الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو مقاربة سوسيومجالية للتنمية بالمغرب

حميد التوزاني

2014 / 1 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لقد أدت "لبرلة" الدول إلى تناسل عدد من المشاكل المركبة والمعقدة، سيما المشاكل المرتبطة بما هو اجتماعي التي تعد الوجه الفاضح لأزمة الدولة الليبرالية الحديثة، حيث عرفت تنظيمات الدول الغربية ما بعد الحرب العالمية الثانية صيغة تدبير قاصرة عن ملء الفجوات الوظائفية المستحدثة والوصاية عليها، هذا ما استدعى بالضرورة تقوية بناء هذه الدول الديمقراطية، وذلك عبر استحضار مفهوم فلسفي مرتبط بعصر النهضة الأوروبية ألا وهو مفهوم "المجتمع المدني" حيث كان هذا الاستحضار يسير نحو إيجاد تطبيقات متقدمة ومتطورة للفكرة في علاقتها بتبلور مفهوم الحكامة الذي يحيل على التدبير الأمثل لشؤون الدولة، وبالتالي عرفت هذه المرحلة إعادة تبلور مفهوم المجتمع المدني من جديد في دلالاته وأبعاده الراهنين خصوصا ما بعد انهيار الثنائية القطبية، إذ ظهر مفهوم المجتمع المدني كجزء مركزي يؤسس لبناء الدولة الحديثة وكذلك كشرط يضمن الانتقال الديمقراطي السلس والسريع.
وبطبيعة الحال لم يكن المغرب في معزل عن هذه التحولات، خصوصا مع بداية العهد الجديد حيث تم إطلاق عدة مبادرات أهمها "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" والتي جاءت كمساهمة للإجابة عن سؤال المشكل الاجتماعي بالمغرب، إلا أن نتائج هذه التجربة لم تكن كفيلة بتحسين مستوى العيش والحد من الفقر والهشاشة بكلا المجالين الحضري والقروي، رغم أن مرحلتها الأولى 2005-2010 حققت ما يفوق عن 22 ألف مشروع لصالح ما يزيد عن 5.2 مليون مستفيد، وقد تميزت مرحلتها الثانية 2011 -2015 بإعطاء دفعة جديدة وقوية تتمثل في توسيع مجال التدخلات وأهمية الإمكانيات المرصودة وتوسيع الاستهداف ليشمل 702 جماعة قروية و 532 حيا حضريا، إضافة إلى برنامج خاص بالتأهيل الترابي، إلا أننا نقف أمام محدودية نتائجها في حال مقارنتها بواقع التنمية السوسيومجالية المأزوم بالمغرب، ويمكن أن نصوغ عدة حجج في سياق استدلالنا عن عمق أزمة المجتمع والمجال المغربيين، ونبدأ بالمجال الجبلي الذي عرف خلال الاستعمار الفرنسي بالمغرب غير النافع، والمتداول حاليا بعبارة المغرب العميق أو المغرب الخلفي، تتعدد العبارات وتجتمع حول فصل المغربين، مغرب التنمية ومغرب الفقر، ومما لا شك فيه أن أهم سمات المغرب الجبلي العميق وعورة الولوجية وهيمنة الملكيات المجهرية، هذا ما ساهم في طرح النشاط السياحي كبديل تنموي، لكن انطلاقا من مرجعية نفعية خالصة إذ يمكن الافتراض أنها تعتبر المواطن القروي كتراث سياحي وليس كفاعل السياحي، والدليل هو تطابق المجالات السياحية ومجالات الفقر بالمغرب، ويمكن أن نلخص تفسير هذا الخلل باعتبار مركزي في قيمة النشاط السياحي وهو تحقيق الاغتراب، حيث أن السائح الأجنبي يميل للمجالات العذراء والمجتمعات التقليدية والبدائية حبا في الاستكشاف، هذا يطرح فكرة خفية وهي أن هناك نمط معين من سياحة المجال الجبلي لا يحتاج لتهيئة سياحية شاملة، لا يحتاج لشق الطرق ولا حاجة له في خلق سياحة تضامنية ومسؤولة، بل نمط يقوم على كل ما هو تراثي وإن كان الحفاظ على ذلك التراث يعبر عن مشكلة عيش للساكنة المحلية، بمعنى أنها سياحة تقدم الفتات للمواطن القروي وتغرقه في تقليدانيته وعزلته. وعلى مستوى ثاني يمكننا الإشارة إلى مخطط المغرب الأخضر الحاضر الغائب بكثير من المجالات العميقة، إذا نسجل وبأمانة انخراط فلاحين المجالات الخصبة في مقتضيات هذا المخطط مقابل غياب فلاحين المجال الجبلي عن الحلم الفلاحي الجميل.
ولا يمكننا بطبيعة الحال الاقتصار في تحليلنا لواقع التنمية على أزمة التنمية بالمجال القروي المغربي، لذلك نستحضر أزمة التنمية في بعدها الحضري، والتي تتعمق وتتعقد بالأقطاب الحضرية الداخلية كقطب فاس الذي يعرف بطئ وتيرة التنمية مقارنة بمدن الساحل سواء الشمالي أو الغربي، ويمكننا استحضار مؤشرا هاما يكشف عن راهن التنمية الاجتماعية الحضرية، وهو واقع ظاهرة "الباعة المتجولين" التي عرفت انتعاشا استثنائيا رافق رياح التغيير السلمي، فانطلاقا من الملاحظة الميدانية يمكن الجزم بتضاعف عدد الباعة المتجولين وكذلك تضاعف مساحات الملك العام المحتل، كما يمكننا إدراج موضوع بالغ الأهمية بالنسبة للمغرب وهو واقع الصناعة التقليدية وهنا أختار مرة ثانية مدينة فاس كحالة لنقد هذا الواقع، فانطلاقا من مقابلتي لعدد من الحرفيين يمكن أن نفترض أن الحرفي البسيط غير محمي قانونيا وأنه معرض في أي وقت للطرد من العمل وقطع مورد عيشه، كما أن القطاع يعرف اختلالات عدة لا يسع الوقت لذكرها.
وبالتالي يمكن أن نخلص لافتراض شامل جامع لهذه المشاكل، وهو غياب مقاربة سوسيومجالية للتنمية، انطلاقا من المحددات التالية:
- استمرار التعامل بانتقائية مع المجال، الساحل مقابل الداخل، إلا أن هذا ما يمليه الضغط الحضري والهيمنة الاقتصادية للشريط الساحلي.
* مما يتطلب البحث في خلق وظائف لمجالات الداخل والعمل على اكتشاف الموارد الكامنة وتثبيت الساكنة من خلال تسريع وتيرة التنمية.
- تبني فكرة التنمية الشاملة المشتتة للجهود.
* مما يستلزم تعويضها بالعمل وفق أولوية مورد العيش وهيكلة الأنشطة المدرة للدخل، مما سينعكس إيجابا عن التعليم والصحة وغيرهما، وذلك من خلال دمقرطة التدخل الذي يروم تطوير الاقتصاد الاجتماعي، والتركيز على المجالات العميقة الأكثر فقرا.
- غياب تخطيط ثقافي يفضي لهدم البنيات المناقضة لفكر التنمية، وإعادة بناء بنيات ثقافية أخلاقية باستطاعتها استيعاب فكر التنمية في بعده الأخلاقي.
* هذا ما يستوجب البحث في تنزيل تخطيط استراتيجي ثقافي بعيد المدى يحقق المطلب الفكري.
الحل إذن هو اعتماد مقاربة سوسيومجالية لن تتأتى بطبيعة الحال إلا بإحلال النمط الجهوي المتقدم المأمول الكفيل ببلورة التنمية العادلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتفاقية الدفاع المشترك.. واشنطن تشترط على السعودية التطبيع م


.. تصعيد كبير بين حزب الله وإسرائيل بعد قصف متبادل | #غرفة_الأخ




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجز


.. وقفة داعمة لغزة في محافظة بنزرت التونسية




.. مسيرات في شوارع مونتريال تؤيد داعمي غزة في أمريكا