الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من البصرة الى اسطنبول

مفيد بدر عبدالله

2014 / 1 / 1
المجتمع المدني


اكثر ما كان يخيفني وانا طفل صغير الاماكن المرتفعة ، فهي تصيني بالدوار و تجعل قلبي يخفق بشكل مضطرب ، كنت اخشى حتى الاقتراب من سياج سطح بيتنا حين اصعد مع اخوتي لنلعب بالطائرات الورقية، ومما فاقم عندي هذا الشعور في الكبر مشهد مرعب لسقوط احد الاشخاص من بناية شاهقة أمام عيني في بغداد، ارتطم بالأرض الصلبة فلم اطق النظر أليه ، فتقهقرت هاربا مبتعدا عن المكان .
شاء القدر وبعد انتظار يربو على الخمسة اعوام ان يقع علي الاختيار من ضمن المرشحين للإيفاد الى تركيا ، وما ان عرفت حتى صارت تتزاحم في مخيلتي صور لحوادث الطيران المروعة التي شاهدتها من على شاشة التلفاز ، لكن سببا قويا دعاني لتناسى كل هذا التاريخ من الخوف والريبة ، وهو ان قدمي لم تطأ ارضا غير بلادي رغم اني في منتصف عقدي الرابع من العمر، ويثير كلام اصدقائي عن البلدان الاخرى رغبة كبيرة بداخلي لمشاهدة ما يصفون ،فمنذ اعوام وبعد جهد جهيد حصلت على جواز سفر ، واذكر ان احد الطوابير الذي كنت عالقا فيه لا يقل عدده عن المائتين ، عيل صبري ، وكاد ان يغمى علي ، تمنيت حينها ان تكون في تلك الدائرة غرفة للمساج لتعيد لأرجلي القدرة على حملي حتى ان احدنا أخذ بتوزيع اقراص ( الفولتارين ) المسكنة لإلام المفاصل على بعضنا ، وعلى الرغم من كل هذه المعاناة والاعوام الخمسة التي مرت الا ان صفحات جوازي ظلت بيضاء ناصعة ، فيما تمتلئ صفحات موظفين اخرين وبفترة وجيزة بعشرات الاختام مما يضطرهم لاستبداله، وما دامت تكيفيني اربع او خمس وريقات فما المانع من ان تضاف المتبقية لجوازات هؤلاء حتى توفر عليهم عناء استبداله بين حين واخر، والفائدة الاخر ستكون لي حيث اني بعد كل سفرة اتفاخر بان جوازي قد نفذ كما اسمع منهم وهم يتفاخرون.
اوصلني اخي مكان تجمعنا فودعني واوصيته بأمي خيرا ثم توجهنا للمطار ، ظل هاجس الخوف يتنامى كلما اقتربنا من المطار، وانا اعيش صراعا بداخلي بين خوفي ورغبتي صعدت الطائرة ، حبست انفاسي بعدما قرأت المعوذات ، وانطلقت بنا الطائرة ، ورغم الخوف الكامن في نفسي الا احسست بجمال الغيوم وهي تحيط بالطائرة ، هو منظر غاية بالروعة، ما كان يهون علي زميلي الذي يجلس بجانبي ، فيحدثني تارة وينظر من نافذة الطائرة تارة اخرى ويصف لي المناطق مستدلا بتضاريس الارض ولوحة الدلالة التي امامنا ، وانا انصت بتأمل كبير، استوعبت كل ما قاله لي الا عبارة واحدة " نحن الان فوق بغداد " , فكيف لنا ان نكون فوق بغداد، وفيها من يديرون شؤوننا ويمسكون بزمام امورنا، راودني حينها شعور وانا على هذا الارتفاع الشاهق بانهم لازالوا فوقي ، فهم من يقررون كل ما يتعلق بحياتي بدا مما استلمه في البطاقة التموينية ولا ينتهي بما اتقاضاه من راتب شهري ، فبلمساتهم السحرية يتم اضفاء الالوان على حياتنا اليومية ، فانا كالآخرين انتظر منهم الكثير الكثير ، فهم المسؤولون عن كوني موظف منذ اعوام في بلد غني واسكن مع اخوتي المتزجين في بيت متهالك بناه ابونا قبل نصف قرن من الزمان وكأننا في فندق ، فيما ارى من نافذة الطائرة ارضا شاسعة تكفي لأضعاف عدد العراقيين .
وما أن وطأتا قدماي ارض اسطنبول أخرجت هاتفي متصلا بأخي الذي اوصلني لاطمأن على امي العليلة ، فتفاجأت بانه لم يصل بيتنا بعد وانه عالق في أحدى نقاط التفتيش فالأوضاع كانت متشنجة نتيجة لحدوث عمل ارهابي ، ورغم خوفي على أمي الا اني ضحكت وكأني استمع لطرفة ، كوني قطعت مسافة تصل لألاف الكيلومترات وعبرت لقارة أوربا ولم يصل اخي لمسافة لا تتجاوز العشرين كيلومترا ، ولكن ما حدث في مدينتي صار من أهم أسباب بددت المخاوف عندي من ركوب الطائرات ، فلقد تيقنت بان المسير في شوارعنا أخطر بكثير من ركوب الطائرات ، فلو أحصينا من لقوا حتفهم بحوادث الطائرات في كل العالم سنجده لا يوازي عشر مما خطفته منا يد الارهاب الاسود ، لك الله يا عراق .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Thailand: How online violence and Pegasus spyware is used to


.. التونسيون يتظاهرون لفلسطين في عيد العمال




.. بريطانيا تبدأ احتجاز المهاجرين المقرر ترحيلهم لرواندا


.. وزير الداخلية التركي: اعتقال 41 شخصا لـ-الاشتباه في صلات تر




.. المنظمة الدولية للهجرة تحذر من ارتفاع عدد اللاجئين السوريين