الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شاكر النابلسي.. وعلم نقد الدين

وديع العبيدي

2014 / 1 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



لماذا كان علينا أن ننتظر مثل هذا الزمن.. لنتعرف على الدكتور شاكر النابلسي مفكرا وناقدا؟
الكنوز في الصحراء تبقى تحت الرمال.. حتى تهبّ الريح التي تكشف عنها!..
والاستاذ الدكتور شاكر النابلسي أحد القدرات العقلية التي تأخرت نسبيا في الاعلان عن نفسها.. متنقلة من تجارب الحياة العربية إلى الخلاصات الفكرية التي بلورها صاحبها ووضعها في يدي القارئ العربي والمكتبة العربية، الغنية بمواردها، والفقيرة بقرائها.
ثمة أربعة عناصر تقنية يتوفر عليها صاحب الفكر ليثبت جدارته في فكره..
ثقافته، لغته، تجربته ورؤيته!..
وهذه العناصر لها من الخصوصية الملتصقة بصاحبها –الفرد- ما يربأ بها عن بضاعة السوق السهلة حدّ الابتذال. لأنّ الحصيلة الفكرية إن لم تكن تحمل بصمة شخصية، كفّت عن أن تكون ابداعا.. والابداع هو الإضافة في مكتبة الانسانية.
ولد النابلسي ودرس وعاش وتنقل في غير بلد عربي. جمع بين النشأة والدراسة العلمانية وبين المعيشة في مجتمع ديني (السعودية). وكمثقف لا يفصل بين الحياة والفكر، وجد نفسه ملزما باستغوار مكانزمات حياة الناس المقيم بينهم، فانهال على دراسة المصادر الاسلامية في أصولها، معتقدا بذلك أنه يقترب من فهم المبادئ الاساسية التي تقود منظومة حراك الناس وأنشطتهم وأنماط تفكيرهم وتداولهم اليومي.
الفكر والمعايشة..
لكن ما حصل.. أنه بدلا من التوفر على أسباب الفهم والانسجام مع المجتمع [كمنظومة فكرية وتطبيقية متكاملة] ، وجد أمامه جملة من الأسئلة الشائكة العصيّة الجواب. أسئلة ليس أقلها القطيعة والتناقض بين [الأرض والسماء]. وبدل التطبع في المجتمع وجد نفسه يزداد غربة واغترابا، فكريا وروحيا واجتماعيا، أجبره على الهروب خارج تلك البيئة الاجتماعية .. بل خارج الجغرافيا العربية عموما.
فالموقف الفكري للباحث هو حصيلة المعايشة الواقعية -الميدانية- الشخصية، وليس وليد ترف ذهني أو ركوب موجة اعلامية. والفكر الحقيقي الراسخ والمثمر هو ما تستنبته تربة الواقع ويضرم أواره اجتراء العقل. وفي هذا المفصل يمكن تأشير ظاهرتين..
1- خروج الاسلام السياسي (السلفي) من القمقم بعد عام 1967 مغلفا بالبترودولار.
2- الحاجة المتزايدة للبلدان النفطية إلى القوى البشرية العاملة.
فالمعايشة الخليجية (النقطة الثانية هنا) كان لها دور في افراز تجارب فكرية وابداعية مميزة، من بينها تجربة الدكتور كامل النجار التي جسّدها في كتابه القيم (قراءة منهجية للاسلام)، أحد أبرز الكتب المؤسسة لعلم نقد الدين في الثقافة العربية، وتجربة الروائي ابراهيم نصرالله في روايته المهمة (براري الحمى) التي لخّص فيها سنواته في البلاد السعودية.
هذه التجارب المميزة والجريئة، تأتي ردّا على اعتقاد البعض – السائد الآن!- حول امكانية تربية النشء الجديد على مصادر التراث بديلا عن علمانية الثقافة الانسانية، ممعنين في تجاهل التناقضات الصارخة بين منظومة القيم والمبادئ القديمة والقيم العصرية وحاجاتها الفكرية والحياتية.
كانت بدايات النابلسي في دائرة النقد الأدبي ودراسة التجارب الابداعية ، وله تراث نقدي زاخر في هذا المجال، قبل أن تنقل مواجهة الواقع خطاه نحو أراض عطشى أكثر انتظارا للحفر العمودي من المجال الأدبي. ويمكن القول أن دراساته للتراث الاسلامي جاءت مكملة لثقافته العلمية والأدبية المتراكمة، وعلاقته الطويلة والمعمّقة باللغة العربية وقواعدها وبيانها قراءة وكتابة. ولكنّ كل تلك الثقافة واللغة ما كانت تعني شيئا لولا تمحيصها على نار التجربة الميدانية وعلى مدى سنوات طوال، مما أسفر عن تشكيل رؤية فكرية مميزة كانت عوانا لتقديم قراءة جديدة لبدايات الاسلام.
رؤيته المادية..
وقد اعتمد الباحث المنهجية المادية في تفسير - ظهور- الاسلام وأثر ذلك في مرحلة التحول من (القبيلة) إلى (الدولة). من ناحية المبدأ، كان المنهج المادي قد اعتمد من قبل فيليب حتيته في كتابه (تاريخ العرب) الصادر عام 1937، وحسين مروة في (النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية) الصادر عام 1978.
والفكرة في إطارها العام سبق ورودها لدى المستشرق الفرنسي ارنست رينان [1823- 1992م] إذ وصف ظهور الاسلام بحركة سياسية اقتصادية في حينه، كما أن النص القرآني لا ينفي ذلك (سورة قريش). فالدين.. كظاهرة اجتماعية تاريخية.. لا يمنع قبوله أكثر من قراءة، والاتجاه إليه عبر أكثر من منظور.
رغم ما سبق.. فانّ قراءة الباحث لظاهرة الاسلام كما تباورت في كتابه (المال والهلال) تبقى إضافة متفردة مائزة في مجالها وجرأتها وخوضها في التفاصيل عبر منظور مختلف. فالباحث لم يتوقف على أعتاب العموميات، وانما تصدى لقراءة التفاصيل من داخل المشهد، وهو يربط ويقارن بين [الأسباب والنتائج] في كلّ موقف أو مقول.
الواقع الطبقي..
فهو يقدم قراءة اجتماعية اقتصادية سياسية للتوزيع الدمغرافي الطبقي لكلّ من مكة ويثرب وطبيعة الأوضاع والعوامل المحتملة وراء ظاهرة تحقق الحدث الاسلامي. ولا تتغافل الدراسة عن الظروف والعوامل النفسية والاجتماعية الخاصة بشخصية زعيم الحركة ورمزها، بدء بظروف اليتم والفاقة وزواجه بامرأة تاجرة من ذوات الثروة والنسب. تلك الأسئلة التي تخالط قراءة السيرة والتاريخ المبكر، تجد لها أجوبة واضحة في قراءة النابلسي.
يقول توفيق الحكيم في سيرته، وهو خريج الحقوق من طبقة متوسطة محدودة بعدما تعين نائبا، ان راتب النائب لا يحقق له مستوى الرفاه الذي يحلم به ولو بعد أمد طويل، فلا بأس في التزوج من امرأة تنتسب عائلتها لطبقة الحكم تختصر له طريق الفاقة. والمهاجر غالبا يفضل الزواج من الأوربية ليختصر اجراءات اللجوء والاقامة والعمل، سيما لو كانت صاحبة مال أو مركز. انّ (السببيّة) مبدأ فيزياوي، كوني واجتماعي، -وكلّ شيء بسبب-، تم اعتماده في تدوين أسفار التوراة، الكتاب الديني الذي يقرّه العرب والمسلمون. ولكنه قليل الأهمية في التفكير العربي.
مميزاته..
ان ما يميز النابلسي في كتاباته هو اسلوبه الذي يجمع بين عمق الفكرة ووضوح الرؤية وبساطة التعبير. فهو يمضي في عرض فكرته دون تشتت أو تشظيات يتفرعها النص، ودون زوائد لغوية أو بيانية تتعب متن الموضوع بلا طائل. وهذه الأمور ليست باليسيرة على الكاتب، ولا هي في متناول اليد عند طلبها. وانما هي حصيلة رؤية عميقة وسيطرة ذهنية مزدوجة، على كل من سياق الفكرة ولغة التعبير.
لكن الباحث.. وهو يسجل تلك الاضافة المنهجية الأثيرة، في ميدان الحفر في الأصول ومنهجيات القراءة، لم يواصل البحث لاستكمال منهجه في قراءة جوانب ومراحل أخرى من تاريخ الاسلام. ومال عن ذلك للانشغال بظواهر راهنية متتابعة عبر المتابعة الصحفية – وليس البحث الدراسي المنهجي- مثل ظواهر الأصولية والاسلام السياسي وانتفاضات الربيع العربي.
في قطاع العلوم عموما، والعلوم الدينية خاصة، يتم التمييز بين الأصول وبين الفروع، ولكل منها خاصتها. والباحث النابلسي أثبت جدارة مميزة في ميدان الأصول والمتن الاسلامي، والبحث في هذا المجال ما يزال بكرا ويفتقد عناصر المنهجية والجدية، لتدعيم واستكمال علوم الدين المقارن ونقد الدين عند العرب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رحم الله الكاتب شاكر النابلسي
دلور ميقري ( 2014 / 1 / 17 - 01:37 )
في الحقيقة، لم اقرأ للدكتور شاكر النابلسي سوى مقالاته في المواقع الالكترونية، ومنها الحوار المتمدن. ولكن من متابعتي لكتاباته تلك، لاحظت كم كان مهتماً بنقد الانظمة الغاشمة كما والحركات السلفية المتطرفة على حد سواء


2 - Ktketo Bonyالسيد
وديع العبيدي ( 2014 / 1 / 17 - 11:43 )
كل حركة تستهدف أو تقوم بتغيرر النظام الاجتماعي والتوازنات الطبقية والسياسية في المجتمع هي حركة سياسية لها مشروع ثوري لاعادة صياغة المجتمع والتأثير في بناه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وهو ما تصدى لها الاسلام. فهو من هذا المنظور حركة سياسية ومشروع ثقافي كان من جرائه انشاء دولة وطبقةمتنفذة وتوليد امة عربية. ومن هذا المنظور ينبغي فهم ودراسة جوانب الظاهرة الاسلامية وامتداداتها الراهنة..
شكري لمداخلتك ولك تحية

اخر الافلام

.. 163-An-Nisa


.. السياسي اليميني جوردان بارديلا: سأحظر الإخوان في فرنسا إذا و




.. إبراهيم عبد المجيد: لهذا السبب شكر بن غوريون تنظيم الإخوان ف


.. #جوردان_بارديلا يعلن عزمه حظر الإخوان المسلمين في حال وصوله




.. رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء تستطلع هلال المحرم لعام 1446