الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطيئةٌ بلا حواء

زين اليوسف
مُدوِّنة عربية

(Zeina Al-omar)

2014 / 1 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"و هكذا كنا سنكون في الجنة لولا خطيئة حواء و إغوائها لآدم"..هكذا ختمت مُعلمة الدين درسها بعد أن شرحت لنا كيف خرجنا من الجنة بسقوط عامودي منها..معلمتي حينها أخبرتنا بالرواية الرسمية التي تصدرت في وقتها نشرة أخبار الجنة و حديث مجالس ملائكتها و شياطينها..و هي أن حواء كانت في جنتها تسير فأتاها إبليس فحدثها عن شجرة الخُلد التي نهاها الله هي و آدم عن الاقتراب منها..و لأنها أنثى فلقد كانت الحلقة الأضعف أمام إبليس فاستجابت للغواية و لكن لأنها الأكثر جُبناً لم تقو على المبادرة فالأكل منها..فكان أن أتت بآدم -مسلوب الإرادة دوماً في تراثنا الجمعي- لكي يأكل منها قبلها..فأكل و أكلت من بعده و سقطنا من الجنة!!.

جميلة الرواية الرسمية..أليس كذلك؟؟..خاصة إذا كانت مُدَّعمة بترسانة دينية لا بأس بها من كتب ابن كثير إلى كتب الأحاديث كالحديث المزعوم الذي رواه مسلم في "صحيحه" قائلاً أن الرسول الكريم قال:" لولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر" و الذي فسره كلاً من النووي و الحافظ في شرحهما بأن حواء أورثت بناتها من بعدها الخيانة على إختلاف أنواعها..فأصبح الأمر لديهن وراثي منها..فخانت حواء أمر ربها ففسد الأصل و فسدت الفروع من بعده.

و لكن بالرغم من تلك الرواية الشديدة التسامح مع خطيئة آدم..كان هناك شاهد تناقض أقواله الراوية الرسمية التي اعتنقتها مجتمعات بأكملها وأصبحت ديناً يوَّرث لنا كما نرث الأموال و الممتلكات إن وُجدت..و لقد أفصح ذلك الشاهد عنها مراراً و تكرارً -و ما زال- و لكن لم يكترث أحد لشهادته..فمن هو بالنسبة لأغلبية البشر لتُقارن أقواله بأقوال مسلم أو ابن كثير أو غيرهما؟؟..ذلك الشاهد أخبرني الرواية التي أظنها الحقيقية..أخبرني بها كما فعل مع الجميع و لكن المكترثون بها و به قليلون.

قال لي الشاهد أن آدم كان يسير في الجنة فرأى شجرة نهاها عنها قائلاً:"وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَ كُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَ لاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ"..كان تحذير الشاهد لهما واضحاً..فأصغت إليه حواء و لكن آدم لم يُصغي بذات التركيز..و هكذا قام إبليس باختيار الحلقة الأضعف بالفعل فأغواها..تلك الحلقة التي لم تملك من الإرادة ما يجعلها تقاوم الإغراء و تستجيب للنهي الإلهي.

هكذا:"وَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَ مُلْكٍ لّا يَبْلَى"..فكان آدم بخلاف تفكيره في كسر حلقة النهي الرباني يفكر في خطيئة أخرى و هي الطمع في الخلود و لعله كان يعتقد أنه بخلوده سينافس الرب..و هكذا أخطأ آدم كثيراً و كثرت ذنوبه في لحظة واحدة..و لكن شاهدي لم يذكر حواء و لم يذكر لنا مطامعها -و هي العاشقة الأبدية في تراثنا للخلود- و لم يذكر لنا حتى وجودها في لحظة ما قبل المعصية!!..فمن أين أتى المُحدَّثون عن الرسول الكريم بتفاسير أقحمتها كمُحرض على الخطيئة!!..لا أعلم!!.

و هكذا و بعد أن:"أَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَ طَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ"..كانت قد وقعت المعصية الأولى بمشاركة توافقية من الطرفين فلم يتحدث شاهدي عن طرف سبق الآخر حاثاً إياه على الأكل قبله أو بعده..و لكنه لكي يكون عادلاً كما عرفته أراد تبرئة ساحة حواء من حمل ثِقل المعصية لوحدها فقال لي:"وَ عَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى"..هكذا قام شاهدي بإدانة آدم بكل وضوح في أقواله و لم يذكر عصيان حواء بل عصيان آدم فقط لأن الأصل في العصيان كان هو و ليست حواء..و لأن آدم كان المأمور في أول الأمر بالإبتعاد عن الشجرة و هو من عصى الأمر فهو إذاً من يجب أن يُطالب بالتوبة و المغفرة لعل الله يمنحها له و لحواء التي كان كل ما فعلته هو أن إتبعت إغواء آدم لها.

و بعد الخطيئة رحِم شاهدي آدم:"فتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ"..و هكذا تاب آدم فغفر الرب له خطيئته و لكنه أخرجهما من الجنة و خرجنا معهما..و لكن حواء أصبحت بعد تلك الحادثة هي من تتحمل خطيئة آدم كما أصبحن بناتها من بعدها يتحملن خطيئة أي رجل و كل رجل!!.

و بالرغم من أن شاهدي أكدَّ لي أن حواء لم تغوي آدم بل:"أَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ" إلا أنه لم يُصغي له الكثيرون..فأقوال شاهدي كانت واضحة بخصوص أن المعصية كانت بغواية من إبليس و ضعف من آدم و لكن في تراثنا أصبح إبليس و الأنثى كياناً واحداً و وجهان لعملة واحدة..و لولا بقية من حياء لكان خرج علينا من يقول أن حواء كانت تمارس مع إبليس و آدم دور العميل المزدوج!!.

هكذا نجد في تراثنا اللا إسلامي أن الرجل منذ الأزل يُعامل دوماً معاملة من رُفع عنه القلم..فلا توجد لديه خطيئةٌ بلا حواء..فدائماً ما تكون أخطاؤه بغواية أنثى..فيُسقطنا من الجنة بأنثى..و نحيا و نموت و هو مُسلوب الإرادة بأنثى..و بسبب وجودها أيضاً يكون خاطئ و لكنه مغفور له ما تقدم و ما تأخر من ذنبه بقلمٍ رُفع عنه لتُكتب به كل خطاياه على كتفها هي!!.

أخبرتني مُعلمة الدين و يخبرني المجتمع و يخبرني ذلك الكمُّ الهائل من مسلسلات "التفاحة الحمراء" أن حواء سبب سقوطنا من الجنة..فأحتار هل أصدق روايتهم أم أصدق رواية الرب و شهادته!!..هل أحقد على حواء لخيانتها لربها و للَّعنتها الأبدية فوق رأس كل أنثى و لخروجنا من جنة الرب بسببها كما يقولون..أم أرثي لأمُةٍ "شبه" إسلامية تجاهل و أخرس أغلب أفرادها صوت ربهم ليُبرِّؤوا آدم و سلالته من الذكور من بعده من كل خطيئة كانت و ستكون و إن كانت تلك البراءة على حساب أنثى!!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 164-Ali-Imran


.. 166-Ali-Imran




.. 170-Ali-Imran


.. 154-Ali-Imran




.. 155-Ali-Imran