الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التخلف ابن المجتمع

رامي معين محسن

2013 / 12 / 27
المجتمع المدني


قد يبدو للبعض بأن العنوان بمفرداته غريباً قليلاً لكن هذه حقيقة ستنكشف بمجرد تشخيص مجتمعاتنا بشكل عقلاني يرد الأزمات والتحديات إلى أساسها الجذري، دون الغوص في الغيبيات وتجميل ما هو قبيح .
يولد البشر في كل المجتمعات على اختلاف مشاربها أبناء تسعة أشهر كأصل، ومن ثم يبدءون بالنمو في جو من تشابه مراحله، مع اختلاف جوهري في التنشئة والواقع المحيط ومجموع التدخلات، فمثلاً في فلسطين كنموذج يكبرون في جو من التقليد الأعمى الذي يقمع معه كل اختلاف في المهد، في أسر ممتدة يسيطر عليها النظام الأبوي المركزي الذي لا يقبل الرأي الآخر غالباً، انطلاقا من قاعدة أن "من يكبرك يوماً أفهم منك سنة كاملة"، ناهيكم عن سلسلة النواهي والأوامر اللامحدودة أمثال "لا تخرج من البيت، لا تلعب مع ابن الجيران، لا تلبس هذا، لا تفعل كذا، إلبس هذا، أدرس ذاك التخصص،... والقائمة تطول"، مع عدم إغفال سلبية قصص"أبو رجل مسلوخة" و"الحرامي" و "العو" بالتأكيد هذا نموذج يقتل حرية الاختيار وتلغى معه الشخصية المستقلة منذ الصغر.
يلتحق المرء عندنا بالمدرسة النمطية كمرحلة ثانية فيقرأ المناهج التجهيلية ويدرسه "ضابط شرطة" في سلوكياته، يغيب الترفيه والترويح والمشاركة والأنشطة المنهجية واللامنهجية بالإضافة إلى جو الترهيب الأعوج ممثلاً بالعصا والتي لن أبالغ إن قلت ربما هي في بعض الأحيان أطول من تلميذ المرحلة الأساسية .
يكبر المرء في مجتمعنا قليلاً فيصطدم بتنشئة اجتماعية عاجزة ملئا بالخراريف والتناقض والأمثال القامعة للطموح، الأمل، الديناميكية والتفاعل، وتغرس محلها وبقوة الإحباط ،الخوف، اليأس، والعجز في عمر اليافعين والشباب ونستذكر منها للدلالة سوياً "على قد فراشك مد رجليك، واللي بيتطلع على المئذنة بتنكسر رقبته، والحيطان إلها آذان، وقرد موالف ولا غزال مخالف، والإيد اللي ما بتقدر تعضها إدعي عليها بالكسر" .
لا يختلف الحال كثيراً عند الالتحاق بالجامعات الوطنية والتي بمجملها تخرج لنا حملة أوراق بمزاولة مهنة يأكلهم غول التعصب، العنف، عدم قبول الآخر، النفور، ضعف الشخصية وقلة الحيلة ...الخ، والتي بدورها لم تشد عن الحالة العامة السائدة فهي ما زالت مأزومة شأنها في ذلك شأن أي حلقة من حلقات مجتمعنا وربما وصل بها الحد إلى تصدير أزماتها للمجتمع بدلاً من أن تساهم في لحلحة إشكالياته من خلال البحث العلمي والاجتماعي الدقيق، وكلنا يلمس مؤخراً المشكلات وقرارات رفع الرسوم الجامعية رغم الفقر الأزلي للأسر الفلسطينية، وما تبعها من تحويل الجامعات والمجتمع برمته لمسرح استقطاب حاد كل يريد الإفتاء بحسب مصلحته .
ولا أريد الحديث كثيراً عن الأحزاب فكل ما سأقوله فيها أنها مثال حي للتناقض الصارخ والفاضح ما بين الموقف النظري والسلوك أو الممارسة، وينطبق عليها أننا نسمع منها دائماً ضجيجاً ولا نرى طحناً، أما فيما يتعلق بالحكومات فيتجلى دورها بوضوح في أمرين الأول: قمع المواطنين عند المطالبة بأدنى حق لهم عندها، والثاني: في جمع الأتاوات والضرائب عنوة في جو تنعدم معه أبسط مقومات العيش الغير كريم للأسف، وهكذا بقية مقدرات شعبنا كل يجر النار تجاه قرصه وليحرق الجميع، تحررت فلسطين أم لم تتحرر، اللهم جيبي .
وهكذا تدور عجلة إعادة إنتاج التخلف، فالخلف كالسلف واليوم كالأمس وما أشبه عقل الشاب اليوم بعقل جده والشابة بعقل جدتها رغم تقدم السنين وما صاحبها من اختلاف في الأزمان والتطور الرهيب .
أما في اليابان والتي خرجت من الحرب العالمية الثانية مسحوقة جراء ضربها بالقنابل النووية، نجدها في قمة الهرم اليوم، هذا ليس محض صدفة إنما هو نتيجة قرار ذاتي وجمعي مفاده أننا سنغزو العالم، ستنهض اليابان من كبوتها، سنصير الدولة الأولى على صعيد الهايتك والتكنولوجيا، سنسابق العالم، سنعيد مجد اليابان، اليابان بحاجة إلى جهود أبناءه، يمكننا الوصول إلى ما نريد، لم يجعجع القائم عليها آنذاك جعجعة كما يجعجع الكثيرين في بلادنا، إنما قام بالاعتراف أولاً بالهزيمة النكراء على طريق الانتصارات ومن ثمة بوضع الخطط العملية للخروج من السخطة، لم يكابر رغم أنه مطحون وبلاده، لم يكذب على شعبه، لم يخدر عقول اليابانيين بتصوير الهزيمة على أنها نصراً موهوم، لم يقل لشعبه أننا خير أمة أخرجت للناس كما يكذبون علينا صباح مساء، لم يسرق خيرات اليابان، ولم يطلب من اليابانيين مد أيديهم للسماء والتضرع بالدعاء كما يفعل الغافلون في بلادنا، إنما طلب منهم النظر إلى الأرض والإمساك بالأيدي التي تنهب خيرات البلاد، لم يرد الأمر إلى الغيب والقدر حتى لا يزدادون غرقا في عالم الماوراء، وإنما ردها إلى أسباب علمية منطقية واقعية، غرس في اليابانيين القدرة وحب العمل والإصرار على النجاح، زرع فيهم أنه إن شئنا سنصل لما نريد وسنصل القمر والمريخ، صقل الأطفال والشباب على حب الوطن والعلم والتطور والإمكانية والفاعلية لم يقل لهم كما يقولون لنا على قد فراشك مد رجليك، والأهم من ذلك أن قام بتوفير كل متطلبات النهوض بالبلاد وعلى كل الأصعدة حتى أمسى الطفل الياباني يصنع ساعة يد في الحضانات والصف الأول، وعلى هذا سار من والاه إلى يومنا، وكلنا يعرف أين تقف اليابان اليوم على سلم الدول، وأين نحن نقف !.
أذكر قصة أن يابانياً زار ألمانيا للدراسة فيها وبعد مضي فترة قصيرة من الاحتكاك بالألمان بعث مذكرة لعائلته يكتب فيها "أن الألمان شعب كسول"، هكذا وصف الألمان الذين قطعوا من العلم مسافات ضوئية قياساً بمجتمعاتنا، فما بالكم ماذا سيقول هذا الياباني لو زار "فلسطين" الضفة الغربية وقطاع غزة وعايش سكانها ؟!.
الخلاصة أن التطور والتخلف صفة متلازمة وليدة المجتمعات، والنماذج هنا كثيرة وحاضرة، وعليه فإننا كشباب ونشطاء ومثقفين مطالبين بأن نساهم في رسم ملامح المجتمع الذي نريد عنوة حتى لو كلفنا الأمر بذل أرواحنا على طريق المجد والتطور، قبل فوات الآوان والندم لا ينفع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا.. اشتباكات واعتقالات خلال احتجاج لمنع توقيف مهاجرين


.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في




.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال


.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال




.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار