الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرية المعرفة وفلسفة العقل

عبدالعليم معلا التوم

2013 / 12 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تقودنا بداية البحث في الإبســتومولوجيا أو ما يســمى بـ نظرية المعرفة إلى البحث في مفهوم العقل، إذ على مفهوم العقل أن يعتمد كل ما يتعلق بالمعرفة ومصادرها.

كان مفهوم العقل أحد الأمور التي بحثت عند المسلمين كثيرا في الفلسفة وعلم الكلام وغيرهما من المعارف الفكرية، وتوصلوا فيها إلى نتائج عديدة، برزت فيها توجهات مختلفة؛ إلا أن التوجه الأكثر رواجًا، والذي يمكن القول بأنه يمثل وجهة النظر الإسلامية، هو ذلك الذي ينظر إلى العقل بوصفه فعلا غريزيا فطريا غير مكتسب ، هو الذي يُكسِب الإنسان إنسانيته، وهو فعل يقوم على وجود مسلمات موجودة فيه كونها علمًا ضروريًّا .

واعتماداً على هذا العلم الضروري القائم يستطيع الإنسان بناء المعرفة التي توصف بـ المكتسبة ؛ مما يعني أن العقل ليس مفهومًا فيزيولوجيًّا، وإنما هو فعل وقدرة، فبنية العقل في منظورها الإسلامي تتألف من العلم الضروري والقدرة على المعالجة (التحليل والتركيب والحفظ والمقارنة...).

إن القول بوجود علم ضروري يعني أن بإمكان العقل البشري - نظريًّا في الأقل- التوصل إلى المعرفة اليقينية ، وهي في كل الأحوال معرفة مكتسبة، أي معرفة تتراوح مستوياتها من الخطأ إلى الوهم فالشك فالظن فاليقين.

غير أن الوصول إلى اليقين - معرفة الشيء كما هو عليه في الواقع - أمر لا يمكن أن يستقل به العقل البشري دائمًا، وحتى عندما يكون ذلك ممكناً، فإنه على مستويات جزئية فحسب وليست كلية. فالوصول إلى المعرفة الكلية حيث العلة الأولى أمر غير ممكن بدون مصدر معرفة خارجي ، هو في المحصلة مدبر الكون والقوة الخالقة المطلقة (الله). وعلى هذا، فالوصول إلى اليقين العقلي (المعرفي) يشترط وجود الوحي ضمن مكونات نظرية المعرفة.

لقد دشن الفيلسوف البريطاني فرانسيس بيكون جهود إعادة بناء مفهوم العقل الذي حمل كتابه الآلة الجديدة الجانب الفطري من العقل مسؤولية ارتكاب الأخطاء وتشويه الحقائق ؛ لأنه أكثر جنوحاً للخطأ من الأحاسيس . لم يلبث بعد ذلك أن استبعد أقطاب المدرسة الوضعية مثل: جون لوك (1704) وديفيد هيوم (1777) مفهوم المعرفة الفطرية (العلم الضروري) جملةً وتفصيلاً، وكان هيوم يعمل جاهداً لأخذ المنطق الوضعي إلى نهايته؛ لينكر أن مبادئ وعمليات العقل بحد ذاتها ليست فطرية وإنما هي مكتسبة. لكن إنكار هيوم أدى إلى إنكار الرابطة الضرورية بين السبب والمسبب، وتحويلها إلى رابطة شكلية ظاهرية ناتجة من مجرد الألفة والعادة.. وهو ما يؤدي بالفكر الوضعي إلى نسبية مطلقة. فالعقل لم يعد ينطوي على مبادئ ثابتة، بل على مجموعة من القواعد المستمدة من العادة والألفة.

غير أن أفكار كانط - التي قدر لها أن تصوغ الفكر الغربي - أعادت بعض التوازن للفكر الغربي بإعادة مفهوم المبادئ الفطرية والضرورية، لكنها كرست النظرة الوضعية في الوقت نفسه؛ إذ جعلت استخدام هذه المبادئ الفطرية في غير المحسوس أمراً مستحيلاً، مما جعل العقل يقتصر في إدراكه على الحقائق الجزئية إلى حقيقة كلية متمثلة في إله خالق مهيمن، على الرغم من اعترافه بضرورة رد عالم الظواهر المحسوسة إلى عالم علوي ما ورائي.

المفارقة المذهلة التي يلاحظها بعض الباحثين تتمثل في إنكار كانت قدرة العقل النظري (الخالص) على الوصول إلى معرفة راسخة للحق العلوي، في الوقت الذي يؤكد فيه لزوم مفهومي الله واليوم الآخر لتأسيس فعل أخلاقي عند الحديث عن العقل العملي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا قال النائب الفرنسي الذي رفع العلم الفلسطيني في الجمعية


.. لا التحذيرات ولا القرارات ولا الاحتجاجات قادرة على وقف الهجو




.. تحديات وأمواج عاتية وأضرار.. شاهد ما حل بالرصيف العائم في غز


.. لجنة التاريخ والذاكرة الجزائرية الفرنسية تعقد اجتماعها الخام




.. إياد الفرا: الاعتبارات السياسية حاضرة في اجتياح رفح