الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-المادية- تُجيب عن أسئلة الدِّين!

جواد البشيتي

2014 / 1 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


جواد البشيتي
ما هي "المادة" Matter؟
إجابة هذا السؤال هي نفسها "تعريف" المادة؛ لكن، ما هو تعريف "التَّعْريف"؟
لو عَرَّفْتَ "الإنسان"، لَقُلْتَ، في مستهل تعريفكَ له، إنَّه "حيوان.."؛ ولو عَرَّفْتَ "الأوكسجين"، لَقُلْتَ، في مستهل تعريفكَ له، إنَّه "غاز.."؛ ولو عَرَّفْتَ "النحاس"، لَقُلْتَ، في مستهل تعريفكَ له، إنَّه "معدن..".
الإنسان حيوان..؛ وهذا يعني أنَّ كل إنسان حيوان؛ لكن ليس كل حيوان إنسان؛ الأوكسجين غاز..؛ وهذا يعني أنَّ كل أوكسجين غاز؛ لكن ليس كل غاز أوكسجين؛ النحاس معدن..؛ وهذا يعني أنَّ كل نحاس معدن؛ لكن ليس كل معدن نحاس.
منطق "التعريف" هو نفسه منطق صِلَة "الخاص" بـ "العام"؛ فالشيء المُراد تعريفه، يُسْتَهَل (ويجب أنْ يُسْتَهَل) تعريفه بوَصْلِه بـ "العام"؛ فالإنسان حيوان، والأوكسجين غاز، والنحاس معدن.
بما يُوافِق هذا المنطق، هل يمكن تعريف "المادة"؟
كل شيء (إنسان، حيوان، أوكسجين، غاز، نحاس، معدن، بروتون، إلكترون، ذرَّة، نهر، كوكب) يُمْكِنكَ أنْ تقول، في مُسْتَهِل تعريفكَ له، إنَّه "مادة.."؛ لكنْ، هل ثمَّة شيء (في الكون) أَعَم من "المادة" حتى نَصِل "المادة" به، أو نَنْسبها، ونردها، إليه؟
كلاَّ، لا شيء في الكون أَعَم من "المادة" حتى ننسبها إليه؛ فإنَّ "المادة" ليست بـ "جزءٍ من كُلٍّ" حتى نَرُد هذا "الجزء" إلى "كُلِّه".
"المادة" ليست الذرَّة، وليست الإلكترون، وليست البروتون، وليست الكوارك، وليست النيوترينو، وليست الفوتون، وليست البوزيترون؛ وهي ليست الكوكب، أو النجم، أو المجرة، أو عنقود المجرَّات، أو الطاقة، أو الطاقة الداكنة، أو المادة الداكنة، أو النجم النيوتروني، أو "الثقب الأسود". إنَّها جوهر هذه الأشياء جميعاً، وجوهر كل شيء؛ فـ "الشيء" هو "المادة بإحدى صًوَرِها".
لا تُميِّزوا "الطاقة" من "المادة" في قولٍ من قبيل "المادة تتحوَّل إلى طاقة؛ والطاقة تتحوَّل إلى مادة"؛ فإنَّ "الطاقة" هي جزءٍ من كُلٍّ، يسمَّى "المادة"؛ ولا تتحدَّثوا عن "جسيمات مادية" وأخرى "لامادية"؛ ولا تُعرِّفوا "المادة" على أنَّها "كل شيء يشغل حيِّزاً، وله كتلة"؛ فإنَّ "الحيِّز نفسه (والمكان والفضاء)" هو جزء من "المادة"، وإنَّ بعضاً من "المادة"، كجسيم الفوتون، ليس له كتلة سكونية.
أمَّا "الوعي"، الذي لا نُنْكِر وجوده، ولا نُنْكِر ماهيته اللامادية، فلا يعني وجوده أنَّ الوجود ثنائي الماهية؛ فلا وجود لعالَمٍ غير العالَم المادي؛ فهل من وجود (مثلاً) لـ "صورتكَ" في المرآة؟
كلاَّ، لا وجود لها؛ فالموجود فحسب هو "أنتَ" و"المرآة".
"المادة بقوانينها" هي وحدها الموجودة؛ هي وحدها الوجود؛ أمَّا "الوعي"، الذي لا نُنْكِر وجوده، فهو "الوعي البشري" فحسب؛ وهذا الوعي لا وجود له إلاَّ بوجود "الدِّماغ"، أيْ دماغ الإنسان الحي؛ الإنسان بصفة كونه حيواناً اجتماعياً، ناطِقاً، لغوياً. وبهذا الدِّماغ وَعَت "المادة" نفسها؛ فلا وعي في الطبيعة، ولا وعي قَبْل وجود الإنسان، وقَبْل وجود المجتمع البشري.
"الدِّماغ" هو الحيِّز المشغول بـ "الصُّوَر الذهنية"، التي لن تَعْثُر على أَيِّ منها لو فَتَحْتَ الدِّماغ، وبحثت فيه؛ فهل تَعْثُر على صورتكَ في المرآة لو كَسَرْت المرآة، وبحثْتَ في داخلها؟!
"الوعي" هو "خاصية" لهذا العضو المسمَّى "الدِّماغ (البشري الحي)"، أو لهذه "المادة"، التي هي الدرجة العليا في سُلَّم تَطَوُّر المادة. وإذا كانت المرآة لا تُريكَ من صُور الأشياء إلاَّ ما تراه (أو ما يمكن أنْ تراه) هي من أُصول (في الواقع) لهذه الصُّوَر، فإنَّ الدماغ لا يشتمل، ولا يمكنه أنْ يشتمل، على "صُوَر ذهنية" لا أصول لها (أو لا عناصر ومُكوِّنات لها) في "الواقع الموضوعي"؛ فأين هو الدِّماغ الذي يشتمل على صُوَر ذهنية تَشُذُّ عن هذه القاعدة في وجودها وتكوينها؟!
"الوعي" موجود "في" الدماغ، و"به"؛ و"الوعي" هو مجتمع، أيْ موضع اجتماع، ما نسميه "الصُّور الذهنية".
و"الوعي" يتَّصِل اتِّصال "النتيجة" بـ "سببها" بـ "الواقع الموضوعي"، أيْ بكل شيء يُوْجَد في خارجه (أيْ في خارج "الوعي") ومستقلاًّ عنه؛ و"الواقع الموضوعي"، بمعناه هذا، يشمل الدِّماغ نفسه، وسائر جسم الإنسان، وكل شيء يَقَع في خارج جسم الإنسان.
هل من وجود (في الواقع الموضوعي) لشجرةٍ، تتدلَّى من أغصانها ثِمارٌ من ذّهَب؟
كلاَّ، لا وجود لها؛ لكنَّ هذه الشجرة يمكن أنْ تَظْهَر إلى الوجود في الوعي؛ فبالخيال يَسْتَحْدِث الإنسان "صورة ذهنية" لهذه الشجرة.
إنَّ هذه الشجرة نفسها غير موجودة في "الواقع الموضوعي"؛ لكنَّ عناصر ومُكوِّنات "صورتها الذهنية" موجودة (وهي الشجرة بأغصانها وثمارها والذَّهَب).
حتى الله الذي ليس كمثله شيء، له في الوعي "صورة ذهنية"، عناصرها ومُكوِّناتها موجودة (ويجب أنْ تكون موجودة) في "الواقع الموضوعي"؛ فكل صفاته هي صفات إنسانية مُضَخَّمة (إنَّها على وَزْن "فعيل").
و"الوعي" بإبداعه لا يَعْدو كونه خَيْر عَبْدٍ للقانون الموضوعي؛ فأين هو الإبداع الذي جاء من طريق خَرْق، أو تجاهل، "القانون الموضوعي"؟!
إنَّ الوعي بحدِّ ذاته لا يُنْتِج شيئاً، لا يُغيِّر شيئاً، لا يُحَرِّك حصوة من مكانها؛ فالمادة لا تأتي إلاَّ من مادة. و"الفعل الإنساني"، ومهما كانت نتيجته، هو "تفاعُل مادي صَرْف"؛ فَرَفْعُكَ حجراً من مكانه هو تفاعُل مادي، كانت يدك أحد عناصره.
لو نَظَرْتَ إلى شجرة تُفَّاح، ثمَّ أَغْمَضتَّ عينيكَ، فسوف "ترى" هذه الشجرة بـ "عَيْن وَعْيِكَ". إنَّكَ تراها؛ لكنكَ لا تراها بكل تفاصيلها. بـ "عَيْن وَعْيِكَ" ترى شجرة التَّفاح؛ فهل هذا يعني أنَّ شجرة التًّفاح نفسها موجودة الآن في رأسكَ؟
كلاَّ، ليست موجودة في رأسكَ؛ فإنَّ "صورتها الذهنية" فحسب هي الموجودة في وَعْيِكَ.
و"شجرة التُّفاح" هذه هي "مادة"؛ لأنَّها شيء موجود في خارج وعيكَ، ومستقلٌّ، في وجوده وتطوُّره، عن وَعْيكَ؛ غَيِّرْ بوعيكَ، أو بخيالكَ، "صورته الذهنية (كما تشاء)" الموجودة في وعيكَ، فلا يتغيَّر هو؛ لكن ما أنْ يتغيَّر هو حتى يًصبِح ممكناً (وضرورياً) تغيير "صورته الذهنية" في وعيكَ.
وهذا ما نَضْرِب عنه صفحاً في عَالَم الفكر؛ فنحن ننسى، أو نتناسى، أنَّ لأفكارنا ومفاهيمنا ونظرياتنا.. أصولاً وعناصر في "الواقع الموضوعي"، فلا نُعدِّل، ولا نُغيِّر، تلك "الصُّوَر الذهنية" بما يجعلها أكثر توافقاً مع أصولها وعناصرها الواقعية (الموضوعية) المتغيِّرة.
"الوعي نفسه" ليس بـ "مادة"؛ وماهيته ليست مادية؛ لكنَّ "الوعي" لا وجود له إلاَّ بصفة كونه ثمرة تفاعُل مادي صرف، هو التفاعُل بين "الدِّماغ" و"الواقع الموضوعي (أو العالَم المادي الخارجي)".
و"الوعي" الذي لا نُنْكِر وجوده هو "الوعي الإنساني" فحسب؛ وكلُّ ما عداه من وعي لا يعدو كونه وَعْياً مُخْتَرَعاً، اخترعه "الوعي الإنساني" فحسب؛ فـ "العقل الأسمى"، بمسمياته المختلفة، هو ثمرة من ثمار "الوعي (أو الخيال) الإنساني".
في "الواقع الموضوعي"، لا شيء يُوْجَد وجوداً مباشِراً، وكبصمة الإبهام، لجهة وجوده، إلاَّ "الفَرْد" من الأشياء؛ فإنَّ "هذا" الإنسان، المَدْعو "زيد"، والذي..، والذي..، هو الموجود وجوداً مباشِراً؛ أمَّا "الإنسان العام"، أو "الإنسان على وجه العموم"، فلا وجود له؛ و"المادة العامَّة"، أو "الهَيُولَى" عند القدماء، هي، أيضاً، لا وجود لها.
و"الفَرْد" من الأشياء"، نسيج وحده، لا يتكرَّر أبداً؛ فشجرة التُّفاح "هذه"، الموجودة في بستاني، وبكل تفاصيل وجودها، هي شيء لا يتكرَّر أبداً؛ لكنَّها (أيْ شجرة التُّفاح "هذه") لا تُوْجَد، ولا يمكن أنْ تُوْجَد، في "الواقع الموضوعي"، إلاَّ وهي تنطوي، وتشتمل، على "العام" من شجر التُّفاح؛ فهي ممكنة الوجود، وموجودة؛ لأنَّ فيها كل الخواص والصفات والسمات المُشْتَرَكة بين شجر التُّفاح جميعاً؛ وهي ممكنة الوجود، وموجودة؛ لأنَّ فيها كل الخواص والصفات والسمات المُشْتَرَكة بين النبات جميعاً؛ وهي ممكنة الوجود، وموجودة؛ لأنَّ فيها كل الخواص والصفات والسمات المُشْتَرَكة بين الكائنات الحيَّة جميعاً؛ وهي ممكنة الوجود، وموجودة؛ لأنَّ فيها كل الخواص والصفات والسمات المُشْتَرَكة بين الأشياء، أو المادة، جميعاً.
شجرة التُّفاح "هذه"، ولجهة خواصها وصفاتها وسماتها، تشبه "الهَرَم"، رأسه (من الخواص والصفات والسمات) هو ما يجعلها "الفَرْد ـ البصمة"، الذي لا يتكرَّر أبداً؛ أمَّا قاعدته (من الخواص والصفات والسمات) فهو ما يجعلها جزءاً من كُلٍّ، هو "المادة"، أو "العالَم المادي".
افْتَرِضوا أنَّنا اكتشفنا من المادة ما هو أصغر بكثير من "الكوارك"؛ فهل أخْبِركم خبراً غير صحيح إذا ما قُلْت الآن: "لا بدَّ من وجود خواص وصفات وسمات مُشْتَرَكة بين هذه المادة المُكْتَشَفَة وبين شجرة التُّفاح هذه"؟
كلاَّ؛ فهذا الخبر صادِق، ويستمد صدقيته من "وحدة العالَم المادي".
مِنْ قَبْل، كُنَّا نُعرِّف (فيزيائياً، لا فلسفياً) المادة على أنَّها كل شيء له كتلة؛ وكُنَّا نعني بالكتلة "الكتلة السكونية"؛ لكن ثبت الآن وجود مادة، كجسيم الفوتون، لا تملك "كتلة سكونية"، وتملك، فحسب، "كتلة حركية".
وهذا يعني الآن أنَّ خاصية "الكتلة السكونية" ليست مُشْتَرَكة بين الأشياء جميعاً، أو بين أنواع المادة جميعاً.
لقد نَظَرْنا بعين فلسفية (ترى الأشياء رؤية موضوعية) إلى كلِّ ما عرفنا، ونعرف، من أشياء، فَعَرَفْنا واكتشفنا خواص وصفات وسمات مُشْتَرَكة بينها جميعاً، في مقدَّمها وأهمها: "التغيُّر المُطْلَق"، فلا شيء إلاَّ ويتغيَّر في استمرار، كل لحظة؛ و"الزمكانية"؛ فلا وجود لشيء مُجرَّد من "الزمكان"، أيْ من الزمان والمكان في اتِّحادهما الذي لا انفصام فيه أبداً؛ و"التحوُّل إلى النقيض"، فالتغيُّر الحتمي للشيء هو تَحَوُّله إلى نقيضه.
وإيَّاكم أنْ تظنوا أنَّ معرفة الخواص والصفات والسمات المُشْتَرَكة بين كل الأشياء، أو بين أنواع المادة جميعاً، مشروطة بمعرفة كل الأشياء، أو كل هذه الأنواع؛ فهذه المعرفة مستحيلة، وغير ضرورية، في آن. إنَّ "التعميم" لا معنى له، ولا منطق، إذا ما كان مشروطاً بأنْ نَعْرِف أوَّلاً كل أفراد النوع؛ فـ "التعميم" مشروط، فحسب، بمعرفة جزء، أو عدد، من أفراد نوع ما.
و"المفهوم"، أو "التعريف"، والذي هو ثمرة "التعميم"، لا يعني أنَّه غير قابل للتعديل والتغيير؛ فهذا النوع من "المفاهيم"، أو "التعاريف"، لا وجود له حتى في الفلسفة، التي (بموضوعيتها) يمكن، ويجب، أنْ تكون "العِلْم العام"، أيْ عِلْم العالَم المادي بكليته، وبقوانينه العامة.
والسؤال الذي ينبغي لكل مادي أنْ يجتهد في إجابته دائماً هو الآتي: ما هي الخاصة أو الصفة أو السمة التي تَشْتَرِك فيها الأشياء جميعاً، ومن غير استثناء؟
"الطبيعة" أدهشت وتُدْهِش الإنسان بظواهرها وأحداثها ونظامها وقواها، وبما تَصْنَع من أشياء. إنَّها دائما، وفي كلِّ عَمَلٍ تؤدِّيه، وبكل ما تَصْنَع من أشياء، تقول لنا: هذه أنا؛ وهذه هي حقيقتي؛ وهذه هي خصائصي؛ منذ الأزل أنا هكذا، وإلى الأبد سأبقى هكذا؛ لا يمكنني إلاَّ أنْ أكون هكذا؛ افْهَموني واعرفوني كما أنا، بلا زيادة، ولا نقصان؛ فأنا أَكُون هكذا، أو لا أَكُون.
لكنَّ الإنسان يأبى ويَسْتَكْبِر ويُعانِد، وكأنَّه لا يريد الاعتراف.
لقد تَصَوَّروا "الطبيعة" على أنَّها شيء "مَيِّت"، "جامِد"، "خامِل"، "عاجِز"، لا يُمْكِنها أنْ تكون على ما هي عليه إلاَّ بـ "قوى"، من خارجها، ومن غير جنسها، تُكْسبها كل ما نراه فيها من قوى وخصائص ونظام..
تَصَوَّروها على أنَّها كذاك التمثال من الطِّين اللازب، لن تَدُبَّ فيه الحياة إلاَّ إذا نُفِخَ فيه من "الرُّوح الأسمى".
إنَّهم كمثل من رأى مغناطيس يجذب الحديد إليه، فقال: هذا لا يَحْدُث، ولا يُمْكِن أنْ يَحْدُث، من تلقائه؛ فـ "المغناطيس في حدِّ ذاته" لا يَفْعَل هذا؛ لا يَجْذِب إليه الحديد؛ وثمَّة ما جعله على هذه الحال، وبهذه الخاصية.
أين مَكْمَن "الخلل"؟
في "الصورة (الذهنية)" يَكْمُن "الخلل"؛ فَهُمْ تَصَوَّروا "الطبيعة" بما أعْجَزَهم عن فهمها، وبما قادهم، من ثمَّ، إلى الإيمان بالمعجزات؛ ولو رأوا "الطبيعة" كما تُرينا هي نفسها، لَمَا تشوَّشِت أذهانهم، واضطَّربت رؤاهم.
إنَّهم أَبوا إلاَّ أنْ يروا "الطبيعة" بـ "عَيْنٍ"، لا تُريهم منها شيئاً؛ وهذه "العَيْن" إنَّما هي "الصورة الذهنية". وأنتَ يكفي أنْ تَنْظُر إلى "الطبيعة" بـ "عَيْن" هذه "الصورة" حتى "تَقْتَنِع" بـ "الرُّوح" سبباً وعِلَّةً.
هذه هي "الطبيعة" كما تُقَدِّم هي نفسها إلينا؛ فهل لكم أنْ تجيبوا عن السؤال الآتي: ما هي، وكيف تكون، "الطبيعة" إذا ما نُزِعَت منها "الرُّوح" التي تجعلها على ما هي عليه من "حيوية" و"نشاط" و"نظام"؟
إنَّ "الطبيعة" لا تحتاج إلى أيِّ شيء من غير جنسها حتى تُنْتِج نجوماً وكواكب وكائنات حيَّة و"مادة تُفَكِّر وتَعي"، هي الدِّماغ البشري.
العجز" ليس في "الطبيعة"، وإنَّما في "طريقة فَهْمهم لها"، وفي "الصورة الذِّهنية" التي رسموها لها. إنَّهم كمثل من يقول بوجود "ماءٍ"، كان مِنْ قَبْل، لا يروي العطشان إذا ما شربه، ولا يطفئ النار إذا ما صببناه عليها، ولا يذيب الملح إذا ما وضعناه فيه، ولا يُفْقِد الجسم شيئاً من وزنه إذا ما غمرناه فيه، لا يتبخَّر بالحرارة، ولا يتجمَّد بالبرودة.
أين هو هذا "الماء" الذي كان فاقِداً كل تلك الخصائص إلى أنْ أَكْسَبَتْه إيِّاها "الرُّوح الأسمى"؟!
هذا "التصوُّر الفاسد" قادهم حتما إلى أسئلة من قبيل: هل أوْجَدت الطبيعة (التي لا تعقل ولا تفهم..) نفسها بنفسها؟ هل وُجِدَت الطبيعة مصادفةً؟ كيف لقوى المصادفة أن تَخْلِق هذا الكون الذي هو في منتهى التنظيم؟ وكيف للمادة المنفعلة، والتي لا تكتسب كمالها من ذاتها وإنَّما من غيرها، أن تُوْجِد نفسها بنفسها؟ إذا قُلْنا إنَّ الطبيعة أوْجَدت نفسها بنفسها فهذا يعني أنَّها جاءت من "العدم"، أي من لا شيء؛ لكن هل (وكيف) يُمْكِن أن يعطي العدم وجوداً؟
إنَّ الطبيعة، على ما يقولون ويسألون ويتساءلون، فاقِدةً ذاتياً لكل قوى تَجْعَلها على ما هي عليه من تنظيم، فكيف لفاقِد الشيء أن يعطيه؟!
ثمَّ يتأمَّلون شيئاً ما، فيقودهم تأمُّلهم إلى استنتاج مؤدَّاه أنَّ هذا الشيء لا بدَّ له من أن يكون "محدوداً"، في مكانه، وزمانه، وفي خواصه؛ وفي وجوده على وجه العموم.
وبَعْدَ هذا الاستنتاج، الذي لا ريب في صحته وصدقه، يقولون: إنَّ وجود "المحدود" يُمْكِن ويجب أن يكون خير دليل على وجود "اللامحدود"، الذي هو خالِق الكون.
ويتأمَّلون أيضا "السلسلة السببية" في الطبيعة، فينتهي بهم التأمُّل إلى العثور على دليل آخر على وجود، ووجوب وجود، خالِق للكون، هو "العلَّة التي لا تحتاج إلى عِلَّة"، فلا يصح، في العقل والمنطق، وجود فِعْلٍ من غير وجود فاعل، فَفِعْلٌ كفِعْل بناء منزل هو خير دليل على وجود، ووجوب وجود، بانٍ لهذا المنزل.
وفي "سؤال الدهشة" الذي يجب، على ما يقولون، أن يقود إلى الإيمان بوجود خالِقٍ للكون، يُوْرِدون الآتي: سُئِل الإمام الشافعي عن الدليل على وجود خالِق للكون فقال للسائل انْظُر إلى ورقة توت ففيها الدليل الذي تسأل عنه. هذه الورقة تأكل منها دودة القز، فتخرج لنا حريراً، وتأكل منها النحلة، فتخرج لنا عسلا، ويأكل منها الإبل، فيخرج لنا لحما؛ فَمَن القادر على ذلك؟!
بيننا وبين الشيء حاجز معرفي هو "الصورة".. صورة الشيء التي اسْتَحْدثناها له في عقولنا، والتي من خلالها نَنْظُر إلى الشيء ونفهمه ونُفَسِّره؛ مع أنَّ الشرط الأوَّلي لمعرفة واكتشاف "الحقيقة الموضوعية" هو نَزْع تلك "الصورة" من أذهاننا، وأنْ نَنْظُر إلى الشيء، من ثمَّ، كما يَدْعونا واقعه الموضوعي إلى أن نَنْظٌر إليه.
قد أتصوَّر أنَّ هذا "الحجر" لا يُمْكنه أبداً أن يكسر لوحاً من الزجاج إذا ما قذفته به، فإذا كسره تتملَّكني الدهشة؛ لكنَّني بدلاً من أن أتخلى عن تلك "الصورة" التي ثَبُت وتأكَّد بطلانها وزيفها، أبحث عن تفسير يوافِقها، ويبقي عليها، فأتوصَّل، من ثمَّ، إلى "تفسير" من قبيل أنَّ هذا الحجر "العاجِز (ذاتياً)" عن كسر لوح الزجاج قد تمكَّن من كسره إذ استمدَّ قوَّة من غيره، أيْ من "الروح الخالصة" .
الخلل الأكبر في تفكيرهم ومنطقهم إنَّما يكمن في "الصورة".. في صورة "المادة"، أو "الطبيعة"، التي اسْتَحْدثوها لها في أذهانهم، وشرعوا يَنْظُرون إليها من خلالها.
إذا شبَّ حريق في منزلٍ، ثمَّ جاء رجال الإطفاء، وسكبوا عليه ماء، فانطفأ، فإنَّ رَجُل الدِّين يَفْهَم ويُفَسِّر ما حدَث على النحو الآتي: الماء بحدِّ ذاته ليس بقادِر على إطفاء النار، التي بحدِّ ذاتها لا تنطفئ إذا ما سكبنا عليها ماء.
هذه هي "الصورة الذهنية" التي من خلالها يَنْظرون إلى الماء والنار، وإلى تأثير الماء بالنار.
متى يُمْكننا، وينبغي لنا، أن نقول بوجوب وجود العلَّة غير المحتاجة إلى علَّة؟
عندما نصل في "السلسلة السببية"، في الطبيعة، إلى "الحلقة (الطبيعية) الأولى"، أي إلى شيء لا يمكن أن نَعْثُر على علَّة (طبيعية) لوجوده؛ فهل وصلوا إلى شيء كهذا حتى يقولوا لنا: توقَّفوا، ها نحن بلغنا تخوم تلك العلَّة غير المحتاجة إلى علَّة!
إنَّهم لم يَسْتَنْفِدوا، ولن يَسْتَنْفِدوا، "السببية (المادية)" فَلِمَ تَعَجَّلوا في إذاعة "خبر" اكتشافهم للعلَّة التي لا تحتاج إلى علَّة؟!
حتى "المصادفة"، التي يلعنونها ويناصبونها العداء، تُفْهَم عندهم فَهْما لا وزن له في ميزان الحقيقة الموضوعية.
إذا جِئت ببذورٍ سليمة لنبتة ما، وزرعتها، مهيِّئاً لها أسباب وشروط النمو، فلا بدَّ لها من أن تنمو؛ ولسوف تراها تنمو. ونموها هذا إنَّما هو "ضرورة طبيعية"؛ ولكن قد يَحْدُث في أثناء نموِّها أن تهبَّ ريح (غير متوقَّع هبوبها) فتقتلعها. هذا "الحادث"، أي هبوب هذه الريح، هو ما يَكْمُن فيه مفهوم ومعنى "المصادفة". وهذه "المصادفة" هي أحد نصفي الحقيقة، ففي النصف الآخر أرى "الضرورة" في تلك "المصادفة"، فالريح ما كان لها أن تهب، وأن تؤثِّر في النبتة على النحو الذي أثَّرت، لو لم تجتمع وتتهيَّأ لها الأسباب الطبيعية لهبوبها وتأثيرها.
لقد حان لهم أن يفهموا "المصادفة"، في الطبيعة، فَهْما يقيهم سؤالاً من قبيل "هل مصادفةً جاء الكون؟".
إنَّهم يَنْظرون إلى الكون فيرون فيه "مشهد النظام"، فهذا النجم لا يصطدم بذاك..
ولو توسَّعوا في النَظَر لرأوا ما يسمُّونه "الفوضى" و"الاضطراب"، ففي مشهد كوني آخر نرى مجرة تلتهم مجرة، وجسما كونيا ("ثقب أسود") يلتهم نجماً.
رأوا "النظام"، فقالوا بوجود، وبوجوب وجود، "المُنَظِّم"، فما هو قولهم إذا ما سمحوا لأبصارهم وبصائرهم بأن ترى في الكون ما يسموُّنه "الفوضى" و"الاضطراب"؟!
وإذا كان القمر يدور حتى الآن، وكما يدور، حَوْل الأرض، وإذا كان هذا المشهد الآني، على قِدَمِه، يدعوهم إلى القول بوجود، وبوجوب وجود، "المُنَظِّم الإلهي" لدوران القمر حَوْل الأرض، فهل يستمر القمر على هذه الحال إلى الأبد؟!
ليس بالأمر الذي يبعث على الدهشة أن نرى ورقة التوت حريراً في دودة القز، وعسلا في النحلة، ولحما في الإبل، فالأمر الذي يبعث على الدهشة حقاً أن نراها حريرا في النحلة، وفي الإبل، أيضا.
ليس بالأمر الذي يبعث على الدهشة أن نرى الحجر الذي قذفناه نحو السماء يسقط أرضا؛ فالأمر الذي يبعث على الدهشة حقاً أن نراه مُعلَّقا في السماء إلى الأبد.
لقد صوَّروا "المادة"، أو "الطبيعة"، تصويرا إنْ صَلُح فلا يَصْلح إلاَّ لشيء واحد فحسب هو أن يؤسِّسوا منطقا لقولهم بوجود، وبوجوب وجود، العلَّة التي لا تحتاج إلى علَّة!
لقد اسْتَمَعْتُ إلى "مُفَكِّر"، معادٍ لمبدأ "السببية"، وهو يُمْعِن في هذا المبدأ مسخاً وتشويهاً. وشاهدتُ جمهور المعجبين به، وهُمْ أناس لا يملكون من الوعي إلا ما يَجْعَل لهم آذاناً لا تسمع، وعيوناً لا تُبْصِر، وعقولاً لا تَعْقِل.
هذا "المُفَكِّر"، الذي فَكَّر، فَسُمِّي مُفَكِّراً، "اكتشف" مَوْضِعاً في "أرض الفيزياء"، يَصْلُح "تُرْبةً"، يَغْرِس فيها شيئاً من بقايا الميتافيزيقيا، فَبَيْن "السبب" و"المسبَّب (النتيجة)" أقام "جِسْراً روحانياً"، ينبغي لـ "السبب" أن يَعْبُره حتى يغدو "سبباً"، أي حتى يؤدِّي إلى ما يؤدِّي إليه. وجوهر "اكتشافه"، أو الفكرة الجديدة التي أبدعها، نَقِفُ عليه في المثال الذي أوْرَد.
لقد قال مخاطِباً جمهوره الذي يُصَدِّق؛ لأنَّه يريد أن يُصَدِّق: أُنْظُروا إلى حبَّة الأسبرين. إنَّها دواء يشفي من الصداع؛ لكن ليس دائماً، فهي إنْ شَفَت هذا من الصداع فرُبَّما لا تشفي غيره. هناك مَنْ يَعْتَقِد أنَّ تلك الحبَّة هي "السبب".. سبب الشفاء من الصداع، وأنَّ هذا الشفاء هو "النتيجة".. نتيجة تناولها. هذا وَهْمٌ، فهناك مَنْ جَعَل الشفاء في الدواء!
وتَذَكَّرْتُ لافتة، تُعلَّق في كثيرٍ من العيادات الطبية، كُتِبَ فيها ما يفيد المعنى الآتي: "العلاج" من الطبيب، و"الشفاء" من الله.
هذا هو مبدأ "السببية" في صياغته الدِّينية الجديدة ـ القديمة، فالله يَرْجِع إليه الفضل في جَعْل الدواء سبباً للشفاء؛ فحبَّة الأسبرين بحدِّ ذاتها لا تشفي من الصداع، وإنْ ظَنَّ بعضنا (وهذا الظنُّ من الإثم) أنَّها هي "سبب" الشفاء من الصداع، فهذا لا يمكنه أبداً أن يكون سبباً لذاك إلا إذا أرادت له الله أن يكون كذلك!
أنتَ، بحسب تلك الفكرة الخرقاء، تَعْطَش، فَتَشْرَب الماء، فترتوي، أي يزول عطشكَ، أو شعوركَ بالعطش؛ لكن هناك مَنْ أوحى إلى الماء أن يؤثِّر في العطشان (الذي شربه) كما أثَّر، جاعِلاً الماء، من ثمَّ، "سبباً" للارتواء، وزوال العطش، فالماء بحدِّ ذاته لا يروي؛ لا يزيل العطش؛ لا يُطفئ النار؛ لا يؤدِّي إلى انحلال الملح إذا ما وَضَعْناه فيه. إنَّه بحدِّ ذاته "عديم الخواص والقوى والتأثير". إنَّ هناك مَنْ أوحى إلى الماء، أيضاً، أن يطفئ النار، وأن يَحُلَّ الملح الموضوع فيه.
هذا "المُفَكِّر" يَقْبَل العِلْم؛ على أن يَلْزَم حدوده، ويكف عن التطاول على "مملكة الله"، فـ "العِلْم" من حقِّه، بحسب شريعة هذا "المُفَكِّر"، أنْ يسأل، مُسْتَعْمِلاً أسماء استفهامٍ مثل "كيف"، و"متى"، و"أين"؛ أمَّا كلمة "لماذا" فلا يحق للعلماء استعمالها إلا إذا كانوا "علماء دين".
مِنْ حقِّ العِلْم أن يسأل، مثلا، "كيف يتكوَّن جزيء الماء؟"؛ ومِنْ حقِّه، أيضاً، أن يجيب قائلاً: إنَّ غازي الأوكسجين والهيدروجين (ذرَّة أوكسجين واحدة وذرَّتا هيدروجين) يتفاعلان كيميائيا، فَيَنْتُج من تفاعلهما مُرَكَّب، أو جزيء، الماء.
أمَّا "لماذا" يؤدِّي تفاعلهما، أو اتِّحادهما، إلى نشوء الماء، ولا يؤدِّي إلى نشوء "بيضة" مثلاً، فهذا أمْرٌ يَحِقُّ لـ "علماء الدِّين" فحسب، تفسيره، ولو كان من قبيل "تفسير الماء (بَعْد جهد) بالماء"، فالله أرادت لاتِّحاد الأوكسجين والهيدروجين، أو لتفاعلهما الكيميائي، أن يُنْتِجَ ماءً (وليس "بيضة") فأنْتَجَ. ولو أرادت له أنْ يُنْتِج بيضة (وليس "ماءً") لأنْتَج.
الله الذي لا يُعْجِزه شيء، ولا يعجز عن فعل أي شيء، أراد لـ "1+1" أنْ يساويا "2"؛ ولو أرادت لهما أنْ يساويا "5" لكان له ما أراد!
إذا جِئْتَ بسلك نحاس، وعرَّضته للتسخين، فإنَّه "يتمدَّد"، ثمَّ "ينصهر". العِلْم اكتشف، في هذه الظاهرة الطبيعية من ألفها حتى يائها، قانوناً فيزيائياً موضوعياً، مادِّياً من ألفه حتى يائه، هو قانون "التمدُّد الحراري للمعادن"، فللمعدن خاصيَّة أنَّه يتمدَّد (قبل أن ينصهر) بالحرارة. العِلْم أخضع كل معدن للتجربة ذاتها (تجربة التسخين) فاستنتج بعد ذلك، ومن خلال ذلك، أن كل المعادن تتمدَّد بالحرارة، فـ "تكرار" الظاهرة الفيزيائية ذاتها (في أمكنة وأزمنة مختلفة) إنَّما هو خير دليل على وجود قانون فيزيائي (موضوعي) يتحدَّانا أن نكتشفه، وأن نستخدمه من ثمَّ.
العالِم، أو الفيزيائي، يُخْبِرنا أنَّ "النار" تؤدِّي، حتماً، إلى تمدُّد، فانصهار، فتَبَخُّر، المعدن الذي نضعه فيها. ويُخْبِرنا، أيضا، أنَّ كل ظاهرة فيزيائية يمكن ويجب أن يتكرَّر حدوثها عندما تستوفي أسبابها وشروطها. وفي هذا يكمن مبدأ "الحتمية الطبيعية"، الذي لن تنال من قوَّته نظريات، عِلْميَّة في ظاهرها، ميتافيزيقية في باطنها.
ثمَّ يأتي إلينا "مُفَكِّر" يُمَثِّل الفكر البائس لينفث في رَوْعنا أنَّ "النار" بحدِّ ذاتها لا تؤدِّي، ولا يمكنها أن تؤدِّي، إلى "تمدُّد" سلك النحاس؛ لأنَّها، بحدِّ ذاتها، لا تؤدِّي إلى أي شيء، فالله هو الذي جعل في النار تلك الخاصيَّة.. هو الذي أوحى إلى "النار" أنْ كوني "سبباً" لتمدُّد سلك النحاس الذي وُضِعَ فيها، فكانت؛ ولو أراد أن يجعل "النار" تَنْزِل على رأس "مُفَكِّرنا" ذاك بردا وسلاما لنزلت.
لقد أدَّت النار إلى "تمدُّد" المعادن، فجاءوا بسؤالهم "لماذا أدَّت النار إلى تمدُّد المعادن ولَمْ تؤدِّ إلى تقلُّصها؟"؛ أمَّا لو كانت النار تؤدِّي إلى "تقلُّص" المعادن، لسألوا "لماذا أدَّت النار إلى تقلُّص المعادن ولَمْ تؤدِّ إلى تمدُّدها؟".
"النار"، بحسب هذا المنطق المتهافِت، شيء، وخواصُّها شيء، فثمَّة "نار" بحدِّ ذاتها، وهي نار "عديمة الخواص"، وثمَّة "نار" أُوْحي إليها أن تؤثِّر في غيرها من الأشياء تأثيراً معيَّناً، وكأنَّ الشيء، أي شيء، يمكن أن يُوْجَد، وأن تقوم له قائمة، من غير خواصه وسماته الجوهرية (التي تُمَيِّزه عن غيره).
ولو أردتُ أن أبسط لكم آراءهم لبسطتها على النحو الآتي: في البدء، كانت (أي خُلقت) النار بحدِّ ذاتها؛ وكانت لا تَحْرِق، ولا تُبخِّر الماء، ولا تُمدِّد المعادن، ولا..
كانت النار التي ليست بـ "سببٍ" لأي شيء؛ لأنْ لا وجود لـ "السبب" من غير "المُسَبِّب الإلهي". ثمَّ جاءت "الروح الأسمى"، فأدْخَلَت في تلك "النار" إدْخالاً كل خواص النار التي نَعْرِف، فهذه "الروح" هي التي جَعَلَت "الدفء" و"الحرق" و"التمدُّد (للمعادن)".. في تلك "النار (البدائية، الأوَّلية)".
وهذا "الإدخال" لـ "خواص الشيء" في "الشيء" لا يختلف، منطقاً، عن إدخال "الروح" في التمثال الطيني، فـ "الطبيعة (أو المادة)" التي قد يعترفون بوجودها إنَّما هي الطبيعة الميتة، الخامدة، الهامدة، التي ليست بـ "دينامية"، بحدِّ ذاتها، و"المُفْرَغة" من قوانينها وخواصِّها وقواها.. ومن "السببية المادية الموضوعية".
لقد شوَّهوا ومسخوا مبدأ "السببية" إذا أقاموا برزخا روحانياً بين "السبب" و"المُسَبَّب (النتيجة)"، قائلين بوجود، وبوجوب وجود، "المُسَبِّب الإلهي" لـ "الأسباب"، وكأنَّ "النار بحدِّ ذاتها"، أي النار التي لَمْ يُجْعَل فيها بَعْد سبب التمدُّد للمعادن، هي "مسلَّمة"، ليس من حاجة إلى إثبات وجودها، أو إلى إثبات أنَّها ممكنة الوجود.
ألا يحقُّ لنا أن نسألهم: لماذا افْتَرَضتم أنَّ النار ما كان لها أن تَحْرِق إلا بَعْد أن أوْحَى إليها الله أنْ تكون سببا للحرق؟!
أين هي النار التي إنْ وَضَعْنا فيها معدنا فلا تؤدِّي إلى تمدُّده؟!
وأين هو المعدن الذي إنْ وَضَعْناه في النار لا يتمدَّد؟!
إنَّ كل منطقهم يَصْدُر عن "مسلَّمات" يتحدَّاهم العِلْم، والواقع، والمنطق، أن يُثْبِتوها قبل أن يتِّخذوها "مسلَّمات"، وكأنَّ العِلْم "الحقيقي" عندهم هو الذي يقوم على استعمال "ما هو في حاجة ماسَّة إلى الإثبات" دليل إثبات أو نفي لغيره!
إذا كنتَ مُؤْمِناً بالله، وجوداً وعملاً وصفات، وإذا ما تسبَّبت "صورة" الله في التوراة، أو الإنجيل، أو القرآن، بضعف، أو زعزعة، إيمانكَ هذا؛ لِكَوْنِكَ تَنْظُر إليها، وفيها، بعَيْن فيزياء القرنين العشرين والحادي والعشرين، فإنَّ عليكَ أنْ تقرأ، وتتمثَّل معاني، نظرية "الانفجار العظيم" Big Bang؛ لأنَّها تُزوِّدكَ أسلحةً وذخائر (فيزيائية وكوزمولوجية) تستطيع بها أنْ تَجْعَل إيمانكَ بالله أكثر رسوخاً وصلابةً، أو أنْ تُقوِّيه وتُعَزِّزه إذا ما اعتراه ضعف أو تَزَعْزُع؛ فـ "صورة" الله، في هذه النظرية الكوزمولوجية الكبرى، تَخْتَلِف كثيراً عن "صورته" في الدِّين، والتي ما عاد، بسببها، مُقْنِعاً، أو مُقْنِعاً كثيراً، للإنسان في مستهلِّ الألفية الثالثة؛ ولقد اشتدَّت الحاجة (لدى حُرَّاس وسَدَنة "الوعي الدِّيني" بشتَّى أشكاله وصُوَرِه، و"الوعي الفلسفي" المتصالِح، في الجوهر والأساس، مع "الوعي الديني") إلى ضَمِّ "الفيزياء" إلى "الميتافيزياء" في صُنْع "صورة" الله.
الفيزياء أصابت من الدِّين مَقْتَلاً إذ أعلنت أنَّ "المادة لا تفنى ولا تُسْتَحْدَث.."؛ فما كان من مُعدِّي ومُقرِّري مَنْهَج الفيزياء في مدارسنا إلاَّ أنْ أضافوا عبارتين إلى هذا النَّص، فقالوا في النَّص المُعَدَّل تعديلاً دينياً إنَّ "المادة لا تفنى (إلاَّ بمشيئة الله) ولا تُسْتَحْدَث (على أيدي البشر)"!
المادة، في أصلها، وعلى ما زَعَموا هي بضعة "جسيمات أولية"، خَلَقَها "الانفجار العظيم" نفسه؛ أمَّا "البيضة الكونية"، فليست "مادة".
ثمَّ تركوا لكَ "حُرِّية" الاستنتاج؛ فهل لكَ أنْ تَسْتَنْتِج غير الاستنتاج المزدوج الآتي: "البيضة" هي "العَدَم"، و"الانفجار" هو "الله"، أو "أُسْلوب الله" في خَلْق الكون من العَدَم!
"الإله"، في المُعْتَقَد الديني القديم والبدائي، ما عاد اليوم بفكرة يمكنها أن تَجِد لها ملاذاً في العِلْم والعقل، وما عاد القائلون بها يستطيعون الدفاع عنها، وإلباسها لبوس العِلْم والعقل، إلا من خلال اقتلاع الفكرة من تربة "العقل"، وغرسها في تربة "الإيمان"، الذي صَوَّروه على أنَّه "العقل الآخر" للإنسان، والذي به فحسب، أو في المقام الأوَّل، يتوصَّل الإنسان إلى الله، أو من خلال تفسير "النص الديني" بما يَجْعَل له معنى لا يمتُّ بصلة إلى "معناه الحقيقي، القديم، المباشِر، التاريخي، الواقعي، الحرفي".
ما أكثر "التجارب العلمية" التي يَذْكُرونها في معرض دحضهم لـ "مادية العقل"؛ لكن هل هذا الفكرة التي يسعون في دحضها (فكرة "مادية العقل") مِنْ بَنَات "المادية"، أو "الفكر المادي"؟!
إنَّني، وبصفة كوني "مادياً"، أخبرهم أنَّ "العقل" ليس "مادياً"؛ ليس من جِنْس "المادة"؛ ليس "مادةً في ماهيته"؛ ولو كان "مادة" لَمَا استنفد الفلاسفة قروناً من الزمان في سعيهم إلى معرفة "الصِّلة الجوهرية بين المادة والعقل (أو الفكر)".
"الدِّماغ (أيْ دماغ الإنسان الحي)" هو "مادة"؛ هو "عضو التفكير"؛ هو "المادة التي تُمثِّل الدرجة العليا في تطوُّر الطبيعة، ولها من الخصائص المادية ما جَعَلَها مادة تَعْقِل وتُفكِّر".
"المادة (أو العالَم المادي)" المُسْتَثْنى منها هذا "الدماغ" هي مادة لا تَعْقِل، ولا تُفكِّر؛ لا تعي، ولا تُدْرِك؛ لا تحس، ولا تشعر؛ فالمادة بـ "الدماغ (البشري الحي)"، وبه فحسب، أَدْرَكَت ووَعَت وجودها (وذاتها).
بَيْد أنَّ هذا لا يعني أنَّ "الدماغ (البشري الحي)" يُنْتِج (يُولِّد، أو يُفْرِز) فكراً وأفكاراً؛ إنَّه يُمثِّل، فحسب، "القدرة (المقدرة) على التفكير"؛ و"المقدرة (الطبيعية) على التفكير" لا تَعْدِل "الفكر نفسه"؛ ذلك لأنَّ "الفكر" الذي لا يُوْجَد، ولا يمكن أنْ يُوْجَد، من دون "الدماغ"، لا يُوْجَد، ولا يمكن أنْ يُوْجَد، أيضاً، بـ "الدماغ وحده".
لا فكر بلا لغة (مهما كانت هذه اللغة). ولا لغة بلا عمل. ولا عمل بلا مجتمع بشري (مهما كان حجم هذا المجتمع، أو نمط عيشه).
إنَّ "اليد البشرية"، بخصائصها الطبيعية، مع انتصاب قامة صاحبها، الذي يعيش في جماعة من أبناء جنسه، هي التي جَعَلَت "المادة التي لديها القدرة على التفكير (وهي الدماغ)" تُفكِّر، وتأتي بالفكر والأفكار؛ فهذه اليد هي التي جَعَلَت صاحبها (الذي يعيش في جماعة من أبناء جنسه) حيواناً "صانِعاً للأدوات (أدوات العمل)"، مُسْتَعْمِلاً لها (في إنتاج ما يلبِّي حاجته إلى المأكل والملبس والمسكن..). وهذا "الحيوان الاجتماعي، الصانع للأدوات، المُسْتَعْمِل لها" كان، في الوقت نفسه، "حيواناً ناطِقاً"، أيْ يُفكِّر تفكيراً منطقياً؛ فلا فكر بلا لغة، أو قَبْل اللغة.
"المادي" لا يُنْكِر "وجود الفكر"، مع أنَّ الفكر ليس مادة في ماهيته؛ إنَّه يُنْكِر، فحسب، "الوجود المستقل (المنفصل) للفكر عن المادة"؛ كما يُنْكِر خَلْق المادة (أو العالَم المادي) على أيدي "كائنٍ لا مادي (مِنْ جِنْس الفكر أو الوعي)".
وفي شرح بسيط مبسَّط للصلة، ولأوجه الصلة، بين "المادة" و"الفكر"، أقول: أُنْظُرْ (بعينيكَ) إلى شجرة تُفَّاح في حديقتكَ؛ ثمَّ أَغْمِضهما؛ فماذا "ترى"؟
إنَّكَ "ترى" في "ذهنكَ" صورة، هي صورة شجرة التُّفاح. هذه "صورة ذهنية (لا تُوْجَد إلاَّ في الذهن). هذه الصورة، ومهما كانت دقيقة واضحة جلية الآن، لا تشتمل إلاَّ على بعضٍ من "تفاصيل الأصل (والذي هو شجرة التُّفاح في حديقتك)".
"الأصل (الواقعي)"، وهو "شجرة التُّفاح" موجود، و"الصورة الذهنية" موجودة هي أيضاً؛ لكن "شجرة التُّفاح" موجودة "في خارج ذهنك (أو وعيكَ)"، وفي "استقلال عنه".
الآن، أُنْظُرْ (بعينيكَ) إلى سبيكة ذهب؛ ثمَّ أَغْمِضهما، فـ "ترى" صورة ذهنية أخرى هي صورة سبيكة الذهب.
إنَّكَ، وبالخيال، وهو قوَّة ذهنية، تستطيع (وأنتَ مُغْمِض عينيكَ) أنْ تتصوَّر (تتخيَّل) شجرة تُفَّاح ذهبية، أيْ مصنوعة من الذهب؛ وهذه "الصورة الذهنية المركَّبة (بالخيال)" لا أصل لها في "الواقع الموضوعي"، أيْ في الواقع الموجود في خارج ذهنك، وفي استقلال عنه.
أَصِلْ الآن إلى السؤال الذي اتحدَّى كل خصوم ومناوئي "المادية" الإجابة عنه، وهو: إذا كان الفكر يُوْجَد وجوداً مستقلاً (ومنفصلاً) عن المادة، وإذا وُجِدَ، أو كان موجوداً، "قَبْل" المادة، على افتراض أنَّ المادة ليست بأبدية وأزلية، فهل لكم أنْ تأتوني ولو بفكرة واحدة لا أصل لها، أو مكوِّنات، في الواقع الموضوعي (أيْ في العالم المادي)؟
في رأس الإنسان (في دماغه) لا يُوْجَد، ولا يمكن أنْ يُوْجَد، فكرة (ولو كانت مِنْ نسج الخيال) لا وجود لها (بأصلها، أو عناصرها ومُكوِّناتها) في العالَم المادي.
إنَّ كل أفكاركم، ولا أَسْتَثْني منها أفكاركم الدينية واللاهوتية، هي انعكاس للواقع الموضوعي (للواقع المادي). إنَّها انعكاس له، أكان هذا الانعكاس صادِقاً أم زائفاً (مشوَّهاً).
سؤلان ساذجان هما: كيف للمادة أنْ تكون على ما هي عليه من خصائص ونظام.. إذا لم يكن "الوعي" يقودها ويحكمها ويديرها..؟ و"كيف للمادة التي هي بطبيعتها لا تعي ولا تُدْرِك أنْ تأتي بما يعي ويُدْرِك؟
إنَّهما سؤلان ساذجان؛ لأنَّ أصحابهما يَنْظرون إلى "المادة" بـ "عَيْن صورة ذهنية رسموها هُمْ لها". إنَّهم يتصوَّرون "مادة" لا وجود لها في الواقع؛ فـ "المادة" التي يتصوَّرونها هي مادة خاملة، عاجزة، مجرَّدة من القوانين والقوى الفيزيائية.
وهُمْ يكفي أنْ يتصوَّروا (ويفهموا) المادة على هذا النحو حتى لا يجدوا مناصاً من الإقرار بوجود، وبوجوب وجود، "العقل الأسمى"، الذي ما أنْ خَلَق المادة من العدم حتى بَثَّ فيها من القوانين والقوى ما جعلها على ما هي عليه من نشاط وفاعلية ودينامية.
مؤسِّس علم جراحة الأعصاب د. ويلدر بنفيلد أجرى التجربة الآتية:
خَدَّر مريضاً تخديراً موضعياً، ثمَّ ضَغَطَ على المركز العصبي الموجود في المخ والمسؤول عن تحريك اليد، طالِباً من المريض (في أثناء ذلك) رَفْع يده؛ حاول المريض بكل قوَّته أنْ يَرْفَع يده، لكنه فشل.
من ذلك، اسْتَنْتَج الطبيب أنَّ للمريض "إرادة"، اتِّجاه عملها مخالِف لاتِّجاه عمل ذلك المركز العصبي؛ لكنها تَفْشَل في سعيها (ضِمْن هذه التجربة). ومضى الطبيب قُدُماً في استنتاجاته، فاستنتج أيضاَ أنَّ الإرادة تختلف عن المخ والمراكز العصبية، وأنَّ العقل، من ثمَّ، يحرِّكه شيء آخر يخالِف المادة؛ فالدماغ لا يُفسِّر العقل؛ والروح موجودة.
بعض مؤيِّدي هذه الاستنتاجات علَّقوا قائلين: إنَّ العقل في الإنسان ليس من المادة.
مع تقديري واحترامي لعِلْم هذا الطبيب، ومهنيته، أقول إنَّ تجربته لا تمتُّ بصلة إلى السؤال الفلسفي الكبير عن صلة المادة بالوعي، وإنَّه من مقدِّمات سليمة (تمخَّضت عنها تجربته) توصَّل إلى استنتاجات فلسفية ساذجة وخاطئة.
أنْ "يُريد" المرء شيئاً، فيفشل في الحصول عليه، أو يعجز عن تحقيقه، فهذا إنَّما هو بعضٌ من جوهر مفهوم "المادية"؛ فليس كل شيء رَهْن إرادة الإنسان.
تجربة الطبيب كانت مادية من ألفها حتى يائها؛ فالمخ والمراكز العصبية فيه والتخدير.. هي جميعاً من المادة؛ ولقد عَطَّل الطبيب (في تجربته) البُنْية المادية التحتية لإرادة المريض؛ ومع تعطُّلها بالتخدير (الموضعي) ما عاد في مقدور المريض أنْ يَرْفَع يده (في أثناء ضغط الطبيب على المركز العصبي الموجود في المخ والمسؤول عن تحريك اليد) مهما رَغِبَ في ذلك، ومهما حاول؛ فإرادته غدت كسيحة.
هذه التجربة لا تُثْبِت أبداً ما كان ينبغي للطبيب إثباته، ألا وهو أنَّ الإرادة مستقلة، منفصلة، عن الدماغ؛ فالتجربة إنَّما أثبتت أنَّ الإرادة لا تُوْجَد، ولا يمكنها أنْ تُوْجَد، في استقلال عن هذه "المادة الخاصة"، أيْ الدماغ البشري الحي.
والطبيب نفسه كان يمكنه تخدير المريض بما يُفْقِده الوعي؛ فإذا فَقَدَه (بالتخدير) فهل يظل الطبيب مستمسكاً بفكرة "الوجود المستقل للوعي عن الدماغ"؟!
وهل كان الطبيب، وهو المؤسِّس لعلم جراحة الأعصاب، يتوقَّع أنْ يتسبَّب تخديره الموضعي لمريضه بفُقْدان هذا المريض لإرادته التي رَأَيْناها على شكل رغبة (من المريض) في أنْ يَرْفَع يده، وعلى شكل محاولة باءت بالفشل؟!
أمَّا التعليق على هذه التجربة، وعلى استنتاجات الطبيب منها، فلا لزوم له؛ لأنَّ "المادية" لا تَزْعُم أنَّ العقل مادة حتى يجتهدون في دحض هذا الزَّعم؛ فـ "المادية" هي بمعنى من معانيها "الإقرار بأنَّ العقل (الفكر) ليس مادة".
إنَّهم يأتون إليك من طريق الفيزياء، أو من طريق "الحقائق الفيزيائية (والعلمية)"، معلِّلين أنفسهم بوهم أنَّ هذه الطريق هي أقصر الطرق إلى الميتافيزياء، وإلى تمكين الأوهام الميتافيزيقية من عقلك؛ فذكَّرَتْني محاولتهم هذه بصرخة نيوتن التحذيرية "أيتها الفيزياء احترسي من الميتافيزياء".
والآن سأشرح وأبسط لكم طريقتهم الفيزيائية (العلمية) لمحاربة "المادية"، ولتحطيم "مادية" المادة.
أمامكَ شجرة تفاح؛ والشجر تَدُلُّ عليه ثماره.
هذه الشجرة هي جزء من العالم الخارجي، أو من العالم المادي؛ وإنَّ كل شيء يُوْجَد، ويقع، في خارج "ذهنكَ (أو وعيكَ)" هو جزء من العالم الخارجي (حتى يدك هي جزء من العالم الخارجي).
هل هذه الشجرة "موجودة"؟
على البديهة، ستُجيب قائلاً: "نعم، إنَّها موجودة".
ما هو دليلكَ على وجودها؟ أو كيف تُثْبِت أنها موجودة؟
ستُجيب قائلاً: "إنها موجودة؛ فأنا أراها (بعيني) وألمسها (بيدي)".
وللإنسان خمس حواس، بها يُدْرِك (حسِّياً) العالم الخارجي (المادي). إنَّه بعينه يرى التفاحة، ويرى لونها وشكلها وحجمها وموقعها ومكانها؛ وبيده وأصابعه (مثلاً) يلمسها ويتأكَّد نعومة ملمسها مثلاً، وبلسانه يذوق طعمها، فيتأكَّد، مثلاً، أنَّها حلوة؛ وبأنفه يشمُّ رائحتها؛ ولو كانت تُصْدِر صوتاً لسمعه بأذنه.
"المادة" هي كل شيء نُدْرِكه، أو يمكن أنْ نُدْرِكه، حسِّياً، أيْ بواسطة الحواس الخمس، أو بواسطة بعضها (أو إحداها).
لكنَّ هذا القول يحتاج إلى توضيح؛ فجزيء الماء، مثلاً، لا أراه بعيني، ولا ألمسه بيدي؛ ومع ذلك هو "مادة". إنَّ عيني لا ترى (مباشرة) ولا يمكنها أنْ ترى جزيء الماء؛ لكنها بـ "امتدادها الاصطناعي (المجهر، أو العين الاصطناعية)" يمكنها رؤيته (ورؤية الذرَّة..). ونحن لم نُطوِّر إلى الآن "عيناً اصطناعية" تسمح لنا برؤية المادة المتناهية في الصِّغَر كجسيم "الكوارك". لِنَفْتَرِضْ أنَّ وجود جسيم "الكوارك" أصبح أمراً مُثْبَتاً مؤكَّداً لا ريب فيه، وأننا لم نتمكن من رؤيته بواسطة "عين اصطناعية متطورة"؛ فكيف لنا، عندئذٍ، أنْ ننسب "الكوارك" إلى عالم المادة؟
إذا لم نَرَهُ هو بواسطة "عين اصطناعية متطورة" فلا بدَّ لنا من أنْ نرى تأثيره (المادي) في غيره من الأشياء؛ فما هو "التأثير المادي (أو الفيزيائي)"؟
إنَّ المادة على نوعين اثنين: نوع لا يمكنه أبداً أنْ يسير بسرعة الضوء (300 ألف كيلومتر في الثانية) كالنجم أو الكوكب أو الصاروخ أو الحجر أو البروتون أو الإلكترون، ونوع يسير بسرعة الضوء كالفوتون.
نقول إنَّ جسماً أثَّر في جسم، أو جسيماً أثَّر في جسيم، فما معنى هذا القول؟
"التأثير (أو القوة Force)"، بمعناه الفيزيائي هو مادة؛ فثمة مواد متناهية في الصغر (يُمْكنكَ تخيلها على شكل "كريَّات") تسير بسرعة الضوء، تنطلق من جسم (أو جسيم) ما، فتُصيب (بعد اجتيازها مسافة معيَّنة) جسماً (أو جسيماً) آخر، مُحْدِثةً فيه تأثيراً معيَّناً. وهذه المواد (أو الكريَّات) تسمَّى "الجسيمات الحاملة (أو الناقلة) للقوَّة (أي للتأثير)". إنها جسيمات عديمة الكتلة (أيْ ليس لها كتلة سكونية) تشبه "العربات" التي تَحْمِل، أو تنقل، على متنها "التأثير الفيزيائي". هذه الجسيمات (ومنها "الفوتون") تَحْمِل، أو تنقل، "التأثير" من جسم إلى آخر، عبر الفضاء، مُحْدِثةً تغييراً ما في الجسم الذي أَفْرَغَت فيه شحنتها، أو حمولتها.
لِنَعُدْ الآن إلى مثال "شجرة التفاح" التي أراها أمامي. إنني وبفضل الضوء الصادِر عنها أراها؛ فلو أنَّ هذه الشجرة انعدم، فجأةً، الضوء الصادِر عنها، لانعدمت رؤيتي لها؛ فلا رؤية لجسم لا يَصْدُر عنه ضوء (ولكَ أنْ تتخيَّل هذا الضوء على شكل سَيْلٍ من الكريَّات).
هذا الضوء الصادِر عن شجرة التفاح يَدْخُل في عيني؛ وهو يَدْخُل فيها على شكل "نسخة ضوئية من شجرة التفاح"؛ فليست شجرة التفاح هي التي تدخل في عيني (قَبْل، ومن أجل، أنْ أراها) وإنَّما نسختها (أو صورتها) الضوئية. وكلَّما زادت كمية هذا الضوء رأَيْتُ الشجرة أوضح، ورأَيْتُ مزيداً من تفاصيلها.
ولعملية الرؤية مكوِّناتها المادية في رأسي؛ وتشمل هذه المكوِّنات: عدسة العين، والشبكية الموجودة في الجهة الخلفية من العين، وعصب الرؤية، ومركز الرؤية الموجود خلف الدماغ، والذي فيه تتحقَّق الرؤية. هذه المكوِّنات جميعاً هي مادة؛ هي مادة حيَّة؛ هي مادة من خلايا وأنسجة.
النسخة الضوئية من شجرة التفاح (أو الضوء الصادِر عن شجرة التفاح) ما أنْ تَدْخُل في عيني حتى تتفاعل (تتبادل التأثير) مع المكوِّنات المادية لعملية الرؤية، فيَنْتُج من هذا التفاعل "كهرباء (إشارات، أو منبِّهات، كهربائية)"؛ والدماغ يشبه غرفة مُظْلِمة لا تضيء مهما دخل فيها من ضوء؛ فالضوء الصادِر عن الأجسام، والذي دخل في عيني، لا يظل ضوءاً في داخل الدماغ؛ لأنَّه يتفاعل مع المكوِّنات المادية لعملية الرؤية، مُنْتِجاً إشارات كهربائية، تنتقل عبر عصب الرؤية إلى مركز الرؤية في الدماغ؛ وهذا إنَّما يعني أنَّ "النسخة الضوئية" من شجرة التفاح تتحوَّل، في داخل الدماغ، إلى "نسخة كهربائية"؛ وإنَّ وجود هذه "النسخة الكهربائية" في داخل مركز الرؤية (في الدماغ) هو ما يجعلنا نرى شجرة التفاح؛ فمركز الرؤية لا يتعامل إلاَّ مع "النُّسَخ الكهربائية" من الأجسام الموجودة في العالم الخارجي.
هذا الشَّرح لعملية الرؤية إنَّما يؤكِّد أنَّها عملية مادية من ألفها حتى يائها؛ فهذه العملية تبدأ بجسم موجود في العالم الخارجي، أي في العالم المادي الموجود في خارج الذهن، أو الوعي. وهذا الجسم هو في مثالنا شجرة التفاح. والرؤية لن تكون أبداً إذا لم يَصْدُر عن هذا الجسم ضوء؛ والضوء هو مادة. وينبغي لهذا الضوء (أيْ النسخة الضوئية من شجرة التفاح) أنْ يدخل في العين؛ ومكوِّنات عملية الرؤية (عدسة العين، والشبكية، وعصب الرؤية، ومركز الرؤية في الدماغ، والإشارات الكهربائية المنتقلة عبر عصب الرؤية إلى مركز الرؤية) هي جميعاً مادة. والنتيجة النهائية لهذه العملية هي "الرؤية"، أيْ رؤيتكَ شجرة التفاح.
شجرة التفاح موجودة الآن في داخل رأسك؛ لكنها ليست الشجرة نفسها الموجودة في العالم الخارجي. لقد دخلت هذه الشجرة إلى رأسكَ على شكل "نسخة ضوئية" من شجرة التفاح؛ وهذه النسخة الضوئية تحولت إلى نسخة كهربائية، تَعَامَل معها مركز الرؤية في الدماغ، فتحققت الرؤية. وتحقُّق الرؤية إنما يعني أنَّ شجرة التفاح موجودة الآن في رأسكَ على شكل "صورة ذهنية"؛ وهذه الصورة ليست في حدِّ ذاتها مادة (ليست من جنس المادة، ولا تملك شيئاً من خصائص المادة). وأنتَ لو أغمضت عينيكَ (بعد رؤيتكَ شجرة التفاح) لـ "رَاَيْتَ" الصورة الذهنية لشجرة التفاح. وهذه "الرؤية (التي ليست بالعين)" ترتبط بقوة ذهنية تسمَّى "الذاكرة". إنَّ شجرة التفاح موجودة، بصورتها الذهنية، في رأسكَ؛ ولو أنَّكَ لم ترَ في حياتكَ شجرة تفاح في العالم الخارجي لَمَا وُجِدت صورتها الذهنية في رأسكَ.
هل تشعر بالحزن؟ هل تستطيع تمييز شعورك بالحزن من شعورك بالفرح؟
سأفْتَرِضْ أنَّكَ تشعر بالحزن؛ وإنِّي لمتأكِّد، في الوقت نفسه، أنَّكَ تستطيع تمييز شعوركَ بالحزن من شعورك بالفرح. هذا الشعور (شعورك بالحزن) موجود بالفعل؛ وإنَّ أحداً لا يستطيع إنكار وجود الشعور (والإحساس والرغبة والإرادة والفكر..).
"الشعور" موجود وجوداً لا ريب فيه؛ لكنه ليس كوجود المادة؛ لأننا لا نراه، ولا نلمسه، ولا نسمعه، ولا نشمه، ولا نذوقه.
أنْ ترى شجرة التفاح فهذا "إحساس (نوع من أنواع الإحساس)"؛ والإحساس الذي أنْتَجَتْه هذه العملية المادية للرؤية، والذي لا ريب في وجوده، ليس مادة. إنَّه نشاط وعمل ووظيفة وخاصية "مادة خاصة"، "مادة مفكِرة (وعاقلة)"، هي الدماغ البشري الحي.
"النسخة الضوئية" من شجرة التفاح اخترقت أجسام وأشياء كثيرة؛ اخترقت الماء مثلاً؛ لكنها لم تُنْتِج ما أنْتَجَتْه في رأس الإنسان، وهو الإحساس (إحساس الرؤية). أمَّا السبب فهو أنَّها تتفاعل في داخل الجسم الذي اخترقته، معطيةً نتائج تتَّفِق وطبيعة (وماهية) هذا الجسم؛ فالضوء نفسه، في اختراقه أجسام مختلفة الماهية، يعطي نتائج مختلفة.
أُنْظروا مثلاً إلى الكهرباء (التيار الكهربائي في المنازل). إنَّه يعطي في الأجسام المختلفة نتائج مختلفة (نتائجه في الثلاجة أو الغسالة أو الراديو أو الكمبيوتر أو المدفأة..).
لقد رَأَينا كيف يؤثِّر العالم الخارجي (المادي) في رأس الإنسان الحي (في حواسه ودماغه بأقسامه المختلفة) بما يؤدِّي إلى إنتاج الأحاسيس والمشاعر والأفكار؛ واتَّضَح لنا، وتأكَّد، أنَّ هذه الأحاسيس والمشاعر والأفكار لا تُنْتَج، ولا تُوْجَد، إذا ما فُقِدَ أحد طرفيِّ العملية المادية الخاصة بها، وهما: العالَم الخارجي (المادي) ورأس الإنسان الحي (بحواسه الخمس، ودماغه، وأعصابه). ونحن لو جئنا برأس إنسان وفتحناه فلن نَجِد في داخله أفكار ومشاعر وأحاسيس؛ مع أنَّها أشياء موجودة؛ وهذا إنَّما يشبه أنْ تَفْتَح وتُكسِّر مرآة بحثاً عن صور الأجسام المنعكسة فيها.
"المثاليون الذاتيون"، وعلى رأسهم الفيلسوف باركلي، لن يختلفوا معنا إلاَّ بدءاً من "النتيجة النهائية" لهذه العملية المادية؛ فهُم يُحوِّلون هذه "النتيجة"، أيْ الأحاسيس والمشاعر والأفكار، إلى "سبب"؛ فبدلاً من أنْ يقولوا إنَّ الأفكار هي نُتاج (نتيجة) هذه العملية المادية، بطرفيها، يقولون إنَّ هذه الأفكار هي السبب الذي يجعلنا نتوهم أنَّ ما يقابلها ويمثِّلها من مادة له وجود حقيقي؛ فأنتَ، مثلاً، إذا رأَيْتَ وردة حمراء، فهذه الوردة لا وجود لها إلاَّ في ذهنكَ ووعيكَ؛ ووجودها هذا ليس وجوداً مادياً، وإنَّما وجود ذهني فكري؛ فلا يُوْجَد، ولا يمكن أنْ يُوْجَد، في الذهن (أو الوعي) إلاَّ ما هو من جنسه.
يقول باركلي: نحن نصدِّق بوجود الأشياء؛ لأننا نراها ونلمسها؛ وحواسنا هي التي أعطتنا إياها؛ لكن حواسنا (إحساساتنا) هي فقط الأفكار الموجودة في أذهاننا. كل الأشياء موجودة في أذهاننا فقط؛ وإنَّه لخطأ فادح أنْ نظن أنَّ الكون والمادة موجودان في خارج أفكارنا.
وفي تبسيط أكثر أقول (شارِحاً مذهب باركلي): لا وجود إلاَّ لذهني (ووعيي) أنا؛ وإنَّ كل الأشياء والأجسام التي أظن أنَّها موجودة هي أشياء وأجسام لا وجود لها إلاَّ في ذهني، وعلى هيئة أفكار. أنا الآن أَكتب هذه المقالة. و"أنا" إنَّما تعني "ذهني (ووعيي). القلم والورق والمكتب ويدي وجسمي وكل ما حولي من أشياء وأجسام (تسمَّى مادة، أو العالَم الخارجي) إنَّما هي "أفكار" موجودة في ذهني فقط. وذهني (الخادِع) يُوْهمني أنَّ كل هذه الأشياء موجودة في خارجه؛ لكنها غير موجودة إلاَّ في داخله. حتى إدراكي أنَّ ذهني يخدعني هو أيضاً جزء من عمله ونشاطه!
إنَّ كل العالم، وكل التاريخ، وكل الأحداث، وكل الأشياء والظواهر؛ كل ما أراه وأسمعه وألمسه وأشمه وأذوقه، لا وجود له إلاَّ على شكل أفكار وأحاسيس في داخل ذهني (وعيي) الذي لا وجود لغيره؛ فهو الواحد الأحد.
الله نفسه هو فكرة موجودة في ذهني، ولا وجود له في خارجه، أو في استقلال عنه. الأنبياء والرُّسل والأديان والعقائد؛ موسى وعيسى ومحمد، التوراة والإنجيل والقرآن؛ ماركس وهيجل وداروين؛ الولايات المتحدة ورئيسها أوباما؛ هبوط الإنسان على سطح القمر؛ نظرية "الانفجار الكبير"؛ إنَّ كل ذلك، وغيره، لا يعدو كونه أفكاراً في ذهني. إنَّها أفكار تَظْهَر وتختفي، تتغيَّر وتتطوَّر، تتعاقب وتتفرَّع؛ فالعالَم كله ليس سوى لعبة ذهنية؛ لعبة خداع، يخدع فيه الذهن نفسه، ويُدْرِك، في الوقت نفسه، أنَّه يخدع نفسه!
و"أنا (الذي لا شريك لي)" لستُ سوى ذهني ووعيي؛ لستُ سوى الإحساسات المختلفة، والتي يُوْهمني ذهني أنَّها متأتية من حواسي الخمس؛ فهذه الحواس (مع دماغي، ومع سائر جسمي) لا وجود لها إلاَّ في داخل ذهني، وعلى شكل أفكار.
هل رأيتم الآن النتيجة النهائية لسعيهم إلى نفي مادية العالم، وإلى تحطيم "مادية" المادة؟!
"الإحساس (أو الأحاسيس، أو الإحساسات)"، بأعضائه (مصادِرِه، قواه) الخمسة، هو أصل، ومنبع، "المعرفة (العقلية)"، بأشكالها وصورها كافَّة؛ فليس من "فِكْرَة" في رأس الإنسان إلاَّ ولها أصلٌ، وجِذْر، ومنبع، أو عناصر، في أحاسيسه، أو في معطياته الحِسِّيَّة (أيْ ما تعطيه إيَّاه الحواس الخمس، أو إحداها، من أحاسيس).
بحاسة البصر، مثلاً، تُدْرِك أنَّ "هذا" الشيء هو "شجرة برتقال" أو "شجرة تفاح" أو "شجرة زيتون"..
وبها تُدْرِك شجرة البرتقال "هذه"، أيْ "فَرْداً" من شجر البرتقال؛ وهذا "الفَرْد" كـ "البصمة"، لجهة كونه شيئاً "لا مثيل (لا نظير) له".
لكنَّ "الشجرة العامَّة (الشجرة على وجه العموم)"، أو الشجرة، مفهوماً، فكرةً، تعريفاً، لا يمكن إدراكها بالحاسَّة نفسها (حاسَّة البصر) ولا بغيرها من الحواس الخمس. إنَّها تُدْرَك، فحسب، بـ "عَيْن العقل"، ومن طريق "التجريد (الفكري)"؛ فبفضل المُكْتَشَف من السمات والخواص المشترَكة بين الشجر جميعاً نتوصَّل إلى "مفهوم (فكرة، تعريف)" الشجرة، أو إلى "الشجرة العامَّة".
"الفَرْد" من الأشياء، أو "الشيء بعينه"، هو وحده الذي نُدْرِكه، أو يمكننا إدراكه، حسِّيَّاً؛ فهذا الإنسان الذي اسمه "زَيْد.."، والذي..، والذي..، هو، مثلاً، "إنسانٌ بعينه"، نُدْرِكه حسِّيَّاً؛ أمَّا "الإنسان العام" فلا وجود له "في الواقع الحيِّ".
لكنَّ "الفَرْد" من الأشياء لا يوجد، ولا يمكن أنْ يوجد، إلاَّ بصفة كونه "جزءاً من كل"، أو "فَرْداً من جنس (أو نوع)"؛ وهذه "الصلة الحتمية" نتوصَّل إليها، ونكتشفها، من طريق "التجريد (الفكري)"، الذي يضرب جذورها عميقاً في "المعطيات الحسِّيَّة".
و"التجريد" كمثل "الهَرَم المقلوب"، نَصْعَد فيه (أو نرتقي) من "القمة" إلى "القاعدة"؛ فـ "هذه" الشجرة التي أراها الآن هي شجرة برتقال؛ إنَّها "فَرْد" من "جنس (من الشجر)"، هو "شجر البرتقال".
في "التجريد (الفكري)"، الصاعِد من "القمة" إلى "القاعدة"، نقول إنَّها "شجرة برتقال"؛ ثمَّ نقول إنَّها "شجرة"؛ ثمَّ نقول إنَّها "نبات"؛ ثمَّ نقول إنَّها "كائن حي"؛ ثمَّ نقول إنَّها "جسم"؛ ثمَّ نقول إنَّها "مادة".
ومن طريق "التجريد"، نتوصَّل إلى "التعريف"؛ فنُعَرِّف "الإنسان"، مثلاً، على أنَّه "حيوان ناطق.."؛ فلتتأمَّلوا (فلسفياً) هذا "التعريف".
إنَّ قوام "التعريف" هو "ضدَّان متَّحِدان اتِّحاداً لا انفصام فيه"؛ وهما: "التماثُل" و"الاختلاف".
"التماثُل"، في هذا المثال، نراه في كلمة "حيوان"؛ و"الاختلاف" نراه في كلمة "ناطق"؛ فـ "الإنسان"، تعريفاً، أو في تعريف ما، هو "حيوان"، يشتَرِك، ولا بدَّ له من أنْ يشتَرِك، مع سائر أنواع الحيوان، في صفات وسمات وخواص، نبتني منها جميعاً مفهوم "الحيوان (العام)".
لكنَّ هذا الحيوان، أيْ الإنسان، يختلف، ولا بدَّ له من أنْ يختلف، عن سائر أنواع الحيوان في كونه "ناطقاً"، أيْ "يُفكِّر تفكيراً منطقياً"؛ و"الفكرة" تَظْهَر في رأسه، وتُنْقَل إلى خارج رأسه، وهي في "غلافٍ ماديٍّ"، هو "الكلام المنطوق (ثمَّ المكتوب)".
وليس من "تعريف" لأيِّ شيء إلاَّ ويُمثِّل هذا الاتِّحاد الذي لا انفصام فيه بين "التماثُل" و"الاختلاف"؛ فكل إنسان يجب أنْ يكون حيواناً (ناطقاً) لكن ليس كل حيوان يجب أنْ يكون إنساناً.
قُلْنا لا وجود في "الواقع الحي" إلاَّ لـ "الفَرْد" من الأشياء، والذي يشبه "البصمة"؛ لكنَّ هذا "الفَرْد" من الأشياء لا يوجد، ولا يمكنه أنْ يوجد، في "الواقع الحي"، إلاَّ على هيئة، أو بصفة كونه، "سيرورة" Process.
إنَّ "نبات الشعير"، مثلاً، هو، في أصله"، "حَبَّة (من حبوب الشعير)"؛ لكنَّ هذه "الحَبَّة" لا يمكنها أنْ تكون "الشعير (أو نبات الشعير)" إلاَّ إذا كانت على "هيئة خاصة"؛ فهي أوَّلاً يجب أنْ تُزْرَع، ويجب، من ثمَّ، أنْ يُهيَّأ لها "أسباب نموٍّ"، كالحرارة والماء والرطوبة. إنَّها يجب أنْ تكون في تفاعُل مستمر مع "بيئة خاصة"؛ فإذا انْتُزِعَت من بيئتها، ومُنِعَت من التفاعُل مع أشياء خاصة، تكفُّ عن كونها "حبَّة تعطي نبتة، تعطي سنبلة (شعير)". وهذا إنَّما يعني أنَّ "الفَرْد" من الأشياء لا يكون، ولا يمكنه أنْ يكون، هو نفسه إلاَّ بصفة كونه "ابن بيئة خاصة"، يتفاعَل معها، ويتبادل التأثير، في استمرار. إنَّ "الفَرْد" من الأشياء، وبصفة كونه "سيرورة"، هو وحده الموجود في "الواقع الحي"، الذي ينتقل إلينا، من طريق الحواس الخمس، على هيئة "أحاسيس"، منها ننطلق في "التجريد (الفكري)"، فنتوصَّل إلى "المفاهيم".
والآن، لنَنْظُر بـ "عين جدلية" إلى "الإحساس"، الذي يأتي إلينا من طرق إحدى الحواس الخمس، ولنَسْأل "كيف يتولَّد الإحساس؟".
ضَعْ يدك في ماء بارد، فتحسُّ بـ "البرودة". لقد تولَّد لديك الآن إحساسٌ (بالبرودة).
يدك، نسبياً، أيْ نسبةً إلى هذا الماء، كانت "حارة"؛ فلو لم تكن حارة (نسبةً إلى هذا الماء) لَمَا أحْسَسْتَ بالبرودة.
أنْ تكون يدك حارة (مِنْ قَبْل) فهذا هو "نصف الجواب"؛ أمَّا "نصفه الآخر" فهو أنْ "تُنْفى (تُلْغى)" حرارة يدك؛ فـ "يدكَ الحارة، التي تتعرَّض حرارتها للنفي" هي سبب إحساسك بالبرودة.
"الواقع الموضوعي"، أيْ الواقع (المادي) الموجود في خارج الذِّهْن، وفي استقلال عنه، هو الذي، بتأثيره بأعضاء الحِسِّ فينا، يُولِّد لدينا أحاسيس مختلفة؛ وكل إحساس لا يتولَّد فينا إلاَّ ومعه نقيضه، أو ضديده؛ وإنَّ تناقُض الإحساس يَعْكِس تناقُض الواقع الموضوعي الذي ولَّده (فينا إذ أثَّر بحواسِّنا).
وصلة "الإحساس" بـ "المحسوس" إنَّما هي نفسها صلة "الوعي" بـ "المادة"؛ فأنتَ تحسُّ باللون الأخضر (مثلاً) إذا ما أثَّر ورق الشَّجَر بعينك، التي هي عضو (مادي) من وظائفه الإحساس باللون؛ و"المحسوس"، في هذا المثال، هو "ورق الشَّجَر".
"إحساسك باللون الأخضر" إنَّما هو كـ "الفكرة"، "صورة ذهنية"؛ و"الصورة الذهنية" تُوْجَد في "الذِّهْن (أو الوعي)" فحسب؛ فهي لا توجد في خارجه، ولا توجد مستقلةً عنه؛ أمَّا "المحسوس"، أيْ "ورق الشَّجَر"، في مثالنا، فهو "مادة"، أيْ "واقع موضوعي". إنَّه "واقع موضوعي"؛ لأنَّ "ورق الشَّجَر" موجود في خارج ذهنكَ، وفي استقلال عنه. إنَّه مستقل عنه في وجوده، وفي تطوُّره؛ وهذا لا يتعارض مع "تأثُّر ورق الشَّجَر بقوَّة ما من قواك المادية"؛ فأنتَ، مثلاً، يمكنك أنْ تخدش بظفركَ إحدى أوراق الشَّجَر؛ وهذا "تغيير" تأتَّى من تفاعُل "الذَّات" مع "الموضوع".
إنَّ "الحِسَّ (أو الإحساس)" هو ثمرة التفاعُل بين شيئين هما "الحاس"، أيْ عضو الإحساس، والذي هو "مادة"، و"المحسوس"، والذي هو "مادة" أيضاً؛ لكنَّ هذه "الثمرة" ليست، لجهة ماهيتها، بـ "مادة".
"الإحساس"، والذي منه تنشأ وتُوْلَد "الأفكار" و"المفاهيم"..، إنَّما "يَعْكِس" الواقع (المادي) الموضوعي المتناقِض بطبيعته. وهذا "العَكْس" هو "صورة (حسِّيَّة، ذهنية)" لا تَظْهَر، ولا يمكنها أنْ تَظْهَر، إلاَّ في "مرآة خاصة" هي مِنْ مادة؛ وهذه "المادة" قوامها "الدماغ" و"أعضاء الحس الخمسة" و"الأعصاب".
تأمَّل صورة شيء أو جسم ما في المرآة العادية. افْتَرِضْ أنَّ الصورة التي تراها في المرآة هي صورة شجرة برتقال.
إنَّكَ لا تحتاج إلى تأمُّل طويل وعميق لتُدْرِك أنَّ وجود صورة شجرة البرتقال في المرآة لا يعني، ويجب ألاَّ يعني، أنَّ شجرة البرتقال نفسها موجودة في هذه المرآة؛ فهذه الشجرة ما كان لصورتها أنْ تَظْهَر في المرآة لو لم تكن هي نفسها موجودة في خارج المرآة، ومستقلةً في وجودها وتغيُّرها عن المرآة؛ كما أنَّك لا تحتاج إلى مثل هذا التأمُّل لتُدْرِك أنَّ المرآة لا تُريكَ، ولا يمكنها أنْ تُريكَ، إلاَّ ما "تراهُ" هي؛ فلا صورة فيها لجسم ليس في متناوَل "عينها"؛ وتلك "المرآة الخاصة"، أو دماغ الإنسان، لا صورة (ذهنية) فيها إلاَّ لجسمٍ يقع في مدى مداركها الحسِّيَّة؛ فالمستحيل بعينه أنْ تَعْثُر في رأس الإنسان على "فكرة" لا وجود لها، ولو على هيئة عناصر ومكوِّنات، في الواقع (المادي) الموضوعي. حتى الفكرة المتطرفة في خياليتها، أو في بُعْدها عن الواقع، وتعارُضِها معه، يجب أنْ تُبْنى من "حجارة موجودة في الواقع الموضوعي".
إنَّ كل "إحساس" يتولَّد فيك يجب أنْ يُفْهَم ويُفَسَّر على أنَّه انعكاس لـ "تناقُض واقعي موضوعي"؛ وإنَّ لحظة تغلُّب أحد طرفيِّ تناقُض (واقعي موضوعي) ما على الآخر هي عينها لحظة ولادة إحساسٍ ما؛ وينبغي لكَ أنْ تَفْهَم بنيتكَ الجسدية على أنَّها جزء من "الواقع (المادي) الموضوعي"؛ فهذا الواقع إنَّما يشمل كل ما هو موجود في خارج ذهنك، وفي استقلال عنه؛ وليس أدل على ذلك من "عملية الهضم"؛ فهذه العملية تَحْكُمها وتُنَظِّمها "قوانين (مادية) موضوعية"؛ وهذه القوانين لا يتأثَّر وجودها وعملها بجهلكَ بها، أو بمعرفتك لها؛ فما أكثر القوانين (المادية) الموضوعية التي تؤثِّر فينا، وفي حياتنا بأوجهها كافة، ولم نكتشفها، أو ندركها، بَعْد!
الدماغ البشري (الحي) هو مستودع "الصور الذهنية" جميعاً، وعلى اختلافها. وفي هذا المستودع الكبير تُوْجَد "الذاكرة"، ويُوْجَد معها دائما ما يشبه "الممحاة"، التي تمحو كلِّياً، أو جزئياً، تفاصيل كثير من تلك الصور. و"المحو" ليس "مُطْلَقاً"، فكم من صور ذهنية خَرَجَت من "الذاكرة" ثمَّ عادت إليها بقوَّة تسمَّى "تداعي المعاني".
و"الصورة الذهنية"، وبحسب المعنى الكامن في تسميتها، ليست بـ "مادة".. ليست بشيء يُمْكننا لمسه مثلا. إنَّها "فكرة"، وليس من فكرة تنتمي، في طبيعتها، وماهيتها، إلى "المادة"، وإنْ كان "مُنْتِجُها"، أي الدماغ البشري الحي، مادة لا شكَّ في ماديتها. وهو لا يُنْتِجها بمعنى "يُفْرِزها". إنَّه يُنْتِجها بمعنى أنَّها تَظْهَر فيه (وعلى سبيل التشبيه ليس إلا) كما يَظْهَر وجهكَ في مرآة. إنَّ وجهكَ الظاهر في المرأة لا يُوْجَد فعلا وحقيقة في داخل المرآة. إنَّه يُوْجَد فحسب في خارجها؛ وكل تغيير يطرأ عليه ينعكس فوراً في المرآة.
و"حواس الإنسان الخمس" هي "نوافذ الدماغ"، فشجرة التفاح هذه تؤثِّر (تأثيرا ضوئياً) في عينيَّ، فأراها، فإذا ما أغمضتُ عينيَّ، بعد ذلك، فإنَّني أستطيع أن "أرى" صورتها الذهنية (في دماغي).
وهذا "التأثير عن بُعْد" ينبغي لنا أن نفهمه فهما مادياً، فثمَّة "مادة" هي الضوء المنبعث من تلك الشجرة، انتقلت (عبر الفراغ) إلى عينيَّ، فدماغي، فأنْتَجت، من ثمَّ، تلك الصورة الذهنية، التي لا يمكنها أن تؤثِّر أقل تأثير في الشجرة نفسها.
إنَّ شجرة التفاح تلك، ولجهة صلتها بوعيي، تُوْجَد في خارج وعيي، وفي استقلال تام عنه؛ وكل تغيير يطرأ عليها لا بدَّ له من أنْ يُتَرْجَم بتغيير في صورتها الذهنية.
وبـ "الخيال" ننشئ صوراً ذهنية ليس لها من أصول في العالَم المادي؛ ولكنَّ "عناصرها" لها وجود فيه، فصورة "نهر من ذهب" ليس لها من أصل في العالَم المادي؛ لأنْ لا وجود فيه لنهرٍ من ذهب؛ ولكن يُوْجَد فيه "النهر" و"الذهب"؛ وأنا أستطيع بقوَّة "الخيال" إنشاء صورة "نهرٍ من ذهب".
و"الصورة الذهنية" لها "تاريخ"، مثلها مثل أي شيء في الواقع، أو العالَم المادي. لها ماض، ولها حاضر، ولها مستقبل. وليس من معنى لـ "تاريخيتها" إذا لم تختلف وتتغيَّر عَبْر الزمن، فهي في مستقبلها يجب أن تختلف عمَّا هي عليه في حاضرها؛ وفي حاضرها يجب أن تختلف عمَّا كانت عليه في ماضيها؛ لأنَّ أصلها المادي في تغيُّر دائم.
أين "الخرافة" في صورة "نهر من ذهب"؟
إنَّها ليست في العناصر والمكوِّنات؛ وإنَّما في "التركيب"، فليس من خرافة ليست بـ "واقعية"، و"مادية"، في عناصرها ومكوِّناتها، فهل لكَ أن تعطيني "صورة ذهنية"، فكرة ما، لا تتألَّف، مهما كانت خرافية وغير واقعية، من عناصر واقعية ومادية؟!
إنَّ كل عقائد البشر لا يمكن أن تَظْهَر في رؤوسهم إلا بوصفها "صوراً ذهنية"، لها أصول في العالَم المادي، أو لها عناصر فيه. وليس من عقيدة يمكنها أن تشذ عن هذا القانون، ولو كانت دينية سماوية.
إنَّكَ تستطيع بقوَّة "الخيال" أن تتصوَّر كائنا (هو الله، أو "خالِق الكون") ليس كمثله شيء في الواقع أو العالَم المادي؛ ولكن يكفي أن تقوم بتفصيل وتحليل صورته الذهنية حتى ترى أنَّ كل العناصر التي يتألَّف منها هذا الكائن، لها، ويجب أن يكون لها، وجود في الواقع أو العالَم المادي.
و"العالَم الميتافيزيقي (أو "الآخرة")"، أي العالَم الذي يقولون بوجوده في خارج العالَم المادي، وفي استقلال تام عنه، إنَّما يشبه صورة "نهرٍ من ذهب"، أي أنَّ كل مكوِّناته وعناصره تنتمي إلى العالم المادي، فهل من شيء في "الدار الآخرة" لا وجود له، أو لعناصره، في "الحياة الدنيا"، أو "الدار الفانية"؟!
في رؤوسنا أفكار ميتافيزيقية كثيرة؛ ولكن هل تأتوني بفكرة منها غير مُرَكَّبة من عناصر لها وجود في العالَم المادي؟!
وهل في مقدور أي إنسان، ومهما بلغت قوَّة خياله، وقدرته على التجريد، أن يتصوَّر، أو أن يُصوِّر، في وعيه شيئاً، أو كائناً، لا يتركَّب من عناصر لها وجود في العالَم المادي؟!
إذا أنتَ غَيَّرْتَ (بالخيال) الصورة الذهنية لشجرة التُّفاح، والموجودة في وعيكَ، فإنَّ هذا التغيير لن يؤثِّر أبداً بالشجرة نفسها؛ لكنَّ تَغيُّر الشجرة نفسها يمكن ويجب أنْ يُغيِّر صورتها الذهنية التي في رأسكَ.
"الشجرة نفسها" هي، بلغة الفلسفة، "الموضوع"؛ و"صورتها الذهنية" هي "الذَّات"؛ فكيف يمكننا، وينبغي لنا، أنْ نَفْهَم مادياً الصِّلة بين "الموضوع" و"الذَّات"؟
"الشجرة الواقعية" هي "الأصل"، وهي "الأقدم وجوداً" من "صورتها الذهنية"؛ وإنَّها موجودة "في خارج" الوعي، وفي "استقلال عنه"؛ و"صورتها الذهنية"، مهما كانت دقيقة ومُفصَّلة، فإنَّها لا تشتمل، ولا يمكنها أبداً أنْ تشتمل، على كل تفاصيل الأصل (الظاهر منها وغير الظاهر).
الآنْ، تَمْلُكُ أنتَ في وعيكَ "صورة (ذهنية، مثالية) للشجرة"؛ فهل لكَ أنْ تؤثِّر تأثيراً واقعياً، مادياً، بالشجرة نفسها؟
في مثالٍ مشتق من المثال الأوَّل، نَفْتَرِض أنَّكَ أمْسَكْتَ ببلطة، وضَرَبْتَ بها الشجرة، حتى قَطَعْتَها.
كيف يَفْهَم "الإنسان المثالي (أيْ الذي يُفكِّر في طريقة مثالية لا مادية)" هذا الأمر؟
إنَّه يقول، في فَهْمِه له، "لقد أردتُ قَطْع الشجرة، فقُطِعَت"؛ فـ "الإرادة (وهي قوَّة مثالية) أوَّلاً، ومبتدأً".
لقد "فَكَّر" في الأمر، و"تخيَّله"؛ ثمَّ "أراده"؛ فـ "حَدَثَ هذا الحادث (أيْ قَطْع الشجرة)".
ومن ذلك يَسْتَنْتِج هذا "المثالي" أنَّ "الوعي (التفكير والفكرة والتخيُّل والإرادة..)" هو الأوَّل، والأسبق؛ وهو الذي يَخْلق "الواقع" و"الأشياء".
لو سألْتَه عن هذا المنزل المُشيَّد لأجابكَ على البديهة قائلاً إنَّ هذا المنزل، وقَبْل أنْ يُخْلَق، كان "فكرة" في رأس المهندس؛ والدليل على ذلك أنَّ المهندس "تصوَّره" أوَّلاً، أيْ قبل أنْ يغدو واقعاً.
وبعد "التصوُّر"، جاءت "الإرادة"؛ فـ "خالِق" المنزل يجب أنْ "يريد" خَلْقه أوَّلاً.
ومن هذا الخلل في فَهْم الصِّلة بين "الموضوع" و"الذَّات"، "اكتشفوا" طريقة "خَلْق الكون"؛ فالكون قبل أنْ يُخْلَق، ويغدو واقعاً، كان "فكرة" في وعي كائن (غير بشري) هو الله؛ وهذا الكائن "أراد"، فكان له ما أراد، و"وُجِد الكون".
لنتوسَّع أكثر في "القصة"، قصة خَلْق منزلٍ.
افْتَرِض أنَّكَ "خَلَقْتَ" منزلاً من طين، وكُنْتَ الأوَّل في "خَلْقِه".
"فكرة" هذا المنزل وُجِدت أوَّلاً في رأسكَ، أيْ في وعيكَ؛ فأنتَ تصوَّرتَ، وتخيَّلْتَ، المنزل قبل وجوده.
لكنْ، من أين أتت هذه "الفكرة" إلى رأسك؟
وأين هو "أصلها" في الواقع الموضوعي؟
إنَّ "المغارة (أو الكهف)"، أو ما يشبهها من الأشياء الموجودة في الواقع، هي "الأصل" و"المَصْدَر"؛ فـ "المغارة" هي التي أنْتَجَت في رأسكَ، أو في وعيكَ، أوَّل، وأقدم، "صورة ذهنية للمنزل".
وها أنتَ الآن "تريد" "خَلْق" هذا المنزل، متوهِّماً أنَّ "إرادتكَ" هي التي لولاها لَمَا وُجِد هذا الشيء، المسمَّى "منزلاً"؛ وهذا وَهْمٌ مُتَفَرِّع من وَهْمٍ أكبر هو الكامِن في القول "كل شيءٍ رَهْنُ إرادة الإنسان".
أمْعِن النَّظر قليلاً في "إرادتك (الحُرَّة)" هذه، فماذا تَجِد؟
أوَّلاً، ثمَّة "ما دَفَعَك إلى" التفكير في بناء المنزل؛ وهذا "الدافِع (أو الحافِز)"، الذي ربَّما لا تعيه، هو "دافع موضوعي"، من طبيعة مادية صَرْف؛ فالمنزل إنَّما تبتنيه اتِّقاءً لشرِّ البَرْد أو الحَرِّ..
وهذه "الأسباب"، أيْ الأشياء التي تريد اتِّقاء شَرِّها، والتي تَظْهَر في رأسكَ على شكل "دوافع"، ليست وليدة إرادتك، ولم تُوْجَد لرغبتكَ في وجودها، وما كان لها أنْ تَظْهَر في رأسكَ على شكل "دوافع" لو لم تكن أنتَ من طبيعة تَجْعَلَك تتأثَّر (على هذا النحو) بالبَرْد والحَرِّ..
لقد أردتَ "خَلْق" منزلٍ من "الطين"؛ فَلِمَ لم تُرِدْ (لو كنتَ موجوداً قبل آلاف السنين) خلقه من "إسْمَنْت مسلَّح"، أيْ من إسْمَنْت تتخلَّله قضبان من الحديد، أو شِباك معدنية؟
لأنَّ الحديد وقضبانه لم يكن جزءاً من "بيئتكَ الاصطناعية"، أيْ البيئة التي خلقها البشر بالعمل، أو من خلال تفاعلهم المادي مع البيئة الطبيعية.
إنَّه لأمْرٌ ليس بذي أهمية أنْ تقول إنَّ "الإرادة" تسبق "الفعل (والعمل)"؛ ولقد أوضحنا كيف، وبأيِّ معنى، يكون هذا السَّبْق.
"محتوى الإرادة"، لا "الإرادة نفسها"، هو الأمر الذي ينبغي له أنْ يستأثر باهتمامنا؛ فإنَّ "المحتوى الواقعي للإرادة"، أيْ "محتوى ما يريد الإنسان فعله"، يختلف باختلاف "الدوافع" و"الحوافز"، والتي فيها تَكْمن "الأسباب التاريخية (المادية الموضوعية)".
أُنْظُرْ في داخل رأسكَ، فترى أفكاراً وقيماً معيَّنة؛ فلماذا تملك هذه الأفكار والقيم من دون سواها؟
إنَّ لـ "الفكرة (الفلسفية أو الدينية أو السياسية..)" زمان ومكان ولادة؛ وعليكَ، من ثمَّ، أنْ تسأل "لماذا ظهرت هذه الفكرة الآن، وفي هذا المكان؟"؛ و"لماذا لم تظهر من قبل، أو في مكان آخر؟".
وعليكَ أنْ تسأل أيضاً "لماذا هذه الفكرة مفهومة ومقبولة الآن؟"؛ "لماذا سادت وانتشرت الآن؟"؛ "لماذا أصغى الناس إليها، وتجاوبوا معها، الآن؟".
إنَّ ثمَّة زمناً تُخْلَق فيه فكرة ما، وتلقى قبولاً؛ فالفكرة الصالحة لكل الأزمنة، ولكل الأمكنة، إنَّما هي فكرة لا تَصْلُح لأيِّ زمان، ولا لأيِّ مكان.
أنْظُرْ في "فكرة الرأسمالية (مثلاً)"، وفي "الأفكار الرأسمالية (أكانت اقتصادية أم سياسية)"؛ ثمَّ اسْألْ نفسكَ السؤال الآتي: "هل فكرة الرأسمالية، أو الأفكار الرأسمالية، هي التي خلقت الرأسمالية أمْ أنَّ الواقع الرأسمالي هو الذي خلق تلك الفكرة الرأسمالية، وهذه الأفكار؟".
إنَّ كل فكرة خلقها واقع؛ فابْحَثْ عنه، وجِدْهُ.
قُلْ لي ما هي "مصالحكَ وحاجاتكَ الواقعية الحقيقية الأساسية" حتى أتوقَّع وجهة نظركَ في أمْرٍ ما، وموقفكَ منه، وكيف تفهمه وتراه؛ ونحن نرى، وإنْ على وجه العموم، لا على وجه الإطلاق، أنَّ "طريقة التفكير"، و"الأفكار"، في شأنٍ، أو شيءٍ، ما تختلف بين الفقراء والأغنياء، بين ساكني الأكواخ وساكني القصور.
إنَّه بَذَخٌ ما بعده بَذَخ أنْ يتناول هذا الفقير الطعام في هذا المطعم؛ وهذا بَذَخٌ من وجهة نظره هو؛ وإنَّها لمأساة ما بعدها مأساة، ومذلَّةٌ ما بعدها مذلَّة، أنْ يتناول هذا الذي كان غنياً الطعام في المطعم نفسه؛ وهذا الشعور هو شعور غنيٍّ اضطَّره سوء حاله الاقتصادية إلى التقشُّف.
أُنْظُرْ إلى "الشيء نفسه"، وانظُرْ، في الوقت نفسه، إلى وجهتي نظر الغني والفقير فيه، فَتَقِف، عندئذٍ، على "السبب المادي" لهذا "الوعي"، ولهذا الاختلاف في الوعي.
البشر لا يختلفون، مجتمعاً وتاريخاً وحضارةً، في الشيء الذي يُنْتِجون؛ وإنَّما في "طريقة (أو كيفية) إنتاجهم له"؛ ففي كل العصور والأزمان والمجتمعات والحضارات أنتج البشر القمح مثلاً؛ ولكنَّ طريقة إنتاجهم له هي التي باختلافها جعلتهم يختلفون، مجتمعاً وتاريخاً وحضارةً.
من قبل، كان في مقدوركَ أنْ تُنْتِج شيئاً ما بأدوات تستطيع استعمالها بنفسك؛ فاتَّسم عملك بالطابع الفردي الشخصي؛ وكانت "المِلْكية الفردية الشخصية" لأدوات العمل، ونتاجه، هي شكل التملُّك الموافِق لهذه الأدوات.
الشيء، أو المنتوج، نفسه يُنْتَج الآن بجملة من الأدوات والآلات التي تُسمَّى مجتمعةً "المصنع"؛ فـ "المصنع" هو الآن أداة إنتاج الشيء نفسه، أيْ الشيء الذي كان يُنْتِجه، من قبل، شخص واحد؛ وإنَّ إنتاج الشيء نفسه في "المصنع"، أو به، هو الذي جعل هذا العمل يتَّسِم بـ "الطابع الجماعي".
ومن هذا المثال يثور السؤال الآتي: هل "إرادة" الإنسان، أو "رغبته في (أو رغبته عن)"، هي السبب في هذا الاختلاف؟
إنَّ أسوأ تفسير هو الذي يتضمَّنه قولٌ من قبيل "أراد الإنسان لعمله أنْ يكون فردي الطابع، فكان؛ ثمَّ أراد له أنْ يكون جماعي الطابع، فكان".
من قبل، كان أسرى الحرب يُقْتَلون؛ ثمَّ، وعلى ما يَزْعُم المؤرِّخون المثاليون، "تحسَّنت أخلاق" البشر، فكَفُّوا عن قتل الأسرى، وأخذوا يُشغِّلونهم في الزراعة مثلاً.
لقد فسَّروا هذا الاختلاف في الموقف من أسير الحرب تفسيراً مثالياً إذ أرجعوه إلى "سبب أخلاقي"؛ وكان "السبب الحقيقي" هو "الفائض الغذائي"؛ فبفضل تَحسُّن أدوات الإنتاج (لا أخلاق البشر) أصبح ممكناً أنْ يُنْتِج المزارِع ما يفيض، ولو قليلاً، عمَّا يَلْزَم لتلبية حاجته هو إلى الطعام.
ومع ظهور وتنامي هذا "الفائض" الغذائي أصبح أسير الحرب مُجْدياً اقتصادياً، وأصبحت الحرب نفسها، من ثمَّ، مُجْدية اقتصادياً.
بدايةً، خضع الإنسان خضوعاً تاماً لوسطه الطبيعي، أو بيئته الطبيعية؛ وبفضل "أدوات العمل" تفاعل الإنسان مع بيئته الطبيعية بما أفضى إلى نشوء (وتطوُّر) بيئته الاصطناعية، التي بفضلها أصبح تطوُّر الإنسان نفسه مستقلا (استقلالاً متزايداً) عن بيئته الطبيعية.
إنَّ وسط الإنسان الآن بعضه من الطبيعة، وبعضه مِمَّا أنْتَج وطوَّر من أشياء من طريق تفاعله (بأدوات ووسائل اخترعها وطوَّرها) مع الطبيعة.
الإنسان لا بدَّ له أوَّلاً من أنْ يتأثَّر بالوسط الطبيعي والاجتماعي؛ ولا بدَّ له، من ثمَّ، من أنْ يتوفَّر على تغيير هذا الوسط، فإذا غيَّره تغيَّر هو؛ فالإنسان يشرع يتغيَّر بالوسط الذي غيَّره من قبل.
و"البيئة الاصطناعية" التي يعيش فيها البشر هي التي بتبدُّلها وتطوُّرها نَقِف على عِلَّة التطوُّر الاجتماعي بأوجهه كافة؛ ولا ريب في أنَّ صلة، وخواص صلة، البشر بأدوات ووسائل العمل والإنتاج، وبنتاج العمل، هي التي فيها يكمن السبب التاريخي الأهم لتطورهم الاجتماعي، ولخواصه الجوهرية.
هل فكَّرتَ يوماً في أنْ تسأل نفسك السؤال الآتي: لماذا المرء يفشل في توقُّعه، أو يُصيب؟
لو تَعَمَّقْتَ في إجابتكَ لتوصَّلْت إلى أنْ السبب يكمن في "عدم توافُق" توقُّعكَ، أو في توافُقِه، مع "القوانين الموضوعية"، والتي هي قوانين لا تملكها، لا تخلقها، لا تُغيِّرها، لا تُعَدِّلها، ولا تقضي عليها؛ إنَّها قوانين تتحدَّاك أنْ تعرفها، وتعيها، وتكتشفها، وأنْ "تديرها"، أيْ أنْ تستخدمها بما يلبِّي لك حاجة، أو يُحقِّق لكَ هدفاً؛ وإنَّها قوانين تَدْعوكَ إلى أنْ تهيئ لها من الظروف البيئية ما يؤثِّر في عملها، إيجاباً أو سلباً، إسراعاً أو إبطاءً.
وبفضل وعي القوانين الموضوعية يمكننا التنبؤ (التوقُّع) والعمل (تغيير العالَم).
و"النجاح"، أو "الفشل"، في سعينا، وتوقُّعنا، إنَّما هو بحدِّ ذاته خير دليل على "موضوعية" واقعنا (الاجتماعي، والتاريخي، والطبيعي).
إنَّ "الواقع الموضوعي"، ومن غير أنْ نعي، يؤثِّر فينا، في عقولنا وأذهاننا؛ وهو في هذا إنَّما يشبه "عملية هضم الطعام"؛ فهضم الطعام في الجهاز الهضمي للإنسان هو عملية، لها قوانينها، التي هي، في وجودها وعملها، مستقلة عن وعي المرء لها؛ إنَّها، أي قوانين عملية الهضم، موجود قبل أنْ تعيها وتكتشفها؛ وتعمل في استمرار ولو لم تَعِها، ولم تكتشفها.
وينبغي لك وعيها واكتشافها إذا ما أردت استخدامها بما يعود عليك بالنفع والفائدة.
إذا أرَدْنا "النجاح" فلا بدَّ لنا من أنْ "نختار"، و"نقرِّر"، و"نريد"، بما يتَّفِق مع "الواقع الموضوعي"؛ ولن نحصل على أكثر مما يسمح لنا هذا الواقع بالحصول عليه.
وعندما "نفشل" ندرك، أيْ يجب أنْ ندرك، أنَّ السبب يكمن في تَعارُض ما اخترنا، وقرَّرنا، وأردنا، مع "الواقع الموضوعي".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اشكروا الله ان جعل لنا فرقانا
ابراهيم الثلجي ( 2014 / 1 / 12 - 13:26 )
تساق الامثلة للدلالة والاختصار
فلو كان الانسان حيوانا لماذا تطور والقط والفهد بالوانه بالرغم من انه اقوى ولديه قدرة على المناورة اكثر بقي كما هو
مثلا احدث نسخة ويندوز تعمل بنظام وحيز عمل لا تطوره انت وبقي مجال تطويره بيد اطقم المخترع بل غيتس
بينما نظام لينوكس تطوره انت وتنظمه انت بالرغم ان قاعدته ليست من ابداعك ونهاية التطوير بالنسبة لك بدايته لوريثك وهكذا نستمر بنقطة ابتدائية الة نهاية مرحلة لا تتكرر بل وننطلق منها الى الامام
الحيوان نظامه فطري ومبرمج لذلك يتكرر ولا يتطور
والانسان ابتدأ بالفطري ويطور نظامه بنفسه لتلبية حاجاته
واعطاه خالقه الفرقان ليميز بسرعة ويصل من اول نقرة كما يقال ولا يضل او يتوه
كالمسافر للاسكندرية او بغداد مثلا
احدهم يلحق بالاشارات الارشادية
والاخر لا يثق بها ولا يعتقد الا بالتجربة على قاعدة ان الصحيح اثبات ان كل الخيارات الاخرى خطا
قال علماء الاشتراكية ولم يعارضهم منظري الراسمالية بان عمر النظام مقارب لعمر الانسان
لذلك كل 60 عاما يجب اعادة البناء،اذن السبب الوصول لطريق مسدود
وقال علماء الرسمالية ان بشيخوخة كل دورة يحدث كسادا فصراعا يستوجب حربا عالمية


2 - اكثر ما يثير تساؤلاتي
بشارة ( 2014 / 1 / 12 - 16:14 )
هو قناعة الماديين- الا شيء موجود خارج المحسوسات- هي حقيقة علمية بينما في الحقيقة هو ايمان وليس علم ولا يمكن اثباته او نفيه علميا ,تماما مثل الايمان بالماوراءيات
انا شخصيا لا اعتقد ان ترتيب ذرات من عناصر مختلفة يمكن ان ينتج الوعي والوجدان بينما من الممكن ايجاد ذاكرة وقد قلدت التكنولوجيا الذاكرة البيولوجية بالذاكرة السليكاتية

انا لا اعتقد بان عقلا اسطناعيا سيعي ذاته مثلما انا اعي ذاتي وما حولي الان
من الممكن ان ((يقلد)) الوعي رغم تجربة تورينج التي تشكك في هذا المعتقد - اي الا وعي خارج الذات البشرية في الوجود المحسوس

تحياتي للكاتب


3 - فكرة مضطربة
نعيم إيليا ( 2014 / 1 / 12 - 20:18 )
((و-الصورة الذهنية-، وبحسب المعنى الكامن في تسميتها، ليست بـ -مادة-.. ليست بشيء يُمْكننا لمسه مثلا. إنَّها -فكرة-، وليس من فكرة تنتمي، في طبيعتها، وماهيتها، إلى -المادة-، وإنْ كان -مُنْتِجُها-، أي الدماغ البشري الحي، مادة لا شكَّ في ماديتها. وهو لا يُنْتِجها بمعنى -يُفْرِزها-. إنَّه يُنْتِجها بمعنى أنَّها تَظْهَر فيه (وعلى سبيل التشبيه ليس إلا) كما يَظْهَر وجهكَ في مرآة.)).

إذا لم تكن الصورة الذهنية مادة، فما هي؟
ولا يكفي هنا أن نقول إنها فكرة؛ لأن قولنا (فكرة) سيستدعي التساؤل: وما هذه الفكرة؟ ما طبيعتها؟ كيف لها ألا تكون مادة، ما دامت المادة هي التي أنتجتها؟
ثم ما الفرق بين الانتاج والفرز؟
وهل الانتاج حقاً بمعنى الظهور في الشيء (الانعكاس)؟
فإذا كان الظهور ههنا على سبيل التشبيه؛ أي تشبيهه بالمرآة، أفلا يكون التشبيه بالمرآة مبطلاً (للا مادية) الصورة الذهنية، على اعتبار أن الانعكاس أو الظهور في المرآة، عملية مادية فيزيائية بحتة؟
مع تحياتي وشكري


4 - اجمل تشبيه ممكن قرأته للعلاقة بين العقل والفكرة
بشارة ( 2014 / 1 / 12 - 21:48 )
استاذ نعيم , فعلا تشبيه قوي ويجيب على تساؤلات الماديين حول انعدام الفكرة بموت الدماغ - مثل انعدام الصورة المنعكسة بازالة المرآة
في تشبيه اخر في احد الاشرطة الوثائقية
يشبهون الدماغ بشاشة التلفاز وكل بيكسل يشبه الخلية العصبية فبإضاءة مجموعات معينة من البيكسلات تتكون صورة محددة بينما بعمل مجموعات خلايا عصبية تنتج فكرة محددة وهكذا,طبعا هذا الاخير هو تشبيه مادي يفترض ان الفكرة هي منتج ذاتي للدماغ

تحياتي


5 - تعليق1
عبد الله خلف ( 2014 / 1 / 12 - 22:32 )
1- نرجع و نقول : تمردك على الطبيعه و قوانينها أكبر دليل على أن الوعي لا علاقة له بهذه القوانين .
دماغُ الإنسانِ بما فيه من نشاطٍ عصبيٍّ لا يخطئُ ماديا بل يتبعُ كلَّ القوانينِ الفيزيائيةِ الصحيحةِ ولا يتمردْ على سُننِها , إذاً , لماذا يتمرد الإنسان على قوانين الطبيعه الماديّه؟... و لماذا يؤسس الأخلاق؟ .
إذا لم يكن للأخلاق وجود مادي في الجينات فباطلة هي كومة الفضائل في هذا العالم! .
إذا لم يكن للضمير تفاعل كيميائي يُفرزه – وهذا حتما مستحيل لأن الضمير يسير عكس المادة – فباطل هو الإستدلال به! .
إذا لم يكن الله موجود فالأخلاق غير موجودة أو قُل هي لغو فارغ! .
يا صاحبي أنت ملحد , إذن لست إنسان وإنما تأتي في قمة المملكة الحيوانية على أحسن تقدير , حدود الطبيعة المادية هي حدودك , لا يُعقل أن تتمرد على تلك الحدود المادية أو قوانين الطبيعة أو تلفظها أو حتى تفهم معنى التمرد عليها , هل الذرة تتمرد على خط سيرها المُقدر لها سلفا؟ .
إذن أنت في أحسن حالاتك تقودك المادية الحتمية والبيولوجية الداروينية والبقاء للأقوى والإنتخاب الطبيعي للأصلح .

يتبع


6 - تعليق2
عبد الله خلف ( 2014 / 1 / 12 - 22:32 )
هذه الطفلة التي تعيش بنصف دماغ و هي عادية جداً , لا تكاد تلاحظ عليها اي فروق عن البشر العاديين؟... راجع :
http://www.youtube.com/watch?v=2MKNsI5CWoU
2- هل الله فكره (كما يدّعي الماديين) أم حقيقه؟... :
الرد :
الحجة الكونية على وجود الخالق Fine-tuning & Cosmological constant :
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?52146-%C7%E1%CD%CC%C9-%C7%E1%DF%E6%E4%ED%C9-%DA%E1%EC-%E6%CC%E6%CF-%C7%E1%CE%C7%E1%DE-Fine-tuning-amp-Cosmological-constant
3- نتمنى الإجابه على هذه التساؤلات :
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?36445-تسعة-عشر-سؤال-أطرحها-أمام-كل-ملحد-فهل-مِن-مُجيب

تحياتي المخلصه


7 - تعليق
نور ساطع ( 2014 / 1 / 12 - 22:48 )

عبد الله خلف يقول : ( يا صاحبي أنت ملحد , إذن لست إنسان وإنما تأتي في قمة المملكة الحيوانية على أحسن تقدير
===========================================

نور يقول : ) هو انساني اكثر منك و من على شاكلتك

على الاقل هو ( الكاتب ) لا يؤيد قتل المرتد

و انما أنت بالذات تؤيد قتل المرتد .

الآن من هو انساني و من هو حيواني!؟

هل تستطيع أن تجاوب على سؤالي؟؟

: )


8 - الماديه هي الاخري تعجز عن الاجابه
عبد الله المهدي ( 2014 / 1 / 12 - 22:49 )
السؤال الهام الذي طرحه الكاتب لم يجب عليه
المتدينون يتصورون ماده عاطله بلاخواص وخواصها تاتيها من العقل الكلي
و الماده هي عين خواصها و التنظيم الداخلي للماده وان كان من خواصها الاصيله التي لاوجود للماده بدونها- لاينفي هذا ان ثمه عقل كلي مهيمن علي التنظيم -وهذه النقطه اثارها الكاتب ولكن تخطاها وافاض بتكرار لاداعي له في العلاقه بين الواقع الموضوعي والصوره الذهنيه
هل تستطيع القلسفه الماديه ان تفسر سر التجاذب الجنسي بين الذكر والانثي - الايبدو هذا الامر مرجحا لمبدا الغائيه الذي يرجح منطق العقل الكلي المهيمن علي الكون
قانون الوحده الماديه للكون لايقطع بالضروره بنفي العقل الكلي كمصدر للوجود بسبب غموض ماهيته(العقل الكلي) - الكاتب اسقط وعيه الذاتي لمفهوم العقل كجوهر غير مادي يستحيل ان ينتج ماده
ولكن المشكله هنا مشكله لغويه فمن الممكن ان نطلق مصطلحا اخر للدلاله علي هذا الجوهر وهنا لن يكون بالضروره جوهرا يمكن للوعي البشري مقاربته فهو لاماده ولاوعقل وبلغه الخطاب الديني ليس كمثله شئ
مفهوم الماده والوعي مفهوم خاص بالخبره الانسانيه واسقاطه علي جوهر خارج نطاق تلك الخبره يمثل خللا منطقيا
تحياتي


9 - شكرا للكاتب
عادل البحراني ( 2014 / 1 / 12 - 23:01 )
لقد قرأت المقال بتمعن وهو موضوع لا يمكن طرحه في العلن حتى مع منتقديه على الموقع فلو تقابل هؤلاء المنتقدين مع الكاتب وتعرفوا عليه لدعوا الى تطبيق القصاص فهم يدعون لدولة مدنية ولكن وفقا لمفهومهم الذي لا يرى تعارض مع الدولة الدينية ، الكاتب تناول نقاط مهمة في مقالته جذيرة بالأهتمام والوقوف أمامها والتمعن فيها : المادة والوعي ، نظرية الأنعكاس ، الضرورة والصدفة ، السبب والنتيجة والفكر وأستقلاليته وأنفصاله عن المادة . أنتم تدعون الى دولة مدنية بل تدَعون تبني دولة مدنية ديمقراطية لكن أنتم تأولونها وتفسرونها كما تأولون وتفسرون القرآن وهنا بيت القصيد ومن هنا ينطلق النضال من أجل دولة حقيقية مدنية ديمقراطية قائمة على أساس المواطنة لا غير والدين تحميه الدولة وتصونه، من يريد الذهاب الى المسجد أو المأتم أو الكنيسة فهو حر لكن عليه أن يمتثل لقوانين الدولة في الحرية والديمقراطية والعدالة الأجتماعية عليه أن يمتثل الى الدستور المدني ذلك الدستور الذي يضع حد جذري للطائفية التي تمزق الوطن وتشردمه وتجعله كيانات طائفية داخل دولة اسميَة ليس لها وجود حقيقي


10 - الماديه و الجنس
عبد الله المهدي ( 2014 / 1 / 13 - 06:18 )
الجنس كاليه لاستمرار وتجدد الحياه تعجز الماديه تماما عن ايجاد تفسير له خارج نطاق السؤال كيف ولكنها تخفق تماما في الرد علي السؤال لماذا


11 - الإله المتطور
قاسم ( 2014 / 1 / 13 - 06:38 )
من الطبيعي أن تثير أفكار أستاذنا جواد البشيتي الذعر عند أصحاب فكرة الوعي الإلهي .. تطور فكرة الإله تدل على بشريتها و تطور الفهم الديني يدل على بشريته .. قبل أقل من قرن كان العقل الديني في منطقتنا يرى في الرق أمرا طبيعيا و يثور و يتهم من يدعو لإلغاء الرق بالكفر ، أما اليوم فيجد تبريرات لا حد لها لإلغاء الرق باعتبار أن مقصود الدين الحرية (و هو ما لم يقل به سلفهم الصالح من النبي و صحابته الذين ماتوا و هم يمتلكون الرقيق و السراري و بعضهم كعبد الرحمن بن عوف مات عن مئات العبيد بل آلاف) فكرة أن يهتم إله ببضعة آلاف في مساحة ضيقة في فلسطين و يرسل لهم كل الرسل عدا محمد و صالح و هود ، و يختزل كل التاريخ الإنساني في مساحتهم و مساحة جيرانهم الذين يعرفونهم هي فكرة تبرهن على محدودية معارف الإله بمعارف من صنعوه ، فهو لا يعرف شيئا عن حضارة المايا بل و لا عن الأمريكتين و استراليا و لا أوربا و لا أجزاء كبيرة من آسيا و لم يسمع بأرض نهارها نصف عام و لا عن أرض كروية لا يمكن معها استقبال الكعبة ... لكل ذلك حق لأولئك أن يأتوا زرافات للدفاع عن الخرافة .. متعتنا يا أستاذ متعك العقل بالسعادة


12 - االجنس --الماديه والغائيه
عبد الله المهدي ( 2014 / 1 / 13 - 06:41 )
الجنس كاليه لاستمرار وتجدد الحياه تعجز الماديه تماما عن ايجاد تفسير له خارج نطاق السؤال كيف
ولكنها تخفق تماما في الرد علي السؤال لماذا
سوف تفسسر الماديه الامر تفسيراكيمائيا بالرجوع لفعل الهرمونات ولكن لماذا تحدث كيمياء الهرمونات هذا الاثر النفسي لدي البشر وغيرهم من الكائنات ئنائيه الحنس
الغريزه الجنسيه تتجه لاحداث اثر سواء قصده الكائن ام لم يقصده وهو استمرارالحياه
الكائن يندفع لتناول الطعام لتوليد الطاقه التي بدونها تتوقف الحياه وهنا الاثر الفسيولوجي المباشر يفسر سلوك الكائنات فلو توقفت عن تناول غذائها لاصبحت وظائفها الحيويه علي وشك التوقف ومن هنا تنتج من الاثار الفسيولوجيه الاخري التي تدفع الكائن دفعا للبحث عن الغذاء والتهامه
ولكن الجنس تداعياته مختلفه -- فعدم ممارسته لاينتج اثرا قسيولوجيا يهدد حياه الكائن ولكن الرغبه الجنسيه ورغم ذلك لاتنفك تلح عليه الحاحا تدفعه احيانا الي التورط في افعال لاتتفق ومنطق
المنظومه الاجتماعيه التي يمارس حياته داخلها
هل تستطيع الماديه تفيسير اصل الدافع الجنسي لدي الكائنات وتجلياته السلوكيه بابعد من التفسير الكيمائي الفسيولوجي الذي يدور داخل نطاق كيف


13 - الجنس ونظريه التطور
عبد الله المهدي ( 2014 / 1 / 13 - 07:45 )
سوف يلجا المنافحين عن الفلسفه الماديه الي نظريه التطور لتفسير الغريزه الجنسيه
فالكائنات التي المت بها طفرات عضويه انتجت تغيرات كيمائيه في طبيعه افرازات الغدد الصماء
قد زودت بامكانيات اكبر اكبر لمواجهه تقلبات الطبيعه
هذه التغيرات الكيمائيه احدثت اثرا يدفع للتجاذب نحو الطرف المقابل بالكائنات ثنائبه الجنس
الكائنات التي تعرضت لتلك الطفرات من هذا النوع كانت فرصتها اكبر للاستمرار والكائنات الاحري التم لم تتعرض لتلك الطفرات انقرضت مع تقلبات الطبيعه
وبمرور الوقت اصبحت الكائنات ذات الهرمونات الفاعله للدافع الجنسي هي السائده واصبح الدافع الجنسي مكون اساسي لوجودها العضوي
ولكن هذا التفسير لايقل صعوبه عن التفسير الغائي الديني
بل بالمزيد من التامل تجد التفسير الغائي قابعا في باطن التفسير المادي التطوري الدارويني


14 - السيد بشارة
جواد البشيتي ( 2014 / 1 / 13 - 10:42 )
السيد بشارة
مَنْ أَخَبَرَكَ أنَّ -المادي- لا يَعْتَقِد إلاَّ بوجود -المحسوس-، وأنَّه، من ثمَّ، ينكر وجود -اللامحسوس-، أيْ الوعي والفكر والشعور..؟!
-المادي- يقول بوجود -اللامحسوس-، أيضاً. إنَّه يقول بوجود -الوعي-، ويقول، أيضاً، بالطبيعة اللامادية للوعي؛ لكنه الوجود المستقل للوعي عن المادة؛ فالمادة تُوْجَد (وقد وُجِدَت) بلا وعي؛ لكن الوعي لا يمكنه أبداً أنْ يوجد بلا مادة (أيْ بلا العالم المادي الخارجي، وبلا الدماغ البشري). والوعي الموجود فحسب إنما هو -الوعي الإنساني-؛ وهذا الوعي هو مُخْتَرِع كل وعي آخر.
تقول إنَّكَ لا تقتنع بأنَّ ترتيب ذرات من عناصر مختلفة يمكن أنْ يُنْتِج الوعي؛ وأنا أشاطرك الاعتقاد نفسه؛ فالوعي ليس ظاهرة كيميائية، وإنْ استحال وجوده من دون كيمياء.
الوعي له أساسه البيولوجي؛ لكن لا وعي بلا لغة، ولا لغة بلا عمل اجتماعي، ولا عمل بلا الخصائص البيولوجية ليد الإنسان وقامته.
يتبع


15 - السيد بشارة
جواد البشيتي ( 2014 / 1 / 13 - 10:43 )
ومع ذلك، افْتَرِضْ أنَّك لا تعرف التركيب الكيميائي للماء، فجاء أحدهم وقال لك: هذا غاز أوكسجين، وذاك غاز هيدروجين؛ وكلاهما قابل للاشتعال. ثمَّ سألكَ: هل تعتقد أننا إذا مزجنا الغازين نحصل على مادة يمكنها إطفاء النار؟
قد يدهشك أنْ نحصل على مادة (هي الماء) في مقدورها إطفاء النار من مادتين (الأوكسجين والهيدروجين) قابلتين للاشتعال. إنها الدهشة نفسها ستصيبك إذا ما قالوا لكَ: لقد حصلنا على مادة حية من مادة غير حية، وأننا حصلنا على مادة في مقدورها أنْ تٌفكِّر من مجموعة ذرات وجزيئات دخلت في تكون مادة حية هي الدماغ.
لا تُدْهَش فالمركَّبات دائما لا تُرَد خصائصها الجوهرية إلى مكوناتها؛ فثمة هُوَّة نوعية تفصل بين المركَّب ومكوناته.


16 - السيد نعيم إبليا
جواد البشيتي ( 2014 / 1 / 13 - 11:08 )
السيد نعيم إبليا
نَعَم، -الصورة الذهنية-، أو -الفكرة-، ليست -مادة- في ماهيتها؛ فهل تريد أنْ نعتبرها -مادة-؟!
لو كانت -الفكرة- من ماهية -مادية-، لَمَا انشغلت الفلسفة والفلاسفة زمناً طويلاً بإجابة سؤال الفلسفة الأساسي، وهو: مَنْ وَلَّد مَنْ؟ الفكر يُولِّد المادة، أم المادة تُولِّد الفكر؟
-المادية- ليست أنْ تقول إنَّ الفكرة مادة. -المادية- هي أنْ تقول إنَّ المادة تُولِّد الفكر؛ فثمة مادة، وثمة فكر، وينبغي لنا أنْ نَقِف على جوهر الصلة بين هذين الشيئين.
المثاليون لا ينكرون وجود المادة؛ لكنهم يفسِّرون وجودهها بالفكرة. والماديون لا ينكرون وجود الفكرة؛ لكنهم يفسِّرون وجودها بالمادة.
الدماغ لا يُنْتِج، ولا يُفْرِز، فكر. الفكر هو -انعكاس- الواقع الموضوعي في الدماغ. نقول -انعكاس-، ولا نقول -إنتاج-، أو -إفراز-.
المادة لا تُنْتِج إلاَّ مادة. المادة، ممثَّلةً في الواقع الموضوعي -تنعكس- في مادة أرقى هي الدماغ.
الانعكاس في المرآة عملية مادية؛ والانعكاس في الدماغ هي أيضاً عملية مادية؛ لكن مادية هذه العملية لا تعني أنَّ الصورة الذهنية هي من طبيعة مادية.


17 - الى عبد الله خلف
ماجدة منصور ( 2014 / 1 / 13 - 11:53 )
عبد الله خلف يقول للأستاذ الكبير جواد البشتي: يا صاحي أنت ملحد إذن أنت لست إنسان و إنما تأتي في قمة المملكة الحيوانية على أحسن تقدير
ماجدة تقول لعبد الله خلف: و أنت تأني في أسغل ...و في قاع ..المملكة البشرية على أحسن تقدير


18 - السيد عبد الله خلف
جواد البشيتي ( 2014 / 1 / 13 - 12:16 )
السيد عبد الله خلف
لا أفهم قولك -تمردك على الطبيعة وقوانينها أكبر دليل على أن الوعي لا علاقة له بهذه القوانين-.
حسناً، هل أفهم من ذلك أنَّ المُسلَّمة عندك هي -الوعي لا علاقة له بقوانين الطبيعة-؟
عملاً بهذه المُسلَّمة، أدعوكَ إلى أنْ تُجرِّب التجربة الآتية: طِرْ بجناحيِّ وعيكَ هذا إلى القمر.
كل إنسان يستطيع التمرد على الطبيعة وقوانينها؛ لكن هل لكَ أنْ تعطيني ولو إنجاز واحد للبشرية جاء من طريق تمردها على الطبيعة وقوانينها. هذا سؤال أرجو أنْ تجيب عليه مباشرةً.
-النجاح- يا سيد عبد الله هو أنْ تُفكِّر، وتخطط، وتعمل، بما يوافِق القانون الطبيعي الموضوعي؛ و-الفشل- هو -فضيلة- التمرد التي تحدَّثْتَ عنها.
أنتَ تقول بـ -نظرية جديدة- جاءت في قولكَ -إذا لم يكن للأخلاق وجود مادي في الجينات فباطلة هي كومة الفضائل في العالم-.
معنى -نظريتك- هو أنَّ للأخلاق أصل جيني؛ فما الداعي إذاً للأخلاق التي تجيئ بها الأديان؟!
ومعناها: دَعْ البشر يَسْتَخْرِجون القيم الأخلاقية من جيناتهم، ولتتوقَّف السماء عن إرسال التعاليم الأخلاقية الدينية.
يتبع


19 - السيد عبد الله خلف
جواد البشيتي ( 2014 / 1 / 13 - 12:18 )
سيد عبد الله، تأمَّل معي معنى القول الآتي للعالِم ستيفن واينبرغ: بوجود الدِّين، أو من دون وجوده، ثمة أخيار يصنعون الخير، وثمة أشرار يصنعون الشر؛ لكن الدِّين ضروري لجعل الأخيار يصنعون الشرور!
تقول: -إذا لم يكن الله موجود فالأخلاق غير موجودة-.
في رأيكَ، ألا تُوْجَد أقوام عديمة الأخلاق؟
إذا وُجِدَت فهذا إنما يعني أنَّ الأخلاق انعدمت مع أنَّ الله موجود!
أنا لستُ ملحداً؛ ولقد قلتها غير مرة. أنا مادي بالمعنى الماركسي. أنا لا يعنيني أمر وجود الله من عدمه. أنا يعنني فقط أنْ أبحث في أسباب وجود -فكرة الله- في رأس الإنسان.
وفي المنطق، يمكنكَ، وينبغي لكَ، أن تقول الآتي: كل ملحد إنسان؛ لكن ليس كل إنسان ملحد.
أنْ أكون منتمياً إلى المملكة الحيوانية فهذا أمر يساوي -الحقيقة-؛ وأود أنْ أذكِّركَ بذاك القس الذي كان كلما مَرَّ صباحاً بشجرة حديقته خاطبها قائلاً: صباح الخير يا أختي الشجرة.
ثمَّ لماذا هذه المغالاة في التمييز بين الإنسان والحيوان؟!
ستقول لي: لأنَّ الله نفخ من روحه في الطين اللازب. لكن ما قولكَ في أرواح الحيوانات؟


20 - انت مُحق, تعبيري كان خاطيء
بشارة ( 2014 / 1 / 13 - 14:12 )
لكن قصدي الواضح هوان الماديين لا يؤمنون بوجود اي شيء خارج المادة وما يعتقدون انه نتاجها مثل الوعي والمعاني التي ينسبها الدماغ لما يحيط به
اعتقد ان القليل من العلم الذي اصابنا بالثمالة والغرور في العقود الاخيرة لا يؤهلنا في الوقت الراهن على الاقل للجزم بعدم وجود اي شيء خارج المادة-الطاقة.
والا فنحن كمن اتقن لتوه عمليات الحساب البسيطة من جمع وطرح وادى به غروره واندفاعه الى التنظير في التفاضل والتكامل او ذاك الذي تعلم لتوه الاعداد الطبيعية فاخذ ينظر في الاعداد المركبة او التفلسف بالاعداد المتسامية

جميل تعبيرك عن جزيء الماء(مثل,ايضا,طعم المايونيز لا يشبه اي من مركباته الزيت والبيض والحامض).من كان ليصدق ان ابار النفط المشتعلة بالعراق ستطفءها المتفجرات؟هي تشابيه تساعد على الانفتاح العقلي فالعقل كالمظلة لا يقوم بعمله ان كان منغلق...انا يا استاذي عندي ايمان واعي الفرق بينه وبين المعرفة وعندي انفتاح بتواضع يجعلني اضع احتماليات المادية الكابوسية في الحسبان

لم افهم كيف انك تعتقد ان الوعي ليس منتج كيمياءي وفي نفس الوقت له جذور بيولوجية ؟هل الدماغ هو القمر العاكس للوعي ام الشمس المنتجة له؟

تحية


21 - الإرادة
نعيم إيليا ( 2014 / 1 / 13 - 14:29 )
((نَعَم، -الصورة الذهنية-، أو -الفكرة-، ليست -مادة- في ماهيتها؛ فهل تريد أنْ نعتبرها -مادة-؟!))
الأستاذ جواد البشيتي المحترم.
الأمر لا يتعلق بالإرادة، الأمر موضوعي لا ذاتي، له علاقة بالعقل والعلم.
أنت تريد ألا تكون الصورة الذهنية مادة.. وهذا يا سيدي، أسلوب الشعراء، وليس أسلوب الفلاسفة والعلماء.
ولقد كان لينين شاعراً وسياسياً، ولم يكن عالماً ولا فيلسوفاً، حينما أرغم الصورة الذهنية (الوعي) على أن تكون (لا شيئاً) - وهو لا يملك دليلاً علمياً أو عقلياً على أنها لا شيء - ظناً منه بأن القول بأنها (شيء) سيجعلها مثالاً أفلاطونياً.
ونحن نلتمس له العذر؛ لأن العلم في زمانه، لم يكن قد اكتشف المادة الداكنة غير المحسوسة بعد.
أستاذ جواد البشيتي، كيف تعتقد بأن الجاذبية مادة مع أنها لا تلمس ولا ترى، ولا تعتقد بأن الفكرة مادة، وهي مثلها لا تلمس ولا ترى؟


22 - الأستاذ | جواد , المحترم1
عبد الله خلف ( 2014 / 1 / 13 - 14:33 )
1- نعم , الوعي البشري ؛ قبس إلهي (روح) , فهذا الوعي ؛ يدعوك للتمرد على قوانين الطبيعه , مثال : فلسفة ماركس نقيض قوانين الطبيعه .
قوانين الطبيعه تقول : (البقاء للأقوى أو الأصلح) بينما فلسفة ماركس تُحارب هذه النظريّه و تقول : (الكل سواسيّه) .
أيضاً , عندما تُصاب بمرض ما , ألن تذهب للمشفى؟... هل المرض طبيعي؟... إذاً , لماذا تتمرد على الطبيعه و تطلب النجاة؟ .
الأخلاق الإنسانيه تتصادم مع القوانين الطبيعيه .
2- نعم , أستطيع أن أطير -عبر فكري- للقمر , و لكن هذا مقيّد في عالم الماده , و أنا لا أنكر الماده و قوانينها , و لكن أقول : في الإنسان شيء لامادي , و أيضاً , هذا اللامادي ليس إنتاج مادي .
3- لا , ليس في الجينات جين أخلاقي , فكلامي كان مجرد تحدي أن تجد جين أخلاقي في الإنسان , فإن وُجِد هذا الجين ؛ فلتذهب الأخلاق و الفضيله , و لكن بشرط وجود هذا الجين .
4- كلام (ستيفن واينبرغ) ليس حقيقه , فيوجد في الواقع المعاصر و الزمن الأول ما يرفضه , ثم أن الشر ليس إلا بلاء , فالتفسير الديني أكثر منطقيّه .

يتبع


23 - الأستاذ | جواد , المحترم2
عبد الله خلف ( 2014 / 1 / 13 - 14:33 )

5- عندما يلحد الإنسان , و ينكر وجود الله تسقط الأخلاق , و سأعطيك رابطان , أتمنى أن تشاهدهما :
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?52441-%D9%81%D8%B6%D8%A7%D8%A6%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%88-%D8%A7%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%82-%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D8%AC%D8%B1%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9-%28%D9%85%D8%AA%D8%AC%D8%AF%D8%AF%29
و
https://www.youtube.com/watch?v=rlH33btuhdM
6- كيف لا تكون ملحد , و أنت ترى الله مجرد (فكره بشريه) و ليس (حقيقه) , هذا يحتاج إلى تفسير واضح من جهتك .
الذي أعرفه أنه لا مانع من كون الماركسي مؤمن بوجود خالق و صانع للكون , هل أنا مخطيء؟ .
7- يوجد فرق بين الإنسان و الحيوان , و الفرق نراه بأرض الواقع , فهل هنالك كائن ينافس الإنسان؟... المعروف هو : الإنسان يستخدم و يستغل الحيوان , و الحيوان لا يستطيع , هذا دليل مشاهد .

يتبع


24 - الأستاذ | جواد , المحترم3
عبد الله خلف ( 2014 / 1 / 13 - 14:34 )
8- مسألة أرواح الحيونات ؛ مسأله مختلف بها , و لكن المؤكد هو : أن القرآن أكد على وعيها و محاسبتها , راجع :
- وعي الحيوان و محاسبته , قال تعالى : (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون) , و قال تعالى : (وإذا الوحوش حشرت) .
9- لم تتطرق إلى الفتاه , التي بكامل وعيها , مع أنه ليس لها سوى نصف دماغ؟ .



تحياتي المخلصه


25 - الإرادة 2
نعيم إيليا ( 2014 / 1 / 13 - 14:47 )
((لو كانت -الفكرة- من ماهية -مادية-، لَمَا انشغلت الفلسفة والفلاسفة زمناً طويلاً بإجابة سؤال الفلسفة الأساسي، وهو: مَنْ وَلَّد مَنْ؟ الفكر يُولِّد المادة، أم المادة تُولِّد الفكر؟))

انشغال الفلسفة بقضية أسبقية المادة على الفكر، أو بأسبقية الفكر على المادة، ليس دليلاً على أن الفكرة ليست من ماهية مادية.
ثمة رأيان متنازعان هنا: رأي يقول بأن أصل المادة فكر، ورأي يقول بأن أصل الفكر مادة.
إذاً فكلا الرأيين منشغل بالقضية، ولكنْ، ليس كلا الرأيين متفقين على أن المادة تولد الفكر.
فأين الدليل؟


26 - الإرادة 3
نعيم إيليا ( 2014 / 1 / 13 - 15:16 )
((-المادية- ليست أنْ تقول إنَّ الفكرة مادة. -المادية- هي أنْ تقول إنَّ المادة تُولِّد الفكر؛ فثمة مادة، وثمة فكر، وينبغي لنا أنْ نَقِف على جوهر الصلة بين هذين الشيئين.))

هذا كلام مرسل، لا أيد له.
لكي يمسي مضبوطاً معقولاً، لا بد له من دليل علمي مؤيِّد.. فهل لديك دليل علمي على أن المادة تولد لا مادة؟
وإن كان ذلك ممكناً، فقد أمكن أيضاً أن تلد العنزة من غير جنسها، إنساناً.
ولعمري! أن تلد العنزة إنساناً، ذلك أقرب إلى الفهم من أن تلد المادة لا مادة.
ثم، كيف يمكن أن يكون هناك صلة بين شيء ولا شيء، بين مادة ولا مادة؟
والمدهش بعد كل هذا أن تجعل الفكر (شيئاً) بقولك: ((بين هذين الشيئين)) !
أليس في هذا القول ما ينقض اعتقادك بأن الفكر ( لا شيء، أو لا مادة) ؟


27 - الإرادة 4
نعيم إيليا ( 2014 / 1 / 13 - 15:51 )
((المثاليون لا ينكرون وجود المادة؛ لكنهم يفسِّرون وجودهها بالفكرة. والماديون لا ينكرون وجود الفكرة؛ لكنهم يفسِّرون وجودها بالمادة.))

فكلاهما إذن معتقد باللا مادة باللا شيء، فهما على هذا متعادلان.

((المادة لا تُنْتِج إلاَّ مادة. المادة، ممثَّلةً في الواقع الموضوعي -تنعكس- في مادة أرقى هي الدماغ.))

إذن فإن الواقع الموضوعي في نظرك فكرة، والدماغ سطح مرآة !
. بيد أن سطح المرآة - كما نعلم - لا ينعكس عليه الشيء إلا كما هو في الواقع
المرآة، إذا وقفت إزاءها، لن تعكس كلباً، بل ستعكسني أنا تماماً كما أبدو في الواقع.


28 - النعيم الفكري نعيم ايليا
عبد الرضا حمد جاسم ( 2014 / 1 / 13 - 16:33 )
تركنا المرقمة 2013 و نحن طاربين لذلك هروباً منها لتتلقفنامن ذهبنا اليها بدوراننا باحثين عن مجاهيلنا تلك المرقمة المسماة 2014 و نحن لا يد لنا بالتي تركناها ...لا نستطيع ان لا نذهب لها و لا نستطيع ان نؤثر في مرورنا عليها...ذهبنا اليها ...بعواطف نتمنى بغباء ان ترحمنا
لكن نتمى لك مع مرورك عليها مواقف تفتخر بها وانت تنعم علينا بتلك النفحات النعيمية
استغرب من يجيب على ما تطرح دون ان يُفكر و لو للحظة
انت تطرح العميق و بعض المقابل يتعامل مع ذلك كمن يقول السنه القادمه و هو لا يعرف اننا من يذهب لها
لك محبتي و ثق ان ما تتركه من نفحات تتسمر عندي ...لا تمر الا بعد ان اتمكن منها او هكذا و البعض باقيات الى حين
دمتم بتمام العافية


29 - السيد بشارة
جواد البشيتي ( 2014 / 1 / 13 - 20:27 )
السيد بشارة
أشكرك على عبارتك الجميلة، عبارة -الدماغ يعكس الواقع الموضوعي كما القمر يعكس ضوء الشمس-؛ فالدماغ لا يُنْتِج الأفكار كما تُنْتِج الشمس الضوء والحرارة.
الماديون لا يعتقدون بوجود شيء خارج العالَم المادي؛ لأنْ لا خارج لهذا العالَم.


30 - السيد نعيم إيليا
جواد البشيتي ( 2014 / 1 / 13 - 20:37 )
السيد نعيم إيليا
الصورة الذهنية (بحد ذاتها) ليست مادة؛ لأنَّها ليست مادة، لا لأنني أريد لها أنْ تكون كذلك.
لا مجال للمقارنة بين -المادة الداكنة غير المرئية- وبين -الوعي-. -المادة الداكنة (وكذلك الطاقة الداكنة)- ما زالت فرضية لتفسير بعض الظواهر؛ فالمادة الداكنة لتفسير السرعة -الفائضة- لدوران نجم حول مركز مجرته، أو لدوران مجرة حول مركز عنقودها.
ومع ذلك، كتلة المادة الداكنة تُحْسَب عند حساب كتلة المجرة، أو عنقود المجرات. هي غير مرئية؛ لكن كتلتها تُحْسَب. -الوعي- غير محسوس؛ لكن وجوده لا يضيف كتلة إلى كتلة الدماغ.
-الجاذبية- هي أيضاً لا تُلْمَس، ولا تُرى. عزيزي، إنَّ الوعي لا يُلْمَس، ولا يُرى؛ لكن هذا لا يعني أنَّ كل ما لا يُلُمَس، وكل ما لا يُرى، يجب أنْ يكون وَعْياً، او من ماهية الوعي.
يتبع


31 - السيد نعيم إيليا
جواد البشيتي ( 2014 / 1 / 13 - 20:40 )
-الجاذبية- قد يكون لها جسيم حامِل لها (غرافيتون). هذا ما زال افتراضاً. الجاذبية لا تُرى؛ لكنها تُرى في أثرها في حركة الأجسام؛ فنحن نراها في كل الظواهر التي يُنْتِجها انحناء الفضاء، أو انحناء -الزمكان-.
أعود وأكرِّر: الوعي لا يُلْمَس، ولا يُرى؛ لكن هذا لا يعني، ويجب ألاَّ يعني، أنَّ كل ما لا يُلُمَس، وكل ما لا يُرى، يجب أنْ يكون من ماهية الوعي؛ وإلاَّ أصابنا في المنطق ما أصاب ذاك الذي لَمَّا رأى كلباً، وعرف أنَّ الكلب حيوان، استنتج أنَّ كل الحيوانات كلاب.
أرى في تعليقكَ ميلاً إلى القول بمادية الوعي.
حسناً، اسْتَجْمِعْ من الأدلة العلمية ما يكفي لإثبات هذه الفرضية. السؤال هو: إذا كنتَ تعتقد بمادية الوعي، فهل لكَ أنْ تُثْبِت ذلك؟
إنَّكَ تطلب دليلاً على أنَّ المادة تولِّد الفكر.
حسناً؛ غَيِّر بخيالكَ صورة ذهنية ما؛ فهل يتغيَّر أصلها في الواقع الموضوعي؟
غَيِّر أصلها في الواقع الموضوعي، فتتغيَّر هي، أيْ يتعيَّن عليك، عندئذٍ، أنْ تُغيِّرها إذا ما أردت لفكرك أنْ يظل متوافقاً مع الواقع الموضوعي.
يتبع


32 - السيد نعيم إيليا
جواد البشيتي ( 2014 / 1 / 13 - 20:42 )
يُمْكِنكَ أنْ ترى في المنام الآن أنَّ مصعداً يهوي بك (لا سمح الله). هل كان يمكنكَ أن ترى في منامك الشيء نفسه قبل ألف سنة مثلاً، أيْ قبل وجود المصعد؟
أمَّا عبارة -هذين الشيئين- فلا تفهمها بمعناها الحرفي.
تقول إنَّ المادة لا تَلِد شيئاً من غير جنسها، أيْ لا تَلِد الوعي.
حسناً، هذا الذي تراه تناقضاً في المنطق هو تناقض واقعي موضوعي (ومألوف). إنَّ الذرَّة مثلاً لها كتلة سكونية؛ لكن كتلة الذرَّة طاقة مركَّزة؛ و-الطاقة-، أو الفوتون، لا كتلة سكونية لها. إنَّ -اللاكتلة سكونية- تَلِد شيئاً من غير جنسها، وهو -المادة ذات الكتلة السكونية-؛ فهل بَطُل العجب؟!
المادي يعتقد بـ -اللامادة-، أيْ يعتقد بوجود الوعي؛ لكنه يفهم الوعي على أنَّه انعكاس للواقع الموضوعي في دماغ الإنسان، كما يَفْهَم وجود الوعي بما لا يتعارض مع اعتقاده بوحدانية العالم المادي.


33 - السيد عبد الله خلف
جواد البشيتي ( 2014 / 1 / 13 - 20:44 )
السيد عبد الله خلف
الوعي لا يدعوني إلى التمرُّد على قوانين الطبيعة؛ بل يدعوني إلى التوافق معها (في فكري وتفكيري وعملي). من يتمرد على قانون الطبيعة يظل عبداً لها. تَمَرَّدْ على القانون الموضوعي للسير في الماء؛ فهل لكَ مثلاً أنْ تُرينا نفسكَ وأنتَ تمشي على سطح الماء؟!
من قال لك إنَّ فلسفة ماركس هي نقيض قوانين الطبيعة؛ فماركس هو القائل إنَّ الحرية هي وعي الضرورة؟!
من قال لكَ أنَّ ماركس هو القائل -الكل سواسية-؟!
ماركس رفض الداروينية الاجتماعية؛ لكنَّه أيَّد (ولو بشيء من التحفظ) الداروينية البيولوجية.
يتبع


34 - السيد عبد الله خلف
جواد البشيتي ( 2014 / 1 / 13 - 20:45 )
هل طلبي الشفاء (عندما أمرض) تمرد على قوانين الطبيعة؟!
إنني لا أشفى إلاَّ إذا وعيتُ القوانين الموضوعية لشفائي. طلبي الشفاء هو استخذاء للقانون الطبيعي؛ فَلِمَا تَقْلِب الأمور رأساً على عقب؟!
بفكركَ، اي بخيالك، تسطيع الطيران إلى القمر؛ لكنكَ لا تستطيع بوعيٍ متمرد على القانون الموضوعي الطيران الفعلي إلى القمر
تقول: -في الإنسان شيء لا مادي-. هذه عبارة صحيحة؛ ثمَّ تقول: -هذا اللامادي ليس إنتاجاً مادياً-. هذه عبارة خاطئة.
الماركسي معنيٌّ في المقام الأوَّل بمحاربة آلهة الأرض؛ وعليكَ أنْ تتذكَّر أنَّ السماء مرآة تعكس ما يحدث في الأرض. اقْضِ على آلهة الأرض، فينتهي الجدل بين الملاحدة والمؤمنين.


35 - أستاذ | جواد1
عبد الله خلف ( 2014 / 1 / 13 - 23:13 )
1- أي توافق؟!... حتى لو لم يستطع الإنسان السير على الماء , فقد أخترع السفينه لهذا العمل , و صنع الغواصه لعمق البحار .
الطبيعه تقول : الإنسان لن يتنفس بالماء , فقام الإنسان و صنع له جهاز للتنفس , هل -هنا- تمرد الإنسان؟ .
2- ماركس , لم يقل (الكل سواسيه) بل هذه فلسفته , و إلا ماذا تسمي محاربة الماركسيه للطبقيه؟ .
3- يعني (الفكر الماركسي) عنده تعارض مع (الإنتخاب الطبيعي) , و عنده تحفظ على الداروينية البيولوجية؟... جميل جداً , و هذا تناقض , يعني الفكر الماركسي vs الإنتخاب الطبيعي .
4- أليست البكتيريا كائن حي؟... لماذا تقتلها و تبيد الملايين منها (إنتخاب طبيعي) , بينما بنفس الوقت تحارب الظلم (مخالفه لقوانين الطبيعه)!... يوجد تمرد , هذا مثال أفصح من المشفى .
5- فكرة الطيران إلى القمر , بدون الحاجه إلى مكوك أو أي ماكينه , تتحدى الجاذبيه إليس كذلك؟... يعني هنا مخالفه صريحه .

يتبع


36 - أستاذ | جواد2
عبد الله خلف ( 2014 / 1 / 13 - 23:14 )
6- إحالتك الوعي للماده ؛ هذا يعني : أن كل شيء عندك مادي , و هذا ما يقوله -صراحه- الكاتب | سامي لبيب .
كون الوعي يتمرد على قوانين الماده ؛ فهذا يؤكد أن الوعي ليس منتج مادي , إختلافي معك ليس عن ماهيّة الوعي , بل عن : (هل الوعي منتوج مادي) .
7- أنت ترى أن الله مجرد فكره , و أنا أرى الله حقيقه مطلقه , لا وجود -في هذه المسأله- إلى مرآة و إنعكاس .


37 - تعليق
نور ساطع ( 2014 / 1 / 13 - 23:21 )

عبد الله خلف يقول : ( هل يعلم الكاتب ؛ أنه يبيد ملايين البكتيريا كلّما غسل يديه؟! .
===========================================

نور يقول : ) وهل يعلم المعلق عبد الله خلف هو و أعوانه أكثر شعوب

العالم يبيدون مليارات البكتيريا البريئة كلما يتوضؤون !!

: )


38 - تعليق
نور ساطع ( 2014 / 1 / 13 - 23:27 )

عبد الله خلف يقول : ( فكرة الطيران إلى القمر
===========================================

نور يقول : ) فكرة خرافية

http://www.youtube.com/watch?v=TCOV_f_znRE

: )


39 - الحبة السودة
نور ساطع ( 2014 / 1 / 13 - 23:36 )

عبد الله خلف يقول : ( عندما تُصاب بمرض ما , ألن تذهب للمشفى؟
===========================================

نور يقول : ) لأ ، أخذ الحبة السودة ، على رأي نبيك

: )


40 - الصورة الذهنية
نعيم إيليا ( 2014 / 1 / 14 - 09:05 )
((الصورة الذهنية (بحد ذاتها) ليست مادة؛ لأنَّها ليست مادة))

ما الذي ينفي أن تكون الصورة الذهنية مادة؟

((-الوعي- غير محسوس؛ لكن وجوده لا يضيف كتلة إلى كتلة الدماغ.))

الراجح أن عظم الدماغ، مؤشر على (عظم) الوعي.

((الجاذبية لا تُرى؛ لكنها تُرى في أثرها في حركة الأجسام))
وكذا الوعي، فإنه لا يرى ولكنه مؤثر.

((إذا كنتَ تعتقد بمادية الوعي، فهل لكَ أنْ تُثْبِت ذلك؟))
لما كان الوعي مؤثراً في الأجسام فقد دل ذلك على ماديته، فما ليس بمادة لا يؤثر في المادة. ومنه: الوعي لغةٌ، واللغة صوت، والصوت مادة
وأنت كيف تثبت أن الوعي لا مادة؟
لا يلمس؟ لا يرى؟ هذا ليس سبباً مانعاً، ما دام في الكون مادة لا تلمس ولا ترى.
((غَيِّر بخيالكَ صورة ذهنية ما؛ فهل يتغيَّر أصلها في الواقع الموضوعي؟))
إذا كان للصورة (أصل) في الواقع، فهي فرع إذن. والفرع لا يختلف في جوهره عن الأصل.
((أمَّا عبارة -هذين الشيئين- فلا تفهمها بمعناها الحرفي))
عندما قرنتَ اللا مادة إلى المادة، فقد وحدت بينهما.
((الذرَّة مثلاً لها كتلة سكونية؛ لكن كتلة الذرَّة طاقة مركَّزة؛ و-الطاقة-، أو الفوتون، لا كتلة سكونية لها))
حسن، وهل الفوتون لا مادة؟


41 - السيد نعيم إيليا
جواد البشيتي ( 2014 / 1 / 14 - 12:01 )
السيد نعيم إيليا
حتى لا نظل في جدل يشبه الدوران حول محور، دَعْنا نُعيِّن ونُحدِّد الأمور. قبل أنْ نجيب، وحتى نجيب، عن سؤال -هل الفكر مادة؟-، أدعوك إلى أنْ تُعرِّف -المادة-؛ فإذا عَرَّفْتها سَهُلَت إجابة ذاك السؤال. قُلْ لي أوَّلاً ما هي -المادة-، فيَسْهُل علينا، عندئذٍ، تأكيد، أو نفي، -مادية الفكر-. أدعوكَ إلى هذا؛ لأنني أزْعُم أنني شَرَحْتُ وأوضَحْت -ما هي المادة-.
أنتَ الذي فَرَضتَّ عليَّ تلك المقارَنة بين -المادة الداكنة- و-الوعي-؛ وعليه، قُلْتُ إنَّ المادة الداكنة، ومع أنها غير مرئية، لها كتلة، وكتلتها قابلة للقياس؛ وكل مادة لها كتلة؛ ومن حيث المبدأ، إمَّا أنْ تكون كتلتها كتلة سكونية، وإمَّا أنْ تكون كتلتها كتلة حركية؛ فلو كان الوعي مادة لَتُرْجِم وجوده في الدماغ بزيادة في الكتلة.
يتبع


42 - السيد نعيم إيليا
جواد البشيتي ( 2014 / 1 / 14 - 12:02 )
السيد نعيم إيليا
-الجاذبية التي لا تُرى- تؤثِّر في حركة الأجسام؛ لكنَّ تأثيرها مباشِر؛ أمَّا -الوعي الذي لا يُرى- فيؤثِّر في العالَم المادي عَبْر مادة (قد تكون يدكَ).
تذكَّر أنَّ اللغة هي -الغلاف المادي- لـ -الفكرة-؛ ولا وجود لفكرة عارية من لبوسها المادي، أيْ من اللغة.
كلمة -أصل- استعملتها بمعناها الفلسفي؛ ونقيضها الفلسفي هو -الصورة-، لا -الفرع-.
أَتَيْتُ بمثال الذرَّة وكتلتها السكونية لأوضِّح كيف أنَّ الشيء يأتي بغير جنسه؛ فالكتلة السكونية تتألف من فوتونات عديمة الكتلة؛ فهل هذا يستدعي أنْ تسأل: -هل الفوتون لامادي-؟!


43 - السيد عبد الله خلف
جواد البشيتي ( 2014 / 1 / 14 - 12:26 )
السيد عبد الله خلف
هل الأمر بهذا الاستعصاء حتى نظل في حالة ركض موضعي من الناحية الجدلية الفكرية؟!
سأفرط في تبسيط الأمر.
مشياً على قدميكَ لا تستطيع عبور البحيرة (إلاَّ إذا كان السطح من مياهها متجمداً).
هنا تغرق؛ وللغرق قانونه الطبيعي (الموضوعي). حتى تقطع البحيرة لا بدَّ لك من الفعل بما يوافق قانون الطفو (كأن تستعين بلوح خشب).
إنَّ للغرق قانونه، وإنَّ للطفو قانونه.
وجدلياً، يُفسَّر الأمر على النحو الآتي:
-الطفو- هو -حالة غَرَق مقهورة-. -الطفو- مشروط بـ -وجود الغرق-، وبـ -نفي وجوده-، في آن. إنَّك لن تطفو إلاَّ إذا توافَرت ثلاثة شروط: أنْ تكون في حالة غرق، أنْ تنفي هذه الحالة وتتغلَّب عليها، وأنْ تَحْتَفِظ بـ -الغرق- في أثناء -الطفو-.
يتبع


44 - السيد عبد الله خلف
جواد البشيتي ( 2014 / 1 / 14 - 12:28 )
السيد عبد الله خلف
إنَّكَ في تمرُّدكَ على أي قانون طبيعي لا تفعل سوى الآتي: تُحارِب قانون طبيعي من طريق تحالفكَ مع ضديده من قوانين الطبيعة. إنَّكَ تتمرَّد على قانون الجاذبية، مُمْتَثِلاً، في الوقت نفسه، لقانون -سرعة الإفلات-. وهكذا، فالوعي المتمرِّد لا يبلغ غايته إلاَّ إذا خَضَع واستخذى، في الوقت نفسه، لقانون طبيعي آخر.


45 - الخاتمة
نعيم إيليا ( 2014 / 1 / 14 - 16:12 )
ما هي المادة؟
كل ما في الوجود من محسوس وغير محسوس، هو مادة.
أما اللا مادة فلا وجود لها، لايمكن تعيينها؛ لأنها عدم.
ولا بد لي في نهاية الجدال من الرد على بعض قولك:
((لو كان الوعي مادة لَتُرْجِم وجوده في الدماغ بزيادة في الكتلة))
هذا لو كان الوعي مادة محسوسة له كتلة كالماء أو الدم.
للوعي مراكز في الدماغ، والمراكز أمكنة، والأمكنة لا تحتوي عدماً.
((الجاذبية التي لا تُرى- تؤثِّر في حركة الأجسام؛ لكنَّ تأثيرها مباشِر؛ أمَّا -الوعي الذي لا يُرى- فيؤثِّر في العالَم المادي عَبْر مادة قد تكون يدكَ))
الجاذبية أيضاً لا بد لها من مادة كالأرض، لتمارس تأثيرها..
ثم ما قولك بالزمان؟ هل هو شيء أم لا شيء؟
أما اللغة فهي الفكر. ولا فكر بلا لغة.
واللغة أنواع: صوت، حرف، إشارة.
والشيء لا يأتي من غير جنسه ((والجنس هنا المادة)) فالذرة مادة، فإذا لم تكن كتلتها السكونية مادة، فقد ثبت أن الشيء يأتي من غير جنسه.
(كلمة -أصل- استعملتها بمعناها الفلسفي؛ ونقيضها الفلسفي هو -الصورة-، لا -الفرع))
الصورة على هذا هي الماهية. ولكن الماهية هي الجوهر؛ لأن الجوهر لا يوجد إلا بها. هل يوجد الإنسان من دون ماهية؟
مع شكري لك


46 - السيد نعيم إيليا
جواد البشيتي ( 2014 / 1 / 14 - 20:40 )
السيد نعيم إيليا
كل الشكر والتقدير والاحترام لكَ؛ وختاماً لهذا الجدال أقول:
لقد عَرَّفْتَ (أخيراً) المادة قائلاً إنَّها -كل ما في الوجود من محسوس، وغير محسوس-؛ أمَّا ما أَسْميته -اللامادة-، فَقُلْت فيه -لا وجود له، ولا يمكن تعيينه؛ لأنَّه عدم-.
و-الوعي-، حسب وجهة نظرك، -مادة غير محسوسة-.
وأنتَ تتصوَّر الدماغ على هيئة -إناء (= مكان)-؛ وهذا -الإناء- لا يمكن أنْ يكون -فارغاً-. إنَّه، على ما تقول، يجب أنْ يكون مشغولاً بـ -مادة غير محسوسة-، هي -الوعي-؛ فالفراغ فيه يَعْدِل العدم.
مع احترامي لكَ، ولحقك في أنْ تقول ما تشاء، فإنَّ ما تَفَضَّلْتَ بقوله فيه كثير من الخلط.
يتبع


47 - السيد نعيم إيليا
جواد البشيتي ( 2014 / 1 / 14 - 20:42 )
هذا الإفراط في -المادية- لا يُبْقي على شيء من المادية في تفكيركَ الفلسفي؛ فالمادية هي أنْ تُفسِّر -الوعي- تفسيراً مادياً، لا أنْ تلغي الفرق في الماهية بينه وبين المادة.
المادية لا تنكر وجود الوعي، ولا تمحو الفرق في الماهية بينه وبين المادة؛ إنَّها فحسب تُفسِّر الوعي تفسيراً مادياً، نافيةً وجوده المستقل عن المادة.
ما تعتبره -مادة غير محسوسة- يحتاج إلى كثير من التوضيح؛ فـ -الجاذبية-، مثلاً، هي -ما تراه- من ظواهر يُنْتِجها انحناء الفضاء الذي تتموضع فيه كتلة نجم مثلاً؛ فإذا رأيتَ كوكباً (مثلاً) يدور حول نجم، فهذا -الذي تراه- هو ظاهرة من ظواهر الجاذبية. الجاذبية ليست جسماً كالكوكب حتى تراه.
المادة قابلة للقياس المادي (الموضوعي). إنَّكَ بعينكَ المجرَّدة لا ترى الإلكترون. وحتى تراه (إذا ما أمكن لكَ أنْ تراه) لا بدَّ لكَ من تطوير امتداد اصطناعي لعينكَ (= مجهر متطور جداً). ومع ذلك، يظل الإلكترون مادة قابلة للقياس؛ فنحن نقيس سرعته، ونقيس كتلته السكونية، ونقيس كتلته الكلية (= كتلته السكونية + كتلته الحركية).
يتبع


48 - السيد نعيم إيليا
جواد البشيتي ( 2014 / 1 / 14 - 20:43 )
السيد نعيم إيليا
-المادة الداكنة- ما زالت افتراضاً لتفسير ظواهر معينة. إننا لا نراها؛ لأنْ لا ضوء يصدر عنها؛ لكنها قابلة للقياس المادي. إننا نستطيع حساب كتلتها، ونستطيع قياس درجة انحناء الفضاء حولها، والذي تسبَّبت فيه.
-الزمان- لا تراه بعينك، ولا تلمسه، ولا تسمع صوتاً له. لكنك ترى التغيُّر في الأشياء؛ والزمان هو التغيُّر ومقياسه في آن. الزمان قابل للقياس، ويمكننا قياس سرعة تدفقه.
إنَّ عبارة -غير محسوس- تحتاج إلى توضيح يدرأ عن عقلنا فكرة أنَّ -الوعي هو مادة غير محسوسة-.
أكرر شكري لك


49 - المحترم , الأستاذ | جواد
عبد الله خلف ( 2014 / 1 / 14 - 22:01 )
كلامك في التعليق : (43) و (44) سليم و حكيم , أتفق معك في أكثره .
السؤال الآن : أنت ترى أن كل شيء منتوج مادي , من أين ظهرت الأخلاق , ما هو مصدر الضمير في جسم الإنسان المادي؟؟ .


تحياتي


50 - السيد عبد الله خلف
جواد البشيتي ( 2014 / 1 / 15 - 08:17 )
السيد عبد الله خلف
أوَّلاً، الأخلاق (المبادئ والقيم الأخلاقية) نسبية، وتاريخية، ومتغيِّرة. أصلها دائماً بشري، وقد ترتدي رداء الدين.
الأخلاق تخرج من رحم -نمط عيش الناس، أو الجماعة البشرية (المادي والاقتصادي). تُوافقه، ويجب أنْ توافقه؛ ثمَّ تدخل في نزاع معه، بسبب تغيره المستمر، فتُعَدَّل وتتغيَّر، بما يعيد التوافق بينها وبينه. الأخلاق لا تُفْهَم، ولا تُفسِّر، بحد ذاتها. إنَّها دائماً تشبه نمط عيش الجماعة البشرية كما يشبه الجَمَل بيئته الصحراوية.
الحاجات والضرورات والمصالح (المادية) هي مَصْدَر الأخلاق.


51 - السيد عبد الله خلف
جواد البشيتي ( 2014 / 1 / 15 - 08:19 )
-لا تسرق-. هذا مبدأ أخلاقي قديم. صاحب كل شيء قابل للسرقة هو الحارس الأوَّل لأمواله الثابتة والمنقولة. والدولة بشرطتها وقوانينها ومحاكمها وسجونها هي الحارس الثاني. السارق يجب أنْ يُعاقَب عقوبة رادعة، ويجب أنْ يعيد ما سرق إلى صاحبه، أو أن يعوِّضه عمَّا خسر من أموال. وشركات التأمين استُحْدِثَت لتعويضه أيضاً.
ومع ذلك، لا يستطيع هو، ولا الدولة، منع السرقة منعاً مُطْلَقاً؛ فاشتدت الحاجة إلى -الشرطة السماوية-.
البشر آمنوا بوجود خالق للكون؛ ثمَّ غرسوا في إيمانهم -الفلسفي- هذا مبادئ وقيم أخلاقية؛ فالله هو العليم والسميع والبصير، يرى السارق والسرقة، ويعلم النيات، ويحاسب (في الدنيا والآخرة) حساباً عسيراً؛ فمن لا تراه الشرطة الأرضية تراه الشرطة السماوية.


52 - السيد عبد الله خلف
جواد البشيتي ( 2014 / 1 / 15 - 08:20 )
ولَمَّا نشأت لبعض الناس مصلحة في السرقة استحدثوا من المبادئ والقيم الأخلاقية ما يجعلها عملاً أخلاقياً. أسموها -غزوات-، بعضها تزيَّن بزينة الثقافة القبلية والبدوية، وبعضها تزيَّن بالدين.
كل ما يفيد الجماعة البشرية (المحدَّدة تاريخياً) يُتَرْجَم بمبادئ وفيم أخلاقية، وكل ما يضرها يُصوَّر على أنَّه منافٍ للأخلاق.
كان قتل الأسير قديماً عملاً أخلاقياً؛ ولمَّا أصبح الأسير مجدياً اقتصادياً أصبح قتله عملاً منافياً للأخلاق.
إذا رأيتَ جماعة من البشر تضاءل استمساكها ببعض من المبادئ والقيم الأخلاقية التي استمسكت بها زمناً طويلاً، فلا تنشد قائلاً: إنَّما الأمم الأخلاق..


53 - السيد عبد الله خلف
جواد البشيتي ( 2014 / 1 / 15 - 08:21 )
أُنْظُرْ إلى ما تغيَّر في نمط عيشهم، وفي حاجاتهم ومصالحهم، فتَقِف على السبب. اسْألْ دائماً: لماذا كانوا مستمسكين بها، ولماذا شرعوا الآن يتخلوا عنها. لا تُفسِّر تخليهم بالنفس الأمارة بالسوء، فهي نفسها كانت من قبل أمارة بالخير. حتى لا تضل طريقك، راقب دائماً التغيُّر في نمط عيشهم، وفي حاجاتهم ومصالحهم من ثمَّ.
كل العقائد الأخلاقية كانت كامنة في حاجات البشر قبل ظهورها؛ لكن حاجات البشر متغيرة. وبتغيرها تدخل العقائد نفسها في نزاع مع تلك الحاجات، فتُعدَّل، وتُغيَّر، أو تختفي وتندثر.




54 - تحيه1
عبد الله خلف ( 2014 / 1 / 15 - 12:46 )
1- الأخلاق مطلقه : فالأخلاق موضوعية لا ذاتية , فهي لا تعتمد على رغبات البشر أو نزواتهم فالخير خير عند الصالح والطالح والشر شر عند الصالح والطالح , فالأخلاق تعتمد على شيء خارج الذهن البشري , تعتمد على إرادة الله التي يريدها لهذا العالم فالأخلاق لها غرضية كونية يُفترض فيها الإستقلال عن أفكار البشر ورغباتهم والقيم الأخلاقية يعتنقها كل إنسان بوعي أو بغير وعي .
2- الأخلاق لا يوجد فيها تطور : الأخلاق لا تطور فيها والإنسان هو العنصر الثابت في تاريخ العالم .
لقد دخل الإنسان التاريخ برأس مال أخلاقي مبدئي هائل .
إن الأخلاق لها موجات صعود وهبوط ولكن لا تطور فيها على الإطلاق فمن وجهة نظر الأخلاق فإن العصر الحجري الحديث يعتبر انتكاسه في القيم الأخلاقية عن العصر الحجري القديم فالأخلاق في استقلال عن الزمن .


يتبع


55 - تحيه2
عبد الله خلف ( 2014 / 1 / 15 - 12:47 )
كانت أمريكا عند اكتشافها متخلفة من خمسة إلى ستة آلاف سنة ولم تكن قد لحقت بالعصر الحديدي بعد لكن بالمقياس الأخلاقي كان أرقى من العصر الحديث ورسوم معبد (بونامباك) للهنود الحمر التي تبين معضلة الأخلاق, هذه الرسوم تجد مكانها داخل أعطم متاحف العالم و فن النحت لحضارة (المايا) يمثل مدرسة أخلاقية كاملة , وهذه حقائق لا جدال فيها .
إن الأسبان الغزاة كانوا أحط أخلاقيا من قبائل الهنود الحمر .
والفلسفة الأخلاقية بعد (أفلاطون) لم تُحقق أي تقدم على الإطلاق .
وكتابات (شيشرون) في الأخلاق لا تزال صالحة إلى اليوم .
وأفكار (أرسطو) الأخلاقية ومسرحيات (سوفوكليس) المأساوية يمكن وضعها في أي عصر من العصور لتناسبه .
وقد ألف (يوربيدوس Euripides) مسرحية (نساء تروجان) الأخلاقية في أزمان ما قبل التاريخ وأكملها (سارتر) بعد الآف السنين دون فجوة زمنية تُذكر .


يتبع


56 - تحيه3
عبد الله خلف ( 2014 / 1 / 15 - 12:47 )
إن أخلاق (الأقيانوسة) – وهي أكثر مناطق العالم تخلفا – لا تختلف عن أخلاق أي منطقة متحضرة بالعالم وفنون (الأقيانوسة) التي تسرد وقائع أخلاقية تجد مكانها في المتاحف الأوربية والأمريكية ولا ثمة فجوة حضارية بينها وبين مثيلاتها الغربية .
إن القاعدة التي لا خلاف عليها : أن الاخلاق لم تخط خطوة واحدة إلى الأمام منذ العصر الحجري القديم , فجميع معلمي البشرية سواء كانوا أنبياء أو مصلحين جميعهم علموا البشرية الأخلاق نفسها , وعندما نسرد تاريخ الأمم عبر كل العصور نجد الإختلاف في السلوكيات الرسمية فحسب, أما في قواعد الأخلاق وفي القيم الأخلاقية فلا نجد توافقا بل تطابقا مُطلقا , وهذه القاعدة تُسمى عند الفلاسفة (قاعدة الإلتزام المطلق) كما عرّفها (كانط) في كتابه : (أسس ميتافيزيقيا الأخلاق) .


يتبع


57 - تحيه4
عبد الله خلف ( 2014 / 1 / 15 - 12:47 )
3- الملحد ينظر للإنسان على أنه لطخة بروتوبلازمية ثلاثية الأبعاد حدود الطبيعة هي حدوده وقوانين المادة هي قوانينه فكيف تسنى له أن يستوعب الخطأ؟... لا يوجد للأخلاق ترميز جيني – تشفير في الجينات – إذن ليس لها مصدر مادي فكيف يتبنى الملحد نموذج أخلاقي غير مادي ينتقد من خلاله؟! .
هل تظن أن الإنتخاب الطبيعي والبقاء للأصلح مثل قوانين لعبة كرة القدم .. تتغير طبقا للمزاج والحالة العامة وتطور اللعبة؟ .
يا أستاذ, الإنتخاب الطبيعي والبقاء للأصلح طبقا للتعريف الإلحادي هي قوانين حتمية كونية تحكم وجودنا مثل معادلات الفيزياء وتفاعلات الكيمياء .. وهي قوانين تسري علينا رغم أنوفنا! .
والآن سؤالي لك :
- لماذا تتمرد على قوانين كونية حتمية؟ .
- كيف للإنسان ابن الطبيعة أن يتمرد على الطبيعة التي نشأ منها؟.
- الإنسان نمط مادي ثلاثي الأبعاد .. مجرد لطخة بروتوبلازمية .. لماذا تبحث له عن قيمة؟... هل للإنسان أصل آخر؟ .


يتبع


58 - تحيه5
عبد الله خلف ( 2014 / 1 / 15 - 12:47 )
إذا تحدثت عن الأخلاق , إذن الطبيعة شيء والإنسان شيء آخر , إذن للإنسان أصل آخر وغاية أخرى وقيمة أخرى لا تقترن بهذا العالم المادي وحتمياته وقوانينه .
الإنسان يا أستاذي طبقا للإلحاد هو شيء بين الأشياء , تسري عليه قوانين المادة وحتمياتها , فالإنسان إذن ليس هو المركز بل المركز هو الطبيعة المادية وقوانينها وحتمياتها .
ولذا يقول المفكر الإنجليزي جون لوك (إذا كان كُل أمل الإنسان قاصرا على هذا العالم وإذا كنا نستمتع بالحيـاة هنا في هذه الدنيـا فحسب فليس غريبا ولا مجافيـا للمنطق أن نبحث عن السعادة ولو على حساب الآباء والأبنـاء) .
إذن أنت يا أستاذي إما أن تُعلن أن للإنسان أصل آخر وإما أن تُذعن للحتميات المادية ولا تتمرد عليها , والمفترض أصلا لو كان الإلحاد صحيحا وكانت الداروينية الحتمية قانون كوني , المفترض ساعتها أنك لا تعرف معنى التمرد على هذه القوانين كما لا يعرف الإكترون التمرد على الدوران حول النواة! .


يتبع


59 - تحيه6
عبد الله خلف ( 2014 / 1 / 15 - 12:48 )
الإنسان يا أستاذي جاء بمقدمة سماوية , الإنسان دخل هذا العالم برأس مال أخلاقي مبدئي رهيب , الإنسان يستحيل تبسيطه أو تفكيكه طبقا لفلسفة مادية حتمية يتخيلها الملحد , الإنسان شيء وقوانين الطبيعة شيء آخر تماما! .


تحياتي المخلصه


60 - السيد عبد الله خلف
جواد البشيتي ( 2014 / 1 / 15 - 13:00 )
في الختام أشكرك؛ ولك خالص التحية


61 - تحيه مخلصه
عبد الله خلف ( 2014 / 1 / 15 - 13:25 )
أشكر لك وقتك الذي وفرته لحوارنا و حوار الأخوه هنا , كما أشكرك على المعلومات الجميله التي تأتي بها للقراء الكرام دائماً ؛ من فيزياء و فلسفه. ألف تحيه لشخصك الكريم .

اخر الافلام

.. السياسي اليميني جوردان بارديلا: سأحظر الإخوان في فرنسا إذا و


.. إبراهيم عبد المجيد: لهذا السبب شكر بن غوريون تنظيم الإخوان ف




.. #جوردان_بارديلا يعلن عزمه حظر الإخوان المسلمين في حال وصوله


.. رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء تستطلع هلال المحرم لعام 1446




.. 162-An-Nisa