الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اتجاهات الرأي.. والرؤية العراقية

وديع العبيدي

2013 / 12 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


وديع العبيدي
اتجاهات الرأي.. والرؤية العراقية
ثلاثة اتجاهات عامة تتوزع خريطة الرأي والاجتهادات العراقية ضمن محاولات فهم ما يجري وتحديد موقف أولي في خضم التغيرات السياسية والاجتماعية العنيفة في السنوات والعقود الأخيرة. هذه الاتجاهات الثلاثة كخطوط رئيسية عامة يمكن ان تساعد في العمل من اجل استنتاج رؤية عراقية عامة وأسس هذه الرؤية لتحسين العلاقة بالواقع وتدعيم قواعد التعامل مع اللحظة الراهنية..
اتجاه أول- العهد الملكي: مديح وثناء- مدنية وعمران
اتجاه ثانٍ- عهد صدام: ذمّ ونفور – حروب واضطهاد
اتجاه ثالث- اليسار والماركسية: تعاطف وفخر- تضحيات ومبادئ وطنية
هذه القناعات المتحصلة او الاتجاهات الثلاثة للرأي تعود الى ثلاثة فئات اجتماعية وثقافية، ينطلق كلّ منها من قاعدة بيانات أولية وظروف بيئية ذات ملامح معينة، تختلف في درجة تفاعلها من حيث التلقي والاستجابة من واحدة لأخرى.
ويمكن توصيف فئة الاتجاه الأول بثلاث جماعات..
- جماعة المعمرين الذي عاشوا جزء من حياتهم في ظل العهد الملكي، وتتأثر نظرتهم المتأخرة للملكية بظاهرة الحنين للماضي والطفولة والفردوس (بالمنظور النفسي الفرويدي)، ويتدعم هذا الاعتقاد بأن جانبا غير قليل من أنصار هذا الرأي لم يكونوا متعاطفين - سياسيا- مع العهد الملكي ورموزه وسياساته يومذاك.
- جماعة لم تعايش الملكية وانما استمعت من المعمرين عن بعض ملامحها ومنجزاتها، إضافة لما اطلعت عليه من خلال الكتب والبرامج، مما جعل مركز هواها يعود بالثناء لأيامها.
- تختلف الجماعة الثالثة عن سواها، بأنّ دافعها الرئيس لدخول هذه الفئة، ينطلق من قرفها بالحاضر والراهن وعدم انسجامه وتلبيته لتطلعاتها وحاجاتها. فاليأس والقنوط من الحاضر والمستقبل دافعها النفسي والفكري لرفض الحاضر واستبداله بحالة تاريخية.
هذا الاتجاه ومبلغ واقعيته العملية يبقى سؤالا مفتوحا، والعلاقة بالماضي عموما هي علاقة ذهنية نفسية قريبة من النوستالجيا التي تترسخ وتتعمق وتقوى مع تنامي رداءة الحاضر وتماديه في السوء. وفي الحالة العراقية لا تعتبر هذه الجماعة أو الفكرة (مسيّسة) ولا توجد جماعة أو جمعية سياسية أو مدنية تؤطر هذا الاتجاه وتدعمه ليكون أكثر جماهيرية وفعالية على الأرض.
أنصار الاتجاه الثاني يمثلون أكبر المجموعات، وذلك لقرب العهد به، وسعة تأثيره كنظام حاكم لفترة تتجاوز ربع القرن. ويلحظ ان نسبة العهد الى شخص رأس النظام الأخير بدلا من اعتباره باسم الحزب الحاكم- عهد البعث هو من باب التشنيع والتحقير الذي أخذ في الازدياد مع أواخر عمر النظام وشاع بعد زواله. ان خصم السنوات العشر الأولى من عهد البعث [1968- 1979] والنظر اليها على العموم [1968- 2003] باعتبارها حكما صداميا دكتاتوريا متوحشا، يتنافى مع السياق الاكاديمي والعلمي من أجل وضوح الرؤية وتفصيل الأحداث والمتغيرات، وبالتالي يعدم الرؤية الواقعية والموضوعية للفهم والمعاينة والمعالجة. ولا يخفى.. ثمة أكثر من جهة، محلية وخارجية، تعمل على خلط الأوراق والأحداث وتشويش الرؤى بشكل تضيع معه الحقائق الأساسية ودقائق التفاصيل المؤثرة في صناعة الواقع العراقي ماضيا وراهنا، وبشكل يزيد من حجم الارتباك والتشويش في الرؤية والشخصية العراقية.
ويمكن تصنيف الجماعات المنضوية في هذا الاتجاه تحت عناوين رئيسة..
- الجماعات المتضررة من النظام السابق ضررا ماديا ومعنويا، وهم الكرد، الشيوعيون، شيعة الجنوب.
- الجماعات الموالية والمستفيدة من النظام ولكنها تضررت منه بحكم التغيرات والظروف وعوامل الانشقاق أو الخيانة أو مشكوكية الولاء.
- جماعة الملكيين والمستقلين الذي تضررت مصالحهم الاقتصادية ومراكزهم الاجتماعية منذ بداية الجمهورية، واستمرت السياسات المتوالية في تهميشهم، وبالتالي تعطيل دورهم في الحياة والتنمية الاجتماعية والمدنية.
ان التأثير الاجتماعي والسياسي لهذه الفئة هو الأكبر على الأطلاق، بشكل يكاد يمثل الظاهرة الشعبية والجماهيرية الأكبر في المجتمع العراقي، وكان لها الأثر الأول في تدمير أركان النظام والتجييش ضدّه، بما فيه الدخول في التحالف الدولي الأمريكي للقضاء عليه عسكريا وسياسيا واعلاميا.
شكل الكرد عنصر الخلاف الأول مع نظام البعث في بداية السبعينيات على أثر عدم الاتفاق في مفاوضات الحكم الذاتي (1971)، وهو خلاف سياسي من حيث الأرضية. عادت الحركة الكردية في اثره لرفع السلاح ضد الحكومة. وخلال حرب الثمانينيات حصلت تجاذبات وعلاقات مصالح متبادلة انتهت بالانتفاضة الشعبية ضد النظام عقب حرب 1991 وقيام دولة كردية 1992 في ظل الحماية الأمريكية.
الشيوعيون هم الفئة الثانية المتضررة من النظام السابق، بعد انهيار تجربة الجبهة الوطنية عام 1978
وحظر العمل الشيوعي في العراق ومطاردة أعضائه أو اجبارهم على الانضمام في تنظيمات [صف وطني] سيئة الصيت.
الجماعة الثالثة المتضررة أو المتصادمة مع النظام السابق هم الشيعة، مع ضرورة التمييز بين الاحزاب الدينية والمتطرفين والناس العاديين. في 1977 اصدرت الحكومة العراقية قرارا بوقف مظاهر العنف والمبالغة في احتفال عاشوراء (العاشر من محرم المصادف مقتل الحسين بن علي عام 61هـ). ولكن جماعات معينة تحدت قرار الحكومة، فاستخدمت الأخيرة قواتها الأمنية لمعالجة الموضوع. وفي 1991 عقب حرب الخليج شارك الشيعة في انتفاضة شعبية انطلقت من جنوب العراق وبلغت آثارها جنوبي بغداد، تم خلالها طرد طاقم الحكومة وحصلت أحداث عنف وقتل وتدمير، ورفعت فيها صور مراجع دينية ايرانية، مما دفع القوات الأميركية للايعاز للحكومة العراقية استخدام قواتها للسيطرة على الأوضاع. فكان من جراء ذلك زيادة حجم الأضرار والمآسي واعتقال آلاف المواطنين في عملية تطهير شاملة امتدت لكل المدن والقصبات المشاركة في الانتفاضة، باستثناء المنطقة الكردية لشمولها بالحماية الأميركية.
هذه التصنيفات السياسية الثلاثة حصلت على دعم خاص، بظهور جماعات منشقة عن النظام من عسكر أو سياسيين أو عوائل قبلية معروفة. وقد انضمت غالبا لعمل المعارضة منذ التسعينيات، ولكن جرى تهميشها مجددا في المشهد السياسي، ولم يسنح لها بلعب دور مؤثر، وذلك بأثر الأسس الطائفية للحكم. هذه الفئة تمثل رصيدا سياسيا مؤجلا في حال أي تغيير أو انهيار مفاجئ للحكم الحالي، ويمكن لها كذلك أن تلعب دورا حقيقيا بارزا في المعارضة ومراقبة اداء الحكومي لوترفرت دمقراطية حقيقية وتراجعت حدة العنف والدكتاتورية التي يتجه لها الحكم الراهن.
وعلى خلاف أتباع الاتجاه الأول، تنتظم أتباع الاتجاه الثاني تنظيمات سياسية متعددة وبعضها تنظيمات مسلحة، لكل منها خطاب سياسي ايديولوجي خاص، وترفع شعارات حزبية قومية دينية معروفة، وتتمتع بقدرات تنظيمية ومالية وجماهيرية وعلاقات داخلية وخارجية توفر لها دعما ومقدرة على المناورة وعقد الصفقات والاتفاقات المحلية والاقليمية والدولية. وهذه الفئات الثلاثة هي السائدة في المشهد السياسي وبيدها مقاليد البلاد والأهلين.
أنصار الاتجاه الثالث يمثلون القسم الأعظم من الطبقة المثقفة في البلاد، ويتميزون عن سواهم بثلاث ركائز رئيسة: الوعي والوطنية والتفكير بالمستقبل. أتباع هذا الاتجاه على خلاف اتباع الأتجاه الأول، لا يرفضون الراهن السياسي ولكنهم يتعايشون معه، كمرحلة انتقالية للمستقبل. وعلى خلاف اتباع الاتجاه الثاني لا يعتبرون الراهن هدفا نهائيا لتحقيق أغراضهم، ولا يستثمرون المرحلة الراهنة لتحقيق مكاسب شخصية وفئوية، وينأون بأنفسهم عن مستويات الخلاف والاحتراب الداخلي [السياسي، القومي، الطائفي] منصرفين لخدمة التنظيم ونشر الوعي الوطني والثقافة العلمانية.
ويمكن تعيين ثلاثة جماعات تنتظم هذا الاتجاه اليساري أو الماركسي..
- الشيوعيون الأصليون من قواعد التنظيمات المتعاقبة في البلاد.
- المتعلمون والمثقفون والأدباء والأكادميون إضافة للمستقلين والوطنيين العراقيين.
- المتمردون الخارجون من التخندقات الطائفية والقومية والسياسية اليمينية.
الطابع العام لهذا الاتجاه أنه: الثقافي – الوطني- العلماني- الأكثر تحضرا ووعيا قياسا لغيره. وفي ظلّ التذبذب والنفعية التي تطبع الجماعات الأخرى، يمثل الاتجاه الثالث وضوحا واستقرارا أكثر. إزاء بعض التصورات التي تعتبر الحكم الطائفي والتمزق السياسي الراهن مجرد مرحلة انتقالية عقب الدكتاتورية، فأن دور الاتجاه الثالث وحظه في بناء المستقبل هو الأوفر.
حتى الآن تنفرد التنظيمات الشيوعية التقليدية والماركسية واليسارية والعمالية بالعمل السياسي والتنظيمي في هذا الاتجاه. ولم تظهر تنظيمات جماهيرية موازية للموجودة الآن، والتي هي في غالبها انشقاقات وتشظيات من العمل الشيوعي. ولكن المستقبل يبقى مفتوحا، على كلّ الاحتمالات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يسعى لتخطي صعوبات حملته الانتخابية بعد أدائه -الكارثي-


.. أوربان يجري محادثات مع بوتين بموسكو ندد بها واحتج عليها الات




.. القناةُ الثانيةَ عشْرةَ الإسرائيلية: أحد ضباط الوحدة 8200 أر


.. تعديلات حماس لتحريك المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي عبر الوسط




.. عبارات على جدران مركز ثقافي بريطاني في تونس تندد بالحرب الإس