الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نمط إنتاج آسيوى؟

محمد عادل زكى

2014 / 1 / 16
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


من النظريات التى على ما يبدو أصبحت رائجة ومستقرة فى بعض التيارات المهيمنة فى حقل اليسار. نظرية"نمط الإنتاج الآسيوى"، فوفقاً لهذه النظرية يوجد تكوين اجتماعى اقتصادى فى بعض المجتمعات يختلف عن العبودية وعن الاقطاع. أهم ما يميز هذا التكوين الاجتماعى الذى يتركب من مجموعة قرى مكتفية ذاتياً، هو انعدام التبادل التجارى تقريباً فيما بينها. والدولة هى التى تملك الأرض من الناحية النظرية والمادية، ولموظفيها سلطة قهر فعلية. وتستولى أجهزة الدولة المركزية على فائض العمل فى صورة الضريبة أو الجزية الجماعية، فتصبح الدولة بموظفيها هى الطبقة المستغلة، أما الفلاحون فهم ليسوا عبيداً لفرد ما، بل للدولة صاحبة الأرض. وهكذا توجد العبودية بدلاً من أن تكون فردية أى عبودية للدولة بدلاً من أن يكون فرد من الأفراد مالكاً لعدد معين من العبيد، كما فى النظام العبودى النموذجى. ومن جهة أخرى يختلف هذا التكوين الاجتماعى، الذى يسمونه نمط الإنتاج الآسيوى، عن التكوين الاقطاعى، فى أن صاحب الأرض، فى التكوين الأخير، هو الذى يمارس سلطة القهر ويستولى على فائض الإنتاج، بدلاً من الدولة. وفى الوقت الذى يسمح فيه التنظيم الاقطاعى بالتوسع فى الإنتاج يقف التكوين الآسيوى فى مواجهة هذا التوسع لانعدام التبادل تقريباً كما ذكرنا. الأمر الذى يعنى أن مستوى تطور القوى الإنتاجية فى الاقطاع أعلى منه فى التنظيم الآسيوى. وأخيراً نجد أن الفلاحين والحرفيين والبورجوازيين يبدون استعداداً للاتفاق معاً والنضال المشترك للوقوف فى وجه السيد الاقطاعى، أما النظم الآسيوية فتميل ناحية الثبات الاجتماعى.
هذا العرض المختصر هو خلاصة الرأى الذى يرى أن العالم عرف نمط إنتاج خامس إلى جوار نمط الإنتاج البدائى، ونمط الإنتاج العبودى، ونمط الإنتاج الاقطاعى. ونمط الإنتاج الرأسمالى. هذا النمط هو نمط الإنتاج الآسيوى! ونحن من جانبنا نرى أن نمط الإنتاج الآسيوى هذا، بوصفه السابق، ليس نمط إنتاج، إنما إشارة إلى مكان قيام نمط الإنتاج، أياً ما كان عبودى أو اقطاعى أو حتى شيوعى لا طبقى، بتأدية دوره. والمكان المشار إليه هنا هو حضارات الشرق القديم، وبصفة خاصة الصين والهند وفارس وبلاد بين النهرين ومصر القديمة. والواقع ان هذه المجتمعات أنتجت سلعها وخدماتها وحضارتها وثقافتها بفضل العمل الإنسانى، تحديداً العمل العبودى. أما أن تكون العبودية معنوية، أى للدولة، أم مادية، أى للفرد، فذلك محض قفز فوق الكلمات. فالقول ان الفلاحين، فى نمط الإنتاج اللآسيوى، ليسوا عبيداً لفرد ما، بل للدولة صاحبة الأرض. غير صحيح لأنه إذا كان للدولة الحق، المطلق، على ناتج عمل الفلاح فهى من ناحية أخرى لا تملك بيع هذا الفلاح أو مبادلته. فالفلاح فى الواقع، وفقاً لهذه النظرية، حر. أما أن يكون عبداً للدولة فيتعين أن يكون من أسرى الحروب أو الشراء من تجار العبيد. وفى هذه الحالة سوف نصبح أمام حالة عبودية صرفة. فإذ ما نظرنا إلى الحالة التى يكون فيها للدولة الحق على ناتج عمل الفلاح فى الوقت الذى يكون فيه الفلاح حراً، وإن خضع معنوياً أو لفظياً ربما، فسنكون أمام قانون حركة يحكم نمط الإنتاج الاقطاعى الذى يدور حول الأرض. والقول أن الدولة، فى نمط الإنتاج الآسيوى، هى الذى تمارس سلطة القهر وتستولى على فائض الإنتاج، بدلاً من السيد الاقطاعى فى النظام الاقطاعى، لا يقدم ولا يؤخر من الأمر شيئاً فلم نزل أيضاً أمام نمط إنتاج اقطاعى، الفلاح حر. يملك غالباً أدوات إنتاجه. يؤدى ريع الأرض. يدفع بالفائض إلى خزانة الإمبراطور. ونستطيع أن نستبدل كلمة الإمبراطور بكلمة السيد الاقطاعى دون أن يحدث أى تعديل فى جوهر التنظيم الاجتماعى أو قانون الحركة الحاكم لهذا التنظيم. والقول أن القصور المنيفة والصروح المهيبة لم تكن لتتم دون نمط الإنتاج الآسيوى الذى ينهض على القهر وتركيز السلطة فى يد الملك أو الفرعون يعد فى تصورى خلطاً ساذجاً بين المظاهر السياسية لمباشرة الحكم فى الدولة والطريقة التى تُنتج بها السلع والخدمات وهذه الصروح المهيبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يخيب آمال الديمقراطيين خلال المناظرة الأولى أمام ترامب


.. تهديدات إسرائيل للبنان: حرب نفسية أو مغامرة غير محسوبة العوا




.. إيران: أكثر من 60 مليون ناخب يتوجهون لصناديق الاقتراع لاختيا


.. السعودية.. طبيب بيطري يُصدم بما وجده في بطن ناقة!




.. ميلوني -غاضبة- من توزيع المناصب العليا في الاتحاد الأوروبي