الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خلف قضبان الحقيقة المطلقة

أمير البياتي
(Ameer Albayaty)

2014 / 1 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


سجن الحقيقة المطلقة من أعتى وأقسى السجون التي عرفها الانسان وبالتأكيد هي الاشد ظلما فسجناؤها كلهم أبرياء, فرض عليهم هذا السجن فرضا منذ فجر حياتهم لا ذنب لهم سوى انهم اطفال قابلين للتلقين من قبل الأهل والمجتمع... ولأكون اكثر دقة هم ولدوا اساسا داخل السجن الذي يحوي الاهل والمجتمع.
الغريب في هذا السجن انه شديد الاحكام والخروج منه ليس بالأمر اليسير, فجلادوه يقبعون داخل العقل يطاردوا الافكار ليغتالوها فينتصروا في الاخير لأنفسهم. كثيرا ما نسمع وكأحد الشعارات كثيرة الترديد أن الحرية لا تمنح بل تؤخذ, يرددها الكثيرون وهم انفسهم لا يعرفون للحرية بابا ... اتكلم هنا عن حرية الفكر التي هي بحق اساس كل الحريات التي ينادي بها من هم خلف قضبان الحقيقية المطلقة.
ما قصدت هنا بالحقيقة المطلقة أي فكر او معتقد بعينه, وانما قصدت التعاطي معه كحقيقة مطلقة غير قابلة للتشكيك, هذه المسلمات هي التي تقتل الفكر وان كانت قد جاءت عن قناعة تامة, فهناك من يشك في فكر معينة ويشق الطريق نحو حريته وقد يعتنق فكرا اخر غير ما كان عليه في السابق او يرجع لما كان عليه لكن عن قناعة وبعد رحلة بحث, الا أنه يصبح اكثر تمسكا بأفكاره الجديدة ليعود بها الى سجن الحقيقة المطلقة مجددا, الاختلاف الوحيد هو انه وجد ما يسليه داخل السجن وهو ما جاءت به رحلته الفكرية فلا يكون وحيدا كما في السابق. لكنه دون ان يعلم يصبح ذو نظرة فوقية واكثر مصادرة لآراء مخالفيه.
قبل ايام كنت استمع الى نقاش دار بين اثنين كلاهما ممن يحاول الخروج من سجنه الفكري احدهما يدعي انه ترك افكاره السابقة وحطمها جميعا وعاد ليبني من جديد فوجدها كانت صحيحة لكن غير مرتبة فأعاد ترتيبها بعد قناعة تامة, والأخر كذلك لكن بنتائج مختلفة قليلا عن خصمه. وكلما وصلوا الى نقطة خلاف بينهما ابتدأ الاول بترديد عبارة (اقرأ واستمر بالقراءة وستفهم قصدي) او يقول له استفد من تجارب غيرك وان شئت لأساعدك لكي تصل الى الحقيقة !!! الطرف الثاني كان اكثر احتراما لأفكار خصمه ولم يصادرها ولم يحاول ولو مرة ان يتبع معه مبدأ الوصاية الفكرية والنظرة الفوقية.
ما حدث هنا هو أن الطرف الأول كان صادقا مع نفسه ومقتنع تماما بأفكاره المستندة على الادلة العقلية الا انه اعتبر نموذجه او الطريقة التي سلكها في رحلة الشك التي قادته الى ما توصل اليه هو النموذج الامثل والمتكامل, وأن ما وصل اليه هو بالضرورة نفس ما سيصل اليه أي شخص يحاول البحث, فنراه دائما يفترض الجهل في المقابل بنصيحته له (استمر و واصل بحثك), ولا يضع احتمال ولو ضئيل جدا ان غيره ان سار في رحلة بحث قد يصل الى نتائج مغايرة. هنا يرجع الانسان الى سجن الحقيقة المطلقة مجددا لكن بقضبان جديدة لامعة, وجلادين يافعين بكامل اناقتهم بدلا من جلادين طاعنين في السن وبثياب رثة كما في السابق. وسيكون صوتهم اعلى في مناداتهم للحرية لكن خلف قضبان جديدة. ففكرة الحقيقة المطلقة لم تغادرهم وان شعروا بذلك الا انها بقيت في اللاوعي لتعود بحلتها الجديدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رحلة الشك
سلوان امين ( 2014 / 5 / 27 - 22:14 )
لا اعرف ان كنت تحديدا قد بدأت رحلة الشك هذه بصورة موفقة ام لا وهل خرجت بعيدا عن تلك القضبان التي تصفها ام لازلت اتكلم من خلفها واجدني اقرب في وصف الحقيقة كما في المعتقد الصوفي بأن الحقيقة مثل المرآة التي سقطت من السماء فتكسرت إلى قطع صغيرة تناثرت في كل مكان، وتوزعت بين الناس جميعاً، ليحصل كل منهم على جزء من الحقيقة، من دون ان يكون هناك من يستطيع امتلاكها كاملة..ما انا متأكد منه انني مفتقد جدا لمقالاتك صديقي فلا تبخل علينا بما تكتب .


2 - تحية حب واحترام صديقي سلوان
أمير البياتي ( 2014 / 6 / 1 - 23:53 )
اشكر مرورك وكلماتك الطيفة وصفت فاحسنت الوصف فتلك المرأة التي سقطت من السماء يبدو انها في غاية الجمال فأصبحت حلم الجميع, كل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا

اخر الافلام

.. صلوات ودعوات .. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسي


.. زفة الأيقونة بالزغاريد.. أقباط مصر يحتفلون بقداس عيد القيامة




.. عظة الأحد - القس باسيليوس جرجس: شفاعة المسيح شفاعة كفارية


.. عظة الأحد - القس باسيليوس جرجس: المسيح متواجد معنا في كل مكا




.. بدايات ونهايات حضارات وادي الرافدين