الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نشوء المسيحية: البيئة والخلفية التاريخية

صبري المقدسي

2013 / 12 / 18
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لا نجد ذكر كلمة (فلسطين) في الكتاب المقدس، ولكن ذكر الفلسطينيين يأت مرات عديدة، وأرض الكنعانيين يأت ذكرها أكثر من مائة مرة؛ بينما أرض اسرائيل، يأت ذكرها مرة واحدة فقط، وذلك في انجيل متى وحده.
ولقد كانت مساحة الارض التي يقال عنها اسرائيل واليهودية معاً، تبلغ 235 كيلومتر مربع، ولم تبلغ أكثر من هذه المساحة في أي يوم من الأيام. وتقاسمت تلك الأرض، الشعوب التي كانت تعيش في سلام ووئام تارة، وفي نزاع وخصوم، معظم الأحيان، كما هي عليه الحال في وقتنا الحاضر.
ويؤرخ اليهود تاريخهم إبتداءً من أبي المؤمنين (أبرام) الذي سُمي (ابراهيم) ومعناه أبي المؤمنين أو الأب الأكبر. ولهذا نجد مصطلح أبناء ابراهيم أو نسل ابراهيم في الكتاب المقدس مراراً وتكراراً. وكان منشأ ابراهيم الجد الأول لشعب اسرائيل في مدينة (أور) الكلدانية في جنوب العراق والواقعة على ضفاف نهر الفرات. حين دعى الله (أبرام) الى ترك عبادة الأوثان والإيمان بإله واحد كلي القدرة، وأمره بالذهاب الى أرض جديدة، وإنشاء أمة جديدة في أرض كنعان. وغيّر الله أسم أبرام الى ابراهيم، الذي يعني أباً لشعوب كثيرة، وأمره بختان كل ذكر من عشيرته كعلامة للعهد المُبرم بينه وبين الله. وتناقل الإيمان بإله واحد من جيل الى جيل حتى مجىء المسيح ابن مريم.
وكانت أرض اسرائيل في أيام يسوع يحكمها هيرودس الأدومي من سنة 37 ق. م الى سنة 4 ق. م ويرتبط اسم الملك هيرودس في ذاكرة المسيحيين بمذبحة أطفال بيت لحم، كما رواها متى الانجيلي. وقد حكم هيرودس الكبير، اسرائيل ببأس شديد، إذ كان سياسيا بارعاً يميل كثيراً الى الرومان ويؤيد وجودهم. ولذلك ساعده الرومان في توسيع ممتلكات مملكته، فسموه بالكبير. وكان هيرودس أدومي الأصل غير محبوب بين اليهود لكونه دخيل على اليهودية. وكان شديد القلق على حكمه، إذ كانت المُعارضات المسلحة تشتد بين الحين والآخر ضد حكمه. وكان يقتل كل خصومه حتى إذا كانوا من أهل بيته وأولاده. وكان يهتم دائما في تعين رؤساء كهنة اليهود بنفسه لغرض السيطرة عليهم. واستولى الحزن والخوف على قلوب مُعظم سكان مملكته التي انقسمت بعد وفاته الى ثلاثة أقسام حكمها أولاده الثلاثة، إذ حكم ابنه أرخيلاوس القسم الاوسط من البلد والذي دام حكمه من 4 ق.م الى 6 م، ونُزع من منصبه ونفي الى غاليا(فرنسا)، بسبب الشكاوي الكثيرة ضده. وهيرودس أنتيباس الذي إستلم قسم الجليل والذي تهمنا فترة حكمه على الأكثر بسبب ظهور يوحنا المعمدان في عهده والذي كان أكثر إخوته شبها بوالده قسوة، ولقسوته سماه يسوع بالثعلب (لو 13 /32). وفيلبس الذي استلم الحكم في جزء من منطقة جناسرت الى آباشان الجبلية، وهي في معظمها من المناطق الجبلية في الشمال والشرق من البلاد، وغالبية ساكنيها من غير اليهود.
ومع كل هذه التقسيمات الجغرافية والسياسية في زمن يسوع المسيح، إلا أن الحكم في اسرائيل كان في الحقيقة بيد رجلين، هما هيرودس أنتيباس اليهودي، الذي كان واليا على الجليل، وبنطيوس بيلاطس الروماني الذي كان واليا على اليهودية والسامرة، والذي عُرف بجبنه وضعفه الشخصي وعجزه حتى عن معالجة المشاكل في ولايته. وبلغ عجزه الى درجة أن رؤساء اليهود أجبروه على إصدار الحكم بالصلب على يسوع مع علمه اليقين ببراءته. ومن شدة استيائه في حكم اليهود علق على الصليب صيغة (يسوع الناصري ملك اليهود) ليعبر عن كرهه لهم. وتوالى الحكام على السامرة واليهودية بعد بيلاطس حتى سنة 37 ميلادية الى أن توحدت ادارة الولايات تحت حكم هيرودس أغريبا الاول، وهو حفيد هيرودس الكبير (الادومي الاصل)، والذي كان آخر ملوك اليهود. ويعتبر المؤرخون، هيرودس أغريبا الاول، إنسانا حاذقا في الحكم وفطنا في الإدارة مثل جده هيرودس الكبير، إذ إسطاع توحيد مملكة جده الأكبر. وكان الملك أغريبا يهتم بالديانة اليهودية ظاهريا ويصلي في الهيكل يوميا ويطارد المسيحيين ويسجنهم وينكل بهم شر تنكيل.
حكم بعد أغريبا الاول ابنه أغريبا الثاني الذي كان ضعيفاً. وفقدت المملكة اليهودية في عهده كل قوتها، وباتت الإمور في يد الولاة الرومان الى أن دمروا هيكل اورشليم في سنة 70 ميلادية، بعد الأزمات السياسية الشديدة مع اليهود الثائرين. وفي سنة 135 ميلادية أنهى الرومان كل وجود سياسي لليهود في المنطقة. وإستمر وضعهم في الشتات الى أن أسسوا دولتهم في سنة 1948 ميلادية، وهي قائمة الى يومنا هذا ولكن في حالة صراع دائم مع جيرانها العرب الذين لم يعترفوا بها كدولة شرعية لها الحق في الوجود. كانت الثقافة الهيلنستية اليونانية الأغريقية قد إنتشرت في الشرق بسبب إحتلال جيش أسكندر المقدوني لهذه المناطق بأكملها، حيث أراد اسكندر المقدوني السيطرة على هذه الشعوب سيطرة فعلية، وحاول صهرهم في شعب واحد وثقافة يونانية واحدة. ولكن الاحتلال الروماني لحوض البحر الأبيض المتوسط في سنة 30 ق. م، غيّر مقاليد الأمور، إذ أن الفترة التي بدأت من طيباريوس(14 ـ 37 ) الى ترايانوس(98 ـ 117 )، هي فترة العهد الجديد، كان فيها المؤمنون المسيحيون يعيشون في بيئة يهودية آرامية هيلينستية(يونانية) رومانية. وكان الناس ينظرون إليهم على أنهم يشكلون بدعة من البدع اليهودية.
وأصبحت أرض يهوذا واسرائيل خاضعة لحكم الرومان، شأنها شأن معظم البلدان، من المحيط الأطلسي في الغرب إلى الشرق الأوسط، ومن الجزر البريطانية حتى الشواطىء الأفريقية. وكانت الضرائب تُثقل كاهل الناس الذين كانوا يعيشون حالة يُرثى لها من الجوانب الدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ولم تكن الأوضاع الداخلية للمجتمع اليهودي الاسرائيلي في حال تفتخر بها الأمة الاسرائية، إذ كان الشعب في صراع بين التيار الديني المتشدد، وبين التيار القومي المتشدد من جانب، وبين (الفريسييّين)، التيار الديني المُتشدّد وبين (الصادوقييّن)، التيار الديني المُتحرّر من الجانب الآخر.
في هذه البيئة المليئة بالتناقضات الدينية والسياسية واللغوية والاجتماعية والثقافية جاء الى العالم المعلم الأعظم يسوع المسيح الذي كان عليه أن يأخذ موقفاً من كل هذه الأمور، وأن يكون حاضراً لشعبه بجميع طبقاته، ليداوي جروحهم ويشفي أمراضهم ويعزي تعساءهم، ويقف موقفاً داعماً للبؤساء والمظلومين ورافضاً للظلم والعدوان ومبشراً للجميع بقرب ملكوت الله وبشمول البشرى السارة لكل البشر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مغامرات وأسرار.. بيكي تكشف أبرز التحديات التي تواجه البنات ا


.. استطلاعات: الولايات الأميركية المتأرجحة تبدي تغيرًا لصالح با




.. ناريندرا مودي يتولى رئاسة وزراء الهند للمرة الثالثة


.. لأول مرة.. مقاتلة أوكرانية تقصف العمق الروسي وتدمير مقاتلة ا




.. قتلى وجرحى من جراء استهداف الجيش الإسرائيلي مبنى سكنيًّا وسط