الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوم الموتى تراث ثقافي ببعد إنساني

خليل البدوي

2014 / 1 / 5
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يوم الموتى تراث ثقافي ببعد إنساني

الاحتفال بيوم الموتى يعود إلى ثقافات وتقاليد قديمة، بهدف تكريم الموتى، وقد أعلنته منظمة اليونسكو كتراث ثقافي ذي بعد إنساني، ووفقاً للتقاليد ، فإن أرواح الموتى تعود مرة أخرى لزيارة الأهل والأصدقاء.
فالاحتفال بعيد الموتى أو يوم الموتى في الثقافة النوبية التقليدية في شمال السودان مثلاً، هو عيد كان يتم الاحتفال به حتى وقت قريب، وربما لا يزال ممارساً حتى اليوم في بعض القرى النوبية.
ويقع هذا العيد في يوم معين من أيام السنة، حيث تقوم النساء والأطفال فيه بزيارة المقابر، وتقوم النساء بتسوية القبور وتحويطها، ثم يقمن برسم علامة كالصليب، واحدة كبيرة أو عدة علامات صغيرة على تراب القبر، ثم بعد ذلك يتم نثر الماء على القبر، وتترك بجانب القبر وعلى كل جوانب "التحويطة" هدايا من البلح والقمح وكذلك سعف النخيل.
ويبدو أن الأمر مرتبط بالتقاليد الدينية القديمة في منطقة النوبة، قبل الإسلامية أو ربما قبل المسيحية، فالنوبيون يؤمنون إن الروح "شورتي" لا تذهب للعالم الآخر مباشرة بعد الموت، وإنما تظل بجنب القبر لمدة أربعين يوما، ثم تذهب بعدها للعالم الأخر، "وبعد الوفاة يستلم ملاك الموت الروح(شورتى) إما إلى شجرة كبيرة تنظر إلى الجنة وإما إلى بئر ينظر إلى الجحيم ". وتعود الروح من عالم الأموات إلى عالم الأحياء في الأعياد، وخصوصا في يوم "عيد الموتى".
ولا يتم الاهتمام بالمقابر في هذا العيد وحده، وإنما في الأعياد الإسلامية أيضاً، حيث تقوم صلاة العيد في المقابر أو قربها، ثم يقوم الرجال بقراءة الفاتحة على المتوفين، وبتسوية القبور وغرس بعض من الجريد الأخضر حولها، بينما النساء " يقفن بجوار قبة فقير المقبرة وتأخذ المرأة البركة (تراب من فوق القبر ومن جهة رأس الفقير بالذات) و(لا يجوز إعطاء الظهر للفقير) ثم تخرج وهي تسير نحو الخلف ثم تعطي هذه البركة لكل النساء ليتبارك الجميع بمسحها في الوجه والرأس مع الدعوات الصالحة . "
ويعتقد النوبيون أن الروح مادة متحركة ومتحولة، غير ساكنة، وان روح الميت لها دور كبير في المشاهرة، وهي حلول أرواح شريرة أو مصائب بالشخص. "فالطفل المولود الذي لم يتجاوز الأربعين يوماً يتعرض لخطر عارم عند حدوث الوفاة في القرية، وكذلك تمنع النساء في فترة الحيض والنفاس من حضور العزاء"، خوفا من المشاهرة.
أما يوم الموتى (بالاسبانية: Dí-;-a de Muertos) فهو مناسبة مكسيكية ذات شهرة واسعة. يوافق الاحتفال به يومي الأول والثاني من شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، حيث يتذكر المكسيكيون أسلافهم وأقاربهم الذين فارقوا الحياة. وهناك بعضا من الدول اللاتينية وأمريكا والفلبين يحتفلون بهذه المناسبة ولكن بنسبة أقل.
تقول الأسطورة التي بنيت عليها هذه الاحتفالية إن أرواح الموتى تعود إلى الأرض في هذين اليومين لزيارة الأهل والأحباب، إذ يعد اليوم الأول مخصصاً لأرواح الراحلين الصغار، فيما يأتي البالغون في اليوم الثاني.
ومع ما تظهر عليه الاحتفالية من طابع جنائزي قاتم إلا أن فعالياتها تشكل مفارقة لطيفة، إذ يسرد الناس النكات ويغنون، ويلقون القصائد الشعرية، ويؤدون استعراضات هزلية، لتتحول رهبة الموت إلى سخرية، كما يقوم زوار المقابر بصنع تلك الأكلات التي كان يحبها الميت وأخذها إلى ضريحه، وبحسب معتقداتهم، تقوم الروح بتناول القيمة المعنوية للطعام فيما يتناول الأحياء المحسوس منه.
ويوم الموتى يرجع جذوره إلى حضارات أمريكا الوسطى والجنوبية وبخاصة حضارات الأزتيك، الناهوا، والمايا، وبيروبتشاس، حيث الطقوس بالاحتفال بحياة الأسلاف بالاحتفاظ بجماجم الموتى وإبرازها في يوم الأموات لتمثل الموت نفسه وكذلك الولادة، وذلك قبل قرابة 3 آلاف عام. وفي الحقبة قبل الإسبانية، ارتبطت تلك الطقوس بالموت والبعث، ولذا فإن تلك الاحتفاليات تم توجيها إلى الأطفال وإلى حياة الأقارب المتوفيين.
ومع وصول الغزاة الأسبان في القرن الخامس عشر، تم إدراج عناصر من التقاليد المسيحية المتعلقة بالاحتفاليات الكاثوليكية لعيد القديسسين وكافة النفوس، مؤديا إلى توافقها مع الثقافة المكسيكية الشعبية.
ويعتقد المحتفلون إن أرواح الأطفال الموتى ترجع إلى الأرض في اليوم الأول من شهر تشرين الثاني (نوفمبر)و في اليوم الثاني يكون الدور على أرواح البالغين حيث تهبط الأرواح إلى الأرض. خلال السنة يستعد الناس بالاحتفال بهذا اليوم من خلال جمع القرابين التي سوف تقدم خلال المهرجان.
وعند اقتراب يوم الاحتفال يبدأ الناس بتنظيف قبور العائلة والأحبة وتزينيها بمختلف أنواع الزينة الملونة، فيما تقوم بعض العائلات الغنية بوضع الشمعدان المزين بالمنزل. في يوم الاحتفال تذهب جموع المحتفلين إلى المقابر للاحتفال والغناء وتقديم القرابين والتي هي عبارة عن الأطعمة المفضلة للمتوفيين وكذلك الشراب المفضل. بعد الانتهاء من الزيارة يأكل المحتفلون الأطعمة التي قدموها كقرابين لاعتقادهم أن أرواح الموتى قد التهمت القيمة الروحية للطعام وما تبقى هو عبارة عن طعام قد فقد قيمته الغذائية. وبهذا يتم تذكر الموتى في جو من المرح، بدلا من الشعور بالخوف من احتمالية وصول الأرواح الشريرة، حيث تكرم أسرة المتوفي ذكراه في جو من الاسترخاء حيث الاستماع إلى الموسيقى وتناول الطعام كعناصر للتمتع والاحترام.
البعض يقوم بكتابه الـ(calaveras) وهي عبارة عن قصائد قصيرة مهداه للمتوفيين. وتقوم العديد من الصحف اليومية بنشر هذه القصائد التي عادة ما تكون قد كُتبت من قبل مشاهير مصاحبة مع رسوم كاريكاتيرية عن الهياكل العظمية والأرواح، وتعتبر الجماجم من أهم شعارات المهرجان.
وأيام الموتى تحفل بمجموعة مشغولات تميزها، كالورود الصفراء المسماة "ورود السمباسوتشيل" وخبز الموتى والجماجم والهياكل العظمية، فكل ما يحيط بذلك يحمل طابع الموت بشكل أو بآخر، والمحتفلون يصبغون وجوههم وأجسادهم على هيئة هياكل عظمية، والتي أكثرها شهرة هي التي تقدم في تلك الأيام، ويكتب على جباهها اسم المتوفى (وأحيانا أسماء لبعض الأشخاص الأحياء) بطريقة لا تخلو من المزاح المقبول والذي لا يهدف إلى الإساءة إلى الشخص المذكور، ولكن دون تملقه أيضا. هكذا فإن خبز المتوفى هو خبز محلي أعتاد خبزه على شكل جمجمة، مزينة بأشكال مصنوعة من الخبز على هيئة عظام مع رشه بالسكر.هي تلك المصنوعة من السكر، وتحمل زخارف وألوانا زاهية، وقد تحمل أسماء بعض الأموات، وتكون على هيئة جمجمة طبيعية أو بشكل الجمجمة الشهيرة التي ترتدي قبعة والمسماة (جمجمة كاترينا) المستوحاة من أعمال الفنان خوسيه واذالوبيه بوساذا.
ومع ارتباط يوم الموت بالمكسيك، إلا أن الاحتفالية تشمل أيضا دولا أخرى قدم لها المهاجرون المكسيكيون، واحضروا معهم هذا التقليد القديم، إذ تحتفل أجزاء من ولاية كاليفورنيا الأمريكية التي يقطنها المهاجرون اللاتينيون بكثرة وأجزاء أخرى من الولايات المتحدة وغيرها من دول أمريكا اللاتينية.
فيما يعد الترحيب بأرواح الموتى وتخصيص أيام لتذكرهم والاحتفاء بهم طقسا أصيلاً في مجتمعات أخرى فالثقافة الكورية ترى أن أرواح الموتى تعود في شكل ورود وأزهار، فيما تحتفل البرازيل واسبانيا وأجزاء من آسيا وأفريقيا بالموتى ولكن في أيام مختلفة وبطرائق متنوعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أطفال غزة: من أهوال الحرب إلى نقص المواد الأساسية


.. جون كيربي: -خريطة طريق- جديدة لإنهاء الحرب في غزة




.. بين عزلة وانهيار الحكومة.. خطة بايدن تضع حكومة نتنياهو بمفتر


.. على وقع تصعيد خطير في جنوب لبنان.. بيروت أولى محطات وزير خار




.. سقوط 3 صواريخ بالجليل الأعلى واعتراض آخر في إيلات