الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من سفر الله - في مشكلة التسليم – إن شاء الله و ألف ألف مبروك

نضال الربضي

2013 / 12 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من سفر الله - في مشكلة التسليم – إن شاء الله و ألف ألف مبروك

لا يستطيع الشخص أن يتخلص من فكرة يؤمن بها إلا إذا تحرر من الخوف الذي يتصوره كنتيجة من السلوك المستقبلي بحسب عدم الإيمان بالفكرة. لكن هذه الحرية من الخوف لا تتأتى له إلا إذا فعلا ً سلك بحسب عدم الإيمان بالفكرة. هنا المُعضلة: فأنت تحتاج أن تسلك بحسب عدم الإيمان بالفكرة حتى تتخلص من خوفها ثم تتخلص منها، لكن هذا السلوك بحسب عدم الإيمان بها يطلب عدم إيمان بينما انت مؤمن، فكيف الصنيع؟

تزرع الأديان هذا الخوف، و هو أحد أدواتها الاساسية، فهناك الخوف من الخطيئة، و الخوف من فقدان النعمة، و الخوف من الغضب الإلهي، و الخوف من مصير الهلاك الأبدي، و الخوف من الابتلاء و المحنة على هذه الأرض. و بينما تزرع فيك هذا الخوف تعطيك سلاحا ً واحدا ً لتستخدمه ضده هو سلاح التسليم بالمشيئة الإلهية و الثقة بها.

المشكلة في هذا السلاح أنه في الحقيقة إبرة مخدر و حبة بندول لا أكثر، فالخوف وحش ٌ يزأر، و إبرة المخدر تغلق حواسك عن الزئير مؤقتا ً حتى ينتهي مفعولها، بينما الوحش نفسه أثناء راحتك كان ما زال يزأر و سيظل. التسليم معناه أن تجهل غدا ً و بعد غد ٍ و أنت لا تملك من أمرك شيئا ً و أن لا يكون لديك أي جواب على أي سؤال.

التسليم هو إنعام سالوسة في فلم "عايز حقي" عندما ذهبت مع ابنها لتخطب له فأوصاها ألا تقول سوى " إن شاء الله و ألف ألف مبروك ". هو صوت العقل الصارخ "بدي أفهم" و صوت الرجاء الكاتم " إن شاء الله و ألف ألف مبروك ". التسليم هو ألا تعلم و ألا تعقل و ألا تجد الجواب حين تريده، و أن تخاف أن ترتكب الفعل أي فعل لأنك لا تعلم مدى توافقه مع المشيئة الإلهية التي لا تُفصح عن ذاتها و لا تتكلم و لا تظهر و لا تُعبر، و إن شاء الله و ألف ألف مبروك.

يتطلب الإيمان وقفة مصارحة بين النفس و العقل و القلب و المشاعر، حتى يقول كل ٌّ ما عنده، النفس و خبراتها في الحياة تقول: لا نشاهد الله. العقل يقول: احتمالية وجوده عالية لكن مشكلة احتجابه غير محلولة. القلب يقول: أحتاجه للطمأنينة، و المشاعر تقول: أنا أصبحت مثل الزوجة المهجورة مرة يزورني و مرة يتركني.

أعتقد أن علينا أن نسجل على الله عتبا ً واضحا ً فكثرة الاحتجاب تُثير الشوق ثم تثير الحنق و الغضب ثم تؤدي إلى الاهتياج العصبي تمهيدا ً للقطيعة، و هذا ما يحصل عند الكثيرين. و معنى هذا أن الإيمان عند من يقررون الاحتفاظ بهما أي بالإيمان و بالله هو فعل اختيار و إرادة غير مدعومين بقرائن علمية أو إثباتات، و هذه شجاعة تبلغ حد التهور.

بالنسبة لي ما يفصل القول عاملان: أولهما تجربتي الشخصية و حوادث اقتراب ٍ من الموت لأكثر من مرة، و ثانيهما اتساع الكون و محدودية العلم و ضحالة فكرة الفناء أمام غنى احتمالات حالات الوجود المختلفة، و ربما يصح أن نستعين بالمبدأين الإسلامين العقلانين: ما لا يُدرك كله لا يُترك جُلـُّه، و الميسور لا يسقط بالمعسور.

قديما ً قال لي أحد الآباء الكهنة و أعتقد إن لم أكن مخطئا ً أنه الأب رائد عوض أبو ساحلية، و هو من الآباء الذين يحملون فكرا ً ثوريا ً دافئا ً "الإيمان هو الارتماء في أحضان الله و الاستسلام له استسلاما ً مُطلقا ً"، و وقتها كنت ُ على مشارف إنهاء الثانوية و وجدت ُالفكرة ساحرة خلابة مُغامرة لذيذة، أما اليوم فأجدها تحد ٍ يتطلب محاربا ً شرسا ً جسورا ً.

لطالما كنت ُ محاربا ً، قبلت ُ التحدي، فلنمض ِ مع الله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ولما لا!!
ماجدة منصور ( 2013 / 12 / 25 - 09:00 )
ولما هذا العداء الصارخ ل الله طالما أن وجوده يسسب لنا التوازن و الطمأنينة و الراحة النفسية؟؟ لو أن آلة كهربائية تحقق لنا الراحة لما ترددنا بشراؤها مهما كان سعرها!!! ما ضير أؤمن طالما أن الإيمان يجلب لي سعادة و راحة و لا يكلفني أي شيئ!! وكم من الظواهر الطبيعية التي نؤمن بوجودها دون أن نراها ( المغناطيس..الهواء..الكهرباء..الخ الخ ) لما لانؤمن طالما أن إيماني لا يتعارض مع عقلي؟؟ و كم من المرات أحسسنا بوجود الله ’ خاصة في أوقات المحن!!حقا إن الإنسان(اسود راس) لك احترامي


2 - إلى الأستاذة ماجدة منصور
نضال الربضي ( 2013 / 12 / 27 - 11:26 )
تحية طيبة أستاذة ماجدة،

يهدف المقال إلى وصف الجوانب المتعلقة بالإيمان بالله أو الكفر به، و تبيان الأسباب لكلا الطريقين، و يترك في النهاية للقارئ تحديد طريقه، و يفتح المجال للحوار الموضوعي الذي تفضلت ِ باستهلاله مشكورة ً.

أنت ِ تمثلين وجهة نظر الأغلبية و التي تعتمد على الإيمان من أجل ما وصفتيه بـ -التوازن و الطمأنينة و الراحة النفسية-، و هذا جميل، و يتطابق مع موقفي قديما ً.

أما موقفي الآن فهو أن وجود الله قد اصبح تحديا ً صعبا ً يسبب القلق و يحث على البحث و التنقيب و الحركة دون توقف حين نصطدم بكل معطيات الحياة و خصوصا ً مشكلة الشر و اكتشافات العلم، و يُصبح توفيق و مصالحة الإيمان مع العقل ضروريا ً (إقرأي مقالي هذا من أجل المزيد http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=391334) لكنه صعب.

أنا أُعرِّف عن معتقدي بأني مسيحي، لكني مسيحي غير تقليدي، أرى الأمور بطريقة مختلفة، و المسيحية لي هي نهج حياة إنساني بالدرجة الأولى و أمل في استمرارية رجائية ما بعد الموت لا أعلم ماهيتها لكني أرجوها.

بمعنى آخر الإيمان لي هو تحدي الشجاع الواعي و ليس استسلام الأبله، لكنه صعب و شاق و مُضني.

دمت ِ بود


3 - هذا القلق
ماجدة منصور ( 2013 / 12 / 27 - 12:34 )
هذا القلق الذي عانيته...عشته أنا في ما مضى
وقررت بعد كل هذا الكم من القلق و التوتر..أنا أستسلم لحين وجود دلائل علمية تنفي وجود الله
ولغاية يومن هذا..لم تنفي النظريات العلمية وجود الله، ولم تستطع ان تثبت وجوده أيضا
فلما هذا الضنك و القلق ..طالما أن الإيمان يهبني راحة و سعادة؟؟
لو كانت الراحة و السعادة تباع بالصيدليات...لإشتريناها بأغلى الأسعار
ايماني فائدة و مصلحة شخصية لي
و لطالما أحب الإنسان مصالحه و سعى لتحقيقها
لك تقديري ..و رشة عطر


4 - إلى الأستاذة ماجدة منصور،
نضال الربضي ( 2013 / 12 / 27 - 18:00 )
سيدتي الكريمة أتمنى أن أستطيع هذا، لكن في الحقيقة أن نمط شخصيتي لا يقبل هذا الحل، و لذلك يقبل الله و الإيمان بشجاعة محارب يخوض معركة يتمنى أن تنتهي لكنه لا يعلم هل أمنتيه هذه واقعية أم لا.

مشكلة الشر في العالم و طغيان الأمر الواقع هما في الحقيقة ما يقض مضجعي باستمرار على الرغم أنني أتمتع بفترات سلامية تطول و تقصر لكنها غير دائمة.

أتمنى لك ِ دوام السعادة و أتمنى لنفسي بعض الإجابات :-))

كل الاحترام و التقدير لك ِ و دمت ِ بود.

اخر الافلام

.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - رئيس الوزراء يهنئ الرئيس السيسي و


.. وادي الرافدين وتراثه القديم محاضرة استذكارية وحوارفي الذكرى




.. ليبيا.. هيي?ة الا?وقاف في طرابلس تثير ضجة واسعة بمهاجمتها ال


.. 158-An-Nisa




.. 160-An-Nisa