الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثلية في المصطلح العربي

كريم الصامتي

2014 / 1 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لقد حدثت كثير من التغييرات على معظم المصطلحات التي اختيرت لتوصيف العلاقة العاطفية والجنسية بين أشخاص من نفس الجنس . لكننا نعتقد أن مجمل المصطلحات التي وظفت لنعث هذه “العلاقة” أو “السلوك” لم تستطع التخلص من الحمولة القدحية أو الجنسية للكلمة. ونحن نخص هنا المصطلح العربي لا غيره في اللغاة الأخرى، إذ أن الشائع إلى حد الآن في أوساط المثقفين وغيرهم على السواء، عندما يتناولون الحديث عن هذه العلاقة- هو التوسل بمصطلحات مغرقة في الأحكام الأخلاقية، من قبيل الشذوذ الجنسي، المثلية الجنسية، اللوطية، الانحراف الجنسي، المرض الجنسي… إلخ وهي كلها مصطلحات مهزوزة لا تفي بالتعبير الدقيق والحقيقي لهذه الواقعة الإنسانية، إظافة إلى أنها تفقتد إلى التأثيل المفهومي إذ تُقَدمُ مجتثة من موضعها فَتُعْرَض على المتلقي مُعْوَّجَةً غير مستقيمة. وهذا أمر طبيعي ما دام كثير ممن يكتبون عن هذه “العلاقة” لا يعلمون عنها غير ما قد شَنَّفَ آذانهم من أخبار وأحكام أو مأْثُوٍر غالبا ما يكون مُؤَطَرًا بمعاني قِيمِّيَّة ودينية تحريمية.
وهذا الأمر - فيما أظن- سيظل حاضرا في الآتي من الأزمان في اللسان العربي، ما دامت المجتمعات العربية الإسلامية لم تتخلص بعد من مهمة الشرطي الحارس للقيم التقليدية المتجاوزة. وما دامت الأنتيليجنسيا العربية لا تمتلك الجرأة الكافية لمعالجة ومناقشة مثل هكذا قضايا وتابوهات.
إلجام اللسان عن الحديث عن مثل هذه "الظواهر" هو ما يجعلنا نقع دائما في الفهم المغلوط والنظرة المحصورة، فلا نبرح بذلك أماكننا ولا نمنح عقولنا إمكانيات التفكير في الحداثة واعتماد منطقها.
واقع الثقافة العربية الإسلامية هو ما لم يشجع الكثير من المهتمين والمثقفين العرب الجادِّين والمُحَايِّدين على إضاءة “قضية المثلية” بالبحث والدراسة، رغم أن التاريخ العربي حافل بما يمكن أن نستقرأ منه أن العربي كغيره عاش ويعيش وسيعيش ميولات عاطفية وجنسية ليست بالظرورة في اتجاه الأنثى.
إرتكان المثقفين العرب إلى عدم الخوض في “مسألة المثلية”، أدى بالظرورة إلى شيوع وتكريس مصطلحات لا تحمل المعنى العميق للظاهرة، بل لهي ملآى بالإحراج والقسوة وعنف اللغة.
وإذا ما أَطلْت َبالَكَ معي أيها القارئ العزيز، سأبين لك الزيغ اللغوي الحاصل في بعض المصطلحات التي تخص مسألة المثلية :
الشذوذ الجنسي: يتكون هذا التعبير من مصطلحين (الشذوذ/الجنس)، وهما مصطلحان متدعصان بالدلالة القدحية. [الشذوذ] تعني إصطلاحا الخروج والميل والزيغ عن الطريق، يقال شَذَّ فلان يعني خرج عن المعتاد من أمر أو فعل. [الجنسي] يدل هذا المصطلح على أكثر على الممارسة الجنسية، ونحن نعلم أن العلاقة بين شخصين من نفس الجنس في مجالنا ليست محكومة ضرورة بالجنس البهيمي (الليبدو) بل هناك عواطف وأحاسيس وارتباطات نفسية تُوَّلِف بينهما المتعالقين. فمجموع الكلمتين يقصد به السلوك الجنسي اللامستقيم والخارج عن المشترك والمعهود.
المثلية الجنسية: أيضا يتكون هذا التعبير من كلمتين [المثلية] و [الجنسية] فمصطلح المثلية هنا مشتق من المصدر مثل أي شبيه. فهذا المصطلح المثلية لوحده لا يفي بغرض التوصيف إذ يمكن أن تكون مثلي في أشياء كثيرة غير الجنس فيمكن أن نقول عن المتتكلمين بنفس اللغة مثليين لأنهم يمتلكون نفس اللسان، أو نقول عن مجموعة من الشباب الذين يمارسون نفس النوع الرياضي وليكن، كرة القدم، مثليين كأن نقول مثلا المثلية الكروية أو المثلية اللغوية أو المثلية الهوياتية وغيرها… إذن لكي نعبر عن ذوي الميولات الجنسية المتشابهة نستعمل المثلية الجنسية، وهذا التعبير -في نظري- في غير محله. وإذا ما أضفنا إلى جانب لفظ “المثلية” لفظ آخر وهو الجنسية فإننا نكون قد حصرنا هذا “المسألة” في الجنس، وكأننا نقول الجنس بين ذوي الجنس الواحد.
زد على هذا، فعلى المستوى الجنسي لسنا دائما مثليين، بمعنى أنه يمكن أن نجد أحدا يمارس الجنس على ذكر ولا يحب هو أن يمارس عليه، أو يمارس الجنس مع الذكر والأنثى في نفس الآن، وبالتالي فهو لا يماثلني في الممارسة إذا كنت أنا سالبا وهو موجب، مما يجعلني أرى عدم إيفاء هذا المصطلح بالدلالة المعتقدة فيه.
الإنحراف الجنسي: نفس ما قلناه على تركيب المصطلحات السابقة، نقوله على مصلح الإنحراف الجنسي، والذي استعمله علماء النفس في فترة زمنية سابقة لكي يبتعدوا عن توظيف مصطلح الشذوذ الجنسي، وهم اعتمدو مصطلح الانحراف نظرا لاعتبارهم أن الانحراف يمكن تقويمه عن طريق الإصلاح والتصحيح، ومن ثمة كانوا يرون بأن الميل العاطفي والجنسي لنفس الجنس، إنما هو مرض يتطلب المعالجة. وهذا النظرة تعتبر اليوم متاجوزة لدى علماء النفس، بحيث لم يعدوا يرون هذه العلاقة مرضا أو انحرافا. ومن جهة أخرى فمصطلح الانحراف دال بنفسه عما يحمله من توصيف مخندق مع وجهات نظر معينة. ويصدق على النعث الثاني [الجنسي] ما قلناه عنه في المصطلحات الأخرى.
اللوطية: يحيل هذا المصطلح مباشرة على قوم لوط أي القوم الذين شابهم عقاب الله لأنهم كانوا يفضلون الرجال عن النساء. إذن بمجرد أن نصف شخصا باللوطي فمعنى ذلك أننا نحكم عليه بالعقاب “اقتلوا الفاعل والمفعول به” على حد النص الديني الإسلامي.
أحرار الجنس: رغم إغراء هذا المصطلح ورغم أنه ينطبع بصفة إجابية في شقه الأول، وهو الأحرار، فإن الإضافة الثانية وهي إظافة ضرورية كي تستقيم الدلالة، قد نقصت من اللفظ الأول، فصارت الحرية محصورة في الجنس ولصيقة به.
ذوي الإختيار الحر: وهو أيضا مصطلح غير دال على التوصيف الذي نتغيا الوصول إليه بحيث أن الإختيار الحر ليس يرمز قطعا إلى المنتمين لمجال “المثلية” بناء على أن الاختيار الحر هو قناعة ومبدأ يتبناه شخص ما في مجال أو أسلوب حياة.
إشارتي إلى هذه المصطلحات ليس غرضي منها قمع استعمالها، على الأقل مبدئيا، بل فقط إثارة إهتمام المهتمين بمسألة “المثلية” إلى ما تكتنفه هذه المصطلحات من دلالة قد لا تؤدي المطلوب منها. وهذا يستدعي من المشتغلين على موضوع “المثلية” أن يحاولوا صياغة مصطلح أكثر وفاء وتعبيرًا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العرب و الشذوذ
ماجدة منصور ( 2014 / 1 / 4 - 03:37 )
هكذا نحن دائما و أبدا...نختبئ خلف أصابعنا و ندفن رؤسنا في الرمل كالنعامات
أنا على ثقة كاملة بأن الشذوذ الجنسي بكل أشكاله و ألوانه و مسمياته ،يعج في داخل مجتمعاتنا المقفلة
و التي لا يمكن أن يسلطوا الضوء عليها، كذلك زنى المحارم...اذ يكفي أن تعيش فترة من الزمن في إحدى الدول العربية (خاصة النفطية منها) لتعرف أن الشذوذ الجنسي هو السائد في حياتهم اليومية
لدي صديقة تعمل (ضابط في احدى مراكز الشرطة) في أحد الدول النفطية،،تخبرني بقصص تحقق فيها هي شخصيا و تتعلق بالشذوذ الجنسي و زنا المحارم...قصص يشيب لها شعر الرأس و لكن العرب بارعون في إخفاء عفنهم..كما هم دائما على مر العصور
لك احترامي


2 - مجرد توضيح
كريم الصامتي ( 2014 / 1 / 6 - 00:04 )
حية إليك جادة منصور أعتقد أن الصواب يقارب تدخلك في جزئية اننا نحن العرب ندفن رؤسنا في الرمل لتجاهل كثير من القضايا وتركها تتعفن حتى تسممنا، أو تعريفين لماذا؟ ربما لاننا لا نقبل الآخر، نقتل حريته حقه في التفكير والتعبير والحياة احيانا، تسميتك للمثلية بالشذوذ هو ايضا قتل للاعتراف باصحاب هذا الميول قتل أن تبعيدينهم عن السواء ترينا انهم خارج الطبيعة انهم شاذون، ربما عليك قراءة الموضوعمرة اخرى لفهم اكثر وضوحا انا أفكك في المصطلحات حتى لا نصيب قوما بجهالة وانت تصيبنهم بظلم.

اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على أرجاء قطاع غزة مع اشتداد المعارك في شرق رفح


.. أوكرانيا، روسيا، غزة: هل ستغير الانتخابات البرلمانية الأوروب




.. أوكرانيا: موسكو تشن هجوما بريا على خاركيف وكييف تخلي بلدات ف


.. لبنان.. جدل واتهام للمسرحي وجدي معوض بالعمالة لإسرائيل




.. متاعب جديدة لشركة الطيران الأمريكية بوينغ.. واختفاء مجهول لع