الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أ-ب علم النفس الاجتماعي :

رشدي الصافي

2013 / 12 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كما نعلم جميعنا أن علم النفس العام بكل مجالاته النظرية والتطبيقية اهتم ولا يزال يهتم بدراسة السلوك إلا أنه وبفعل الخصائص والأبعاد المختلفة لهذا الأخير فانه كان لزاما على بعض الفروع في علم النفس العام, أن تمتاز عن غيرها من حيث أسس و قواعد الوصف والتجريب والتحليل والفهم . وعلم النفس الاجتماعي بوصفه علم منبثق عن علم النفس العام فانه تنطبق عليه المعادلة سالفة الذكر , "فهو العلم الذي يهتم بدراسة سلوك الكائن الحي آخذا بعين الاعتبار المواقف الاجتماعية التي يتواجد فيها. إنه الدراسة العلمية لسلوك الكائن الاجتماعي وهو يعيش في جماعة يتفاعل مع أعضائها يؤثر فيهم ويتأثر بهم"1
من خلال هذا التعريف يتضح أن علم النفس الاجتماعي يروم دراسة السلوك الاجتماعي للفرد والجماعة ضمن سياق اجتماعي معين. والسلوك الاجتماعي هو التفاعل الحاصل بين الأفراد . وليس من الضروري أن يحدث السلوك الاجتماعي بحضور شخصين أو أكثر , فهو يحدث عند حضور الآخرين وفي غيابهم أيضا. باعتبار أن الفرد يتأثر بهذا النمط من السلوك القائم على التفاعل لأنه يمثل حقائق في مجاله النفسي. انطلاقا من البعد الرمزي و الدلالي الذي يحمله .
فالمعايير و القوانين الاجتماعية التي تنظم السلوك والعلاقات داخل المجتمع بمؤسساته ونظمه, لا تحتاج دائما لتذكير دائم من قبل الساهرين عليها. وإنما تصير صفة شخصية لصيقة بالفرد يستحضرها كلما وجد نفسه أمام الموقف المناسب. ومن هنا يظهر ذلك التداخل الحاصل بين البعد النفسي والاجتماعي في السلوك الفردي والجماعي . الذي يصعب معه عزل أي نمط من السلوك الفردي عن وسطه الاجتماعي . والشيء نفسه ينطبق على السلوك الاجتماعي الذي يتأثر بالدوافع الداخلية للفرد. وقد عرف "فيشر"(fischer) "علم النفس الاجتماعي بأنه العلم الذي يدرس التصرفات الإنسانية والظواهر الاجتماعية كعمليات علائقية بين النفسي والاجتماعي "2. إذا كان علم النفس العام كما قلنا سابقا يروم دراسة السلوك لدى الأفراد. فان علم الاجتماع (السيسيولوجيا) يسعى جاهدا رغم إطاره الضيق ومحاولاته اليائسة أن يدرس السلوك الاجتماعي لكن كظاهرة اجتماعية خارجة عن بعدها الفردي وهذا ما خلق هوة وفجوة عميقة بين العلمين شكلت منطلق ابستمولوجي لعلم النفس الاجتماعي بحيث أنه يسعى احتلال مركز المساحة ومن تم هدم تك الهوة الفاصلة بينهما.
"إن الامبريالية الاجتماعية كمثيلتها النفسية في منهجية البحث الإنساني قد ولى عهدها, وأقل نجمها"3, وبهذا فان علم النفس الاجتماعي قد أكد حضوره ضمن حقل العلوم الإنسانية .رغم الهيمنة التحليلية والوصفية التي تقاسمتها العديد من التيارات السيكولوجية خلال الأربعينات من القرن الماضي وكان أبرزها مدرسة التحليل النفسي مع كتابات "فرويد"(ferud) في أواخر حياته والتي انطلقت من تحليل نفسية لجماهير (تحليل الأنا, علم نفس الجماهير’ المستقبل وهم...) وكذا مساهمات "غوستاف لبون"(Gostave le bon) التي اعتمدت مقاربة تحليل نفسية كمنطلق رئيسي في عملية الوصف والفهم والتفسير والتنبؤ. فكانت تلك الفترة هي المرحلة الأولى في تبلور علم النفس الاجتماعي وهي لم تتجاوز حدود دراسة الصراع الناشئ بين الفرد والمجتمع نظرا لما مميز تلك الفترة من أحداث قلبت الموازين السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأوربا من حروب وأزمات على كل المستويات و وفرت بذلك أرضية لدراسة الصراع الفئوي والطبقي وانسياق الجماهير وراء رموز القيادة , لتأتي بعد ذلك –وكما سنتطرق لذالك لاحقا ضمن فصول الكتاب - المرحلة الثانية التي تميزت بهيمنة التجريب على منهج الاشتغال من خلال"نماذج الجماعات المصغرة" مع "كيرت ليفين "(lewin) وأبحاث "شريف"(sherif) و" أش"(Asch) و "فستنجر"(fistengr) و"فيشر"(fischer)... حول مواضيع (المعايير الاجتماعية و دينامية الجماعة والانطباع والتمثلات ...الخ) . لكن هذه الفترة وبرغم من أهميتها اقتصرت فقط على دراسة سلوك الجماعات داخل المجتمع (أقليات,طوائف,جماعات ...) إقتداء بالنموذج التجريبي.
أما المرحلة الثالثة -وهي الراهنة- فهي امتداد للمرحلة السابقة حيت ساهم علماء النفس التجريبي بالولايات المتحدة الأمريكية في تطوير الأبحاث والدراسات حول الجماعات والأفراد و التغيرات الاجتماعية في نمط الحياة الغربية ومواكبة المستجدات العلمية في باقي الفروع الحديثة بعلم النفس, وبالأخص في "علم النفس المعرفي" حيث استمد العديد من الباحثين الأسس النظرية و المنطلقات البحثية في كثير من أبحاثهم حول المواضيع القديمة لعلم النفس الاجتماعي , وكان من أبرزهم الباحثان "تاجفل" (tajfel)و"تيرنر"(turner) اللذان اشتغلا على نماذج الجماعات المصغرة بمركز "بريستول"( Bristol) ببريطانيا مع نهاية السبعينات, فكان لهما الفضل في إبراز نظريات حديثة حول الهوية الاجتماعية وتصنيف الذات . "
"إن مهمة علم النفس الاجتماعي ليست تخليدا للأسطورة الاجتماعية, لكنها مهمة أكبر من ذلك بكير تتمثل في فهم الكيفية التي من خلالها يتأثر الواقع الاجتماعي ويتفاعل مع العمليات السيكولوجية."4 (turner 1995). فالعلاقات بين الفرد والمجتمع والعمليات السيكولوجية التي تدمج الإنسان في المجتمع وتحوله إلى كائن اجتماعي مؤثر ومتأثر بالأفراد الآخرين وبالمجتمع ككل هي المهمة الجديدة التي يهدف إليها علم النفس الاجتماعي ويسعى لبلورتها انطلاقا من تحديث المفاهيم القديمة (الدور, التنشئة الاجتماعية, دينامية الجماعة, الاتجاهات...الخ) وخلق معجم مفاهيمي جديد حول: (الهوية الاجتماعية, تصنيف الذات, الأفكار النمطية, التصنيف الاجتماعي’ الإدراك الاجتماعي, التغير الاجتماعي , التعصب...).
لم يتم صياغة المهمة الحقيقة التي جاء من أجلها علم النفس الاجتماعي إلا بعد ابتعاد هذا الأخير عن متاهات ألبراديكم السوسيولوجي وتشعبات البنيوية التحليلية , وخروجه من الجحر الضيق للنسق العلمي الفرنكو فوني, والتحاقه برحاب المدارس لأنجلو سكسونية ذات الاتجاه المعرفي والسلوكي . والتي ستساهم بشكل كبير في تطوير أساليبه وطرقه المنهجية وربطه بالمهام المجتمعية بناء على معادلة تفاعلية بين الفرد بمكوناته النفسية والمعرفية والاجتماعية, وبين المجتمع بكل أسسه المجتمعية والمؤسساتية والقيمية.
ولقد حاولت فرنسا والعديد من الدول الأوربية اللحاق بالتطور الحاصل في مجال علم النفس الاجتماعي الأمريكي خلال سنوات السبعينات والثمانينات, واستدراك ذلك التأخر الذي ميز الحقبة التي سادت خلالها مرجعيات التحليل النفسي وعلم الاجتماع انطلاقا من:
• بحوث ودراسات تهتم بتكوين الفرد وإدماجه في الوسط الاجتماعي بالاعتماد على خلفية التحليل النفسي من جهة و مكتسبات علم الأنتروبولوجيا الأمريكية مع "مرغريت سميد"( Margaret Mead) و "مالينوفسكي"( Malinowski) و"كلود ليفي ستراوس"( Claude Levi-Strauss) وغيرهم من جهة أخرى.
• بحوث أوتوكلينبيرج(Otto Clenerg) و المتمحورة حول دراسة الخلافات والتمايزات الموجودة بين الشعوب والأجناس المختلفة و الطبقات الاجتماعية والفئات العرقية و القومية .
• ترجمة كل الأبحاث والدراسات الحديثة إلى الفرنسية في مجال علم النفس المعرفي والسلوكي و الأنروبولوجيا واثنولوجيا ...

1. المصطفى حدية قضايا في علم النفس الاجتماعي المجلة المغربية لعلم النفس 2004
2. Fischer G N. la psychologie sociale, Edition du seuil, col. Points
3. مصطفى حجازي. التخلف الاجتماعي, مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور
4. أحمد زيدان سيكولوجية العلاقات بين الجماعات سلسلة عالم المعرفة عدد 326 أبريل 2006











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دول عربية تدرس فكرة إنشاء قوة حفظ سلام في غزة والضفة الغربية


.. أسباب قبول حماس بالمقترح المصري القطري




.. جهود مصرية لإقناع إسرائيل بقبول صفقة حماس


.. لماذا تدهورت العلاقات التجارية بين الصين وأوروبا؟




.. إسماعيل هنية يجري اتصالات مع أمير قطر والرئيس التركي لاطلاعه