الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستثمار الدِّيني في فرضية -الجسيمات الافتراضية- Virtual Particles!

جواد البشيتي

2014 / 1 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



الأجسام (في الكون) بعضها على هيئة كُتَل من الذَّرَّات، وبعضها على هيئة كُتَل من الجزيئات (المَبْنِية من ذرَّات).
من حيث "الكتلة"، يتركَّز معظم كتلة الذَّرَّة في نواتها، التي لضآلة حجمها النسبي، أيْ نسبةً إلى حجم الذرَّة، تُعَد النُّقْطة الأشد كثافة في الذَّرَّة.
ومن حيث "الحجم"، مُعْظَم حجم الذَّرَّة "فراغ"؛ ولو جَمَّعْتَ كل الأجسام (في الكون) على هيئة كُرَة كونية ضخمة، لكان معظم حجمها "فراغ".
إنَّنا نُميِّز "الفضاء (أو الفراغ)" من "المادة"، و"المادة" من "الفضاء"؛ لكن هذا التمييز (السَّهْل) لا يعني أنَّ الكون ممكن الوجود على هيئة "فضاء يَخْلو تماماً من المادة"، أو على هيئة "مادة تَخْلو تماماً من الفراغ"؛ فإنَّ كليهما يَتَّحِد مع الآخر اتِّحاداً لا انفصام فيه أبداً.
لكن، دَعُونا نُحاوِل؛ فرُبَّما نُوَفَّق في الحصول على نقطة في الفضاء (في أيِّ فضاء) تسمح لنا بأنْ نَزْعُم أنْ لا أثر لـ "المادة" فيها؛ فَلْنَذْهَب إلى موضِع في الفضاء بين عنقودين (أو زمرتين، أو مجموعتين) من المجرَّات؛ فالفضاء بينهما منسبط، مستوٍ؛ وهو الأكثر شفافية؛ ويمكن تسميته "الفضاء الفارِغ (الخالي)" Empty Space.
ولنَتَخَيَّل أنَّنا، وبفضل "عَيْنٍ اصطناعية ما"، قد نَظَرْنا، وأَمْعَنَّا النَّظَر، في عُمْق نقطة صغيرة من هذا الفضاء؛ فهل نرى ما يسمح لنا بأنْ نَزْعُم أنْ لا وجود، ولا أثر، أبداً لـ "المادة" في عُمْق هذه النقطة (مِنَ الفضاء، أو الفراغ)؟
كلاَّ، لن نرى ما يسمح لنا بهذا الزَّعْم؛ فهذه النقطة، ومهما كان حجمها ضئيلاً، مُفْعَمَة، ممتلئة، بجسيماتٍ، تسمَّى "الجسيمات الافتراضية" Virtual Particles. وهذه الجسيمات تَظْهَر (تنشأ، تُوْلَد، تُخْلَق) في استمرار في أيِّ موضع، أو مكان، من الفضاء (أيْ في كلِّ فضاء).
لقد نَظَرْتَ الآن (بواسطة هذه العَيْن الاصطناعية) في عُمْق هذه النقطة، فَرَاَيْتَ "زَوْجاً" من "الجسيمات الافتراضية" يَظْهَر؛ فهذه الجسيمات تَظْهَر "أَزْواجاً"؛ و"الزَّوْج" منها يَضُم "الجسيم" و"ضديده"؛ وَلْتَفْتَرِضْ أنَّ "الزَّوْج" الذي ظَهَر يَضُم "إلكترون" و"ضديده"، وهو المسمَّى "بوزيترون"؛ فما مصيرهما؟
إنَّهما ما أنْ يَظْهَرا إلى الوجود (من الفراغ) حتى يتصادما، ويَفْنَيا مِنْ ثمَ؛ وهذا "الحادث (ظهورهما، فتصادمهما، فاختفاؤهما)" لا يَسْتَغْرِق من الزمن إلاَّ ما يَقِلُّ عن الثانية الواحدة بملايين، أو بلايين، المرَّات؛ وإنَّ ضآلة زمن وجودهما تلك هو ما يجعلهما "جسيمين غير واقعيين (أو افتراضيين)".
كل فضاء، أو فراغ، هو دائماً بحر من أزواج الجسيمات الافتراضية، أيْ من الجسيمات المتضادة الافتراضية؛ وكل زوج منها لا يبقى على قَيْد الحياة إلاَّ زَمناً من الضآلة والقِصَر بمكان؛ فالثانية الواحدة أكبر وأطول منه بملايين، أو بلايين، المرّات.
هذا الوجود لهذا النوع من الجسيمات ما زال فرضية لم يُقَمْ الدليل على صِحَّتِها؛ ومع ذلك، يَميل جمهور كبير من الفيزيائيين وعلماء الكون إلى القول بوجود "الجسيمات (المتضادة) الافتراضية"، وإلى ابتناء نظريات كوزمولوجية من هذه الفرضية.
رِجال الدِّين، وسائر المثاليين في ميولهم الفلسفية، يَسْتَذْرِعون بهذه الفرضية ليقولوا: لقد عَثَرْنا على خَيْر وأقوى دليل على أنَّ المادة تُخْلَق (وفي استمرار) من العدم، وإنَّ الفيزياء نفسها هي التي جاءت بالدليل (المُفْحِم) على أنَّ "العِلْم"، وفي "درجته العليا"، هو نظرية "خَلْق الشيء من اللاشيء".
إنَّهم يَنْظرون إلى هذا النوع من الجسيمات على أنَّه "الشيء (أيْ المادة)"، وإلى "الفضاء الفارغ (الخالي)" Empty Space على أنَّه "اللاشيء (أيْ العدم)".
ولو أرادوا ابتناء "نظرية" من مُكوِّنات هذه "الفرضية"، لابتنوا نظريةً مؤدَّاها أنَّ المادة تفنى وتُخْلَق (فهي، أيْ المادة، مِنَ العدم تأتي، وإليه تعود)!
لكنَّ الفيزيائئين القائلين بفرضية "الجسيمات المتضادة الافتراضية" لم يسمحوا لرجال الدِّين، والفلاسفة المثاليين، بالتمادي في هذا التأويل؛ لأنَّهم حافظوا على البقية الباقية من إيمانهم العلمي بقانون "حِفْظ المادة"؛ فَهُمْ قالوا، في الوقت نفسه، إنَّ وجود الجسيمات (المتضادة) الافتراضية، أو زوالها، لا يزيد "المادة الكونية، ولا ينقصها.
إنَّ الفضاء (أكان مستوياً أم منحنياً، مشغولاً بـ "المادة" أم "خالياً" منها) لا يمكن أبداً أنْ يُوْجَد (وعلى ما أَثْبَت آينشاين) بلا مادة، أو إذا ما اختَفَت المادة من الوجود؛ ومع ذلك، جاء بعض الفيزيائيين بفرضية سمحت لذوي الآفاق الضَّيِّقة (رجال الدِّين، وسائر المثاليين فلسفياً) باتِّخاذها "مُسلَّمة"، فقالوا، بناءً عليها، إنَّ "المادة"، والتي هي نفسها، على ما يتوهَّمون، "الجسيمات (المتضادة) الافتراضية"، تأتي من "العدم"، ثمَّ تعود إليه؛ وهذا "العدم" هو نفسه، على ما يتوهَّمون، أيضاً، "الفضاء الفارغ (الخالي)" Empty Space.
ومِنْ قَبْل، تجرَّأ فيزيائيون من ذوي الميول الدِّينية، أو الفلسفية المثالية، على دَفْن "المادة" في "مقبرة" أَسموها "الثقب الأسود" Black Hole.
لكنَّ هؤلاء لم يقولوا إنَّ دَفْن "المادة" في هذه "المقبرة" يتسبَّب، أو يمكن أنْ يتسبَّب، بنقص "المادة الكونية"؛ فـ "المادة المُخْتَفية" في "النقطة المركزية (عديمة الحجم، لانهائية الكثافة)" لـ "الثقب الأسود"، تظل جزءاً من "مادة الكون كلها".
لقد أَوْقعوا أنفسهم في "ورطة كوزمولوجية ـ فلسفية كبرى" إذْ صَوَّروا، أو تصوَّروا، "الثقب الأسود" على أنَّه "المَحْبَس (والسجن) الأبدي" لـ "المادة"؛ لأنْ لا شيء (ولو كان الضوء نفسه) يمكنه مغادرته، والإفلات منه. و"الاستنتاج المنطقي" من قولهم هذا هو الآتي: "الثقب الأسود" خالِدٌ، لا يزول، أبداً.
وللخروج من هذه الورطة، جاؤوا بفرضية "الجسيمات (المتضادة) الافتراضية".
إنَّهم، ومن فرضيتين، هما فرضية "الثقب الأسود"، وفرضية "الجسيمات الافتراضية"، ابْتَنوا نظرية جديدة (لزوال "الثقب الأسود") عُرِفَت باسم "إشعاع هوكينج".
"الثقب الأسود"، وعلى ما جاء في هذه النظرية الجديدة، يمكن، ويجب أنْ "يتبخَّر (أنْ يتلاشى، ويزول)"؛ يمكن، ويجب، أنْ تَخْرُج، أو تَنْتَقِل، منه "طاقة" إلى الفضاء الكوني؛ مع أنَّ "جاذبية" هذا "الثقب"، والتي لا مثيل لها في الكون لجهة شدَّتها، لا تسمح حتى للضوء (أيْ لجسيم "الفوتون" الذي يسير بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية، وهي السرعة القصوى في الكون) بمغادرته، والهروب منه.
لكن، كيف "يتبخَّر"؟
"الثقب الأسود" الأصغر "حجماً"، أيْ الأصغر في نصف قطره، هو الأسرع "تَبَخُّراً (وتلاشياً، وزوالاً)".
افْتَرِضْ أنَّ جسيمين متضادين افتراضيين، هما "إلكترون" و"بوزيترون"، قد ظَهَرا في موضع من "الفضاء الفارغ (الخالي)" Empty Space، هو الأقرب إلى الحدِّ الخارجي ("أُفْق الحدث") لـ "ثقب أسود".
أَحَدهما، وقبل أنْ يتصادَم مع الآخر، ويتبادل معه الفناء، قد يَسْقُط في "فَم" هذا "الثقب"؛ فَلْنَفْتَرِض أنَّ "البوزيترون (الافتراضي)" هو الذي "سَحَبَتْه" جاذبية "الثقب الأسود" إلى عُمْقه، أو جَوْفه.
هل زادت كتلة "الثقب الأسود" بهذا "البوزيترون" المُلْتَهم؟
كلاَّ، لم تَزِدْ؛ لأنَّ هذا "البوزيترون" جسيم افتراضي (غير واقعي).
لكن، هل نقصت كتلته (أيْ كتلة "الثقب الأسود")؟
نَعَم، نقصت؛ فهذا "الثقب" لا يمكنه أنْ يلتهم "البوزيترون (الافتراضي)"، أو أنْ "يَسْحَبَه" إلى عُمْقه، من غير أنْ يَفْقِد، في اللحظة نفسها، نَزْراً من طاقته. وهذا النَّزْر من الطاقة يُغادِر، في طريقة ما، "الثقب الأسود"، لـ "يَتَّحِد" مع "الإلكترون" المُنْتَظِر على مقربة من الموضع الذي منه "سُحِبَ" رفيقه، أو توأمه، أو ضديده، "البوزيترون". وبفضل هذا "الاتِّحاد" يتحوَّل "الإلكترون" إلى جسيم واقعي، حقيقي؛ فإنَّ "الجسيم الافتراضي" لا يتحوَّل إلى "جسيم واقعي" إلاَّ باكتسابه طاقة.
إنَّ اجتماع "ثقب أسود" و"جسيمات (متضادة) افتراضية"، ظهرت على مقربة منه، هو ما يُفسِّر "تبخُّر" هذا "الثقب"، وتَحَوُّل جسيمات افتراضية إلى جسيمات واقعية؛ فـ "الثقب الأسود" ينبغي له أنْ يَفْقِد من كتلته ما يساوي تماماً الطاقة التي اكتسبها الجسيم الافتراضي حتى يتحوَّل إلى جسيم واقعي.
مِنْ قَبْل، زَعَم نيوتن أنَّ الضوء لا يتأثَّر بالجاذبية (وحقولها) مهما كانت قوية وشديدة؛ لأنَّ جسيمه، وهو "الفوتون"، عديم الكتلة (أيْ ليس لديه كتلة سكونية). وعدم التأثُّر هذا يعني أنَّ الضوء الذي يجتاز حقول الجاذبية لا ينحني مساره أبداً، ويظل يسير في خطٍّ (أو مسارٍ) مستقيم استقامة خطٍّ مرسومٍ على ورقة.
لكنَّ، آينشتاين أًثْبَت أنَّ الضوء يتأثَّر هو، أيضاً، بالجاذبية؛ فالمادة، أكانت تملك كتلة سكونية أمْ لا تملك، تتأثَّر بالجاذبية (أو بانحناء الفضاء).
واليوم، يقولون، في فرضية "الجسيمات الافتراضية"، إنَّ الجسيم الافتراضي، غير الواقعي، يتأثَّر بالجاذبية؛ على أنْ تكون في شَدَّة وقوَّة جاذبية "الثقب الأسود" على مقربة من حدِّه الخارجي.
إنَّ وجود "الجسيمات (المتضادة) الافتراضية" هو شرط لتبخُّر، وتلاشي، وزوال، "الثقب الأسود"؛ وإنَّ وجود "الثقب الأسود" هو شرط لتحوَّل "الجسيمات الافتراضية" إلى "جسيمات واقعية".
بقي أنْ أقول إنَّ كل ما انطوت عليه تلك الفرضيات والنَّظريات من "تناقُض منطقي" يُشدِّد الحاجة إلى أنْ يتواضع الفيزيائيون، ويتَّفِقوا، على تعريف "المادة"، وعلى تعريفها بما يعدم "العدم" في أذهاننا؛ فـ "العدم" لا يقول به إلاَّ "العديم"، أيْ الأحمق الغبي.
وأحسب أنَّ خير "تعريف" لـ "المادة" هو الذي يتَّخِذُ له أساساً (ومبتدأً) مِمَّا جاءت به "المادية الماركسية"، في هذا الصدد؛ فإنَّ "المادة" لا يمكن فهمها، وتصوُّرها، إلاَّ على أنَّها كل ما يُوْجَد في خارج الذِّهْن، أو الوعي، ومستقلاًّ عنه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - منهج ورقيب لا تاخذه سنة ولا نوم
ابراهيم الثلجي ( 2014 / 1 / 9 - 16:53 )
يا عمي الدين هو المنهج والفرقان، اسلوب حياة صحيح ومشترك لاختلاف مفهوم الصحيح عند الافراد بوحدتهم واكبر دليل ما نحن عليه الان، اتحدى ان نتفق تماما ولا يمكن ذلك الا ان نؤمن بواحد ونصدق واحد يكون غير ذات هوى او مصلحة ويعلم الغيب لان محاذير المستقبل تكون نقطة خلاف عند المتفقين على الحاضر اليوم لذلك لا يوجد حلف انساني دائم الا حلف الاسلام مشرع واحد ويعلم عن الغد ومالك كل شيء به نحن مؤمنون، والايمان لم يكن فكرا خالصا وانما هو نتاج ايات نراها و نحس بها تخزن في الدماغ ولا حاجة يوميا لاعادة رؤيتها فقد استودعت وتحولت فكرا، فمثلا من رأو عصا سيدنا موسى وهي تشق البحر باذن الله يؤمنوا بها لما راوها وفي اليوم التالي يفكروا فيها من عالم المشاهدة وليس من عالم الافتراض وينصحوا من بعدهم باستمرار الايمان من باب ثقة الحفيد بالجد لتشكل استمرارا للحقيقة، وحيث كانت معضلة بعض الاقوام ان قالوا هذا ما الفينا عليه ابائنا ولم يكذب الله روايتهم بل قال اولو كان اباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون، فالمنهج الاسلامي اثره لا زال قائما في جناحي الارض حقيقة وليس فرضية ، يتحد فيه النص والحكمة والقيم المتوارثة برقيب دائم


2 - أزواج الجسيمات المتضادة
حسن عبد اللطيف ( 2014 / 1 / 10 - 21:10 )
وجود هذين الزوجين خارج الثقب الأسود يعنى أن كل منهما واقع تحت تأثير نفس قوة الجذب التى تشده نحو الثقب الأسود ... فالتأثير متساوى على كليهما .. لذلك فلا معنى أن يتم تفضيل أحدهما على الآخر بأن يجذبه الثقب الى داخله ويترك الآخر ... كما أن سبب انفصالهما عن بعضهما يظل لغزا غامضا مبهما

ربما كان السيناريو البديل لانفصال أحد هذين الزوجين عن رفيقه على الحافة الخارجية للثقب الأسود هو أن فوتونا (((((((خرج))))))) من هذا الثقب واصطدم بهما ففصلهما عن بعضهما ... وحينئذ يظهران للوجود كجسيمين مكتملين منفصلين تماما عن بعضهما .. ومع ذلك وحتى لو ((((((خرج)))))) هذا الفوتون من الثقب الأسود محملا بالطاقة الكافية لفصل الزوجين عن بعضهما فإن هذه العملية ستظل أيضا مستحيلة مالم تتوفر نواة ذرة ثقيلة فى تلك المنطقة خارج الثقب الأسود يتم فصل الزوجين المتضادين بجوارها وإلا حدث خرق فى قانون بقاء كمية الحركة

كما هو واضح فمن المستحيل وجود مثل تلك النواة خارج الثقب الأسود وأيضا من المستحيل خروج فوتون من أسر جاذبية الثقب ليفصل الزوجين عن بعضهما

وبالتالى .. تظل هذه الفرضية موضع تساؤل

اخر الافلام

.. السياسي اليميني جوردان بارديلا: سأحظر الإخوان في فرنسا إذا و


.. إبراهيم عبد المجيد: لهذا السبب شكر بن غوريون تنظيم الإخوان ف




.. #جوردان_بارديلا يعلن عزمه حظر الإخوان المسلمين في حال وصوله


.. رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء تستطلع هلال المحرم لعام 1446




.. 162-An-Nisa