الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية العلاقة بين الفلسفة والشعر عند الفلاسفة المسلمين

كريم الصامتي

2014 / 1 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لقد أقام الفلاسفة المسلمون بنائهم الفلسفي على أساس تمجيد العقل، لما له من قدرة على تمكين المرء من تحقيق وجوده الإنساني الأفضل، وبلوغ السعادة القصوى. وجعلوا من المنطق الآلة التي تمد العقل بالقوانين ،وتعصم المرء من الوقوع في الخطأ، وتوجه خطاه نحو استكمال قواه الناطقة والوصول إلى الرشد الإنساني، الذي يمكنه من تحصيل المعارف والعلوم النظرية والعملية، كيما يحقق غاية الغايات وهي السعادة.
وحين فصل فلاسفتنا بين النقد النظري والنقد العملي رأوا أن النظر في الشعر أمر يخص المنطق فأخضعوا التنظير للشعر للنظر العقلي الفلسفي. وعلى هذا الأساس تشكلت نظرتهم للشعر، فجعلوه فرعا من فروع المنطق وقياسا من أقيسته. لكنهم ردوه إلى أدنى درجات القياس المنطقي، ذلك أنهم عدوا البرهان أعلى درجات القياس المنطقي وأشرفها عل الإطلاق، يليه الجدل، فالسفسطة، فالخطابة، ثم يأتي الشعر أخيرا. وذلك لإعتبارهم أن الشعر نتاج قوة نفسانية أدنى من العقل، الذي يتوسل بالبرهان من أجل الوصول إلى المعرفة اليقينية.
غير أن الشعر في هذا المتصل المنطقي، الذي يمثل البرهان قطبه الأقصى في حين يمثل الشعر قطبه المقابل، قد جاء معتمدا بشكل أساسي على أنه نشاط تخييلي وتخيلي.
ورغم وعي فلاسفتنا بقدرة الخيال على الخلق والإبداع، فإنهم لم يكونوا ليسمحوا لهذه القوة بأن تعمل وفق هواها، حتى يتمكنوا من تنفيذ مخططهم التربوي الأخلاقي الذي يعينهم على دفع الإنسان إلى تحقيق الغاية القصوى من وجوده.
وعلى هذا الأساس رأوا أن يفيدوا من قدرات هذه القوة على الحركة والخلق والابتكار في تنفيذ مخططهم وتحقيق الغاية المتوخاة. فكان من الطبيعي، والشعر يصدر عن هذه القوة، والتي وضعوها أدنى من العقل معرفيا وأخلاقيا، أن يوضع في أسفل الترتيب الهرمي لفروع المنطق التي يعد الشعر من ضمنها، وبفضل هذا الضم اعتبر الشعر شكلا من أشكال الإدراك، أي إلى وسيلة معرفية لها طبيعتها الخاصة.
ووعي الفلاسفة المسلمون بالطبيعة التخيلية للشعر، وما لها من قوة على الإثارة النفسية للمتلقي والتي تدفعه إلى الإقدام على فعل أو تجنب آخر، هو ما دفعهم أن يجعلوا من الشعر وسيلة لتعليم الجمهور والعوام وتهذيبهم وتأديبهم وتوجيه أفعالهم والتحكم في سلوكهم، ذلك لكون العوام والنشء لا يدركون الأشياء إلا محسوسة أو متخيلة.
وبهذا يلعب الشعر بالنسبة للعوام ما يلعبه البرهان بالنسبة للخواص، ومن ثم عُد التخييل الشعري بالنسبة لفلاسفتنا، نظيرا للعلم في البرهان و الإقناع في الخطابة، فرأوا بأن التخييل الشعري يحدث فعل التصديق البرهاني لما له من قدرة على التأثير.
وحرص فلاسفتنا على جدية الفن عموما والشعر بصفة خاصة، جعلهم ينظرون إلى اللذة أو المتعة التي يحدثها الشعر، على أنها لذة هادفة إلى تحقيق الراحة النفسية التي تمكنه الإنسان من الاستمرار بشكل أفضل حتى يتمكن من إنجاز مهامه في السعي نحو تحقيق وجوده الأفضل.
وتجدر بنا الإشارة إلى أنه رغم انتباه الفلاسفة المسلمين للشعر وأدواره المختلفة في المعرفة والحياة، فهم لم يقصدوا الشعر لذاته، فلم يخصصوا له كتابات مستقلة بعينها اللهم شرحي ابن سينا وابن رشد على كتاب الشعر لأرسطو، وبعض الرسائل القصيرة للفارابي، وفيما عدا ذلك، تأتي كتاباتهم عن الشعر موزعة في مؤلفاتهم الفلسفية. وهذا يدل على أن الشعر كان مرتبطا عندهم بنسقهم الفلسفي الشامل حتى أنه يصعب الفصل بين النظر إلى تصورهم للشعر من زاوية إبداعه أو تأثيره أو طبيعته وبين ذلك البناء الفلسفي.
وتقَصّينا لنظرة الفلاسفة المسلمين للشعر وعلاقته بالفلسفة وما كان تحت وصايتها من علوم الاستدلال، لن يتحصل لنا بغير تفحص مجموعة من الأسئلة التي يمكننا إذا ما تلمسنا طريقنا إلى الإجابة عنها أن نقترب من موقفهم حيال الشعر ومن مكانته لديهم. فماهي مبررات جعلهم الشعر فرعا من فروع المنطق؟ وهل هناك من نقط إلتقاء بين التصديق البرهاني والتخييل الشعري؟ وماهو دور الشعر في المعرفة النظرية والأخلاقية؟ وما الدافع إلى اعتبار الشعر ضروري للمدينة الفاضلة؟ كما ماهي المنافع التي حددها فلاسفتنا للشعر؟...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين مؤيد ومعارض.. مشرعون أمريكيون يعلقون على قرار بايدن بتجم


.. السويد.. مسيرة حاشدة رفضا لمشاركة إسرائيل في مهرجان غنائي في




.. نائبة بريطانية تدعو حكومة بلادها إلى الضغط على إسرائيل لوقف


.. أخبار الساعة | عمالقة النفط يدعمون حملة ترمب بمليار دولار




.. أخبار الساعة | -بوينغ- تسجل 3 حوادث جديدة خلال 48 ساعة