الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن المسيرة الحسينية وزيارات المشي المليونية

سليم سوزه

2013 / 12 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لم يكن بمقدورنا ان نتظاهر ضد نظام الدكتاتور صدام حسين في وقته. المسيرة ممنوعة والتظاهر محرّم الّا حين يكون تأييداً للنظام نفسه. كل شيء مراقب ومقموع، فكانت الزيارة الحسينية مشياً على الاقدام تظاهرة سياسية متنكرة بقناع ديني، نسميها تسامحاً بالشعيرة لكنها ليست شعيرة. انها اشبه بعرف شعبي اسّس لها بعض رجالات الشيعة قبل خمسين عاماً تقريباً لتصبح شيئاً فشيئاً ظاهرة ملفتة.

لقد واظب الاعتقاد الشيعي الامامي على ضرورة تطابق فعل العامي مع ما تركه المعصوم من اثر، فأن لم يثبت ذلك الاثر بطل وبطل معه الاعتقاد بوجوبه او حتى استحبابه، (المعصوم هنا هو النبي محمد (ص) والائمة الاثنا عشر من بعده حسب الاعتقاد الامامي). هكذا فهمنا الفقه الجعفري في شبابنا حين كنا نقرأ تلك الكتب بشراهة الجائع لتلك النصوص.

الزيارة مشياً على الاقدام ليست شعيرة فعلها المعصوم في حياته. لم يثبت وجوبها فضلاً عن استحبابها. لكنها ليست محرمة كذلك.
قد يقول قائل انها جرياً على ما فعله الصحابي جابر بن عبدالله الانصاري حيث كان اول من زار الحسين (ع) مشياً على الاقدام وقتئذ. اقول جابر ليس حجّة وما فعله هو اجتهاد شخصي لا نعرف مبرراته وظروفه. مع هذا لا يوجد مثل هكذا تبرير في هرم القيادة الدينية الشيعية، على الاقل في فترات التشيع المتقدمة. لم نرَ لأكابر المذهب مثل الشيخ المفيد والصدوق والكليني ترويجاً لزيارة المشي. لم يطلبوا من العوام تقليد الانصاري في زيارته تلك، ولا حتى من باب الاستحباب.

جاء التشجيع الشيعي الحديث لهذه "الشعيرة" نتيجة ظروف سياسية معينة، فكان "التساهل في مالم يثبت حرمته" مخرجاً دينياً لها في البداية. تحول هذا التساهل الى استحباب مزوّق بالآية القرآنية "ومَن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ... الحج آية 32" باعتبارها شعيرة طالما تعظم سيد شباب اهل الجنة. ثم سرعان ما تحول هذا الاستحباب الى شيء اشبه بالواجب (ولو بشكل مبطن) من خلال انفجار العشرات من الاحاديث والقصص والروايات التي تحث الزائرين على المشي لقبر الحسين وتتحدث بكرامات تراب اقدامهم.

الحقيقة هي طقس سياسي بنكهة دينية، فالصبغة السياسية في تلك الزيارة تطفو على اهميتها الدينية. كيف لا وهي استعراض سلمي ضخم لكتل بشرية هائلة تستعرض هويتها المقموعة داخل منظومة حكم مخالفة لها في العقيدة. وحتى تكون ذا صدى مؤثر، ينبغي لها ان تُؤطر بأطار رواياتي ضخم مع هالة من القدسية الدينية لا يستطيع احد الوقوف ضدها او نقدها او حتى تشذيبها بما يخدم ومصلحة الزيارة والزوار انفسهم.

اضفاء صفة الشرعية على زيارات المشي وجعلها مقدسة الى هذا الحد يعني تحويلها من خانة "الطقس الشعبي العفوي" الى خانة "الممنوع من اللمس" حيث لا مناص من الالتزام بأوامر الله ولا سؤال لكنهها وفحواها. انها مسيرة سياسية ضخمة تبين قوة التراصف الشيعي حتى في لحظات الوهن والضعف التي يمر بها المذهب ولا علاقة لها بالدين او شعيرة اربعينية الامام الحسين. الدليل انها اتسعت في العشرين سنة الاخيرة لتشمل مناسبات اخرى غير اربعينية الامام الحسين، مثل عاشوراء وزيارة النصف من شعبان (ولادة الامام المهدي المنتظر عند الشيعة الامامية). شملت تلك الزيارات مراقد الائمة الآخرين ايضاً كالامام الكاظم في كاظمية بغداد. ليس هذا فحسب بل اصبحت نبراساً لزيارات مشي مشابهة في خارج العراق ايضاً، وفي مراكز تجمع الشيعة خصوصاً.
ولايات مثل اريزونا وكاليفورنيا ومشيغان تشهد كل عام "مشّاية" عراقيين. يمشون من مناطق محددة الى اخرى في مناسبة الاربعين، لتصبح ممارسة الطقس عندهم اهم من الطقس نفسه. ممارسة الطقس اينما كان وكيفما كان هو القصد وليس زيارة ذلك الضريح الكربلائي المذّهب ذي الرمزية الدينية في الوجدان الجعفري.

انا احب الزائرين. احب ايمانهم. احب قوتهم. احب شجاعتهم في تحدي الخوف والموت والارهاب. احب اصرارهم على هذا الشيء حتى لو كان بعناد الآخرين ولا اعتراض عندي على تلك الزيارات. اعتراضي على بصمة العصمة والتقديس التي يلصقها بعضنا بها. اعتراضي على "العطل" الكبير التي تسببه للدولة. فما الضير اذا زرنا بالسيارات؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رحم الله ابو نواس
كنعان شـــــــــماس ( 2013 / 12 / 21 - 13:20 )
قل لمن يبكي على طلل واقفــــــا ماضر لو جلس ؟؟؟


2 - oui
سوري فهمان ( 2013 / 12 / 21 - 17:21 )
oui

اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج