الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خروج عن مألوف الأشياء في حضارة -الإنسان عبد و الشيء سيد-

الدير عبد الرزاق

2014 / 1 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ينتفض أنين الروح بين ثنايا غبار فولاذي يتسكع في أزقة النسيان، و تنتشل الذاكرة صورا من جحيم الماضي الغائب الحاضر بجذوره، و تتجبر الأوجاع الأبية في وجه زمن "قدسية القتل"، و تقلب الأحلام البلاستيكية مواجع زمن عبثي و دائري التكوين، ما معنى أن تعرف داخل النسق التنويري و تفتقد للعيش في النسق الواقعي؟ هناك مسافة رمزية بين المعرفة كتجسيد لحياة مثالية حبلى بالروح، و بين العيش كتجسيد لرغبة حياة مفعمة بالجسد، و هنا يأبى الديالكتيك ، الواقع/الافتراض،أن يتعايش في عالم يعرف تمفصلا مزدوجا في كل تشكلاته و بُناه و أطيافه المعَبَر عنها بلغة اليومي، الذي يلتهم كل لغات العالم، حيث ضاع الإنسان و اغترب بحثا عن ذاته في عالم الأشياء، و صار التاريخ الإنساني بخطى ثابتة يلغي الممكن في عالم يعيش على وَقْعِ الإمكانات "الشر"المتاحة للإنسان المعاصر، و الذي لم يعش أحلك الحروب الإنسانية مع الطبيعة و مع الذات، و لم يعرف قيمة العقل الذي انحرف عن مساره الإنساني و العقلاني نحو مسار لا إنساني و لا عقلاني، حيث فقدت الحداثة "النبي الفاضل"وجهها المضيء و لبست ثوب " الشيطان المتوحش" تمشي على رأسها في ليل موحش، و تزحف نحو أفول الإنسان، و مات الإله الإنساني مسموما و هو يبحث في آخر تجاعيد الإنسان الإنساني عن رمزية أنطولوجية تقدم نفسها خطأ في الطبيعة قابل للتصحيح، عوض وهم يلبس ثوب الحقيقة ، و وثق فيه الإنسان و أبى أن يخلع رداءه في مدخل حمام دم، قيل عنه أنه من تسخين الإله، و علق الإنسان جبروته و حيوانيته و دمويته على السماء في تجسيد للوثن القديم حيث لعملية التصعيد كلمة الحسم في الوجود، و استمر في الخطيئة الأولى، و صارت اللاثقافة تنافي الثقافة، و يعيش المثقف ازدواجية الخطاب، حيث يلبس الليبرالي قناع الحرية في بحث عن حرية مطلقة تناقض الحرية، و الاشتراكي يلبس نظارة إنسان مات قبل أن تنمو روح ماركس الطفل، و حامل فيروس الإيديولوجية الدينية يسكن التاريخ خطابا و يشطح ممارسة على نغم "البرجماتية الدينية" على نحو بعيد عن الكائن البشري، و يلتحم بزمن خارج الأزمنة البشرية حيث يدنس الزمكان المقدس. شيء يخبرني أن الإنسان مازال حيا، قتل الذات و قتل الإله و عاش هيكلا لحميا طيعا لأكبر ديكتاتورية عرفها التاريخ، إنها ديكتاتورية الأشياء، و كل يوم أقرأ خبرا عن موت الإنسان تلو الإنسان، و هو يبحث عن إنسانيته خارج تواضع الأشياء على قتل مفهوم الإنسان،ماذا ربحنا بالدغمائية في العلم؟ ماذا قطفنا من سطو التقنية؟ ماذا استفدنا من عصر الثقافة و الدولة المدنية؟ و ماذا أضاف الدين و القانون للإنسان؟ هل حان الوقت لمراجعة النظم و التوجهات، أم أن الإنسان أعجبه الرقود في قبر الأشياء و أبى العودة إلى إنسانيته؟
لا أستطيع ـ جزما ـ بناء جواب بعيد عن تربة الفكر الإنساني الحر الذي ولد غريبا و سيموت غريبا، و يستقي مقوماته من غرابته و خروجه عن المألوف، و لا يمكن بناء أنساق و أبنية في واقع طاقته الإستعابية لا تتسع إلا لليومي و ثقافة الاستهلاك و وهم الحرية، حيث "الخبز الحافي" هو الفكر و الفلسفة و الخيوط التي يمسكها آلهة الأرض لتحريك إنسان فوض للأشياء وجوده من أجل أن يحيا شيئا حرا و هو ليس كذلك، و إنما انقرض وجوده الإنساني في عالم لا إنساني، حيث تعايش الأشياء بلغة ـ "برجماتية بمدلول استئصالي للذات" ـ خارج دائرة الإنسان حيث تمارس الأشياء سلطتها المطلقة في عصر قيل عنه عصر الديمقراطية، و الكل ينادي من داخل اللاوعي بالديمقراطية، و هي في تداوليتها عملية استنساخ بأحدث التقنيات للديكتاتورية الذكية حيث سطوة سلط خارج الركح المكشوف للعموم، و في الكواليس تحاك لا ديمقراطية، و عالم ثالث مفلس في أبناك الاقتصاد و السياسة الدولية، لا محل له من الإعراب في جمل الإنسانية،حيث الموازين تعزف لحن تحقيق مصالح الدول العظمى بأي ثمن، و باسم حقوق الإنسان و الديمقراطية ترتكب أبشع الجرائم الوحشية في حق شعوب صنفها التاريخ متخلفة و ضعيفة في كل البُنَى، و الإعلام سلطة ديكتاتورية تحمل الصورة طائرة حربية بدون طيار، و الصوت صاروخ صارخ في وجه الحقيقة، و الحرف فخ ثلاثي الأبعاد، و النخب المأمول فيها أن تعيد سؤال الإنسان ضيعت سؤالها الوجودي إما في العقل التاريخي أو في العقل المحاكاتي، و ضاع وجودنا الإنساني، و أصبح السياسي آلة حدباء تمشي على أجساد المقهورين و المستضعفين، و أصبح المواطن إنسانا بلا هوية في بعدها التطابقي الإنساني، و صار ينعي وجوده في ورقة انتخابية ثمنها مزيد من القهر و الاستعباد، و أي سؤال لتشريح الذات المنخورة هو انتحار في بنية ثقافية أمية الخطاب و اللغة، ترفض أي لغة خارجة سلطة اللغة المتواضع عليها، و التي تواطأ في صياغتها آلهة الأرض من أجل تمديد عمر افتراضي في سلطة تخبرنا كتب المستقبل أنها زائلة يوما ما إن عاد الوجود الإنساني إلى الهيكل الترابي الذي يمشي كتلا لحمية تجوب واقعا بدون ملامح إنسانية، فقط اللاوعي بالذات و اللاوعي بالآخر يحكم علاقات إنسانية تخضع لنظام ترابطي تسلسلي آلي روتيني محكوم في جوهريته بحركية الأشياء التي وحدها استطاعت أن تبني معبدا كبيرا في عقل إنسان القرن الواحد و العشرين، و تؤرخ لعصر الأشياء الذي يحتاج إلى إنسان ليهدم أوثانه و يعلق فأس التنوير في عقول حضارة "الإنسان عبد و الشيء سيد"، و تنبعث الذات من جديد من رماد الأشياء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد الحالة الرابعة لنزع حجاب المتظاهرات.. هل تتعمده الشرطة ا


.. استشهاد طفلين وإصابة آخرين إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزلا




.. طلاب جامعة بيرزيت يطردون السفير الألماني من المتحف الفلسطيني


.. نتنياهو: سنواصل الحرب حتى تحقيق أهدافها كافة بما في ذلك تنفي




.. باتيل: إذا لزم الأمر سنحاسب مرتكبي الجرائم بقطاع غزة