الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وراثة الدين

أمير البياتي
(Ameer Albayaty)

2013 / 12 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أكثر ما يميز الأنسان هو الوعي التراكمي وهذا هو سر تواصل الحضارات وتقدمها فكل جيل يبدأ من حيث انتهى الجيل الذي سبقه, ما كان محل نزاع ونقاش في السابق يصبح من المسلمات اليوم لا يغفل عن بال أحد الجدل الذي حصل بين العلماء ورجال الدين بخصوص اثبات كروية الأرض وأنها ليست مركز الكون وحركتها حول الشمس وما قاسوه من ظلم وتهميش, واليوم نجد أن طفلا في مرحلة دراسته الابتدائية يتحدث عن كروية الأرض وعن دورانها حول الشمس وعن جاذبية الأرض , السر هو مرحلة الطفولة, فالأنسان في هذه المرحلة مستعد لتعلم أي شيء جديد لأنه يجهل كل شيء كل معارفه في هذه المرحلة معارف تلقينيه ليس له دور في اختيارها حتى تتوسع مداركه فيبدأ بالتفكير وتحكيم عقله.
مرحلة الطفولة هي التي تحدد هوية الأنسان وتفرض عليه اللغة التي يتكلمها والأطر الاجتماعية التي سيظل أسيرها طيلة حياته. من ضمن ما يتعلمه الأنسان في هذه المرحلة الدين والذي هو بالتأكيد دين الأهل والمجتمع الذي يعيش فيه ولأن الطفل يمتلك خيالا خصبا فبإمكانه تصديق كل ما يملي عليه الأهل وبدون نقاش وخصوصا ما يتعلق بالغيبيات التي تقدم بلا دليل, وفي ضوء ما تعلمه الأنسان في طفولته يكمل حياته دون أن يكون له الحق في اختيار ما يعتنق من أفكار, هالة القدسية التي زرعها الأهل في عقل الطفل ستظل ملازمة له طيلة حياته, صورة العذاب الإلهي التي غالبا ما يستخدمها الأهل لردع الطفل عن عاداته السيئة العفوية ستظل رفيقة له مهما بلغ من العمر ومهما قرأ واطلع على ماهية هذا العذاب, و الأمر يتعدى فكرة الخالق والثواب والعقاب وحياة ما بعد الموت, وخاصة المجتمعات الاسلامية فهناك عقيدة الولاء والبراء التي يلقن بها الطفل وتزرع فيه بذور الكراهية والحقد لمخالفيه سواء بالدين أو المذهب وكما الحال في صورة العذاب الإلهي تبقى صورة المخالفين في مخيلته كما صورها له الأهل منذ طفولته مهما أطلع على فكرهم وطبيعة حياتهم. فكرة الحب في الله والبغض في الله, تمسخ كل القيم الانسانية والمشاعر المتبادلة بين البشر فيصبح التصنيف على اساس المعتقد والأفكار التي بدوره قد ورثها المخالف من أهله ومجتمعه.
تلك الحقيقة المطلقة التي يلقن بها الطفل هي ما تعرف اليوم باسم الدين فليس له حق الاختيار وليس له حق النقاش في ما يملى عليه, الخطوط الحمراء التي رسمت له مسبقا هي التي ستحدد حياته مستقبلا, هكذا يمرر الأهل ما ورثوه عن أباءهم الى أبنائهم وتستمر السلسلة. هالة القدسية والتخويف من عذاب أبدي هي سر بقاء هذه الأفكار واستمرارها.
اليوم ترى المدافع عن فكرة معينة أو مذهب يستميت في اثبات صحة ما يعتقد ويستخف بفكر المخالف له دون أن يعلم أنه لو شاءت الصدفة و نشأ في عائلة تنتمي الى الطرف الأخر لكان من اشد المدافعين عما يستخف به اليوم. من الصعب جدا كسر هذه القيود في المجتمعات المغلقة وخصوصا أذا كانت على احتكاك دائم مع المخالفين فبذور الكراهية التي زرعت منذ الطفولة تنمو وتكبر مع الانسان وتزيده تمسكا بأفكاره وما ورثه عن أهله, وهذا ما يحدث اليوم في العالم الاسلامي كثرة الصراعات الداخلية لا تعطي فرصة الثورة على هذه المفاهيم, ولا أقصد الثورة على الدين نفسه بل قتل روح الكراهية وتسفيه الطرف الأخر.
فكما ورث الأهل جيناتهم ومرروها الى أبناءهم فأنهم يورثون معتقداتهم وقناعاتهم الفكرية مستغلين فترة الطفولة.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صلوات ودعوات .. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسي


.. زفة الأيقونة بالزغاريد.. أقباط مصر يحتفلون بقداس عيد القيامة




.. عظة الأحد - القس باسيليوس جرجس: شفاعة المسيح شفاعة كفارية


.. عظة الأحد - القس باسيليوس جرجس: المسيح متواجد معنا في كل مكا




.. بدايات ونهايات حضارات وادي الرافدين