الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطوائف اليهودية في عهد المسيح

صبري المقدسي

2013 / 12 / 22
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الطوائف اليهودية في عهد المسيح
إنقسمت اليهودية الى طوائف ومذاهب منذ الأيام الاولى من تأسيسها مثل غيرها من الأديان في العالم. وكانت اليهودية في فترة نشوء المسيحية، تنقسم الى جماعة الفريسيين والصادوقيين وفرقة الغيارى والأسينيين. ولكي نفهم المسيحية التي نشأت وترعرعت في اليهودية علينا أن نكون على علم بطوائفها في تلك الفترة الزمنية.
• الفريسيون، هم طائفة من المُعلمين للشريعة ومن المُحافظين على القوانين والنواميس الشرعيّة بحسب حرفية التوراة والناموس الموسوي، لاسيّما في ما يتعلق بيوم السبت والطهارة الطقسيّة ودفع العشور ومُمارسة الشريعة ممارسة ًدقيقة. سماهم خصومهم بالفريسيّين بمعنى المنعزلين، وفي الآرامية (بريشى). أما إسمهم الحقيقي فهو الأحبار(حباريم ـ رفاق)، إذ كانوا هكذا يُسمّون أنفسهم. وكان للفريسيين تأثير كبير على المجتمع اليهودي لأنهم كانوا القوة الدينية الحقيقية التي تدير الشعب روحيّا. ولم يكن هدفهم سياسيّا بل روحيّاً محضا. ويذكر الخوري بولس الفغالي في كتابه (مسيرة الكتاب من التكوين الى الرؤيا) ص 62 ما يلي: "تعود جذور الفريسية العميقة الى أيام عزريا ونحميا مع إعادة بناء الهيكل وأسوار أورشليم ... ويبدو أنهم تأسسوا بصورة رسمية في أيام المكابيين في القرن الثاني قبل الميلاد". وقال فيهم يسوع: "تؤدون عشر النعنع والشمرة والكمون وتهملون أهم ما في الشريعة أي العدل والرحمة والأمانة" 23 /23. وندد بهم يسوع مراراً وتكراراً قائلا لهم: "تحبون الفضة ومال الأرامل، والمظاهر الخارجية وقبول التحية في الاسواق والبحث عن المقاعد الاولى في المجامع والولائم". ومع كل الجدالات والمواقف الحادة بينه وبينهم إلا أنه لم يمتنع دخول بيوتهم، حيث دعاه فريسي للطعام في بيته فدخل وجلس معه للطعام" لوقا 11 / 37 ". ودعا أيضا نفسه الى بيت أحد رؤساء الفريسيين "لو 14 / 1" . وصادق بعضا منهم وأعجبوا بشخصيته ودافعوا عنه مثل نيقاديموس ويوسف الرامي كما في يو 19 / 37 .
• الصادوقيون، طائفة من اليهود الكهنة التي نشأت قبل الهدم الثاني لهيكل سُليمان بقرنيين (كان التدمير الأخير للهيكل سنة 70 ق.م). وكان معظم الصادوقيون من عوائل ارستقراطية وتجارية، يتعاملون مع الرومان بوّد وإحترام من دون أن يحاولوا مُحاربتهم وإخراجهم من البلد. وكان الصادوقيون ينتمون إجمالا إلى الكهنة، ولا يرتبط إسمهم بكلمة صاديق بل بكلمة صادوق الذي جعله سليمان على رأس كهنة أورشليم، فأمّنوا خدمة الهيكل منذ ذلك الحين الى وقت الجلاء. وعرفوا بإختلاف عقائدهم وتفسيراتهم الخاصة للتوراة وإختلافهم مع الفريسيين ولاسيما في نكرانهم لوجود الملائكة والارواح وقيامة الأموات. ولم يتصادم (الصادوقيون) مع يسوع مثلما فعل الفريسيّيون، ومن الممكن أن يكون هذا السبب في عدم ذكرهم كثيرا في الأناجيل. والشىء المعروف عنهم من خلال الاناجيل أنهم كانوا من أغنياء اليهود (الطبقة الأرستقراطية)، إذ كانوا يتبنون موقفا علمانيا مُتحرّراً تجاه ممارسة الفريسييّن الدينية المُتشددة.
• الكتبة: يرتقي عملهم الى زمن العودة من الجلاء البابلي وعرفوا بكونهم طبقة من مفسري الشريعة، من الكهنة واللاويين، مع وجود طبقة من أفراد الشعب الذين إختصوا بدراسة الشريعة وتفسيرها بينهم أيضا.
• الأسينيّون: طائفة دينية يهودية، يجمعون النظام الرهباني مع ميول نسكية لأول مرة في التاريخ اليهودي. وعُرفت هذه الطائفة حديثا بعد إكتشافات كهوف قمران سنة 1945 ميلادية في منطقة بحر الميت (أريحا) في الصحراء الاردنية. ويظهر إسمهم في شكلين: أسانوي أو أسيني، أو الساكتين. والرأي الأصح (بحسب المحيط الجامع في الكتاب المقدس) هو الشفائين من اللفظة السريانية: أسيا(طبيب). وكان الأسينيون يعيشون في مُجمّعات صغيرة، يُفضلون البتولية ويتقاسمون كل شىء مع بعضهم البعض في نظام اشتراكي رهباني في حوالي سنة 100 ق. م. وكانوا يمتنعون المشاركة في الحروب والأعمال التجارية، ويعملون من أجل قوتهم البسيط في الزراعة والأعمال اليدوية. ويستعملون الوضوء ويحترمون السبت إحتراما شديدا، ولم يكونوا يؤمنون بالذبائح الحيوانية.
• الغيارى: جماعة سياسية قومية، يُؤمنون بمجىء المسيح القريب كمخلص يُحارب الرومان بأستعمال القوّة، ومن المنتمين الى هذه الجماعة في عهد المسيح: سمعان الغيور ويهوذا الاسخريوطي وباراباس الذي اطلق سراحه بيلاطس البنطي في عيد الفصح، مع انه كان مجرماً وقاتلا. عرف هذا الحزب بأصوليته وتعصّبه الشديد لليهودية، إذ كانوا يمزجون الدين بالسياسة ويؤمنون بالثورة التحريرية ضد الرومان بأستعمال كل الطرق الإرهابية للوصول الى غايتهم السياسية. بدأت قوّة الغيارى السياسية تظهر في سنة 44 ميلادية، إذ اشتدّ دورهم في الثورة الشعبية سنة 66 ميلادية، التي أدت الى تدمير هيكل اورشليم سنة 70 ميلادية.
كانت تلك الطوائف تمثل معظم اليهود الذين إنتشروا في الامبراطورية الرومانية في جميع ممالك الشرق منذ القرن السادس قبل الميلاد، بسبب الحروب وسياسات الأسر التي كانت تستخدمها الدول القديمة ضد بعضها البعض. ولما نشأت المسيحية في فلسطين توجه الرسل الجليليون ببشرى الخلاص الى هؤلاء اليهود والى اليهود الذين كانوا في الشتات(المهجر) أولا، ومن ثم الى الوثنيين(الهلينستيين)، الرومان، المصريين، الرافدينيين، الفرس، الهنود وغيرهم. فأقبل الكثيرون على هذه العقيدة الجديدة وأصبحوا في عداد تلاميذ المسيح. وهكذا ولدت المسيحية التي إنفتحت على كل الأجناس البشرية وبسرعة شديدة. وكان مجمع أورشليم سنة 49 ميلادية، بمثابة أول مجمع مسيحي يأخذ قراراً هاماً جداً حول أممية الديانة المسيحية بإعطائها زخماً قويّاً لكي تنتشر في المناطق الرومانية والمناطق المجاورة. وبقيت الجاليات اليهودية النواة الاولى لنشر المسيحية في القرن الميلادي الأول.
ولقد تم انتشار الإيمان المسيحي بحسب كتاب أعمال الرسل بدافع من الروح القدس وبتشجيعه للخروج من حرفية الشريعة والإنطلاق نحو العالمية، من دون المرور في الشريعة اليهودية الضيقة والمتشدّدة. وكان الروح القدس(الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس)، الدافع والمُشجع والمؤيّد، الذي يمنح الحكمة والجرأة والقوة في مواجهة المصاعب، لسماع الكلمة وخدمة الجماعة بتضحية كبيرة وبتواضع عميق.
صبري المقدسي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا قال الرئيس الفرنسي ماكرون عن اعتراف بلاده بالدولة الفلس


.. الجزائر ستقدم مشروع قرار صارم لوقف -القتل في رفح-




.. مجلس النواب الفرنسي يعلق عضوية نائب رفع العلم الفلسطيني خلال


.. واشنطن: هجوم رفح لن يؤثر في سياستنا ودعمنا العسكري لإسرائيل




.. ذا غارديان.. رئيس الموساد السابق هدد المدعية العامة السابقة