشعَر باتجهاهم بأكثر من التعاطف الرمزي أي لا يرغب بأن يكون هو أو أحد (المربوطين/المرتبطين عاطفيا به) بموقف شبيه أو يتعرضوا له، رغم أن نيلسون مانديلا يؤكد أنه : "ليس إنساناً من يُهان أمامه إنسان، ثم لايشعر هو بالإهانة ".

عندما تقدم يد العون والمساعدة لإنسان كإنسان يتطلب ذلك، ستجد من يعاملك بالمثل (بموقف يتطلب مساعدة) لاشيء سوى لأنك كإنسان يجب أن يتلقى المعاملة إنسانية ـ دون الانحصار على علاقات الدم أو النسب، أو الارتباطات الجغرافية أو الوطنية، أو الانتماء العقائدي والديني ـ ولا نشير بمصطلح العاطفة الإنسانية إلى أنها محصورة بين البشر، بل إنها تمتد لتشمل الكل، كعاطفة ممتدة نحو الكوكب والكائن الحي. لكن يظل إشكال يتعلق بمن لا يستحقون المساعدة أو العون، كالجاحدين أو من يردون الجميل والإحسان بالأذى، ساعتها سيُدرج هؤلاء بفئات المضطربين نفسيا أو المجانين ذهنيا.

العاطفة الإنسانية، هي مثلما لا يرغب شخص بأن يتعرض أطفاله وأقرباءه للأذى، يجب أن يفكر كذلك أن هناك أناس آخرين يتمنوّن نفس الشيء "ألا يطال الأذى أقربائهم". وليس أن يرفض أحدهم أن يطال الأذى أقرباءه وتجده يسوق حافلة ركاب أو باص أطفال وهو "سكران" مايعني احتمال التسبب لهم بأذى (حادثة) .. والأمثلة عن العاطفة الأنانية (الغير إنسانية) كثيرة. فهناك من يتسابقون بأماكن المرور والمصاعد والحافلات والمراكز التجارية ومختلف المؤسسات، مع المرضى والمسنين والمعاقين ومن يحمل أبناءه ومن يحمل أثقالا ومن لديه حالة طارئة يلزمه الإسراع الخ. دون الحديث عن المتسببين بالشغب والإزعاج واحتلال المِلك العمومي والفضاءات العامة لمصالحهم الشخصية الجشعة. لا يهتمون بالآخرين لأنهم لم يطوروا بعد عاطفة إنسانية، إلا إذا مسهم الأذى أو وجدوا انفسهم بمواقف منعكسة فإنهم يعبرون عن شكواهم وحنقهم ورفضهم التعرض لتلك المواقف.

عندما أخرج من عاطفتي الأنانية نحو عاطفة إنسانية، فكل ما يؤذيك أشعر بأنه يؤذيني. وعندما تهان أشعر أنا بالإهانة. ليس فقط لأنك من قبيلتي أو من نفس عقيدتي، بل فقط لأنك إنسان، لأنك أنا.

ساعد على قدر ما تقدر، والخير كما يقول النبي الفارسي زاردشت : متعة وليس واجبا.

شارك الآن برأيك أو توقيعك في "حملة الخروج من العاطفة الأنانية نحو العاطفة الإنسانية" من الموقع أو من خلال الفيسبوك ايضا على الرابط :

http://www.ehamalat.com/Ar/sign_petitions.aspx?pid=430








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الطريق للخروج من الأنانية نحو العاطفة الإنسانية
ليندا كبرييل ( 2013 / 12 / 17 - 04:20 )
يشدّني للقراءة فورا عنوان كالذي تصدّر مقالك المحترم
جاء في نهاية المقال دعوة القارئ إلى التوقيع على حملة(الخروج نحو العاطفة الإنسانية)
وأعتبرُ تعليقي هذا بمثابة التأييد للحملة
ولكن

أستاذنا ما أسهل التوقيع، وما أسهل النضال من خلف الشاشات، وما أسهل أن يحارب الإنسان قيم التخلف وهو جالس في مقعده وراء الكومبيوتر يتناول البسكويت مع القهوة ويؤيد فلانا ويقارع آخر

إن الخروج من العاطفة الأنانية نحو العاطفة الإنسانية بالتوقيع على الحملة درس نظري
من يقدِم على التوقيع هو إنسان استوعب الفكرة، ولكن لا يكفي الاستيعاب، علينا أن نتمثّل القيم بشكل واقعي لا بالعقل فحسب

التطوّع
التطوّع هو الطريق الأمثل لتأصيل الإنسانية في الضمير

ثقافتنا العربية تحث ظاهرياعلى التراحم والتعاضد، لكنها ثقافة تمييزية مقتصرة على فئة معينة من البشر

إن التطوع يقدم لي من رضى النفس والاستمتاع بمواصلة الآخرين ما أستطيع أن أحدثك عنه طويلا

ليس هذا فحسب بل إنه ينمّي في الداخل الشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع
وكلما زاد التعاضد الإنساني كلما ارتقت نظرة الإنسان لتعمير كون سليم عامر بمنطلقات تخدم أجيال الغد لمتابعة مسيرة الإنسان

تحية

اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا