الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تسامح الجزائر مع اكتساح النشاط الطقوسي/السياسي للمجال العام

أحمد التاوتي

2014 / 1 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كل شيء يبدأ من الثقافة..
ما معنى أن نحظر حزبا إرهابيا و ننفق المليارات على الأنشطة الثقافية و الاجتماعية لجمعيات تابعة للمدرسة أو التيار التي تخرج منها ذلك الحزب؟ لماذا تتنازل الدولة عن جملة من صلاحياتها في تنشئة الشباب و تربيتهم و توجيههم إلى سلطة المسجد؟

حدث ذات يوم من شتاء 1997 أن شاءت ولاية عرداية تنظيم ملتقى وطني من اجل تطوير "البوليفونيا" المجموعات الصوتية.. و كان مما كتبته آنذاك عن الموضوع يركز على الأبعاد الاجتماعية و التطورات التعايشية لهكذا فن..
طبعا كالعادة في ذلك الوقت، لم "يرق" المقال إلى قبوله للنشر بصحفنا الوطنية لأسباب أرجو أن تكون "تقنية"... لا علينا..
ها أنا اليوم و بالصدفة ألمح من بين أوراقي هذا المقال اليتيم الذي بعد أن أعدت قراءته وجدته على جدة كأنه وليد اليوم. لأنني وقتها كنت أفكر في جميع الموضوعات الفنية و الثقافية بطريقة المراقب للإسقاطات السياسية لها داخل المجتمع.. و كنت ألاحظ جيدا اثر الإسلام في ظاهرة الانشاد الجماعي و المجموعات الصوتية التي نبتت كالفطير منذ منتصف الثمانينات مع التنظيمات الاخوانية و السلفية و غيرها.
باختصار يصل المقال الى اقتراح أفكار عديدة و أصيلة أهمها أمرين:
- استبدال الموقف الجزائري بما يسمى، الهوية الجزائرية.
- استبدال الشارع الجزائري بما يسمى، المحلية الجزائرية
--------------------------------------------------------
قبل التطوير

يوجد رواقان لعمل الترقية في مجال المجموعات الصوتية، الإدماج الاجتماعي عبر قنوات عفو الرصيف.. و التطوير الفني إلى المثال البوليفوني.
الإدماج الاجتماعي أولا، و ذلك لخطورة التطور النفسي للمجموعات – أية مجموعة- على مستويات النص / التوجيه، الهيئة / التميز، التمارين / الالتزام، و جميع ما يشكل مع الزمن مجموعة ما داخل الشارع الكبير.، شبت على جوامع كلم ليست من بيان الشارع، و صرامة ليست من صرامته، و هيئة ليست من هيئته، و وحي أناشيد ليسن من مدرسة الراهن، و لكنها عائدة من التاريخ أو مهاجرة إلى جغرافية أخرى.
ان التطور المحذور لا يمكن مراقبته، بله التحكم فيه.. و هو منفرج لزاما على نوع من التفرد و التميز و التغاير.
هذا التغاير ليس بحال من تغاير الثراء المجتمعي ..، و لكنه تغاير تكتلي ما دامت الحركة تتعلق بمجموعة و ليس بفرد.. و المؤشر الوحيد لتحديد طبيعة الاختلاف هو المنطلق.. إذا كان دينا، يسلم إلى شرائحية التغاير الجماعي المسلم حتما إلى التنافر بقفاز التحزب و التنافس. و إذا لم يكن المنطلق دينيا، يصبح الأمر ثراء مجتمعيا و تعددا ثقافيا ليس إلا.
و مهما كان المستوى الفني للمجموعات الصوتية متواضعا في وطننا إلا أن الإنشاد الجماعي – كيفما كان – يتميز عن باقي أنواع الطرب الأخرى بكونه خاص بشحذ الهمم و مخاطبة الضمير... انه سحر يلعب بالناس بين مواقع اديولوجية أو "روحية" كما يلعب الموج بسقط الألواح.
فالمجموعات الصوتية لها آثار عميقة فيما يتعلق بالمسار الاجتماعي الثقافي، و لقد مهدت ثم رافقت أكثر من اهتزاز سياسي هنا و هناك عبر الوطن كرافد فني و ممون رئيسي بمادة الحماس و العزيمة. أمر يجعلنا لا نهون من شانها و يحتم علينا دراستها كظاهرة ثقافية اجتماعية، للكشف عن آليات تأثيرها و عملها في الوجدان الجمعي للشباب سلبا و ايجابا.

و نظرة خاطفة في مضامين النصوص الرائجة للمجموعات الصوتية ترسم ما يلي:

أولا: المرجعية:

أ‌) – المجموعة الصوتية الحديثة:
- من الوطنية قبل و أثناء و بعد الثورة.
- إلى الهاجس القومي على عهد البناء.
- إلى الأممية الدينية من الانفتاح إلى اليوم.
و نلاحظ بأن البعد الوطني انحسر بعد المرحلة الأولى في المنظمات الجماهيرية الرسمية لا غير..، ليتميع في باقي الساحات ( مدارس، جامعات، مساجد، مخيمات و تنظيمات وافدة...) إلى وثوقية لا تؤمن بالعصر و لا بالإنسان مما أدى إلى اهتراءها، ثم إلى مطلقية منخدعة في فكر ما فوق مجتمعي مما أدى إلى انتحارها.

ب‌) – المجموعة الصوتية التقليدية:
- من موضوعات التصوف مع ثقافة ما بعد الموحدين.
- الى المدائح في الفترة التركية إلى اليوم.
أي بمصطلحاتهم، من الحقيقة إلى الطريقة...
و كانت ستصير الأمور من حقيقة التوكل إلى طريقة العمل. و لكن مع الأسف عوامل الانزلاق كامنة في الحقيقة نفسها..، و حدث الاستعلاء بأنس الآخرة على سلوك البناء و الاعمار و تشكل نوع من البرجوازية المقدسة التي لا تلطخ يدها بالحرف.. و كنتيجة، الارتماء في أحضان التبعية للغير، أي غير، و بأية طريقة في الفترة الثانية إلى اليوم..
و بإيجاز.. من الابتهالات إلى المدائح كمظهرين ثقافيين يرجمان حقيقة كل مرحلة من خلال المجموعة الصوتية.

ثانيا: الحركية:

أ‌) المجموعة الصوتية الحديثة:
- الاستغراق التام للتجليات الثقافية بالواقع في المرجعيات الثلاثة، مع حفظ الفارق للتقييم المعياري.
- التجديف السطحي و التلفيقي بمختلف انواع المنفى الفكري منذ التسعينيات.
و التلفيق هنا مفهوم لتسارع وتيرة المفاجئات في هذا العقد (التسعينيات) مما لا يسمح للممارسة الثقافية بان تكون مؤسسة. على عكس الممارسة السياسية التي لا تتطلب سوى رؤية ايديو-موقعية، ووتر تنموي حساس، و خطاب عازف.

ب‌) المجموعة الصوتية التقليدية:
- الاستغراق المعرفي و الانفصال الثقافي الاجتماعي مع المرجعية الاولى.
- الاستغراق الثقافي الاجتماعي و الانفصال السياسي مع المرجعية الثانية.


من هذا البسط السريع للمسألة، و ذلك عبر ملاحظاتنا على النصوص الرائجة كمادة للإنشاد الجماعي في العقود المذكورة، و أحفظ الاستثناءات من كل لون، مع الالماع إلى عدم فعليتها في سواد الحركة، نلاحظ بأننا إذ نعطي الأولوية لترقية الجانب الفني إلى البوليفونيا، نكون قد أهملنا الشروط الاجتماعية التي تطورت فيها بشكل تصاعدي نحو الأزمة و الفوضى الثقافية.. و ستكون الترقية الفنية و حيثيات المجموعة على هذا النحو من التأثير في معظمه، تعزيزا لها بكامل سلبياتها في مواقع وجدانية جديدة لدى الشرائح الشبابية.

فالتأصيل المدني أولا و قبل كل شيء... ضرورة نابعة من هذا السبب الخطير.. لكي تكون المجموعة منذ جنينيتها الأولى، في كلماتها و ألحانها و حركتها، نابعة من الاهتمامات البسيطة/العميقة للشارع الثقافي، و من الراهن الاجتماعي، و مسوقة بمرونة مطلقة في زخم الواقع الموضوعي.. و ممتدة بشكل تصاعدي تهذيبي في موسيقاها من المقامات إلى النوتات التي يطرب لها الناس في بلدي.

مسألة حساسة و مستعجلة في نظري، و هي ليست في سهولة برمجة و متابعة للمدارس و التظاهرات كجميع تطبيقات "دفع العجلة".
هناك أولويات إجرائية، أولها التعقل الواعي و الأمين أو التشخيص العلمي لمختلف اتجاهات التأثير في و للمجموعات الصوتية.و أخرها تحرير المواهب بترسيخ ديمقراطية الثقافة ، مرورا برعاية بلبل الحي الذي ليس لنا بد من أن نطرب له إذا أردنا حقا أن يعيد فينا التاريخ تلك التحولات من الداخل و تجديد الذات بأقصى قدر ممكن من المرونة و الانسجام.
طبعا للمتخصصين تفصيل.. و الحاجة ماسة إلى رسم خطوات علمية مكينة نحو قلب ثقافي بكل ما يحمل المصطلح من غنفوان.
و لا أتصور اللحظة أكثر أو أقل من بعدين حاسمين:
- المرجعية الوطنية بالغوص في ضمير الموقف الجزائري فكرا و هدفا حد الرباط ( شرط الحياة).
- الواقعية الزمكانية بالغوص في أعماق الشارع الجزائري نصا و لحنا حد الإبداع ( شرط الخلود).

الموقف الجزائري الأصيل/ المتجدد عبر الأجيال بدل الهوية..
و الشارع الجزائري في تهيؤاته الظرفية متعددة الارتسامات و الإيحاءات بدل المحلية.

أركز على هذا لسياسوية أبعاد الهوية و التراث معا في التطبيقات الثقافية.. و هذا من طبيعة المرحلة.. و يحسن الإبقاء على الهوية بابعادها في رواق عمل الأنظمة السبري او التوازني، و المحلية بتراثها في رواق الجهد و التحليل و العرض الاكاديمين إلى أن تستكمل تماما عملية تثقيف السياسة بمحض أدوات الحياد للثقافة المدنية. و إلا فلا نكون بعيدا عن مشاكل حركات و دول التطرف في العالم.. حركات لم تزد في الواقع على أن ثقفت سياستها بتراثها.. أي بالوعي الموقوف على إطاره المعرفي، بدون تموقع قبلي ازاءه في دروع الطور المعرفي الجاري - أمر يتعسر على المجتمع في شتاته و لكنه شرط وجود للمؤسسة في انتظامها - فحدث التداخل المربك، و تشكلت لدينا أجمل الأنسجة القروسطية، موشاة بصواعد المواقع نحو التاريخ و نوازل الوقائع إلى الحاضر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - راي
رامي ( 2014 / 1 / 1 - 21:24 )
مشكلة الشعب الجزائري الاساس ان بنيته الاجتماعية الاساسية انتهكت ، فتاريخ الجزائر كان قائم على الزوايا ، فالزوايا كانت هي الانتلجيسيا الوطنية التي تحفظ قيما التسامح و الوحدة في البلاد ، لكن بعض ضرب نظام بومدين لها ، فتحت الساحات لكل الافكار الهمجية لتخدل ، ومنها الاخوان والسلفيون ، ومنذ تلك اللحظة وشعبنا مشرذم بين عروبيين و سلفيين واخوان والخ

اليوم الدولة تحاول اعادة هيبة الزاوية للحم عرى المجتمع ، لكن الامر لايمكن ان يصلح لان هدمها من الاساس كان قاضيا لها ، الامر الاخر لايمكن للجزائر اليوم العودة لنظام الزاوية التقليدي لاننا في عصر الدولة الوطنية القائمة على رابطة الولاء الوطني

عموما نحن شعب منتهك ، ومن يقود البلاد اقل علما وخبرة ليتعامل مع الامور ، عدى انهم في كثير من الاحيان يسعون لحفظ مراكزهم على القيام بما يفيد الشعب

فما نفعل

ليس لنا الان سوى انتظار الاسوء ومحاولة الاصلاح على قدر ما نريد ، فهذا البلد انتهك وانتهى الامر ..

شكرا اخي على الموضوع


2 - المحترم رامي
أحمد التاوتي ( 2014 / 1 / 1 - 22:21 )
شكرا رامي على المرور.. كل ما نطلبه هو ما ذكرته من أننا في عصر الدولة الوطنية القائمة على أساس الولاء الوطني... فلنستمر الى الامام لتأسيس الدولة المدنية القائمة على أساس المواطنة... و علينا أن لا نتسامح مع محاولات الرجوع الى الخلف خصوصا محاولات الفكر الوثوقي المغلق بمختلف طوائفه

اخر الافلام

.. يهود متطرفون يتجولون حول بقايا صاروخ إيراني في مدينة عراد با


.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط




.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-