الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنتشار المسيحية أوروبا (الحلقة الثانية)

صبري المقدسي

2013 / 12 / 27
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


إنتشار المسيحية
ـ أوروبا ـ
(الحلقة الثانية)

كان بولس الرسول يقطع المسافات الشاسعة بين آسيا واوروبا مبشراً بالديانة المسيحية. ولم يكن يوقفه لا برد الشتاء ولا حرارة الصيف ولا البحار وأمواجها العالية ولا السلطات الرومانية، التي كانت تكره المسيحية كرها شديداً.
وبدأ بولس الرسول رسالته كما هو ظاهر من كتاب "أعمال الرسل" في انطاكيا سنة 40 ميلادية؛ وإستمر العمل التبشيري في المناطق المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط. وقد أصبحت المسيحية، الديانة الرئيسة في تلك المناطق التي شملت (اليونان ومعظم المناطق في جنوب اوروبا وسوريا والاناضول (تركيا) والاسكندرية ومعظم المناطق في شمال افريقا) بعد ثلاثة قرون من الزمان من بداية نشوءها.
ويبدو أن انتشار المسيحية في انطاكيا بدأ بشكل أقوى من أي مكان آخر؛ ولم تشهد حتى اورشليم هذا الإنتشار، بالرغم من قوة الوجود اليهودي فيها، وبالرغم من أن المسيح نفسه قضى معظم حياته في ربوعها والمناطق المحيطة بها. ومن المعلوم إن الإنتشار المسيحي كان في معظم الاحيان يعتمد على اليهود المُقيمين في الشتات، الذين كانوا يتخذون من المجامع والكنيسات اليهودية المراكز الاولى لبدء التبشير في المدن المنتشرة في ربوع الامبراطورية الشاسعة الأطراف. ولقد إعتاد المُبشرون المسيحيون من الخلفية اليهودية، بدءًا باليهود أولا، ومن ثم التوجه نحو الوثنيين. وكان من الطبيعي أن تتحرّر الكنيسة من تعلقها الشدبد في المجامع اليهودية بخاصة بعد قيام الثورة في اسرائيل وتدمير الرومان مدينة أورشليم وهيكلها التاريخي سنة 70 ميلادية.
فإنتشرت المسيحية الاورشليمية المتأثرة باليهودية في تلك المناطق المتآخمة لإورشليم. وأما المسيحية الأنطاكية المتأثرة بالعقلية الرومانية واليونانية؛ فقد نمت وإنتشرت بدورها في المناطق الرومانية الأخرى الى أن وصلت الى مدينة روما في ايطاليا في القرن الاول. وتثبت الإضطهادات التي كان يشنها "نيرون" ضد المسيحيين سنة 64 ، الدليل الواضح على الوجود المسيحي في روما والمناطق الفرنسية والاسبانية، إضافة الى المناطق اليونانية الاغريقية وأجزاء أخرى من اوروبا، كما جاء في رسالة بولس الى أهل رومية 15 / 24 .
وأما السبب في إنتشار المسيحية بهذه السرعة في اوروبا، فهو لكون المجتمع الاوروبي، كان يجمع أجناساً بشرية مختلفة، إضافة الى كون اوروبا في تلك الفترة كانت امبراطورية شاسعة الأطراف، تستقبل جموع المُهاجرين الشرقيين، الذين كانوا يتوافدون اليها سعياً وراء الرزق والعيش الكريم، ناهيك عن حيرة الرومانيين وحاجتهم الشديدة الى الإطمئنان الروحي الأكيد الذي توفره المسيحية. ولا ننسى في طبيعة الحال، دور الروح القدس، الذي عمل على تقوية معنويات الرسل والمسيحيون الاوائل، وتشجيعهم على التغلب على الخوف والمشقات والمصاعب المختلفة. لتلك الأسباب وغيرها، التي أدت الى انتشار المسيحية في الأوساط الفقيرة والغنية، وبين أوساط العسكر، وكذلك السلطات، وكل الذين كانوا يرجون الخلاص من مصيرهم البائس.
مع العلم أن المسيحية إتخذت في تلك الفترة شكل عقيدة منظمة(كنائس وطقوس وعقائد). إلى أن وصلنا إلى القرن الرابع الميلادي، حيث إنتشرت المسيحية بين اسبانيا في الغرب، والامبراطورية الفارسية والقارة الهندية في الشرق. وكانت المسيحية تُضطهد من قبل الرومان والفرس معاً بسبب تعاليمها الاجتماعية والأخلاقية.
وإضطرت المسيحية عام 325 للميلاد إلى عقد مَجمع كنسيّ عام لجميع الكنائس في العالم آنذاك في مدينة نيقية في(تركيا)، والذي تناول قضايا أو شؤون العقائد المسيحية كما في عقيدة الثالوث الأقدس( إله واحد في ثلاثة أقانيم، الآب والأبن والروح القدس). إضافة إلى مجامع كنسيّة اخرى مثل مجمع القسطنطينية(381) ميلادية، ومجمع الخلقيدونية (541) ميلادية.
وأخذت المسيحية تحتل مكانها شيئا فشيئا تجاه العالم الروماني؛ وبرز في هذا العالم مفكرون مسيحيون كبار واساقفة عظام، ومن خلفية رومانية وثنية. وإحتلت المسيحية مكانة مرموقة في حياة رجال ذلك العصر ونسائه، الذين وجدوا في المسيحية انقاذاً لهم من شرور الوثنية الرومانية، ومن الغطرسة التي كان يمارسها نيرون وحاشيته ضدهم.
وإنتشرت المسيحية في فرنسا(غاليا) بعد ايطاليا حيث أن مطلع القرن الرابع الميلادي أصبح التاريخ المعروف في تأسيس الجماعات المسيحية الضخمة، وإنشاء المجامع الكنسية سنة 314 ميلادية. وشهدت تلك الفترة إهتداء الامبراطور الروماني قسطنطينوس الى المسيحية، وإعلان انتهاء الاضطهادات، والشروع ببناء الامبراطورية المسيحية الاولى، التي فرضت المسيحية على الدولة وعلى بقية الشعب غير المؤمن.
وشهد القرن الخامس الفروقات المذهبية ولاسيما بين المدرسة اللاهوتية الاسكندرية والمدرسة اللاهوتية الانطاكية المحسوبتين على الغرب الاوروبي آنذاك. والتي أدت الى الفرقة بين الاخوة في روما والاخوة في القسطنطينية. وتجسد هذا الانشقاق سنة 1054 ميلادية، الذي كان بمثابة الطلاق المؤلم بين الشرق والغرب، والذي استمر الى اليوم بين الكنيسة الارثوذكسية والكاثوليكية، وبين الثقافة الهيلينية والرومانية.
وشهدت الفترة من 867 ـ 868 ميلادية عهدا بطوليا قاما به القديسان الشقيقان بتعميذ "بلاد البلقان". وفي سنة 957 ميلادية اقتبلت الوصية الروسية "أولغا" العماذ، وأصبحت المسيحية، الديانة الرسمية في روسيا 989 ميلادية. وفي سنة 431 ميلادية بشر القديس باتريك المناطق الايرلندية، وبعد مرور نصف قرن على وفاته سنة 461 ميلادية؛ شهدت ايرلندا انفجاراً رهبانياً حقيقياً ونشاطاً ارسالياً عظيماً تحلى به الرهبان المتجولون. وفي سنة 589 ميلادية إهتدى الملك الاسباني ريكاريدوس ومعه الشعب الأسباني والإيبيري. وفي النصف الثاني من القرن التاسع الميلادي إهتدى المورافيون والبلغاريون للمسيحية. وتوجه الامراء المسيحييون في القرن العاشر الميلادي للصقالبة ولإنشاء الكنيسة البولونية وتعميذ أهلها سنة 1000 ميلادية بدافع من الامبراطور "اوتو الثالث" وبعدها بقرن واحد دخلت بوهيميا والمجر والمانيا في الإيمان المسيحي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهدد بحرب واسعة في لبنان وحزب الله يصر على مواصلة ال


.. المنطقة الآمنة لنازحي رفح | #غرفة_الأخبار




.. وثيقة تكشف تفاصيل مقتل الناشطة الإيرانية نيكا شكارامي عام 20


.. تقرير إسباني: سحب الدبابة -أبرامز- من المعارك بسبب مخاوف من




.. السعودية تسعى للتوصل لاتفاقيات شراكة أمنية مع الولايات المتح