الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانعتاق من النص – إملاء الحاجة

نضال الربضي

2014 / 1 / 16
المجتمع المدني


الانعتاق من النص – إملاء الحاجة

تبرز مشكلة النصوص الدينية حينما تصطدم مع حاجة الفرد و المجتمع إلى التحديث و التفاعل مع متغيرات الواقع، حين يتطلب نمط الحياة و نظام المعيشة من الإنسان أن يتكيف و يبحث عن الحلول التي ستختلف حسب طبيعة حاجاته بينما يقيده النص بحل واحد تم توارثه منذ نشأة ذلك الدين يفرض عليه رؤية محددة لموضوعه و حاجاته و أسلوبا ً في التعاطي لا يتغير و حلا ً ثابتا ً جرى استخدامه فيما مضى و يُفترض أن يتم استخدامه اليوم و و ستتم المناداة بـ و الترويج لاستخدامه في المستقبل.

يتجاهل مناصرو الالتزام بالنص الظرف الزماني و المكاني و الموضوعي الذي رافق ظهور الدعوة الدينية، و يعتقدون أن الرؤية الدينية في كيفية التعامل مع موضوع ما هي مُطلقة و ثابتة لا تتغير، و ذلك بحكم طبيعتها كـ "إلهية" المنشأ و "غيبية" الصفة و "سماوية" النوع و المنشأ و الفعل، و بذلك ينظرون إلى النص على أنه مفارق للتاريخ و مُنفصل عن الإنسان و المجتمع في نشأته و طبيعته لكنه مُلاصق لكل شئ: الإنسان، الحياة، التاريخ و المستقبل، و يصبغهم برؤيته و يفترض فيهم التجاوب معه بما يحققه لا بما يحتاجون.

و لا ينتبه أصحاب هذا الاتجاه إلى التناقض البديهي بين انفصال نشأة و علة الدين كنظام و منهج عن الواقع و الطلب بتطبيقه في ذات الواقع المُفارق له، و يزداد التناقض إلى الحد الذي لا بد و أن يُفرز الطروحات التجديدة في الدين أو الإلحادية كنزعة أكثر صرامة ً حينما يُصر ُّ مناصرو الالتزام بالنص على ثبات أحكامه العقائدية و الأخلاقية و السلوكية و صلاحيتها لكل الأوقات و الأزمنة و الأجيال، و هم بذلك يُسبغون ثبات الحكم على متغير الحياة، و معلوم التشريع على غير المعلوم من الممكنات، و جمود المنهج على حاجة الواقع و استحقاقات الديناميكية، فيكون أن الواقع يطلب حلا ً منطقيا ً نابعا ً مما هو موجود الآن و اليوم و في بقعة جغرافية معينة محكومة بظرف فردي أو مجتمعي أو سياسي، فيقدمون لنا حلا ً من الماضي من أرض بعيدة في كتاب ٍ قديم محكوم برؤية ميثولوجية لا تعلم عن واقعنا شيئا ً و لا يمكنها التعاطي معه أو تقديم الحلول له.

و بينما نتفهم أن لكل فرد ٍ الحق في اعتناق ما يريد و يسير حسب المنهج الذي يختاره في حياته لا نستطيع أن نتفهم إملاء لون ٍ واحد على كل الأفراد حينما يتم تعميم الدين و ربطه بالتشريع القانوني و الأحوال الشخصية و المعاملات بين الناس، كما أننا لا نستطيع أن نتفهم إطلاق يد سدنة الدين في شؤون الحياة كلها فتصبح الناس مؤدلجة ً منذ ولادتها و حتى دفنها "يُوحى" إليها كل دقيقة عن طريق الراديو الصباحي و الإيميل و الفيسبوك و التويتر و الشارع و برامج التلفاز و فيديوهات اليوتيوب، في كل قنوات الاتصال هذه التي تنتشر فيها الصبغة الدينية بشكل تحس فيه أن هناك حربا ً ضروسا ً ضد الدين و ضد النص تتطلب أن نمسك بهما هذا الإمساك و نعض عليهما هذا العض و نحتضنهما في داخلنا على حساب استقلال شخصياتنا و محو الرغبة مجرد الرغبة في التفكير الفردي المختلف، فيتختفي منا حس النقد، و نعمى عن التناقضات، و نتساهل مع الوحشية و اللاإنسانية و نتقوقع على نصنا أمام قصوره و نهرب إلى الداخل حينما يضغط علينا الخارج و نتحول إلى نسخ ٍ كربونية بوجوه و أشكال و ملابس مختلفة.

إن علمانية المجتمعات باتت ضرورة ملحة ً لا يمكن تأجيلها، فالدين شأن فردي لا جماعي، و العلاقة مع الكتاب النصي و ربه المعبود علاقة إنسان مع عالم الغيب غير المحسوس، لا علاقة مجتمع محتاج إلى تشريع واقعي ينبع من عالم موجود و ملموس و محسوس. و الحاجات الواقعية لا يجب بأي حال من الأحوال أن تتم تلبيتها من مبدأ الرغبة في إستدعاء الغيبي الغني غير المحسوس و تحقيقه في الحاجة غير المشبعة و المحسوسة، و إلا كان الفشل و الإحباط و التناقض اللواتي نعيش و نتخبط بهن أينما حللنا و كيفما توجهنا.
 -;-
يتطلب المجتمع العلماني الإعتراف الأول الذي سيفتح الباب أمام الحداثة و النمو بأن الإنسان حر، يمتلك خياراً، و له الحق في ممارسة الخيار، دون رقابة، و بكل خصوصية، و بدعم من المجتمع و الدولة، و يتطلب هذا بالضرورة توفر الخيارات و وجودها، و بالتالي إتاحتها و جلبها و تحقيقها من المواطنين أنفسهم بتشريعات تسمح بهذه الحرية، و ضمن أُطر احترام حق الإنسان في الحياة و الرأي و التعليم و الصحة و المسكن و الوظيفة، مع دعم الجمعيات التي تتصدى للمشاكل الناتجة عن قلة الوعي و الفقر و المرض، في مجتمع يعرف كل مواطن ٍ فيه أنه يتساوى في الكرامة و الجوهر الإنساني و الوضع القانوني و المواطنة مع كل مواطن آخر، و يدرك أن قيمته الحقيقية تتبع من أمرين هما: 1 كرامته كإنسان 2 و إنتاجه و مساهمته الفعالة في المجتمع.

و لا بد لنا هنا من أن نركز على الخيارات و توافرها و إتاحتها و حرية ممارستها كعامل جذري في الحل نحو العلمانية، لأن المجتمع الذي يفرض خيارا ً واحدا ً أو خيارات فرعية من الخيار الواحد لا يستطيع أن يفهم الحرية جيدا ً، لأن الإنسان لا يفهم ما لم يرى و ما لم يسمع و ما لم يمارس، كما أنه لا يستطيع أن يقبل وجود نمط ٍ سلوكي ٍ لم يشاهد غيره على الأقل يمارسه، و هو الأمر الذي يفسر الهيجان الدائم و الاستهداف الجاهز للتوثب على كل من يمارس نمطا ً مختلفا ً من المعيشة أو يأتي بأفكار ٍ غير مألوفة، فالناس تخاف مما تجهل و تتوجس مما لا تعرف و تعادي ما يُقلق ثباتها و طمأنينتها، و هي خاصية حيوانية بحتة نشاهد مثيلها في الطبيعة حينما تقود الظروف حيوانا ً ما إلى أرض قطيع ٍ آخر، فيتم القضاء عليه إذا كان القطيع من المُفترسات، أو الهروب منه إذا كان القطيع من آكلات العشب، بينما يترجم البشر نفس السلوك إلى استعداء ٍ و إقصاء ٍ و تخوين ٍ و استهداف.

إن توفر الخيارات و إتاحتها في المجتمع يعطي الأفراد مستوى التعرُّض اللازم، و استدامتها يضمن انكشافها أمام المجتمع و انكشاف المجتمع أمامها في عملية تبادل و تفاعل ٍ تستوعب وجودها و تُدخلها إلى حيز الاعتراف الضمني بالوجود، تمهيدا ً للقبول حتى الاعتراف العلني بحقها الوجودي و بحق أي فرد ٍ في ممارستها دون قمع ٍ أو إرهاب ٍ فكري أو نفسي أو جسدي أو إقصاء ٍ أو إدانة. و لا بد من أجل هذا أن تؤمن نخبة من المشرعين بهذا التوجه و تضغط باتجاهه و تتحالف مع مجموعات ضغط ٍ شعبي ٍ في البرلمانات و المؤسسات القانونية لتمرير القوانين الضامنة لفك ارتباط الدين بالدولة و فتح المجال للتشريع حسب حاجة المجتمع و ديناميكية الواقع، قليلا ً قليلا ً و رويدا ً رويدا ً تمهيدا ً للوصول إلى الدولة المدنية العلمانية التي يتساوى فيها الناس و تؤمن بالعلم و الإنتاج و الإنسان قيما ً و أهدافا ً في نفس الوقت.

معا ً نحو الإنسان! نحو كل الحب!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا.. تفاصيل خطة حكومة سوناك للتخلص من أزمة المهاجرين


.. مبادرة شبابية لتخفيف الحر على النازحين في الشمال السوري




.. رغم النزوح والا?عاقة.. فلسطيني في غزة يعلم الأطفال النازحين


.. ألمانيا.. تشديد في سياسة الهجرة وإجراءات لتنفير المهاجرين!




.. ”قرار تاريخي“.. القضاء الفرنسي يصادق على مذكرة اعتقال بشار ا