الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيروز تُخرج من الملة

زين اليوسف
مُدوِّنة عربية

(Zeina Al-omar)

2014 / 1 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كانت البداية مع أغنية أعطني الناي..عندما غنتها فيروز لأول مرة في ستينيات القرن الماضي -إذ لم أكن مخطئة- هاجم تلك الأغنية العديد من شيوخ الدين و تجاوزوا الهجوم النقدي للكلمات لدرجة تكفير فيروز كشخص و إخراجها من الملة..متناسين "أو لعله الجهل المتوارث" أن فيروز مسيحية الديانة و لا ينطبق عليها النهج التكفيري الذي يسري علينا مُبتلين به كمسلمين بل يجب أن يتم حرمانها كنَّسياً و بأمر مباشر من بابا الكنيسة التي تعتبر فيروز من رعاياها.

و لكن تلك الحادثة على بساطتها تفسر لنا -كما فسرت لي حينها- الموروث الاستعلائي الذي يغمر العقلية الإسلامية خاصة ممن يُعتبرون قادة الأمة دينياً..تلك العقلية الاستعلائية التي أصبح يمارسها أغلب المسلمون تجاه الآخر كنتيجة طبيعية لكونهم "رضعوها" من شيوخهم..فالمسلم يتربى و لديه قناعة بأن الجنة تنتظره بمجرد أن ينتقل من هذه الحياة إلى الحياة الأخرى..و ما يعمله في هذه الحياة هو "تحصيل حصل"..فيكفيه أن ينطق الشهادتين قبل موته ليكون من أعضاء نادي "الفرقة الناجية" الملكي.

تعامل المسلم مع موضوع الجنة فيه الكثير من الثقة بل و يُقارب في كثير من الأوقات نوع من الوصاية على الله..فنجد أن المسلم يسلب الرب حقه المتفرد في تحديد ساكنيها ليصبح هو القائم على أبوابها بل و المتصرف فيها..و كأنه لأنه ولد مسلم - بالحظ أو بالوراثة أيهما يروق لك- يجعله متفوقاً على الآخرين..فيحق له الاستهزاء بالمذاهب الأخرى بل و بالأديان الأخرى لأن ذلك بالنسبة إليه هو ركن من أركان إيمانه تبعاً لما لُقَّن له بأنه من الفرقة الناجية.

تلك الثقافة "النازية" لا تقتصر في تعامل المسلم مع أقرانه من المخالفين له من ذات مذهبه أو من سواه بل تتعداها ليمارسها مع معتنقي الأديان الأخرى أيضاً..فالثقة التي يتحدث بها المسلم عن كون الجنة مقتصرةً على المسلمين تعتمد في الأساس على آية "وحيدة" معروفة لنا جميعاً و لكن ذات الآية لم تتحدث عن رفض الله المطلق لدخول الآخرين للجنة!!..كما أن ذات المسلم يتجاهل آيات كثيرة ذكر الله فيها صراحة أن نجاتك في يوم القيامة لا يعتمد على دينك بمقدار ما يحتويه قلبك "السليم" من إيمان به كرب لك..فلم يقرن الله القلب بدين معين ليكون سليماً في نظره.

لماذا نذهب بعيداً في أمثلتنا..ألم يحدث أن تناقشت يوماً مع أي مسلم و وجدت أنه يتعامل معك "أي المخالف له" على أساس أنه يريد لك الخير لكي تلحق به لـ"هناك"!!..فهو يتعامل مع "هناك" على أنه أمر مفروغ منه مُسلَّم به بالنسبة إليه و لكن الغير مفروغ منه هو من سيلحق به إلى "هناك" فهو لم يقرر بعد من يستحقها معه!!.

حتى لو لاحظنا الطريقة التي يُمَّجد بها الأشخاص في تاريخنا الإسلامي نجد أن أغلب المسلمين يمجدون الشخصيات الإقصائية للآخر..لأنها بشكل أو بآخر تمثل لهم إنعكاساً ذواتهم و لكن مع الكثير من السلطة الدنيوية..فنجد أن شخصيات مثل صدام حسين أو الحجاج أو حتى يزيد لها مريدوها و محبيها..بينما نجد أن ضحايا بطشهم لا يحصدون ذلك التعاطف الشعبي أو حتى التاريخي..فهنا لا يكون الخلاف على الفئة "الضحية" و وجوب التعاطف الإنساني معها بل الخلاف هل كانت معي أم ضدي كفكر و كنهج..فهذا ما سيُحدد موقفي منها.

أتذكر أنه عندما سمعت أغنية فيروز لأول مرة استغربت تلك الهجمة الشرسة عليها..و التي كانت كلها بسبب عبارة واحدة فقط و هي "و أنين الناي يبقى بعد أن يفنى الوجود"..فلقد ترك المنصتون لصوت فيروز كل الصور الصوفية التي تغرقنا بها كلمات الأغنية و تركوا صوت فيروز الملائكي و الذي هو هبة من الله ليتساءلوا:"من كانت تقصد بأنه سيمسك بالناي ليعزف عليه بعد أن يفنى الوجود"!!..أليست مفاتيح الجنة لديكم فكيف غابت عنكم إجابة هذا السؤال!!.

لو كففنا يوماً عن تلك الثقة "الشيطانية" بإمتلاكنا لحق توزيع البشر على الجنة و النار لربما تمكنا من تقبل الآخرين بل و التواصل معهم إنسانياً..و لكن طالما أننا ننظر إلى المختلف عنَّا على أنه كائن هالك و مصيره الجحيم الأبدي تبعاً لقرارنا نحن دون الرب فسيكون من السهل علينا دائماً شتمه و قتله و سحله و قطع عنقه و اغتصاب نسائه و سبي أطفاله..فهو لا شيء و إلى الجحيم مصيره و كل ما فعلته له أنت كمسلم أنك أشفقت عليه و "اختصرت" عليه الطريق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم


.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس




.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي


.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س




.. غانتس يشيد بقرار المحكمة العليا بتجنيد طلاب المدارس الدينية