الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية و الحفرة المقدسة

مايكل سامي

2014 / 1 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كان ياما كان, في قديم الزمان, مدينة إسمها "الفنكوش" كل سكانها يؤمنون بإله اسمه الفنكوش. و اعتاد الناس في هذة القرية على التقرب إلي الههم الفنكوش عن طريق التوجه بالصلاة قبلة الحفرة المقدسة في وسط المدينة, و كانت هذة الحفرة الكبيرة تتسبب في حوادث كثيرة و لا أحد يستطيع أن يفعل شيئا لأن الدين الفنكوشي يعتبر ان هذة الحفرة المقدسة هو أكبر فخر و كرامة للمدينة .. حيث يأتي الحجاج من أقاصي البلاد للطواف حولها و التبرك بها و بالتالي يصنعون حركة السياحة في المدينة. أما عن القتلى و الجرحى بسبب السقوط في هذة الهوة العميقة فيعتبرونه إبتلاء للمؤمنين و حكمة إلهية فنكوشية تهدف لتعليم الناس الحيطة و الحذر و تحمل المصاعب.

لكن بمرور الوقت و تزايد عدد الضحايا و قلة أعداد الحجاج اضطر قادة و كبار المدينة أن يضعوا حداً للحوادث طارحين الأمر على علماء المدينة لكي يحلوا المشكلة. فاقترح أحد العباقرة اقامة خط تليفوني ساخن بجانب الحفرة بحيث يخطر المصاب المستشفى لكي يرسلوا سيارة اسعاف وقتما يسقط بها احدهم. فقام احد المخترعين المعروفين في القرية و قال ساخرا : طبعا هذا يبدو غبيا جدا .. لأن اللمصاب قد لا يستطيع الوصول أصلا للخط للتليفون, الأفضل ان نبني نقطة مراقبة صغيرة بجوار الحفرة و سيارات إسعاف جاهزة حتى تنقل المصابين فورا. و هنا لم يتمالك أنبه علماءهم نفسه و هو العلامة الوقور الذي تفخر به المدينة فقام ليعنف الإثنين قائلا : يستحيل أن أصدق وجود كل هذا الغباء .. أنتما الإثنين مخطئان تماما ! هذة الحفرة يجب ردمها كلها .. ثم نحفر مثلها تماما بجوار المستشفى !!

الحفرة المقدسة
--------------

هل تعتقد أنهم جميعا أغبياء ؟! هل تظن أن الحفرة يجب ردمها بشكل نهائي و إلي الأبد ؟! هل تبدو هذة الحدوتة غريبة ؟! هل هي خيالية ولا يمكن ان تحدث في عالم الواقع ؟! لا, هذا ليس صحيحا. الدين بوجه عام و كل ما هو مقدس و تابو و إلهي يمثل بالفعل هذة الهوة الحمقاء في الوعي البشري, بنفس التبعات و النتائج التي يمكن تسببها حفرة عميقة و خطرة في وسط المدينة .. و لا يحمي المشكلة من ان يتم حلها و بشكل نهائي إلا كونها "مقدسة" و ممنوعة من اللمس أو التعديل, لأن هناك ناس ينتفعون منها نفسيا و يتاجرون بها ماديا. القرد البشري بطبيعته متطير و خرافي و يعشق الأساطير و يصدقها بسهولة لانها تعجبه, و كثير منا لا يستطيع تخيل الحياة لو تم هدم الحفرة المقدسة في مدينته ! يتخيل أن الناس لن تواجه أي مشاكل بدون الحفرة و الحياة ستكون بلا معنى و بلا معاناة .. و بالتالي بلا هدف يدفعه للإستمرار ! و مثل هؤلاء الناس يشترون هذة الخرافة بأغلى الأثمان و من ثم ينتفع منها و يتاجر بها كل نصاب أفاق دجال .. يزايد على الجميع بإسم الحفرة المقدسة !!

و ما بين الأحمق المخدوع و النصاب المخادع يحاول العلماء و المتخصصين و حلالي المشاكل أن يتعاملوا مع هذا الواقع الأحمق .. دون المساس بالمقدس مع أنه لب المشاكل أساسا ! و من ثم نجد ان هؤلاء الجهابذة و العلماء مقيدين و محكومين بغباوات المجتمع و الناس و مضطرين أن يتعاملوا مع العرض دون المساس بالمرض ذاته, و أن يحاولوا تقليل المشاكل الناتجة عن المقدس إلي الحد الأدنى .. لأن المقدس رابض و محمي ولا يمكن الغاؤه بقوة العامة و الغوغاء و المنتفعين الدجالين. و هذا الموقف في التعامل مع المقدس كأمر واقع لا سبيل لإنهاؤه يمكن تسميته بــ "العلمانية", فسواء حاول النظام العلمانية وضع سور حول دور العبادة (الحفر المقدسة) أو منع تجار الحفر المقدسة من السيطرة على الحكم و تحويل المدينة بأكملها إلي حفرة مقدسة ضخمة تتيح لهم تجارة أكبر و منافع أكثر .. إلا أن الحفرة ستظل موجودة و سيظل هناك من يرمي بنفسه فيها طامعا في الوصول لجنات الخلد و حور العين !!

بأي حال من الأحوال لم يكن التعامل مع العرض و ليس المرض حلال في أي وقت من الأوقات, و تعامل العلمانية مع الحفرة المقدسة تعامل بليد و قاصر .. و لسان حاله "هذا هو الواقع .. و هذة هي الواقعية" ! و كثير من العلمانيين يتحجج بأن هناك أنظمة و دول حاولوا هدم الحفرة المقدسة عندهم, و قاموا بإرتكاب مجازر رهيبة و راح ضحايا كثيرون (الإتحاد السوفيتي مثلا و كل الأنظمة الشيوعية حاولت القضاء على حفرها المقدسة بكل عنف و شدة, و قتلوا جحافل من المخادعين و المخدوعين دون فائدة.) .. و في النهاية توقف الردم و ظلت الحفرة موجودة في النهاية. و بالتالي فالحفرة المقدسة قدر حتمي و شر لابد منه .. فطالما ان هناك بسطاء و سذج و طالما أن هناك منافقين آفاقين يستغلون بساطة و سذاجة البسطاء و السذج ستظل الحفرة موجودة و سيظل الإتجار بها موجودا. و الحل الوحيد الممكن هو العلمانية, حيث يتم وضع خطوط حمراء و أسوار حول الحفر المقدسة .. فلا يقع او يتورط فيها الناس الأذكياء المنتبهين, و لنترك البسطاء و السذج غذاء حلال لعناكب الحفرة المقدسة (رجال الدين) !! ولا تزايد علينا من فضلك بدفاعك عن السذج و البسطاء, لأنه لا حل آخر هناك ممكن أن يقضي على المشكلة .. و لأننا منطق الإنتخاب الطبيعي في التخلص من السذج و البسطاء هو منطق كوني لا يمكن ان نستغنى عنه !

مبدأيا, لا حاجة للرد على هذا الطرح بمنطق أخلاقي لأن الكلفة الأخلاقية أوضح من أن يتم الإشارة إليها .. و الكل يعلم ذلك. إنما ما يستحق الرد نقطتان, الأول هو أنه لا توجد حلول أخرى ممكنة .. و الثانية هي أن الإنتخاب الطبيعي يدعم المجتمع بتخليصه من أغبى و أجهل عناصره.

بين الشمس و الريح
------------------

هناك أساليب لانهائية و قليلة التكلفة البشرية و فعالة و ذكية يمكن إستخدامها لإنهاء مشكلة الحفرة المقدسة مرة واحدة و إلي الأبد .. و يمكن تبسيط الفكرة بقصة لطيفة أخرى.

كان ياما كان, في قديم الزمان, تجادلت الشمس مع الريح على أيهما أقوى و أيهما أحق بالزعامة .. الشمس تصر أنها الأقوى و الاعظم و الريح تنكر و تؤكد أنها هي الأحق بهذة الألقاب. و في النهاية قرروا حسم هذا الجدل بتجربة عملية, عن طريق سباق شريف .. فلما رأت الريح رجلا آتيا من بعيد قالت للشمس : ما رأيك ان من يستطيع إنتزاع الكوفية من هذا الرجل يستحق لقب ملك الظواهر الطبيعية ؟ فوافقت الشمس. الريح بدأت أولا, فإشتدت و إشتدت و أثارت البرد و العواصف تحاول أن تنتزع الكوفية من على كتفي الرجل .. و كلما إشتدت أكثر كلما تمسك الرجل بكوفيته أكثر, شدة أكثر أدت إلي تمسك أكبر ! و في النهاية إنتهى وقت الريح و حان دور الشمس .. و ما أن بدات الشمس في زيادة حرارتها قليلا حتى شعر الرجل بالسخونة و طوح الكوفية الثقيلة بطول ذراعه, لاعنا هذا المناخ المجنون !!

يمكن الآن فهم الغرض من الحدوتة, العبرة لم تكن أبدا في الشدة و القسوة و إستظهار القوة .. و إنما العبرة بكفاءة و فعالية الأساليب. ثم إن محاولة إنتزاع شئ من أي شخص لن تدفعه إلا إلي المزيد من التمسك و التشبث من هذا الشخص .. رد الفعل هذا غريزي و تلقائي و طبيعي جدا. إنما تجاهل الشئ المراد إنتزاعه مع تصعيب الأمور على المتمسك بهذا الشئ سيدفع حتما صاحب الشئ إلي التنخلص منه ! إستخدام الحيلة و الذكاء كانا دائما أفضل و أنجع و أكفأ من إستخدام القوة و البطش .. و لطالما كان القبض على من يقومون بالسرقة المسلحة و السرقة بالإكراه أوضح و أسهل بكثير من نصاب يخدع ضحاياه و يسحرهم لكي يسلموه أثمن ما لديهم بملء إرادتهم : لأن القانون لا يستطيع أن يحمي المغفلين ! شخص بلطجي يسرق تحت تهديد السلاح يسهل تحديد مكانه و محاصرته بعدد كافي من رجال الشرطة, ثم إسقاطه أو القبض عليه و إنتهى الموضوع. أما دجال مشعوذ يتحكم في آلاف الأنصار على أساس أنه ولي من أولياء الله الصالحين و له كرامات و معجزات .. سيكون القبض عليه أصعب و له حسابات أخرى كثيرة, لان كثير من الضحايا لم و لن ينتبهوا أساسا أنهم ضحايا نصب !

و إنتزاع الدين من الناس أيضا لا يختلف في أساليبه عن إنتزاع محفظة من جيب زبون مغفل ! أساسا لا أحد ينجذب لهذا الطعم ما لم يكن غبيا كفاية لكي يتم جذبه بطعم آخر, فاللعبة يستطيع ان يلعبها إثنان. و الفارق الوحيد بين النصب في الحالة الدين و النصب في الحالة الأخرى .. هو أن النصب الأول يسعى لسرقة عقل و حياة الزبون أما النصب الأول فيسعى إلي العكس, إلي زيادة عقل و تطوير حياة الزبون .. ليس بالقوة الجبرية الباطشة كما حاولت و فشلت الدول الشيوعية بل بالحيلة و الخداع. و مادام هناك فئات من الناس لا تخضع للمنطق و هي مهيئة و جاهزة للنصب و الخداع 24 ساعة في اليوم و 7 أيام في الأسبوع .. إذن فعلى من يريد الإصلاح أن يخدعهم اولا لمصلحتهم قبل أن يخدعهم آخرين ضد مصلحتهم. نعم, هناك نوعية من البشر لا تستطيع وليس لديها الإمكانية أن تفكر و تعقل بشكل علمي مستقل .. فليس كل الناس علماء فلاسفة يعني. و هذة النوعية من الناس لو أعطيتها حريتها و إستقلالها بين أيديها فستعطيهم لأول نصاب يقابلوه, أو يهبوها لأي عابر سبيل يجدوه, أو حتى يلقوها بجوار أي حائط في لامبالاة ! بالفعل هناك ناس بهذة الطريقة و هم يمثلون نسبة ضخمة من أي مجتمع, و ابتالي فأن نفترض الإستقلال و قوة العقل فيهم يعتبر حماقة أيضا.

و مشكلة هؤلاء الناس المغيبين الذين يدافعون بكل قوة عن غيبيتهم و غيبوبتهم و الغيبية بوجه عام, الذين يرفضون حقوقهم و إستقلالهم, انهم اولا مساكين و مرضى لا ذنب لهم, فلا أحد يصنع ميوله و طبائعه الجينية الموروثة ولا أحد يصنع طبيعته و نفسيته و قدراته الذهنية .. لان كل واحد فينا أساسا هو طبيعته و تفسيته و قدراته. و بالتالي فالقوي ليس أفضل من الضعيف لأنه قوي, بل هو أقوى منه فقط .. و على العكس على القوي أن يحمي الضعيف لأن هذا واجبه الأخلاقي في مواجهة الإنتخاب الطبيعي. و نفس هذا الواجب الأخلاقي ملزم للأكثر علما على الأقل علما, واجب على الأكثر وعيا على الأقل وعيا .. لان الإنسانية إختارت ان تترك الغابة و تؤسس مجتمع متحضر تكافلي حيث البقاء فيه للأنفع للمجتمع و ليس لمن هو أصلح للبقاء. و بالتالي فليس معنى أن هناك أغبياء أن ننصب عليهم و نسرقهم أو نتركهم عرضة للنصب و السرقة .. بل أن نخدعهم لمصلحتهم و أن نضع لهم الدواء في العسل بدلا من وضع السم في العسل.

الدواء في العسل
---------------

حسب منطق الدواء في العسل بدلا من السم في العسل لناس مغيبة لا يمكن إقناعها بالمنطق العقلاني لأن عقولها ضعيفة مغيبة, ما المانع من ان تكون فئة مثل "الإخوان المسلمين" هم ناس يحاولون إستخدام هذة الحيلة فعلا ؟! يعني جماعة مثل جماعة الإحوان المسلمين يروجون لانفسهم كجماعة دعوية دينية, لكنهم في الواقع بلا فقه ولا أي طرح ديني من أي نوع ! بل و لهم إتفاقيات مع امريكا العلمانية و يبررون الإقتراض بالربا و غيره, و بعكس الجماعات السلفية الأصولية التي تعتمد في دعواها على مذهب أحمد بن حنبل أحد أئمة السنة الأربعة و فقه أحمد بن تيمية و إحياء محمد بن عبد الوهاب و غيرهم. إنما جماعة تدعي الدين دون أن يكون لهم أي فقه أو رؤية دينية .. تستخدم المزايدات و الإدعاءات فقط, ما المانع من ان يكون هؤلاء علمانيين يحاولون بيع مياة مختلفة في حارة السقايين ؟!! و حتى إن لم يكونوا علمانيين جوهرا و متدينين شكلا, ما المانع من إستخدام الدين بهذة الطريقة ؟ ما المانع من دعم تيار مثل التيار "القرآني" مثلا ؟! اليس هؤلاء أقل وطأة و مصلحين ؟! اليس هذا وضع للدواء في العسل ؟!

و إجابة هذة الأسئلة ستكون إجابة منظمة عن طريق تصنيف الدين إلي خمس كيانات أو أنماط لا سادس لهم في أي دين.

1- الدين النصي / القرآن في الحالة الإسلامية.
لأن الأديان تم صياغتها في العصور القديمة أساسا, و قد جمدت المعارف القديمة و المعايير السلوكية القديمة (حسب بلد المنشأ) في شكل نصي .. فغالبا لا يتيح النص نفسه حرية حركة كبيرة من خلال ما يسمى إصطلاحا بالفهم أو التفسير. و مسألة التفسير أو الفهم هذة لم يتم إختراعها للأديان فقط, بل هي مرتبطة بنشوء الكتابة نفسها في الحضارات البابلية و الفرعونية .. لأنه مادام هناك نص إذن هناك حاجة لفهمه. و بالتالي فالتفسير و الفهم يفترض منهم الأمانة و الموضوعية أساسا و ليس بالتأويل و التبرير و لي المعاني لكي تعني أشياء لا تعنيها. ربما في النصوص الكهنوتية و الشعرية الغامضة المطاطة يمكن تأويل النص كيفما إتفق أو على المزاج .. و يمكن قبول هذة التأويلات لان المعنى غامض أساسا و بالتالي يمكن لكل من يرغب أن يفسره كما يريد. إنما هناك نصوص واضحة و صريحة و محكمة الصياغة بحيث لا يمكن تأويلها أو لي معانيها إلا عن طريق الكذب و التدليس و السفسطة .. و هي أساليب غير شريفة و غير موضوعية للتعامل مع أي نص. و بالتالي فالنصوص الحجرية المتخلفة التي يمكن للمرء أن يجدها في أي دين بدائي صاغه ناس بدائيين في العصور القديمة تكون مثل الحفرة المقدسة لمن يؤمن بها, و تأويلها أو لي معانيها بدلا من تفنيدها و تسخيفها لا يمكن تصويره إلا باللف و الدوران حول الحفرة المقدسة .. و هي ممارسة سخيفة مضرة حمقاء.

2- الدين المتطرف / السلفية الحنبلية في الحالة الإسلامية.
و هو غالبا أدق و أصدق قراءة للدين النصي, حيث يتم إستقصاء معاني و مفاهيم الدين النصي بحسب فهم المؤمنين القدامى (سلف الأمة) .. حيث يتمسك هؤلاء بالنقل و الإتباع بدلا من العقل و الإستقلال. و هم في نقلهم للنص و إتباعهم له يكونون مثل الروبوت أو الإنسان الآلي .. بمعنى انهم لا يلجأون لحيل التأويل الغير شريف في التعامل مع النص الحجري, بل يتبعون هذة الغباوات و السفالات بكل دقة و أمانة !!

3- الدين المعتدل / الأزهرية الأشعرية في الحالة الإسلامية.
و هو غالبا يعتمد على المتفق عليه بين جميع التفسيرات و القرآت, بمعنى أنه لا يسعى لفهم و تفسير الدين النصي بحسب المؤمنين القدامى الأصليين الذين إبتدعوه أساسا .. بل يسعى لإستيعاب كل وجهات النظر التي نشات و تطورت تجاه الدين النصي عبر التاريخ و إستخلاص نتائج منها. من يتبنون الدين المعتدل عادة يعتبرون أن التراكمات في الرؤى تجاه الدين النصي التي نشات و تطورت منذ نشوء الدين أنها "علم" مستقل أو "علوم" مستقلة و بالتالي فهي تستلزم الإستذكار و الإستحضار و المراجعة لأن كل رأي في هذا الدين له إعتباره و يستحق الدراسة. و هذة الفئة كهنوتية متحذلقة عادة و لا تحب حسب أمور الدين ببساطة على أساس أن الدين لم يكتمل بموت مؤسسه بل بدأ, و بالتالي لا يصح الإفتاء فيه من غير المتخصصين.

4- الدين الحداثي / القرآنيون و المعتزلة في الحالة الإسلامية.
و هو غالبا محاولة لصياغة الدين القديم بشكل عصري حديث متوافق مع المعايير الإنسانية الواقعية, و انصاره في الغالب لا يؤمنون بصحة الدين إنما يحاولون إيجاد مخرج عملي من مأزق تعارض الدين النصي مع الواقع. و هم في سعيهم لإيجاد مخرج مرضي و تبرير مريح لمن يؤمنون بالدين النصي يقتطعون أجزاء من النص الأصلي أو يلغون أجزاء منه ثم يقوموا بتأويل و لي معاني النصوص الحجرية الباقية بطريقة مائعة تسخف معنى سعيهم كله و تجعلهم يبدون كمهرطقين مدعين. و بالطبع هذا الإتجاه غير فعال غالبا ولا يصنع تغييرا و أتباعه أقلية غير مؤثرة .. و كلما كان النص الأصلي بعيدا عن فهمهم كلما كان نفور من يؤمنون و من لا يؤمنون منهم أكبر و إهمالهم أعظم.

5- الدين التجاري / الإخوان المسلمين في الحالة الإسلامية.
التجارة بالدين موجودة منذ إختراع الأديان في العصور القديمة, فطالما أن هناك كهنة و رهبان و مبشرين و مشايخ و فقهاء و دعاة .. رجال دين بوجه عام يتكسبون و يعتاشون من الدين و يعتمدون في بقاءهم على بقاؤه, فسيكون و سيظل هناك تجارة بالدين. و التجارة كوسيلة لتبادل السلع و الخدمات لا تقتصر على التكسب بالدين أو بيع الدين مقابل مال, بل هناك أيضا بيع الدين مقابل سلطة أو مقابل مكانة إجتماعية او نفوذ او نجومية او أيا ما يكون النفع الذي يسعى إليه تاجر الدين .. و إن كان المال و السلطة هم أغلب الأثمان المدفوعة مقابل بيع الكلام الديني و الثرثرة المقدسة للناس. و مع إن تجار الدين هؤلاء لا يؤمنون في الغالب ولا يعتبرون الدين ذا قيمة بطبيعة الحال لأنهم يبيعونه ولا يشترونه .. إلا أنهم لا يحسبون كعلمانيين أو من انصار ردم الحفرة المقدسة طبعا, لان وجود الدين من مصلحتهم و بقاؤه يعني بقاءهم و بالتالي فهم أشرس من يدافع عن وجود و بقاء هذة الحفرة المؤذية المقدسة, و مواجهتهم لن تكون إلا بالعنف و الدم.

هذة النماذج أو الرؤى الدينية موجودة في كل دين دون زيادة او نقصان, لانها ليست أمثلة بل حصر شامل للظاهرة الدينية بناءا على مرجعيتها و موقفها من النص و من الواقع. و بإستثناء الدين النصي الذي لا يعبر عنه بشر بل يعبر عنه النص نفسه فقط, فالتيارات الأربعة تعتاش و تقتات على الدين (الحفرة المقدسة) بدرجات مختلفة .. ربما أقلهم إكتراثا و قوة هم أنصار الدين الحداثي, إلا أنهم يتمسكون بحضور الدين أيضا بدرجة ما.

عبادة العلم
-----------

وضع الدواء في العسل هو أسلوب له معنى كما ان له قواعد. مبدئيا العسل هو المعالجة الإنسانية لأي فكرة, و السم هو الدين نفسه بكل ما فيه من تخريف و جهل و ببغائية و بربرية و رجعية .. و بالتالي فإن وضع السم في العسل يعني الترويج و الدفاع عن الدين من باب الإنسانية و الحق في الإختيار و الإعتقاد .. اما وضع الدواء في العسل فلا يمكن فعله إلا بصياغة عكس الخرافة و الجهل (العلم) بشكل إنساني يلمس و يعالج الإنسان البسيط الساذج قبل الإنسان الذكي المتعلم .. و ليستوعب كل عقل ما يمكنه إستيعابه من علم. و الفكرة من النشر و الترويج للعلم كدين منافس لبقية الأديان أن العلمانية كما هي معروفة كتسامح فكري مع كل الأفكار .. العقل منها و المجنون, و كما هي مطبقة كحياد من الدولة تجاه كل الاديان و الأيديولوجيات ليست فكرة قوية أو إيجابية. التسامح بوجه عام فكرة سلبية, و معنى سلبية هنا ليس أنها فكرة سيئة و إنما تعني أنها عدم إتخاذ إجراء أو إمتناع عن الفعل .. على أساس ان موقف الدولة أنها تمتنع عن إتخاذ أي إجراء تجاه أي دين و عدم فعل أي شئ تجاه أي ايديولوجيا مهما كانت هذة الفكرة أو العقيدة سوداء و ظلامية و حقيرة .. طالما انها لا تزال في مرحلة الإنتشار و ليس مرحلة التمكين !

هذا غباء مستحكم بالفعل, لا يمكن أبدا الحياد تجاه أفكار عنصرية شيطانية مع وضع أسوار حولها أو قيود على ممارساتها .. إنما الشيطان يجب أن يتم قتله, بالقوة نقتله أو بالحيلة أو بالخداع او بأي طريقة. المهم انه لا مكان لأديان تدعو في نصوصها المقدسة لقتل الكفرة أو تبرر ممارسة الجنس مع الأطفال أو أي فعل حقير آخر في عالم إنساني متحضر, لا مكان لأديان تنكر العلم و الحقائق العلمية المكتشفة و المؤكدة بالأدلة المادية في عالم واعي مستنير, لا مكان لأديان تنكر الدنيا و تدعو الناس للتواكل و تركن إلي إله خرافي و تهمل السعي في الدنيا من اجل عالم خرافي سهل بعد الموت في عالم متقدم مزدهر. لمن لا يعلم فالأديان هي بوتقة أو وعاء لجمع كل إنحرافات و سفالات النفس البشرية, و مهاجمتها ليس تهجما على مجرد نصوص أسطورية بلا معنى .. بل هو هجوم على أحقر و أحط ما في العقل البشري و النفس البشرية محمية بسياخ صلب و أسلاك شائكة من التقديس و التبجيل و الحماية. طبعا هذا يعني أن الدين يكشف لنا عن إنحرافات الغريزة البشرية بشكل ربما اوضح من اللازم, و بالتالي فالقضاء على الدين لن يقضي على الإنحراف العقلي و السلوكي البشري بقدر ما يعني أن هذة الإنحرافات ستهرب إلي أوعية أخرى مع زيادة الصعوبة في رصدها و معالجتها في هذة الحالة .. لكن هذا ليس صحيح لأسباب.

أن أسلوب معالجة المشكلة الدينية يجب أن يكون علميا و ليس سلطويا غاشما على الطريقة السوفيتية, و التي انتجت بالفعل هذا التسرب في السفالة من الدين إلي الحزب الشيوعي و الممارسات الشيوعية. و أفضل أسلوب ممكن هو منافسة الدين على أرضه بهذا الدين الوضعي المادي التجريبي المسمى "العلم", بدلا من القضاء على بوتقة السفالة في مكامنها ثم محاربة السفالة في الشوارع و الأزقة بعد ذلك. يعني في مقابل الحفرة المقدسة (الدين) ننشئ بناء مقدس (العلم) و نسميه "معبد العلم", موجه لكل فئات الشعب .. بحيث يمتص السموم الناتجة من الحفرة المقدسة و إجتذاب أتباعها منها. و بمرور الوقت و بشكل علمي منهجي يمكن إقتطاع جزء من السوق الفكري الذي تحتكره الأديان السوداء و إستقطاب الضحايا التي تتغذى عليها هذة الحفرة و العناكب الساكنة فيها. و تدريجيا و بالعمل الجاد و الجماعي .. ستجوع الحفرة و ستتضاءل و تصغر, و رويدا رويدا ستنحسر الظاهرة حتى نصحو من النوم ذات يوم فلا نجد إرهابي واحد ولا جهادي ولا صليبي ولا صهيوني ولا كاهن ولا مخرف ولا مهووس .. ولا مؤمن واحد.

ما الذي تفعله الحفرة المقدسة (الدين) لكي تجتذب ضحاياها و فرائسها ؟!!

1- هل تجاوب عن الأسئلة الوجودية و الأخلاقية بشكل طفولي مبتذل ؟! هل تعطي للناس هوية و إنتماء و هدف للحياة ؟!

يمكن للعلم أن يجاوب على نفس هذة الأسئلة إجابات علمية ذكية و بشكل مبسط سهل أيضا. بسهولة يمكن صياغة نظريات الإنفجار الكبير و اللتخلق اللاحيوي و التطور و غيرها صياغات مبسطة و مختصرة لمن يريد .. و يمكن أيضا التعبير عنها بالرسومات و الأيقونات و الأغاني. يمكن للعلم أن يعطي للناس هوية أفضل هي "الإنسان العاقل Homo Sapiens" و المقصود هنا ليس الهوية البيولوجية التي يخلعها علم التصنيف الحيوي (Taxonomy) على القرد البشري بل هوية قيمية و فلسفية أيضا هي الإنسانية الذكية العلمية الواعية المستنيرة. يمكن للعلم أن يكون إنتماء و هدف للحياة .. من كل حسب قدراته العلمية و لكل حسب حاجاته العلمية و المعرفية. و يمكن بإسم العلم إجتذاب العمل التطوعي و الخيري لمساعدة الفقراء و المرضى و ذوي الإحتياجات الخاصة و محو الامية و تعريف الناس بماهية العلم و المعرفة و التقنية .. تحويل الطاقة الزائدة عند الناس للخير و البناء بدلا من الجهاد في سبيل الله و الإرهاب و التحايل للوصول إلي السلطة و إمتصاص الأموال.

2- هل تجمع الناس في نادي إجتماعي لا يهتم بغناهم أو فقرهم او نوعهم او مكانتهم الإجتماعية و العلمية ؟! يمكن لمعبد العلم أن يخدم كل الناس أيضا و يجمعهم في نادي إجتماعي حضاري يشرف عليه أطباء نفسيين و أخصائيين نفسيين و إجتماعيين, و أن يكون مؤسسة تربوية و تعليمية و متحف فني ثقافي لكل فئات الشعب, مكان راقي لملاقاء الأصدقاء و ممارساة الرياضات في نوادي رياضية و التعبير الفني و الأدبي. بل و يمكن أيضا لمعبد العلم أن يقوم بدور رائع في رعاية العلاقات العاطفية بين الشباب و الناضجين, و الإشراف على حبهم و زواجهم لو أرادوا و مساعدتهم بالرعاية الطبية و النفسية و دعم أسرهم و تعليم و تربوية أطفالهم في حضانات .. و كله تحت إسم العلم و راية العلم, بدلا من الإسامي الخرافيةو الرايات السوداء.

بإسم العلم العظيم مكتشف الحقائق و صانع المعجزات و الأعاجيب يمكننا أن نقضي على كل الاديان الخرافية التغييبية الوحشية, التي أنتجتها أزمان البداوة و الهمجية و البربرية و ظللنا نتوارثها جيلا بعد جيل, نحافظ عليها و ننضخم منها ثم نورثها لأبناءنا لكي نبتلي بها جيل آخر قادم لا ذنب له. بإسم العلم وحده نستطيع, دون عنف و دون بطش و دون حتى ديكتاتورية و في مناخ علماني يسمح بما يسمى "حرية العقيدة" من أجل السماح بــ "حرية التخريف" و "حرية عبادة الجهل" ! الفكرة القوية من اجل مواجهة لعنة قوية, و لأضعف مناطق في العقل البشري و النفسية يمكن تطوير أمصال لمعالجتها بدلا من إستغلالها. إيمان ضد إيمان, يقين ضد يقين, قوة ضد قوة .. و كما قضى العلم على الجدري و شلل الأطفال يمكنه أيضا ان يقضي على السرطان و الفقر و الدين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - Go on Pal!
توماس برنابا ( 2014 / 1 / 8 - 23:11 )
سعدت جداً بقرأتي لهذا المقال يا أستاذ مايكل ... وأتمنى أن لا تتوقف أبداً فمثلك قليل على الأنترنت ....!

ودمت بخير حال!

اخر الافلام

.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟