الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحريم الديني للذة:

رشيد إيهُوم

2013 / 12 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن الأديان باختلافها هي عبارة عن أوامر ونواهي تفرض على الأشخاص الالتزام بقواعدها انطلاقا من مجموع الأفكار والعقائد المؤسسة لها. وتعتبر الأديان السماوية ( اليهودية والمسيحية والإسلام) أكثر الأديان صرامة في مجال الشرائع.
وسنركز في تحليلنا هذا على مسألة التحريم التي نجدها في الديانات الثلاث .لأن التحريم يعتبر كما أسلفنا الذكر من جملة المنظومات التشريعية التي تتحكم في قيام أي دين معين.
والتحريم يشمل كل الجوانب التي ترتبط بالغرائز والشهوات حيث يقوم هذا التحريم بالحد أو منع هذه الشهوات من التحقق.
فالدين إذن هو رادع لدوافع الشخص وبالتالي يعمل هذا التحريم على تنظيم الدوافع الفردية لتتلاءم مع جملة القيم داخل المجتمع ؛ فالفرد في هذا المستوى يخضع لأنا أعلى جمعي un surmoi collectif يفرض رقابته على الغرائز الفردية .
لكن ما نود الخوض فيه هنا ليس الأسس العقائدية والطقسية التي تتأسس عليها هذه الأديان أو الفعل التحريمي كأداة للضبط الفردي والجماعي. لكن المسألة التي تهمنا هي التحريم كفعل زجري للذة، تضبط وتمنع اللذة le plaisir ولا تترك المجال لتحققها وإرضائها وإن كان ذلك ممكنا فلا يتجاوز إطاره الضيق والمحدود. فالجنس مثلا كلذة إيروسية باستعمالنا لمصطلح فرويد ،لا يمكن للشخص في إطار الدين أن يمارسه خارج الدائرة المرسومة له. فمن كان يريد تحقيق هذه اللذة فالزواج هو الإطار الوحيد الذي يسمح فيه بذلك.
فتحريم اللذة هو في حد ذاته يحمل بعدا مازوخيا الهدف منه هو صلب الذات ومنعها من تحقيق إشباعها الكافي.
فهذه النزعة الصوفية التي تميز كل الأديان تمنع الذات من الخضوع لمنطق الإشباع المباشر، زد على ذلك أن تحقيق هذه اللذة لا يكون أمرا خاصا بالفرد وحدة بل إن الجماعة كذلك تكون معنية بتوزيع هذا الرأسمال الجنسي le capital sexuel وفق ضوابط ومعايير خاصة.
الديانات السماوية وغيرها تمنع اللذة من التحقق في العالم الدنيوي والفاني وتعد "المؤمنين" بتأجيل كل تلك المغريات الدنيوية إلى حين الانتقال إلى العالم الأخروي. العالم الذي يصبح فيه كل شيء جائز وقابل للتحقيق . وهنا لا أقصد اللذة الجنسية فقط التي لا يمكن لها أن تتحقق إلا في إطارها المشروع أي داخل مؤسسة "الزواج". بل إني أقصد كل اللذات الأخرى التي يمكن للذات أن تحقق بها نشوتها كلذة الخمر والغناء وغيرها.
الدين بهذا المنطق يقوم بمنع كل ماهو جميل في الحياة ، لأن اللذائذ هي المبتغى الذي تطمح إليه الذات . وليس العيب في ذلك المنطق بحد ذاته أي منطق تقنين هذه اللذة ومنع الفوضى والإشباع البهيمي الذي من شأنه أن يؤثر في الوجود الإنساني داخل كل مجتمع . بل إن ما يلاحظ خاصة عند المسلمين أن منطق التحريم يسود هذه المجتمعات وتصبح ذهنية التحريم هي التي تحدد التشريع الديني.
وينتشر بسبب ذلك الفقهاء الذين يقتصر تفكيرهم وعملهم على إصدار الفتاوى المحرمة لكل فعل داخل المجتمع يحمل سمة اللذة ؛ والأمثلة على ذلك متعددة.ومقابل ذلك يتم إغفال مسائل أهم بكثير من قمع شهوات الأفراد ألا وهي البحث والتجديد والإصلاح الذي يجب على الفقهاء والمشرعين الدينيين أن ينكبوا عليه بدل اهتمامهم بحميميةl’extrême intimité de l’individu الأفراد والدخول في أمور شخصية تهم الفرد فقط دون غيره.
والأكثر خطورة في الأمر أن هذه التحريمات التي تميز الأديان تجعل معتنقيها يصابون بالوسوسة فيما يتعلق بسلوكهم . فنجد الفرد تسيطر عليه الوساوس القهرية obsessions compulsifs في كل ما يتعلق بنظافته وغرائزه وشهواته. وهنا يكون هذا التشريع الديني السبب الأول في نشر المرض النفسي بين أفراد هذه المجتمعات. فعوض أن يهتم المؤمن بإخلاصه لخالقه وينكب على العمل والإبداع والتطوير،من أجل تحديث المجتمع وعصرنته نجده مهووسا بالتفكير في الاستنجاء والإستبراق؟!!!
وكما يقول ميشيل فوكو المجتمعات الأكثر قمعا للجنس هي المجتمعات الأكثر هوسا به .
وهذا ينطبق على الأمة العربية الإسلامية التي نجد أن لذة الجنس تقمع بشدة تحت ذريعة أن ضبطها أمر واجب وإلا فسدت الأخلاق والقيم وإنتشرالإنحلال الأخلاقي . سنتفق مع هذا الكلام ربما، لكن أن نجعل كل تفكيرنا منصبا على قمع الجنس فهذا ما جعل مجتمعاتنا مجتمعات مكبوتة ومضطربة جنسيا. وبفعل القمع الزائد والتحريم المبالغ فيه فإن أنواعا كثيرة من الظواهر الشاذة من قبيل البيدوفيليا والشذود الجنسي وغيرها أصبحت منتشرة بين ظهرانينا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب: حملة -تزوجني بدون مهر-.. ما حقيقتها؟ • فرانس 24 / FR


.. كأس أمم أوروبا 2024: ديشان يعلن تشكيلة المنتخب الفرنسي.. ما




.. هل تكسر واشنطن هيمنة الصين بالطاقة النظيفة؟


.. سكان قطاع غزة يعانون انعدام الخيام والمواد الغذائية بعد نزوح




.. إسرائيل تقدم ردها لمحكمة العدل الدولية على طلب جنوب إفريقيا