الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة التعليم.. معضلتنا الأخلاقية وقضايانا الانسانية

ليلى مختار منو

2013 / 12 / 17
التربية والتعليم والبحث العلمي


أتذكر جيدا تلك اللقطة من ذلك الفيلم الأمريكي الذي لا أذكر عنوانه والذي شاهدته على الأرجح ايام دراستي الاعدادية.. حيث يجد البطل نفسه متورطا في جريمة خطف فتاة.. وعندما هاله منظر قوات الشرطة التي تطارده قال حائرا "كيف حدث أن تورطت في هذه الجريمة وقد كان أسوء ما اقترفته الى البارحة اني غششت في مادة العلوم؟ !" .. استوقفتني عبارته هاته التي لم استحسنها.. كيف يتوقع منا المخرج ان نصدق هذا الهراء؟! شاب في عمره سيكون على الأقل زنى مرات قبل ذلك اليوم مادام يعيش في مجتمع غربي والأمر متاح لهم بشكل ميسر.. لم أنتبه أنه لذات الأمر اي كونه امريكيا يعيش في مجتمع غربي والأمر متاح وشرعي (مادام الشخص غير متزوج) فانه يستحيل ان يحتسب الأمر ضمن جملة أخطائه وجرائره.. وطبقا لمبادئ وقيم مجتمعه، فكلامه يحتمل الصواب..

بالمقابل هل نتوقع من شاب مغربي أن يحتسب الغش في مادة ما مع جملة أخطائه وجرائره؟ هل تتضمن منظومة القيم والمبادئ التي تلقيناها منذ صغرنا ما يكفي لتنفيرنا من هذا السلوك؟ هل استطاعت ان تشكل لدينا ضميرا ينشط ويستيقظ عند اقترافنا لسلوك الغش في الدراسة (قس على ذلك الرشوة)؟

أنا شخصيا أقر باني لم أكن أشعر بالرضا الكلي عن أدائي في امتحان ما الا ان اكملت باكرا ومررت الأجوبة لمن يحتاجها ! ولم يكن يحول بيني وبين طلبها في الامتحان من أقراني الا الغرور لا الوازع الأخلاقي !!

كنت اتمنى لو انتبه وزير التربية الوطنية السابق وهو سعيد بابداعاته في خلق العقوبات التي حولت المترشحين لامتحانات البكالوريا الى متهمين، الى ان منظومة التعليم لا تحتاج الى عقوبات رادعة بقدر ما تحتاج الى اعادة هيكلة أساليب زرع القيم والمبادئ والأخلاق، وترسيخها..

في خطاب محمد السادس في ذكرى ثورة الملك والشعب والذي اتسم بطابع استثنائي لم يعهده منه المغاربة ركز على مشاكل قطاع التعليم بالمغرب والتي كان من اهمها اعتماد بعض البرامج والمناهج التعليمية، التي لا تتلاءم مع متطلبات سوق الشغل.. والاختلالات الناجمة عن تغيير لغة التدريس في المواد العلمية، من العربية في المستوى الابتدائي والثانوي، إلى بعض اللغات الأجنبية، في التخصصات التقنية والتعليم العالي. وهو ما يقتضي تأهيل التلميذ أو الطالب، على المستوى اللغوي، لتسهيل متابعته للتكوين الذي يتلقاه.. عدم استثمار الحكومة آنذاك للتراكمات الإيجابية في قطاع التربية والتكوين، باعتباره ورشا يمتد لعقود.. علما انه لا يمكن لكل حكومة ان تأتي بمخطط جديد كل خمس سنوات مادامت مدة انتدابها لا تسمح لها بتنفيذه كاملا.. ولم يفته ان يشير الى وضعية الأسر محدودة الدخل التي اضطرها الوضع المزري للتعليم العمومي الى تحمل التكاليف الباهظة لتسجيل ابنائها في التعليم الخصوصي...

لكن اذا اردنا القاء نظرة شمولية على قطاع التربية والتعليم تتجاوز المغرب الى الوطن العربي ككل سنجد أن ابرز مشاكله تتركز في اسلوب التلقين مما يؤدى إلى تشكيل عقول أشبه بمخازن للمعلومات بدل الاهتمام بتطوير قدرة الفرد على التفكير والتعبير والابداع.. افتقاد المدرسين للمستوى والتكوين المناسب لمواكبة الاصلاحات التي يمكن ان تقوم بها الحكومات في القطاع.. عدم التوافق بين مستوى الفرد ومعدلاته وشواهده مما يوحي باستهتار في تقييم الاداء الدراسي للطلاب.. تردي المرافق والبنية التحتية للتعليم العمومي.. تعزيز التعليم الطبقي مما يعزز عدم تكافؤ الفرص ويعيد إنتاج البنية الطبقية القائمة وتعزيز الفوارق بين مكوناتها...

مؤكد ونحن ننظر في مشاكل نظامنا التعليمي هاته، فاننا تلقائيا نستحضر النموذج الغربي "المثالي" الذي استطاع الاستجابة لمؤشرات التقدم التي تم الاصطلاح عليها دوليا.. لكننا نغفل انه في اطار غياب مؤشرات ومعايير تتعلق بحسن الخلق ومدى حضور الوازع الأخلاقي والشعور بالمسؤوليات الأخلاقية... فان استجابة النموذج الغربي لمؤشرات التقدم لا تجعل منه مثاليا.. وربما ارتفاع معدلات الجريمة واستمرار ثقافة العنف والكراهية... تعري مكامن النقص فيه..

ان اعطاء أولوية لعملية التعليم في مقابل تجاهل أهمية التربية، قد يؤدي الى تحقيق تقدم علمي وتكنولوجي ومعرفي كبير في مقابل انحطاط أخلاقي متسارع.. قد يكون كافيا أن نتهم النظم التعليمية القائمة حاليا فقط بالقصور في أداء دورها كمنهل للأخلاق والقيم.. لكن ان نحن فكرنا في نسب هذا الانحطاط لعملية التعليم نفسها هل ستكون مبالغة من طرفنا؟
معلوم أنه من بين الاشكاليات التي تعرضنا لها بشدة في زمن الثورات.. أن نرى مفكرين، كتاب، شعراء وحتى علماء... ينزلقون بشكل لاأخلاقي في أهم قضايا الأمة الانسانية ! ويبقى دائما السؤال "كيف يحدث ذلك؟"..

هنا تبرز مشكلة ربطنا البديهي الذي لا أساس له بين مدى علم الفرد ومدى استقامته.. ويزداد الأمر حدة عندما يتعلق الأمر بأحد علماء الدين.. جميعنا نحفظ أحاديث الرسول وحتى السلف في فضل العلماء ومكانتهم.. لكن ألا تلزمنا الأحداث الجارية بضرورة اعادة النظر في مفهوم "العالم" فان استمرينا على مفهومنا النمطي بربط لقب "العالم" بمدىالاطلاع والمعرفة والعلم بشؤون الدين ألن يحتم علينا ذلك وصف المستشرقين بـ"العلماء"؟؟

عودة الى التعليم.. فان وقوفنا على نماذج لأهل العلم والمعرفة تفتقر للوازع الأخلاقي والانساني، قد يحفزنا على تجاوز اتهام التعليم بالقصور الى اتهامه بالتسبب في مثل هذه الحالات، اذ ان بلوغ درجات عليا في العلم والمعرفة قد يؤدي الى شعور بالفوقية والى تضخم "الايجو" لدى الشخص.. مما يعني أن معرفة علمية في مقابل تدنٍّ في التنشئة الاخلاقية سيجعل الانسان اسيرا لرغبات الانا، وسيغيّب لديه مفهوم المسؤولية الأخلاقية اتجاه البشرية...

من المؤسف ان نجد وسط كل هذا من يعتقدون/يدّعون ان حل مشاكل التعليم يتمثل في الاستعانة باللهجات العامية في التدريس.. وكأنه ينقص هذه الأمة ما يشتت شملها ويقطع تلك الروابط القليلة التي مازالت تربط شعوبها..
وان كنت لا أرى لدعواهم أساسا، لكن وجب التنبيه ان ما يدّعونه من عدم فهم الأطفال للفصحى مما يحول بينهم وبين التحصيل العلمي يمكن التخلص منه باجراء بسيط.. ان يتوقف هؤلاء الأغبياء الذي يقومون بترجمة المواد المرئية الى اللهجات العامية لدولهم، عما يقترفونه !
فالمسلسلات المكسيكية بكل ما تتضمنه من فسوق وفجر كانت سبيلا مهما لتعليم عجائزنا الفصحى ! ومادامت الرسوم المتحركة تتحدث لغة عربية واحدة فلن يواجه الطفل في دراسته بالفصحى اي مشكل لغوي..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زيلينسكي: -معارك عنيفة- على -طول خط الجبهة- | #مراسلو_سكاي


.. استشهاد الصحفي بهاء عكاشة بقصف إسرائيلي استهدف منزله بمخيم ج




.. شهداء ومصابون جراء غارات إسرائيلية استهدفت مربعا سكنيا بمخيم


.. نشطاء يرفعون علم عملاق لفلسطين على أحد بنايات مدينة ليون الف




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تحقق مطالبها في أكثر من جامع