الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من سفر التطوير الديني - إصلاح الكنيسة – الطلاق

نضال الربضي

2013 / 12 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من سفر التطوير الديني - إصلاح الكنيسة – الطلاق

الزواج في المسيحية هو سر من الأسرار السبعة. و السر كما نفهمه و تعرفه الكنيسة هو "فعل محسوس يؤدئ عمل و يُنتج أثر غير محسوس"، و لذلك فالزواج ليس عقدا ً بين رجل و امرأة لكن هو اتحاد تام بينهما يصبح فيه العقل و القلب و النفس و الجسد واحدا ً. و أبلغ ما يُعبر عن هذا الأمر هو قول السيد "لذلك يترك الرجل أباه و أمه و يلزم إمرأته فيصير الإثنان جسدا ً واحدا ً" (متى فصل 19 آية 5).

و تُعطي المسيحية الزواج بُعدا ً إلهيا ً لا يمكن تجاوزه حيث يكون الله نفسه هو من يجمع الرجل و المرأة و يُبارك اقترانهما و يعطيه صفة القداسة في فعل الاقتران و في الأفعال اللاحقة و في النتائج المُترتبة عن فعل الاقتران و عن الأفعال اللاحقة. فيقول السيد أيضا ً في إنجيل متى الفصل 19 الآية 6 "فليسا بعد اثنين بل واحدا ً و ما جمعه الله لا يفرقه إنسان".

من الآية السابقة نفهم أن عملية الجمع بين الزوجين هي عملية دائمة أبدية لا يمكن فصمها أو فكها، و تعطي الكنيسة هذه العملية قُدسية أكبر حينما تعلمنا أن خادم سر الزواج ليس الكاهن مثل باقي الأسرار لكن الزوجين نفسيهما، مما يدل أن الزوجين و الزوجين وحدهما هما خدام السر و القائمين بالفعل المحسوس الذي سينتج عنه أثر الجمع الإلهي غير المحسوس، و هذه نقطة جوهرية في فهم التقديم المُقبل، و لنُعط ِ هذا الطرح اسم طرح 1.

نلاحظ أيضا ً حينما ندرس النصوص الخاصة بالزواج أن السيد المسيح قد شرع سببا ً واحدا ً تحدث عنه لفصم عُرى الزواج و هو سبب الزنى، فهو يقول "و اقول لكم ان من طلق امراته الا بسبب الزنى و تزوج باخرى يزني و الذي يتزوج بمطلقة يزني" (متى فصل 19 آية 9) و ما يهم هنا هو أن الطلاق ممكن، و أن الرابطة يمكن فصلها على الرغم من أنها إلهية، و لنعط ِ هذا الطرح اسم طرح 2.

يتحدث الرسول بولس عن قدسية الزواج المسيحي فهو يشبهه بأوثق علاقة نعرفها في المسيحية و هي علاقة المسيح في الكنيسة، المسيح العروس بالكنيسه عروسه، و كما أن المسيح لا ينفصل عن الكنيسة فكذلك الرجل لا ينفصل عن زوجته و هي لا تنفصل عنه "أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح الكنيسة و أسلم نفسه من أجلها" (رسالة بولس إلى أهل أفسس الفصل 5 الآية 25)، و نلاحظ من سياق الكلام علاقة قبول متبادل هي إسلام المسيح نفسه من أجل الكنيسة و قبول الكنيسة بالمسيح، و لنعط ِ هذا الطرح اسم طرح 3.

و حتى نفهم روح المسيح التي كان يتحدث بها لسامعيه، فنستطيع أن نُدرك أبعاد كلامه و معاني تعاليمه لا بد لنا من تأمل سيرته نفسها حيث كان ثائرا ً على حرفية الشريعة كما يظهر من موقفه من رجم الزانية و استبداله الجديد من شريعة الصفح بالقديم من شريعة الرجم (يوحنا الفصل 8). طرح 4، و من موقفه من تفسير العمل في السبت حيث قال بوضوح شديد "إني أريد رحمة لا ذبيحة" (متى فصل 12 آية 7). طرح 5.

كما كان دأبه الدائم هو خدمة الإنسان و جعل كرامته البشرية فوق كل اعتبار، فهو الذي كان يقول "السبت إنما جُعل لأجل الإنسان، لا الإنسان لأجل السبت" (مرقس الفصل 2 الآية 27) فكانت بشارته تضع الإنسان كمحور تدور حوله كل الأفعال الخلاصية و هو الذي كان يردد "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى، لم آتي لأدعو أبرارا ً بل خطأة ً إلى التوبة" (مرقس الفصل 2 الآية 17). طرح 6.

و نعلم أيضا ً أن السيد لم يضع تشريعا ً مسيحيا ً لكن ترك للمسيحين تشريع أمور حياتهم بأيديهم، و تركزت رسالته على خلاص النفوس و بناء العلاقة مركزيا ً و أفقيا ً و عاموديا ً، فالمركزية هي مصالحة الإنسان مع نفسه و مشاعره و أحاسيسه و كيانه الخاص، و الأفقية هي ببناء العلاقة بين الإنسان و البشر الآخرين، و العاموديه هي بناء العلاقة بين الإنسان و الله، في شمولية خلاصية تامة. و قد أعطى السيد للكنيسة الرسولية سُلطان سياسة أمور المؤمنين بحسب حاجاتهم حين قال "وأنا أقول لك أيضا: أنت بطرس، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطا في السماوات. وكل ما تحله على الأرض يكون محلولا في السماوات" (متى فصل 16 الآيات 18 و 19) طرح 7.

بالنظر إلى الواقع الحالي للعائلات المسيحية في قرننا الواحد و العشرين لا بد و أن نعترف بتنامي التحديات التي تواجهها، فمن تعقد أنماط المعيشة و اضطرار الأزواج للعمل لساعات طويلة تؤدي إلى إهمالهم لبعضهم، مصحوبة ً بتصاعدات الأزمات الاقتصادية و عدم قدرة البعض على تحمل أنماط شاقة من الحياة، بالإضافة إلى سهولة الاتصال البشري بين الناس بواسطة برامج الموبايلات مثل الواتس آب و الفيبر و التانغو و بالتالي ظهور أشكال جديدة من العلاقات و ارتفاع نسب الخيانات بشكل قياسي، لا بد و أن نعترف بالحاجة الملحة لمراجعة قوانين الزواج و الطلاق.

لا ينفع بأي شكل من الأشكال أن نلتصق بالقوانين العتيقة و الإرث الرسولي بتحريم الطلاق، و تجريمه و الحديث عنه مصحوبا ً بالنبرة الكارهة المُشمئزة الواصمة له و للزوجين بالنجاسة و الدونية و النفي من دائرة القبول الديني و الاجتماعي، و علينا أن نعترف بشجاعة باستحقاقات قرن ٍ تكنولوجي ٍ مُخيف ٍ في ماديته و استهلاكيته و ضريبته الحياتية و التي تستتبع بالضرورة قرارات شجاعة تنسجم مع حاجات المؤمنين و تعالجها و تُشبعها بدلا ً من تفرض قيودا ً لا معنى لها و لا تخدم سوى تشنجات قرون ماضية ليس هنا زمانها أو وقتها.

أنظر بعين القلق إلى عائلات كثيرة منها من أعرفه شخصيا ً تتحطم على صخرة الجمود العقائدي و العناد الكنسي غير المبرر، في الوقت الذي يمكنها أن تنفصل بكرامة تحفظ للزوجين ماء وجهيهما و تسمح لهما بمتابعة حياتيهما مع شركاء مسيحين جدد و تنظم شكل العلاقة مع الأولاد لتضمن نموا ً نفسيا ً و روحيا ً سويا ً لهم، في حضن الكنيسة الغني بالأمل و الرجاء و السلام المسيحي الذي نعرف.

على الكنيسة أن تتخذ قرارا ً شجاعا ً بالسماح بالطلاق بين الأزواج بناء ً على الطروحات السابقة و التي قدمتها بالأرقام من 1 إلى 7، لأن خادمي السر في الطرح الأول و هما الزوجان هما من يُنشئ و يسمح بالجمع الإلهي بينهما كما في طرح 2، هذا الجمع الذي يمكن تفريقه لأنه اختياري في نشأته و بالتالي سيكون بضرورة المنطق اختياريا ً في تفريقه أيضا ً بنفس الطرح 2.

و على الكنيسة أن تعترف أيضا ً أن القداسة الزوجية هي قداسة قائمة على الاختبار لا على الإجبار، اختيار المسيح كما في طرح رقم 3 بحسب روح سماحة و مرونة تضع مصلحة الإنسان فوق كل شئ كما في طروحات 4 و 5 و 6.

كما و على الكنيسة أن لا تهاب من النص الإنجيلي و ألا تنظر إليه كمُعيق، لأن المسيح نفسه لم يرى في نص التوراة مُعيقا ً، و لم يتردد لحظة ً واحدة في تغيره و تعديله و رفع مستواه حينما فشل ذلك الأخير في بناء الإنسان و تلبيه احتياجاته، و ها هو السيد نفسه يعطيهم العذر و الحجة و القدرة و السلطة و الحق في التغير و أي سلطة ٍ أكثر مما شاهدناه في طرح رقم 7.

أثبتت الكنيسة عبر العصور مُرونة ً في الاستجابة لحاجات المؤمنين و ها إن الحاجة لتشريع الطلاق تبرز في هذا العصر و تُطل بقوة لا يمكننا تجاهلها أو التعامي عنها أو التعامل معها بأساليب الماضي و إرثه الذي صلُح لعصر ٍ و عصور و لا يصلح لنا أو للعصور القادمة، و على الكنيسة أن تمضي دون تردد في احتضان معاناة أبنائها و بناتها و الاستجابة العلاجية لها لا بالمُثل و التنظير و اللاهوتيات لكن بالعمل الواقعي و التشريعي الذي يعترف بحجمها و تأثيرها و يتفاعل معها إنسانيا ً دون تشنج عقائدي لا مبرر له و لا يمكن قبوله.

أتمنى من الإخوة و الأخوات التفاعل مع دعوتي هذه و دراستها و تدبرها لمصلحتنا جميعا ً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - النص لخدمة الانسان
رائد الحواري ( 2013 / 12 / 31 - 04:20 )
الكاتب متمكن من مادته العلمية، فقد استطاع ان بقدم حقائق ـ نصية ـ حول النص المقدس الذي وجد لخدمة الانسان، وليس الانسان لخدمة النص، واعتقد هذا من اهم المسائل العقلية التي يطرحها الكاتب


2 - مؤيد وبشدة
محمد بن عبد الله ( 2013 / 12 / 31 - 10:59 )
عرضت ببلاغة ملخصا شاملا لهذه المسألة التي شغلتني منذ فترة وفكرت فيها طويلا بسبب وقوفي على حالات كالتي ذكرت وتوصلت إلى نفس النتائج والتوصيات والتي في مقالك المفيد

كنيستنا تعرف مبدأ الإيكونوميا (التدبير) وتعمل به في العديد من المسائل بل ويطبقه بعض الاكليريكيين على مسألة الانفصال والطلاق

أوافقك تماما في كل ما تدعو إليه

شكرا


3 - السيد
samir soliman ( 2014 / 1 / 4 - 20:15 )
حياة السيد العظيم بكاملها علي الارض تقوم علي مبدا اساسي واضح جدا في الانجيل هي تحرير الانسان تحريرا تاما من كل اشكال العتق التاريخيه و الاجتماعيه و الدينيه هذا يتضح جليا في موقفه من الشريعه اليهوديه و موقفه من القيود الاجتماعيه التي احدثهتها الجماعات الدينيه و السيااسيه و موقفه من الانفصال التاريخي بين الانسان و الاخر الذي كان سائدا في الشعوب و الحضارات القديمه فتعلمنا من السيد ان حرية الانسان و خلاصه و قيمته هي اهداف الله الاساسيه لذلك اظن ان علي عروس المسيح ان تدور مع هذه القيم الثلاث لتقدم لله انسانا قادرا حيا علي اختيار الله كاب و اختيار الاخريين من البشر كاخوه لذلك يجب علي الكنيسه ان تزول كل ما تراها عائقا امام تحقيق اهداف الله خصوصا ان السيد اعطي للكنيسه القدره علي تطوير و تغيير روئيتها بما تراها صالحا لتحقيق ارادة الله نحو الانسان

اخر الافلام

.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - رئيس الوزراء يهنئ الرئيس السيسي و


.. وادي الرافدين وتراثه القديم محاضرة استذكارية وحوارفي الذكرى




.. ليبيا.. هيي?ة الا?وقاف في طرابلس تثير ضجة واسعة بمهاجمتها ال


.. 158-An-Nisa




.. 160-An-Nisa