الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-ثُلاثيو القوائم- – نظرة إلى أدب الخيال العلمي الأول

نضال الربضي

2014 / 1 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كتب جون كريستوفر John Christopher رائعته الثلاثية Tripods أو "ثُلاثيو القوائم" في عامي 1967 و 1968 في ثلاثة أجزاء هي:

- الجبال البِيضاء The White Mountains
- مدينة الذهب و الرصاص The City of Gold and Lead
- بُحيرة النار The Pool of Fire

و هي من أولى روايات الخيال العلمي التي يمكن تصنيفها أنها مُحبوكة بشكل ٍ مُتقن و منسوجه بتداخل طبيعي انسيابي مع طبيعة المجتمع البشري بحيث لا تُحس و أنك تقرأها إلا أن وجود الغُزاة الفضائين هو جزء ٌ أصيل ٌ من المشهد، لا دخيل ٌ عليه. و يبرع جون كريستوفر في توظيف تفاصيل الحياة اليومية البشرية في روايته و يشبكها مع تفاصيل حياة الغُزاة حتى يبلغ فيك الحد الذي "تقتنع" فيه عمليا ً بإمكانية وجود مثل هؤلاء الغزاة و منطقية الطرح، و أنت تُدرك في قرارة نفسك أنها مجرد قصة خيالية، لكن دون تعارض مع بين الإحساس القصصي و الإدراك العقلي، و هنا تجلي عبقرية هذه الثلاثية الفذَّة.

قرأت هذه الثلاثية قبل ما يقارب الخمس و العشرين عاما ً حينما كنت ُ ما زلت ُ صبيا ً يافعا ً، و استحضرتُها في ذهني قبل سنوات و أردت أن أُعيد قراءتها من جديد فبحثت عنها في المكتبات المحلية فجاءت النتيجة ُ سلبية ً لأن الرواية َ قديمة و لأن مكتباتنا العربية لا تولي هذه النوعية َ من الكتب اهتمامها، و إن فعلت فتأتي بروايات الخيال العلمي الجديدة التي تعتمد على الإثارة في وصف الأحداث الكارثية و التي يطغى عليها عامل وصف التكنولوجيا بالذات كأداة للحدث.

وجدت ُ الرواية على موقع amazon.com و كانت معروضة ً تحت تصنيف used أي أن الرواية يقتنيها شخص ٌ لكنه يرغب ببيعها بسعر معين، و قد اشتريتها بالفعل ووصلت، و أعدت قراءتها، و كأني أقرأها لأول مرة، بعيون جديدة، و عقل ٍ جديد، و فهم ٍ جديد، و نظرة جديدة للحياة، و مشاعر جديدة، و لقد استطاعت أن تفعل في أكثر من فعلها الأول قبل سنين طوال.

اخترت ُ لكم اليوم مشهدا ً من الجزء الثاني من الرواية و هو الكتاب المُعنون "مدينة الذهب و الرصاص" The City of Gold and Lead، لكن اسمحوا لي قبلا ً أن أعرض َ الإطار العام للرواية حتى تتمكنوا من فهم المشهد بطريقة أفضل و الاندماج فيه. تتحدث الرواية عن غُزاة يحتلون الأرض، و يتنقلون على سطحها بمركبات لها ثلاث قوائم و من هنا اسم الرواية "ثلاثيو القوائم Tripods". يقوم الغزاة بالسيطرة على الناس من خلال جعلهم يقدمون أطفالهم في سن 14 عام و هم حليقو و حليقات الرؤوس فيأخذونهم داخل مركباتهم و يثبتون لهم أغطية رأس caps ترسل إشارات إلى الدماغ تضمن الطاعة و الولاء.

يتعرف بطل الرواية و قبل أن يتم تثبيت غطاء الرأس عليه إلى مجموعة من المتمردين الأحرار و ينضم لهم. تقوم هذه المجموعة و التي يرأسها حكيم ٌ يُدعى جوليوس بمراقبة و دراسة سلوك الغزاة و و يلاحظون أن الغزاة يختارون كل عام مجموعة ً من الرياضين و ذوي الأجسام التي تتمتع بلياقة بدنية عالية، عن طريق فرزهم بواسطة أولمبيات رياضية، ليأخذوهم إلى مدينتهم كخدم، فيتم عندها وضع خطة لانضمام بعض المتمردين الأحرار إلى الأولمبيات، و بالفعل يفوز منهم اثنان يأخذهم الغزاة إلى مدينتهم، و بذلك يتم اختراق المدينة.

المشهد الذي أريد أن أتكلم عنه اليوم من الكتاب الثاني، و بالخصوص الفصل المُعنون "هرم الجـَـمال" The Pyramid Of Beauty. في هذ المشهد يقوم أحد الغزاة و الذين يُطلق عليهم لقب "السادة" The Masters بأخذ عبده إلى "هرم الجمال". و هذا العبد هو صديقنا ويل Will بطل الرواية و أحد الرياضين المتمردين الأحرار و الذين نجحوا في الأولمبيات و تم أخذهم إلى مدينة الغزاة حسب خطتهم الناجحة.

في "هرم الجمال" يُصدم ُ ويل مما يشاهده، إذ يُدرك أن هؤلاء الغزاة هم كائنات ٌ تخلو من أي مشاعر حب أو تعاطف أو دفئ، فهم يختارون أجمل ما يجدونه على الكواكب التي يغزونها ثم يحنطونها و يعرضونها كمشاهد توقف عندها الزمن. من هذه المشاهد ورود ٌ و زهور ٌ مختلفة عليها فراشات، و عصافير ٌ طائرة تم تعليقها في الجو بوضع الطيران، تماسيح ٌ في الماء، و كل ما يخطر على البال تجده هناك.

يدق قلب ويل و هو يبحث عن تلك الفتاة رائعة الجمال طيبة القلب كريمة الطباع و الخصائل التي تعرف إليها و عاش معها أياما ً جميلة ً في "قصر ريكوردو" Chateau Ricordeau في فرنسا، و التي هي أيضا ً تم اختيارها قبلا ً للذهاب إلى مدينة الغزاة مثل أميرة ٍ جميلة بثوبها الفتان و تاجها الملوكي و شال رأسها التي أخفت بواسطته يوما ً رأسها الحليق قبل تثبيت غطاء الرأس الإلكتروني.

يدق قلبه و يتمنى أن يجدها أضعاف أضعاف ما كان يتمنى قبل أن يدخل المدنية و قبل أن يأتي به سيده إلى "هرم الجمال"، و يشتد به الخوف و الرعب فيتمنى بنفس القوة و المقدار أن لا يجدها هنا حيث الموت و الألم و الفناء، إلى أن تبلغ القصة إلى هذه النقطة حيث سأقوم بالترجمة بتصرف:

إلى هنا نهاية المشهد و الترجمة.

المشهد السابق مُغرق ٌ في قسوته و جبروته، و هو أقصى درجات الوحشية التي يمكن أن يتسم بها سلوك كائن ٍ حي نحو كائن ٍ آخر، حيث يتم خداعه ليغير من نمط حياته و سلوكه و يُسخر طاقاته و إمكانياته و يُخرج أجمل و أفضل ما لديه ثم يأتي بكل هذا طائعا ً نحوه، فيُجمدها جميعا ً في لحظة ِ موت ٍ تسرق منها معناها و كيانها و مُحتواها و تُخفِّضها نحو عدمية قشرة ٍ بلا محتوى و تحتفظ بمظهر الحياة في مشهد ٍ جوهره الموت و غايته، أي قسوة ٍ هذه؟

يمكنكم متابعة ُ مشهد أخذ فتاتنا إلى داخل مركبة الغُزاة على هذا الرابط: http://www.youtube.com/watch?v=FmJPw_re8yY حيث عرضت هيئة الإذاعة البريطانية BBC الرواية على شكل مسلسل ٍ مشوق، ما زلت ُ إلى اليوم أبحث عنه كاملا ً. و ستلاحظون مدى وداعة ملكتنا الصغيرة و سعادتها و هي تجلس على عرشها بينما ترفعها مركبة الغزاة إلى داخلها. إن مقارنة َ سعادتها يوم أخذها برقاد الموت ِ في صندوق ٍ في متحف ٍ للغزاة لكفيل ٌ بإبراز سخرية الموت و بربريته حين يستعرض قدرته أمام الكائن الحي بكل برود ٍ و سادية ٍ و بطش.

قبعة الرأس الإلكترونية و المُثبتة على الرأس بشكل ٍ يغطيه الشعر تحت خصلاته، مفهوم ٌ حديث يجد صداه ُ و أصله في الأدلجة التي يتلقاها أفراد ٌ في سنوات حياتهم الأولى فتجعل منهم ما هم عليه، و تصنع منهم خدما ً مطيعين للإشارات و أحيانا ً أمواتا ً أحياء ً زومبيات مسكينة مجرمة في ذات الوقت. لا أريد أن أُفلسف المقال كثيرا ً لكني أتذكر رأيا ً للكاتب الكبير الراحل إحسان عبد القدوس في روايته "أنا حرة" حينما قال:

"ليس هناك شئ يسمى الحرية،
و أكثرنا حرية هو عبد للمبادئ التي يؤمن بها،
و للغرض الذي يسعى إليه.
إننا نطالب بالحرية لنضعها في خدمة أغراضنا،
و قبل أن تطالب بحريتك اسأل نفسك:
لأي غرض ٍ ستهبها؟"

صدق الراحل الكبير إحسان عبد القدوس،

و اضيف من عندي "لكن يبقى الحب".

آمنوا بالحب!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الجزء الذي لم يظهر في المقال بسبب رموز أكبر أصغر
نضال الربضي ( 2014 / 1 / 2 - 16:00 )
إلى أن تبلغ القصة إلى هذه النقطة حيث سأقوم بالترجمة بتصرف:

........ قاد سيدي الطريق و تبعته إلى أن أخيرا ً رأيتها.

كانت ترتدي ذات الثوب الأزرق الغامق المُطرز بالدانتيل الأبيض، الذي مرت به من تحت سيوف الفرسان الذين رفعوها تحية ً لها حين أعلنها الجميع الملكة ذاك اليوم.

كانت عيناها البُنيَّـتان مُغلقتين، و وجهها البيضاوي الصغير بلون العاج بينما اكتسا خداها بـِـحُمرة ٍ وردية. و لولا أنها في صندوق ٍ كتابوت بين مئات صناديق التوابيت الأخرى كنت سأقول أنها نائمة.

كان رأسها عاريا ً من التاج و الشال الذي غطته به، فقد نما شعرها في الأسابيع التي تتابعت بعد لقاءنا في الحديقة. نظرت ُ إلى خصلات شعرها المُموجة، و المقصوصة بعناية، كانت تغطي لكنها لم تستطع أن تخفي الشئ الوحيد الذي كانت ترتديه على رأسها، -الغطاء- الذي بسببه أتت طائعة ً إلى مكان رقادها الوحشي هذا.

-هذه أيضا ً عينة ٌ جيدة- قال سيدي عنها ثم أتبع -هل رأيت ما فيه الكفاية أيها الولد؟-

-نعم يا سيدي- أجبته -لقد رأيت ُ ما فيه الكفاية-



إلى هنا نهاية المشهد و الترجمة.

اخر الافلام

.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - رئيس الوزراء يهنئ الرئيس السيسي و


.. وادي الرافدين وتراثه القديم محاضرة استذكارية وحوارفي الذكرى




.. ليبيا.. هيي?ة الا?وقاف في طرابلس تثير ضجة واسعة بمهاجمتها ال


.. 158-An-Nisa




.. 160-An-Nisa