الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-عريضة المطالبة بالاستقلال- تكرّس إقصاء الأمازيغية

محمد بودهان

2014 / 1 / 8
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ستحل يوم 11 يناير 2014 الذكرى السبعون لما يسمى في تاريخ المغرب "عريضة المطالبة بالاستقلال". فما علاقة هذه العريضة، الصادرة في التاريخ المذكور، والتي تحتل مكانة خاصة في تاريخ المغرب المعاصر، ويخصص لها حيز كبير في المقررات المدرسية، وتعتبر عيدا وطنيا يحتفل به الشعب المغربي كل سنة، (ما علاقتها) بالأمازيغية؟ أليست هذه الوثيقة، في ما يخص الموقف من الأمازيغية، امتدادا لأسطورة "الظهير البربري" وتزكية لمحتواها الأمازيغوفوبي؟ وبالتالي، ألا تحمل هذه العريضة مضمونا أمازيغوفوبيا فيه تكريس لإقصاء وإلغاء للأمازيغية؟
إذا علمنا أن محرري العريضة يشكلون امتدادا واستمرارا، على مستوى الأشخاص والأفكار والمواقف والقناعات، لصانعي أسطورة "الظهير البربري"، يسهل علينا أن نجزم، وحتى قبل أن نقرأ العريضة، أن هذه الوثيقة لا تختلف، من حيث مضمونها الأمازيغوفوبي، عن الظهير/الأسطورة. لكن لنقرأ الوثيقة ولنتأمل بعض ما جاء فيها، والذي له علاقة بموضوعنا:
تبتدئ الوثيقة هكذا: «الحمد لله. إن حزب الاستقلال الذي يضم أعضاء الحزب الوطني السابق وشخصيات أخرى، حيث إن الدولة المغربية تمتعت دائما باستقلالها وسيادتها الوطنية، وحافظت على استقلالها ثلاثة عشر قرنا إلى أن فرض عليها نظام الحماية في ظروف خاصة».
واضح أن الثلاثة عشر قرنا المعنية هنا هي الثلاثة عشر قرنا من الحضور العربي الإسلامي. النتيجة إذن:
1ـ أن مغرب ما قبل هذه الثلاثة عشر قرنا قد أُقصي ولم يُعترف به، وهو المغرب الأمازيغي؛
2 ـ أن المغرب الذي ظل دائما أمازيغيا في هويته حتى بعد دخول الإسلام وانتشار العربية، سيصبح بلدا عربيا إسلاميا في هويته رغم أنف التاريخ والواقع. وهكذا تصبح الأمازيغية، بكل حمولتها الهوياتية واللغوية والثقافية والتاريخية، مقصاة ومغيّبة كشيء لا يوجد ولم يوجد.
وتختتم العريضة مطالبها هكذا: «يلتمس (الحزب) من جلالته أن يشمل برعايته حركة الإصلاح التي يتوافر عليها المغرب من داخله، ويكيل لنظره السديد إحداث نظام سياسي شوري شبيه بنظام الحكم في البلاد العربية الإسلامية بالشرق». وهذا يعني:
1 ـ تأكيد، مرة أخرى، أن المغرب بلد عربي ، لهذا يجب أن يكون نظامه السياسي شبيها بالأنظمة العربية بالمشرق.
2 ـ توجيه المغرب توجيها شرقانيا عروبيا، وترسيخ التبعية الذهنية والإيديولوجية للمشرق، هذه التبعية التي لا زالت توجه التفكير والسياسة والثقافة والتعليم، وتؤطر الأحزاب والذهنيات بالمغرب بعد الاستقلال.
3 ـ الدعوة ـ وهذا هو الأخطر ـ إلى تقليد أنظمة الحكم الاستبدادية والديكتاتورية التي عرف بها المشرق العربي، كنماذج يحتذي به نظام الحكم بالمغرب، ليبقى، مثل تلك النماذج التي تدعو الوثيقة إلى محاكاتها والتشبه بها، بلدا تغيب عنه الديموقراطية، ويحضر فيه الاستبداد، وينتشر به الفساد...
هذا التوجه الشرقاني يعني، طبعا، توجها مضادا لكل ما هو أمازيغي، لكل ما هو مغربي أصيل. وهو التوجه الذي سار عليه المغرب بعد الاستقلال، والذي كرسته مختلف الدساتير، بما فيها دستور 2011 الذي ينص على «تعمی-;-ق أواصر الانتماء إلى الأمة العربية …».
هكذا تلتقي إذن هذه الوثيقة بأسطورة "الظهير البربري" في محاربة الأمازيغية وإقصائها.
ومن جهة ثانية، تثير وثيقة المطالبة بالاستقلال نقط استفهام كثيرة:
1 ـ المطالبة بالاستقلال في 1944، أي بعد 32 سنة على فرض الحماية، يدل على أن محرري الوثيقة لم يكونوا يفكرون في الاستقلال ولا في المطالبة به قبل هذا التاريخ.
2 ـ مجموعة من الموقّعين على العريضة كانوا يتمتعون بـ"حماية" دول أجنبية، مع ما كانت تعنيه هذه "الحماية" في ذلك الوقت، حيث كان يعتبر الشخص المحمي كواحد من رعايا الدولة الحامية، تدافع عنه وتحمي حقوقه ضد الدولة التي ينتمي إليها في الأصل: فكيف يطالب باستقلال المغرب عن فرنسا من كانوا يتصرفون كخونة وكأجانب عن هذا المغرب؟!
3 ـ إن المطالبة بالاستقلال لم تبدأ إذن إلا من هذا التاريخ (11 يناير 1944)، الشيء الذي يغيّب الأمازيغيين وكل المغاربة الذين قاوموا الاستعمار منذ أن دخلت الجيوش الأجنبية الأولى أرض الوطن، وضحوا بأرواحهم من أجل استقلال المغرب وسيادته.
فكيف يصبح يوم 11 يناير، الذي وُقعت فيه مجرد ورقة سموها "المطالبة بالاستقلال"، عيدا وطنيا، ولا يحتفل بمعارك حقيقية ـ وليست ورقية ـ شهيرة من أجل الاستقلال، انتصر فيها المغاربة على المستعمر، مثل معارك "لهري" و"أنوال" و"بوكافر"؟ هذا تحويل Détournement وسرقة للتاريخ، وسطو وافتراء عليه. وهو نفس التحويل والسرقة والسطو والافتراء الذي سبق أن مارسه صانعو أسطورة "الظهير البربري" التي طردت من التاريخ صانعيه الحقيقيين، وأدخلت إليه من كان يُحكم عليه إغلاق الأبواب ليقرأ "اللطيف"، كما هو معروف.
هذا التحويل والسرقة والتزوير للتاريخ، مع ما ينطوي عليه من عداء مستحكم لكل ما هو أمازيغي، هو الذي يجعل البعض، مثل السيد المقرئ أبوزيد الإدريسي، يتحدث عن الأمازيغيين، وفي القرن الواحد والعشرين، " كـ"عرق معين" معروف ببخل شديد!. مع أن خطأ الأمازيغيين هو كرمهم الزائد، الذي جعل الأجداد المفترضين للسيد المقرئ أبوزيد يهربون من عروبتهم بالمشرق ويلجؤون إلى الأمازيغيين بشمال إفريقيا طلبا لحمايتهم وطمعا في جودهم وكرمهم.
عندما نتأمل هذه الحقائق والمعطيات، لا يمكن إلا أن نفكر في كتابة عريضة جديدة للمطالبة باستقلال المغرب، لكن ليس عن فرنسا، بل عن إرث "الحركة الوطنية" وفكرها الشرقاني وثقافتها السياسية الأمازيغوفوبية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فوز الغزواني برئاسة موريتانيا وخصمه يشكك في النتائج |الأخبار


.. ما السيناريوهات المتوقعة في الجولة الثانية من الانتخابات الت




.. نتائج الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية.. هل هي


.. الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية بفرنسا.. تحالفات ومسا




.. ملء خامس لسد النهضة.. كيف تتفاعل مصر مع إعلان إثيوبيا؟ • فرا