الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتحار المرايا

أنطونيوس نبيل

2014 / 1 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كُلُّ مَن ماتَ، ماتَ منتحراً: هذه هي الحقيقة..

1.

الأكاذيبُ تظلُّ أكاذيبَ، إلى أن تصبح مُترعةً بما يكفي من السأم، حينئذ -أو ضجرئذ- ندعوها حقائق.. أما هذه، فلا أفحم سطوعاً منها ولا أوقح جلاءً.. كقروح اللثة في لجاجتها، في قبضتِها تتذكر الأشياءُ أسماءها.. مَن يدركها فقد احتواها، ومَن ينكرها –فحتماً- تكون قد احتوته..

2.

لئن تعذر علينا الاعتراف بها، فضلاً عن تصديقها؛ فذلك لأن الثُلة الأعظم بيننا تحيا بما يكفي لطَمْرِ موتها المقصود: تتقن مَحْوَ بصماتها الخاصة -بكل حذقٍ ودهاء- عن أدوات انتحارها؛ ليبدو موتاً طبيعياً يفجؤها.. فحينما يكون خمر الزوال مشوباً بقرنفل الإرادة فإن الثُلة الأعظم تسكبه في أقداح من الصَلصَال الصفيق وتُرفد التسكابَ بجدعِ أنوف أرواحها..

3.

إننا -جميعاً- انعكاسات متباينة لفردٍ وحيد، يبعثر اغترابه على سطح المرايا التي تُحيق به.. باذراً خُطى أنفاسه في صحراء النهار الممحل وأمداء الليل الساكن؛ كي يبرأ -لنفسِه المثخنة بالخواء الثرثار- موتاً: رزيناً كأنين الزجاج تحت لفحات الضياء، ورقيقاً كزهرةٍ تحلُم بالتحليق إلى الدِّيَم المضمخةِ بشذا النجوم..

2.

فما نحن –وأسلافنا وأحفادنا وأحفاد أحفادنا- غيرُ صورٍ هشَّة لهذا الكائن، الذي يحتجن من أحلامه المزنرة بالبروق، ويحتفن من رماد العالم اللاهث، ما يجعله إلهاً مُرائياً.. إلهٌ يستطيع أن ينمنم جدرانَ عزلته: لحمنا، برسومٍ لكافة الطيور المتخمة بغناءٍ يبهظ أجنحتها ويُرشد الجوارح إلى مواطن أوكارها..

1.

إلهٌ يمتح نسغ عظامنا، ويختضم أُهُب ظلالنا اللحيمة؛ ليكون بمقدوره في لحظته الأخيرة –حيث الروح بصقة دَبِقة مُدسسة في مطاوي الزفير- أن يموِّه ملامحه؛ كي يبدو فَزِعاً من الموت: كأنه لم يكن في انتظاره منذ أمدٍ بعيد..

0.

هذه هي الحقيقة: كُلُّ مَن ماتَ، ماتَ منتحراً..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خيم اعتصامات الطلبة تتوسع في بريطانيا | #نيوز_بلس


.. أعداد كبيرة تتظاهر في ساحة الجمهورية بباريس تضامنا مع فلسطين




.. حركة حماس: لن نقبل وجود أي قوات للاحتلال في معبر رفح


.. كيف عززت الحروب الحالية أهمية الدفاعات الباليستية؟




.. مفاوضات للهدنة بغزة مع تحشد عسكري إسرائيلي برفح