الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس و العلبة السوداء التاريخية للمسلمين:الدستور التونسي الجديد و باب رئاسة الجمهورية .

بيرم ناجي

2014 / 1 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أغلب ما قرأته من تعاليق و مقالات حول الدستور التونسي الذي تتم المصادقة عليه حاليا ايجابية ، و هو في عموم فصوله الحالية كذلك فعلا بفضل نضال الديمقراطيين التونسيين ،و لكن مسألة ما تلح علي لطرحها:


ملكة بريطانيا هي شكليا رئيسة الكنيسة الأنجليكانية البريطانية.
الدستور الأمريكي و الكندي يذكران الله.
الدانمارك تتبنى البروتستانتية –الكالفينية دينا رسميا.
فرنسا نفسها لا تفصل تماما بين مؤسسات الدولة و الكنيسة في المناطق التي ضمتها بعد 1905 خاصة.
أنا لست من المغرمين بلائكية متطرفة سوفياتية او فرنسية و لكنني لا اقدس التجارب العلمانية المعتدلة أيضا لأنها تخفي أحيانا عديدة مصائب من نوع آخر.
و لو خيرت مثلا بين علمانية تركيا التي يحميها الجيش و يدمر فيها الشعب الكردي يحولها الى قاعدة للحلف الأطلسي و بين و طنية و اسلامية الدولة الجزائرية و التي تحترم نسبيا حقوق البربر الثقافية لاخترت الثانية دون تردد.
و أنا لست ضد اعتبار الاسلام الدين الرسمي للجمهورية التونسية كما ورد في الفصل الأول من الدستورمن منطلقات عديدة منها الديمغرافي و منها السياسي التاريخي و غيرها .

وأنا مع ضمان الجمهورية التونسية لحرية المعتقد و القيام بالشعائرالدينية و غيرها كما ورد أيضا في الدستور.

و لكن :

في الدستور التونسي الحديث، ومنذ 1959، يجب على المترشح لرئاسة الجمهورية التونسية أن يكون مسلما ...من بين شروط أخرى طبعا.

ما يهمني في الأمر هو التالي:

نحن نقول في دستورنا ان كل المواطنين متساوون في الحقوق و الحريات و الواجبات و انهم سواسية أمام القانون و لهم حرية المعتقد ،الخ.

طيب أريد أن أسأل التالي:

لماذا لا نطالب باشتراط ان يكون الرئيس ذكرا و ليس انثى؟
لماذا لا نطالب باشتراط ان يكون الرئيس أبيضا وليس اسودا؟
لماذا لا نطالب باشتراط ان يكون الرئيس عربيا اصيلا و ليس تونسيا من أصول بربرية مثلا ؟
لماذا لا نطالب ان يكون الرئيس من الساحل و ليس من الداخل؟
لماذا لانطالب ان يكون الرئيس ليبيراليا و ليس من تيار سياسي آخر؟
لماذا لا نطالب ان يكون الرئيس غنيا وليس فقيرا؟
لماذا لا نطالب أن يكوم حاملا لشهادة عليا و ليس أميا او صاحب تعليم متدن؟

طيب ولماذا يجب أن يكون مسلما بالذات؟

ألا يتناقض هذا الشرط مع حق كل مواطن مهما كان انتماؤه الديني في تولي كل المناصب السياسية في بلده كما ينص على ذلك الاعلان العالمي لحقوق الانسان في الفقرة الأولى من المادة الواحدة و العشرين؟

لماذا ليس من حق المسيحي او اليهودي أو غيرهما أو الملحد أن يترشح لرئاسة الجمهورية؟
صحيح ان هذا ليس مطروحا بحدة في تونس مثل مصر مثلا و لكن:

ألا يناقض هذا شرطا أساسيا من شروط الديمقراطية؟
و ألا يؤسس هذا للتمييز الديني في علاقة بأهم منصب سياسي في الدولة؟
وألا يفتح الباب للتمييز الديني في المناصب السياسية و القضائية و الوظائف العمومية الأخرى؟
و ألا يخفي هذا واقعا تاريخيا هو ان كل الحكام المستبدين و الظالمين الذين تداولوا على حكمنا من سلاطين و امراء و ملوك و باشاوات و رؤساء من بني جلدتنا كانوا كلهم مسلمين ؟
هل منعهم اعلان اسلامهم و اشتراطه شكليا لحكمنا من البطش بنا ؟
هل يضمن هذا الشرط الدستوري تحقيق الديمقراطية وحمايتها؟
بل و هل يضمن تحقيق الاسلام و حمايته و حماية المسلمين من حكمهم بالذات؟

ثم:

لماذا عندما نتحدث عن حرية المعتقد الديني في دساتيرنا لا نضيف اليها حرية الفكر ( أو الضمير كما تعرب أحيانا) في الفصل المتعلق بها و لا نعترف في دساتيرنا الطويلة أيضا ان حرية المعتقد تعني في ما تعنيه " حرية تغيير المعتقد" و حرية الفكر التي قد تعني حرية عدم – نعم عدم- الاعتقاد كما ينص على ذلك الفصل الثامن عشر من الاعلان العالمي لحقوق الانسان؟

لماذا تبدو حرية المعتقد عندنا و كأنها مقصورة على حق الاعتقاد داخل الاسلام أو داخل الديانا ت فقط رغم انها ترتبط بحرية كل المعتقدات و الأفكار الفلسفية بما فيها غير الدينية ؟

لماذا نحن مزدوجو الشخصية و "ديمقراطيون-منافقون" الى الدرجة التي لا نقوم فيها باصلاحات جذرية حقيقية على نظامنا السياسي ؟
لماذا لم تثر هذه النقطة نقاشا مفتوحا في وسائل اعلامنا و الاعلام العربي رغم علم الجميع بوجود مئات الآلاف من كبار الموظفين و المثقفين و السياسيين الذين يرفضون في سرهم هذا الانفصام السياسي؟

أنا طبعا لا أزايد على أحد هنا لأنني أعرف الثمن الباهض الذي قد يدفعه المجاهر بهذا في حياته البدنية و العائلية و المهنية أو في مصيره السياسي- الانتخابي،الخ ، وأنا جزء من المشكل.

كل ما أريد قوله هو التالي:

هنالك الخوف الشخصي من الاجهار بالمواقف سواء على النفس أو العائلة والأصدقاء أو الحزب أو حتى البلد من قبل مناضلين و مثقفين و غيرهم و هو مفهوم و أحيانا مشروع.

و لكن هنالك الشعبوية السياسية –الانتخابية التي تدمر حياتنا و تجعلنا لا ننجز أبدا اصلاحات جذرية في الاتجاه الديمقراطي و الحداثي و من كل الحركات السياسية الأربعة الكبرى الاسلامية و الليبيرالية و القومية و اليسارية.


أعتقد انه في اليوم الذي يقبل فيه مجتمعنا مثل هذه الأسئلة و الانتقادات –بل و يعتبرها بديهية- سنتقدم باتجاه التحرر الفعلي على درب المساواة بين البشر جميعا ، على الأقل من الناحية النظرية القانونية.

و في انتظار ذلك سنبقى أسرى علبتنا السوداء التاريخية التي هي علبة الاستبداد المقدس.
أقول جيدا انها ليست علبة المقدس نفسه الذي هو كوني عند كل الشعوب و حمال أوجه يتنازع معانيها وتطبيقاتها البشر في كل مكان و كل زمان فيستعمل في العدل و الظلم و التخلف و التقدم حسب القراءات و التطبيقات المرتبطة بالمصالح و موازين القوى غالبا.
انها علبة الاستبداد المقدس الاسلاموي عندنا والذي لا يفعل – أحيانا دون وعي و عن حسن نية عند البعض – سوى اهداء هالة تقديس مجانية للاستبداد السياسي و الاستغلال الاقتصادي و التمييز الاجتماعي و الاغتراب الثقافي و التخلف المقترن بالتبعية الى الخارج ، هالة تسيء الى المقدس نفسه أكثر مما تسيء الى السياسي الذي يعرف الجميع انه فن دنياوي لأدارة الممكن غالبا.


ربما يصح قول ماركس الذي أجله رغم انني لست ماركسيا أرثودكسيا في ان الأفراد و الشعوب مثل الانسانية التي " لا تطرح على نفسها الا المسائل التي هي قادرة على حلها" في اشارة الى شرط التاريخ. و لكن ماركس نفسه كتب ذات يوم في احدى اطروحاته حول فيورباخ: " إن النظرية المادية التي تقر بأن الناس هم نتاج الظروف و التربية , و بالتالي بأن الناس الذين تغيروا هم نتاج ظروف أخرى و تربية متغيرة , - هذه النظرية تنسى أن الناس هم الذين يغيرون الظروف وأن المربي هو نفسه بحاجة للتربية و ... إن اتفاق تبدل الظروف والنشاط الإنساني لا يمكن بحثه وفهمه فهما عقلانيا إلا بوصفه عملا ثوريا."
أعرف ان عددا كبيرا من اليساريين والليبيراليين و القوميين و من الاسلاميين الذين سيقرؤون المقال سوف لن يتوقفوا الا عند ذكر ماركس في الآخر لرفض كل شيء بحجة انني ماركسي بالنسبة الى البعض او بحجة انني خائن للماركسية بالنسبة الى الماركسيين وهذه مصيبة أخرى ليس الآن وقت الحديث فيها و لكن العلب السوداء و الحمراء و غيرها قد تتبادل الخدمات أحيانا دون قصد بوصفها علبا منغلقة على كل اصلاح ديني او فكري او سياسي خاصة في عالمنا العربي الاسلامي الذي تتحكم فيه العقلية الدينية المتطرفة عند الجميع و تلبس ألوانا مختلفة لا غير مع الأسف.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 1 / 12 - 20:50 )
في أمريكا!... سأخبرك ما في أمريكا :
أكثر الطوائف تعرضا للإضطهاد في أمريكا هم الملحدون وبحسب بحث استقصائي على مدار عامين قامت به جامعة مانيسوتا الامريكية فإن الملحدين هم الأكثر اضطهادا في أمريكا ويفوقون في ذلك الشواذ جنسيا والمسلمين المتطرفين .
There are many groups in America that are subject to discrimination and prejudice, but none are more hated than atheists. Research conducted a couple years ago at the University of Minnesota in Minneapolis found that atheists are more distrusted than muslims´-or-homosexuals in the US
المصدر : http://newsjunkiepost.com/2009/09/19...sted-minority

رئيس أمريكا يحتقر الملاحدة ويعتبرهم حثالة المجتمع الأمريكي وأحقر طبقة فيه , في عام 1987 سأل صحفي الرئيس بوش الأب :- (هل يمكن اعتبار الملحد الامريكي متساوي في الجنسية والمواطنة مع غيره من الامريكان)؟ .
وأصبح رد السيد بوش مشهورا :- (لا اعرف اذا كان من الممكن اعتبار أن الملحدين مواطنين أو حتى اعتبارهم محبين للوطن هذه أمة موحدة تحت راية الله) .
Atheist cannot be considered as patriotic citizen


2 - شكرا
بيرم ناجي ( 2014 / 1 / 12 - 21:27 )
شكرا
يبدو انك لا تقرأ

في اول المقال كتبت ان الدستور الامريكي و الكندي يذكران الله
و شكرا على اقتباسك من بوش السفاح القريب من اليمين الديني البروتستانتي المتطرف
كعادتك دائما تسدد خارج المرمى.
أعانك الله


3 - تعليق
نور ساطع ( 2014 / 1 / 12 - 22:22 )

الكاتب بيرم ناجي يقول : ) للعبد الله خلف : كعادتك دائما تسدد خارج المرمى.
===========================================

نور يقول : )

إذا تعلق المعلق فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا تعلق فاجتهد ثم أخطأ

فله أجر واحد. أفضل من 0 صفر 0 لا شيء 0

تحياتي للكاتب


4 - في السعودية!!... سأخبرك ما في السعودية
نور ساطع ( 2014 / 1 / 12 - 22:25 )

عبد الله خلف في أمريكا!... سأخبرك ما في أمريكا :
===========================================

نور يقول : ) في السعودية!!... سأخبرك ما في السعودية :-)


http://www.youtube.com/watch?v=xFD9bo7iB2g

http://www.youtube.com/watch?v=KRgyYgOBK2k

http://www.youtube.com/watch?v=_Edc3NGwLSU


: )


5 - تعليق
نور ساطع ( 2014 / 1 / 12 - 22:38 )

عبد الله خلف يقول : ( رئيس أمريكا يحتقر الملاحدة ويعتبرهم حثالة...
===========================================

نور يقول : ) نبي الإسلام محمد مرسل من الله خالق البشر يقول عنهم القردة والخنازير

: )


6 - الى الزميل المحترم بيرم ناجي
مكارم ابراهيم ( 2014 / 1 / 13 - 16:13 )
تحية طيبة زميلنا الفاضل بيرم ناجي وشكرا لاطلاعنا على الخلل في الدستور التونسي الجديد بالفعل متى نفصل الدين عن الدولة ونؤمن بالديمقراطية وحق الترشيح للحكم للجميع مهما كان دينه ومهما كان عمره وشهادته بل المهم اخلاقه ربما اتفهم عندما يشترط على المرشح ان يطون حامل جنسية البلد الذي يود حكمه وليس من الضروري ان يكون من ولادة ذلك البلد او والديه ليس من ولادة ذلك البلد
والا تكون عنصرية فجة
نرجو لتونس بلد الشهيد البوعزيزي البطل الوصول الى ديمقراطية حقيقية وتقدم وازدهار واستقرار
تقبل خالص الموة والاحترام

اخر الافلام

.. مشروع علم وتاريخ الحضارات للدكتور خزعل الماجدي : حوار معه كم


.. مبارك شعبى مصر.. بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس قداس عيد دخو




.. 70-Ali-Imran


.. 71-Ali-Imran




.. 72-Ali-Imran