الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من سفر التطور – أين ذهب الشعر؟

نضال الربضي

2013 / 12 / 26
التربية والتعليم والبحث العلمي


نعرف من سجل التطور أن الجد المشترك بيننا و بين الشمبانزي/البونوبو قد عاش قبل ست ملاين عام حين انفصل المسار التطوري لما سيصبح بعد ذلك كائنا ً من نوع الـ Homo Sapiens عن مساريهما (يمكنك أن تقرأ المزيد عن هذا الموضوع في مقالي السابق: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=385873(.

لكن ما الذي دفع الكائن البشري إلى أن يتخلص من معظم شعر جسده حتى يُصبح تقريبا ً عاريا ً بجلده بينما هناك ما يقارب الخمسة آلاف نوع من الثديات ما زالت مُحتفظة ً بفرائها و شعرها؟ هناك ثلاث فرضيات رئيسية تُعالج هذا الموضوع:

- الفرضية الأولى أن الإنسان قد عاش في بيئة شبه مائية، بمعنى أنه قد اضطر أن يقضي الكثير من وقته في الماء، و لذلك كان لا بد من فقدان الشعر لأنه مُعيق ٌ للحركة و الانسيابية و يجعل مهمة التحكم في الجسد و الاتجاه أصعب. لكن مشكلة هذه الفرضية أنها غير مدعومة بالأدلة أو القرائن كما و تُخالف النمط المُكتشف لحياة الإنسان الأول، و لذلك تُعتبر خاطئة ً.


- الفرضية الثانية هي أكثر قبولا ً من الأولى و هي أن قطعان البشر الأولى التي كانت تعتمد على الصيد بأدواتها البدائية جدا ً و عدم امتلاكها للمخالب و الأنياب و القوة الجسدية الكبيرة في الوثب و الافتراس مثل الأسود و النمور، قد اضطرت –كبديل- لأن تطور أسلوب صيد ذكي ٍ يعتمد على مطاردة الفريسة لأوقات طويلة مما يؤدي إلى إنهاكها و بالتالي القدرة على صيدها حين تضعُف. ترفع المطاردة من درجة حرارة الجسم و لا بُد للكائن البشري من التخلص من هذه الحرارة حتى يستطيع أن يُكمل عملية المطاردة فكان أن تطورت الأجساد عبر آلاف السنين لتخسر الشعر فيُمكن لها التخلص من الحرارة. و هذه الفرضية صحيحة و مقبولة.


- أما الفرضية الثالثة و هي قد أصبحت تلقى القبول الأوسع فقد فسرت خسارة الشعر كاستجابة لحاجة الإنسان للوقاية من الأمراض التي يقف أمامها عاجزا ً، و التي تأتيه على شكل حُميات فيروسية أو بكتيرية تنقلها كائنات القمل و البعوض و الحشرات المؤذية التي تعيش في الشعر. فكان ذهاب الشعر وسيلة الدفاع الناجعة.

تبرز أمامنا بعض الأسئلة الجيدة التي تستحق أن نُلقي عليها الضوء، فمثلا ً: أليس فقدان الشعر معناه بالضرورة فقد الإنسان لقدراته على الاحتفاظ بحرارة جسده في الشتاء و الليل، مما يعني أن فقدان الشعر بحد ذاته خاصية سلبية لا يمكن أن تكون تطورية، فالتطور يُبقي على الصفات و الخاصيات الإيجابية التي تخدم الكائن؟

في الحقيقة أن الإنسان كان قد استغنى عن الحاجة للشعر كوسيلة حفظ للحرارة في الليل و الشتاء بحكم نمطه المعيشي، فقد كان يعيش في مجموعات صغيرة تسكن كهفا ً واحدا ً (يعني غرفة صغيره) يتدفأ فيها الجميع بحرارة أجسادهم و أنفاسهم (مثلما يحدث في صف في مدرسة حكومية)، بالإضافة إلى اكتشافه و استخدامه للنار لتدفئة نفسه و طهي طعامه و طرد الحيوانات المختلفة.

سؤال ٌ أخر يطرح نفسه بقوة: ماذا عن النساء؟ لماذا أجسادهن بدون شعر كالرجال، أليس الرجل هو الذي يصيد؟

الجواب على هذا السؤال يتعلق مُباشرة ً بالانتخاب الطبيعي، أو هذه المرة لنقل الانتخاب البشري الصناعي، بمعنى أن الإنسان الأول قد فضل الأنثى قليلة الشعر على تلك كثيرة الشعر، لأن قلة الشعر معناها كما أسلفنا قلة الطُفيليات العالقة بالجسم من قمل و حشرات، و بالتالي فهي علامة صحة، و دليل أن هذه الأنثى معدومة الشعر هي أقدر على حمل و إنجاب طفل ٍ من تلك التي تمتاز بشعرها الأكثر، و قد تركزت هذه الصفة في النساء عبر آلاف الأجيال.

طيب ماذا عن شعر الرأس، فهو ما زال موجودا ً عند الإناث أكثر من الذكور، لماذا؟

إن الرغبة الغريزية عند الأنثى لنقل جيناتها و استمراريتها بالولادة يعني بالضرورة ابتكارها لطريقة جذب ٍ للذكر، طريقة ٍ تفضيلية تمتاز بها عن قريناتها أو لنقل منافساتها الأخريات، و لقد كان الشعر الأملس و الأطول و الذي يُمكن تزينه بوضع نباتات عطرية بداخله وسيلة جلب ٍ للذكر ناجحة أدت إلى غزارة شعر الرأس الأنثوي و بقائه.

بقي أن نسأل، لماذا ما زال الشعر في المناطق التناسلية موجودا ً؟

إن المناطق الخاصة بالأعضاء التناسلية هي مناطق تحتاج لنظافة و عناية أكثر من باقي أعضاء الجسم، و هذه بالذات نقطة إيجابية في صالح بقاء هذا الشعر لأن فورمونات الرائحة الجاذبة للجنس الآخر تعلق بالشعر و يُبقيها لفترات ٍ طويلة مما يزيد في فرص الذكر أو الأنثى لإثارة الطرف الآخر و جلبه للتزاوج و بالتالي نقل الجينات و حفظ النوع و بقائه. إن زوال الشعر عن تلك المناطق معناه تطاير الفورمونات و زوالها و فُرصا ً أقل للتزاوج و البقاء.

إن كل اكتشاف ٍ علمي ٍ جديد يجعلنا نُدرك أكثر و أكثر كم نحن مُتشابهون كبشر بل أننا في الحقيقة واحد إنساني ٌ قبل أن تُفرقنا الأيدولوجيات و المدارس و المذاهب.

متى نتعلم الدرس؟ متى نعشق ُ إنسانيتنا؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملابس الرياضيين في أولمبياد باريس: ملابس لستر أجساد اللاعبات


.. إسرائيل تدرس رد حماس على صفقة التهدئة والمحتجزين ونتنياهو يع




.. تقارير تكشف استمرار تقليص مساحة الضفة الغربية من قبل السلطات


.. إسرائيل تبحث رد حماس على صفقة التهدئة والمحتجزين | #الظهيرة




.. حزب الله يطلق عشرات القذائف والمسيرات صوب شمالي إسرائيل | #ا