الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكذب لحساب الله!

شوكت جميل

2014 / 1 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من المأثورات التي تجري على ألسنة الناس مجرى الأمثال:(لا تصدق كل ما تراه ولا نصف ما تسمعه)،وفي ثقافةٍ كثقافتنا وتراث كتراثنا،خليق بنا أن ناخذ أنفسنا بالحيطة،ونحترس كل الأحتراس،في تصديق ما تفوه به الحناجر،و من الفطنة ألّا نصدق شيئاً مما نسمع إلّا قليلاً، فمن الخَرَق أن نصدق و لو نصفه...

أقول في ثقافةٍ كثقافتنا،قد نَظَّرتْ في الكذب،وصنفته تصنيفاً تحت أقنعةٍ و مسميات عدة ليس منها الكذب قط :فمنها الكياسة،ومنها دفع الضرر،ومنها جلب المنفعة،ومنها "التقية" و منها "التعريض" ..ومنها.. و منها ...،فلم يكد يتبقى شيءٌ من الكذب إلّا و قنَّعوه كالمهرجين أقنعةً رثة بالية لا ينخدع بها سوى غافل أو منتفع ،أقنعةٌ تبعث بك على الضحك مرةً،والى الأسى مراراً...ويبدو أن هذه الآفة الأخلاقية ضاربةٌ بجذورها في تاريخ ذلك التراث الثقافي وقديمةٌ قدمه،ولك أن تسميها ثقافة الكذب لا ملوماً و لا مذموماً.

و ممّا يلفت النظر هنا _ و إن كان لا يثير الدهشة_أن يتبنى الدين و الدين السياسي على وجه الخصوص هذه الآفة، فيشرعن و يروج لها،و يتعاطاها ما وجد إلى ذلك سبيلاً ، فيقوم الدين مقام "مانح الرخص المعتمد" و المقنن الشرعي لهذا الصنف من الكذب،بل و يحض عليه في أحياناً كثيرة،تحت مصطلحات فقهية "كالتقية"أو"التعريض أو ما شابه،و لا جَرَم إذن،أن يكون الدين السياسي ،الأنتهازي بطبيعته، أكبر مروج و مستهلك لهذه السلعة ، و أكبر صانع و منتج لها في آن.

أما الذريعة و التكئة التي يتخذها أولئك لإستحلال الكذب و شرعنته ،فلا تخرج في مجملها الفقهي عن جلب النفع و دفع الضرر،وهي ذرائع، كما هو جلي، يشترك فيها كل كذّاب أفّاك؛فلا أحسب أن هناك كذاباً يكذب إلا لخيرٍ يطمع فيه أو أذى يدفعه عنه!و لا يغير من الأمر شيئاً، أكان ذلك النفع او الضرر يتعلق بشخصه و حسب أو بمصلحة عامة يتوهمها ،كإقامة الدولة الدينية أو نصرة الدين،فلطالما أختلط الخاص بالعام في أكثر الإمور؛ومكمن الخطورة في هذا الصنف من الكذب عمّا ينكره الناس من الكذب،أن من يفعله يفعله بدمٍ بارد..فلا ضمير يؤنبه..و لا ندمٍ يؤرقه ،كلا بل يراه لوناً من الجهاد و كذباً لحساب الله يرجو عليه المكافأة و الثواب!.

يحضرني هنا ما خبرته في أحد هؤلاء المتحذلقون الذين يلوون بأعناق النصوص الدينية لإثبات حقائق علمية لا تمت للنص الديني بصلة،لإثبات سبق موهوم للنص الديني للحقائق العلمية الحديثة و من ثم إعجازه، و قد جُوبِه ذات مرة بتلفيقاته تلك، و بأنه كمتخصص يدرك تمام الإدراك الزيف العلمي لما يصبه في أذان الناس..فما كان منه إلّا أن أجاب:(انا لا أكذب على الله..بل أكذب من أجل الله!).

..أما في الدين السياسي فترى أمراً عجباً،فإذا كانت الدولة الدينية و الحكم الديني في شرعهم مقصداً و أمراً إلهياً و" أن لا حكم إلّا لله"؛فتحقيقها إذن حرب مقدسة،جديرة بأن يبذل المرء فيها الغالي و النفيس و"الحرب خدعة"بين فسطاط المؤمنين و فسطاط الضالين(بقية الشعب الي لا ترتضي الحكم الديني)،و إذا كان في مثل هذه الحرب لا يجدون حرجاً في إستحلال "اللغو في عقيدتهم ذاتها"،كما تستحل الدماء و تهون؛فيبات الكذب على الناس أيسر الأمور و أهونها،ماذا أقول؟..بل إنهم ينعتونه في إدبياتهم "الخداع الإستراتيجي الطوباوي!"، فإذا تشبث ذلك الشعب الغر بالديمقراطية"الكافرة"..فلنقبلها على مضض و لنقسم أننا معها إلى حين و إلى أن نحقق الهدف الرباني في إقامة دولتنا الدينية؛و قد شاهدنا في مصر كيف أقسم رئيسا منتخبا _المخلوع الثاني_على إحترام الدستور و القانون..ثم ضرب به عرض الحائط..و أكبر ما حدث أن نصحه فقهاؤهم بالصوم ثلاثة ايام على"حنثه اليمين"،هكذا بكل بساطة!،و رأينا أحد أكبر الفقهاء و الآباء الروحيين لتيار أصولي سياسي _صوتاً و صورة على شرائط مسربة على الشبكة الإلكترونية_و هو يبوح بكذبه و خديعته و تغريره بالتيارات المدنية لتمرير الدستور الإخوسلفي_ الغير ماسوف عليه_ و يرى في فعلته تلك مدعاة للتباهي و الفخار!، و قد خاض بعضهم في اعراض المعارضين إفتراءاً وبلا دليل بغرض التشهير، و كانوا لا يرون اي غضاضة في اغتيالهم معنوياً بالكذب،ثم تبين أفكهم.

و في الحقيقة أمثال هؤلاء لا يلقوون بالاً لضياع مصداقيتهم إزاء مواطنيهم،إنما يروون أنهم قدموا صدقهم و مصداقيتهم أضحية و قربانا زهيداً لله، يستحقون عليه المدح و الإطراء لا الإنكار و الذم!.

وهنا تقع معضلة كبيرةأخرى في تواصلك مع من يتعاطون الدين السياسي،في أنك لن تتبين ابداً،متى يكذب عليك،ومتى يصدق معك،هذا إن صدق على سبيل الذلل!وهل هناك شيئا يسمى عهداً أو إحتراماً لميثاق أو معاهدة؟و ينبغي علينا و الحال كذلك أن نسأل أنفسنا: أي شيء يعني برنامجهم الإنتخابي مثلاً؟و أي شيء يعني الدستور لهم؟و أي شيء تعنى المعاهدات بين الدول؟...إن شئت الصدق هم لا يمتلكون أية مفردة " صادقة"من المفردات السياسية يمكن أن تعول أو تركن إليها أي كتلة سياسية تتعامل معهم.

طرفة تعريضية:

هناك قصة وردت في كتاب(المستطرف في كل فن مستظرف)،للعلامة شهاب الدين الابشيهي:_

((وحكي أن بعضهم دخل على عدوه من النصاري،فقال أطال الله بقائك وأقر عينك وجعل يومي قبل يومك والله انه ليسرني ما يسرك،فأحسن اليه وأجازه_ أعطاه مالاً_على دعائه و أمر له بصلة))،ويقول الأبشيهي_أعلى الله قدره وصدقه_يمدح الفعل والفاعل والفطنة:وكان ذلك دعاءاً عليه لان معنى قوله اطال الله بقائك،حصول منفعة المسلمين به في اداء الجزية،وأما قوله وأقر عينك،فمعناه سكن الله حركتها أي أعماها!وأما قوله وجعل يومي قبل يومك،أي جعل الله يومي الذي أدخل فيه الجنة قبل يومك الذي تدخل فيه النار،وأما قوله أنه ليسرني ما يسرك ،فإن العافية تسره كما تسر الآخر.ويرى الآبشيهي ان في هذا مندوحة من الكذب،وجلب للمنفعة ودفع للضرر.
...............................
بيت القصيد
ليس شرعنة الكذب "أو الكذب الحلال"إلّا غيضاً من فيض، يشرعن و يستحل كثيراً من الرذائل و الموبقات التي تنفر منها أي نفس ظفرت بأقل قدر من التحضر و الانسانية..فنرى الوحشية و ذبح الناس كالأغنام من الوريد إلى الوريد تُشَرْعن إرهاباً لاعداء الله و الدين...و يشرعن امتهان جسد المرأة فيغدو النكاح جهاداً..و تستحل الدعارة فتصبح بقدرة عزيزٍٍ مقتدر"زواجاً الى أجل..ولو إلى ساعة!".....و حينها لا يكون الدين سوى خرقة بالية من الكذب تكسو أحط الخلق..و تستر شر الناس و نفايتهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تبدأ النظر في تجنيد -اليهود المتش


.. الشرطة الإسرائيلية تعتدي على اليهود الحريديم بعد خروجهم في ت




.. 86-Ali-Imran


.. 87-Ali-Imran




.. 93-Ali-Imran