الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التديّن بالإسلام بين الحقيقة والأوهام

محمد الحمّار

2014 / 1 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يبدو أنّ كل مفهوم مهم من بين المفاهيم العديدة التي تحتاج إلى التأصيل في ثقافة العرب والمسلمين له اسم واحد لكن معنَيين اثنين، واحد حقيقي والآخر مجازي. وهذه مشكلة المشاكل لأنها تتسم بأخذ المعنى المجازي على أنه حقيقي، إلى جانب الآخر الحقيقي، أو بأخذه على أنه هو الحقيقي دون سواه، أو مزج المعنيين الاثنين والتورط في تبعات هذا المزج، إن في الحياة العامة أم في المجال السياسي.

فلنستعرض البعض من تلك المفاهيم وذلك بالمعنَيين الاثنين ونحاول في الأثناء أن ندرك ماهية المشكلة ونجاريها:

* "القضية الفلسطينية": معناه الحقيقي يستوجب تحويرا جذريا في المقررات والمناهج المدرسية وتحولا شجاعا في السياسة الخارجية وتثقيفا مكثفا، بينما معناه المجازي يتطلب جامعة عربية ولقاءات دبلوماسية مكوكية بين كبار المفاوضين وبروبغندا إعلامية، والكلّ من شأنه أن يهّمش الموضوع عوضا عن الإسهام في بلورته لدى الرأي العام.

* "حقوق الإنسان": معناه الحقيقي يستوجب النضال في المجالات كافة وقرارات و أفعال وإنجازات، بينما معناه المجازي يتطلب وزارة وهياكل أخرى وأخصائيين وكلاما إنشائيا.

* "تحرير المرأة": معناه الحقيقي يستوجب إلغاء وزارة المرأة وإن لزم الأمر استبدال وزارة الرجل مكانها لتحرير هذا الأخير بواسطة سياسات متنوعة، بينما معناه المجازي يتطلب وزارة وموظفين وندوات صورية واجتماعات سياسية دعوية.

* "الديمقراطية": المعنى الحقيقي لهذا المفهوم يستوجب إسلاما أو مسيحية أو يهودية أو بوذية أو زردشتية أو غيرها من ديانات الشعب الذي أدرجها في أجندته، بينما معناه المجازي يتطلب مقارنتها بالإسلام أو بديانةٍ أخرى ما، وربما يتطلب نزاعا بينهما، أو حربا ضروسا بين أتباع كل واحدة منهما للبتّ في مسألة أيهما أجدر وأنفع وأنجع، لتنتهي الحرب طبعا بانهزام الطرفين المورطين وربما بالزلازل الاجتماعية والفوضى السياسية العارمة في المجتمع الواحد.

* "الدولة الإسلامية": مفهومٌ معناه الحقيقي يستوجب معادلة هذه الدولة مع كل دولة في مجتمع ذي أغلبية سكانية مسلمة، من دون تغيير ولا تبديل يُذكر يحصل في هويتها بعنوان الإسلام. وحتى لو افترضنا جدلا أنها تستوجب التزام المسلمين بالإسلام فذلك من المفترض أن يكون مسموحا به ومشجّعا عليه لكن لدى الفرد وفي صلب المجتمع. وبالتالي تستوجب "الدولة الإسلامية" الحقيقية تحرير العقل لكي يفهم الفرد والشعب أنّ الإسلام الحقيقي، لكي يتناسب مع الإسلام الأصلي - الذي في الكتاب والسنة - شيء يتكوّن ويتشكل ويُبنى ويُصاغ لأول مرة لكن عبر أنسجة الواقع الموجود، لا شيئا موجودا في واقع أناس كانوا موجودين من قبل.

بينما حسب المعنى المجازي لمفهوم الدولة الإسلامية فتتطلب هذه الأخيرة حزبا سياسيا ينادي بها وتَتيهُ قياداته في واقع لا تستطيع فهمه، وصحفا وإذاعات وتلفزيونات تتصدى لهذا المعنى بواسطة أدوات أكثر مجازا وسريالية من المعنى المجازي الذي تتصدى له، فينتهي كل شيء إلى حوار وطني ماراطوني مثل ذاك الذي وقع في تونس.

ولئن اقتضت الضرورة حوارا وطنيا في بلادنا فإنه جاء متأخرا بما يكفي ليصبغ كل المفاهيم المتعلقة بالدولة الجديدة المزمع تأسيسها باللون المجازي. وهذا مما يعني أنّ الحوار الوطني الحقيقي هو ذاك الذي كان على الطبقة السياسية إقامته قبل تزكية التحزب الديني بمثابة رافد من روافد الفكر السياسي أم نقضه، علما وأنّ النقض – الذي ثبت أنه الأرجح للواقع- لا يحصل باسم الإقصاء وإنما تلبيةَ لضرورة التشارك في تحديد مكانة التديّن في المجتمع وفي تحديد منسوب الفكر الديني الإنساني ضمن الفكر السياسي العام والمشترك. إنّ الحوار الوطني الحقيقي هو ذاك الذي كان من المقترض أن يُنجز قبل الانتقال الديمقراطي لا أثناءه. إنه ذاك الذي لم يحصل أبدا.

كانت هذه بعض أهم المفاهيم ذات المعنى المزدوج التي لن تثبت على معنى وحيد – أي المعنى الحقيقي- دون سواه وكما تريده قواعد السلامة والرغبة في تفادي المزيد من الفُصام الفردي والمجتمعي، في التديّن كما في السياسة، إلا في حال استرجاع المسلمين للقدرة على تفعيل منهاج العبادة الحقيقية حتى تكون آثارها على تطوير الفكر والسياسي ومنجزاته واضحة و ناجعة وحائزة على الوفاق الحقيقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المعروف قاعدة التفاهمات
ابراهيم احمد الثلجي ( 2014 / 1 / 5 - 20:35 )
اخي الكريم حسب ما افهمه من كتابتك فانك تريد ان تصحو من نومك يوما على دولة اسلامية (اكشن) وليست فكرة حزب سياسي اسلامي يرسمها بالوان الاخرين في بروازه هو، فتختفي الالوان لانها لا تطيع ريشته فيبقى البرواز بدون صورة وهذا ما حصل في تجارب الوصول للحكم عبر الصناديق ، جهز البرواز فهربت الالوان،ما العمل اذن ليرضى الجميع،ناخذ عبرة من اصغر وامتن حكومة بالعالم وهي لدولة الاسرة،فالاصل ان تسود علاقات افرادها الود والمحبة ولاسباب غير واضحة تماما قد لا يكون ودا دائما لان الانسان ومزاجه متغير فالبديل ليس الانفصال وهدم الاسرة وانما استبدال الحب والود بالمعروف وهذا الاخير ميثاق غليظ سماه ربنا العظيم مربينا وخالقنا ومكرمنا بمنهج حكيم نتبعه ونهتدي به،ليكون بديلا فعالا ومقتعنا ان مال القلب عن الود، وعليه كان ميثاق يثرب الذي وقعه رسول الله مع الاخوة في الله والانسانية النصارى واليهود،والتي عولجت به قضية التعايش وباختلاف في العقيدة والهوى وفتور الود البيني، وذلك بجعل المعروف اساسا لكل المعاملات والتحالفات، ولم يفرط الميثاق اختلاف دين وانما ترك المعروف بخيانة اليهود يوم الحصار من الاحزاب وطعنهم من الخلف


2 - الكاتب الكبير المحترم محمد الحمّار
شاهر الشرقاوى ( 2014 / 1 / 6 - 05:21 )
تحياتى :
اسمح لى ان اعبر بداية من خلال مقالك القيم هذا عن خالص تقديرى للاستاذ المعلق المحترم ابراهيم احمد الثلجى عن خالص تقديرى واعجابى بارائه المستنيرة وفكره الحر وفهمه الواعى للعقيدة والايمان والاسلام .والذى التمسته فيه فى اكثر من تعليق على بعض المقالات فى الموقع
فتحياتى له ..وعظيم احترامى لشخصه الكريم

اما عن مقالك استاذى فهو كعادتك يضع النقاط على اسباب الاختلافات الجوهرية بين البشر فى كافة مجالات الحياة الا وهو اختلاف المعانى والتعريفات سواء كان هذا الاختلاف بين حقيقة وحقيقة او بين مجاز ومجاز او بين مجاز وحقيقة ...فللحقيقة وجوه كثيرة .اما الحق .فواحد لا يختلف عليه اثنان ابدا او هكذا يجب ان يكون

بالقطع توضيح حضرتك للفروق بين الحقيقة والمجاز من وجهة نظر حضرتك جميل جدا ..وان كانت هناك امور اخرى وتعريفات واوجه اختلافات متباينة عما اوضحت

منها مثلا حقوق الانسان .تستخدم الان كساتر لتدمير الاوطان وينسون واجبات الانسان ...وايضا الديمقراطية .تستخدم كسلم للوصول للحكم باى طريقة كانت ثم لتتحول الى استبداد وقهر لكل المختلفين مع من هم فى سدنة الحكم باسم الشرعية واغفال الحق للاخرين
تحية


3 - الحزب الديني تجربة فاشلة
محمد الحمّار ( 2014 / 1 / 6 - 17:50 )
الأخ ثلجي
لم أقصد النوم ثم الاستيقاظ ولكن ما قصدته على العكس من ذلك هو المكوث في حالة يقظة. ذلك أنّ المسلمين بحاجة لليقظة لكي يدركوا أنّ كل دولة غالبية سكانها مسلمون هي دولة إسلامية. فالأمر لا يستدعي تركيب الشيئ الموجود. الموجود يتطوّر نحو الأفضل ولا يُزرع من جديد.
وقد أثبت الواقع في كل من مصر وتونس أنّ الحزب الإسلامي لا ينفع. فكل الأحزاب إسلامية
بالمعنى الذي حددته أعلاه.


4 - الأخ الأستاذ شاهر
محمد الحمّار ( 2014 / 1 / 6 - 18:47 )
صديقي وأخي شاهر

أثمّن الإضافة التي تفضلت بها حول الاستغلال الفاحش لقيمة الديمقراطية من طرف جهات آخر شيىء

تفكر فيه هو مصلحة الوطن.

اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج