الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأنظمة الشمولية تنعش الأصولية لتعتاش بظلها

علي الحاج حسين

2005 / 6 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لقد تراجعت فلسفة ومذهب نكران الآخر أو الوصاية على المختلف، بل وتكاد أن تلفظ أنفاسها الأخيرة في شتى أصقاع الأرض، ومع سقوط دكتاتورية البروليتاريا وفشلها وضعت الأصوليات الأخرى رحالها وتقطعت أوصالها، وبالتالي بدأت الديمقراطية تحل محلها خصوصا في بلدان شرق أوربا. إلا أن الوضع في مشرقنا مختلف نسبيا، فالأصولية والشمولية صنوان مختلفان على غرار الأخوة الأعداء، ولا يمكن استمرار وجود أحدهما دون الآخر ويجتمعان على مكافحة المد الديمقراطي وبتر بوادره مسبقا لئلا يضع حدا لنظرية الفوقية وتعالي الإنسان على الإنسان لمجرد انتماءه لهذا الطرف أو ذاك.
بدت الأصولية اليسارية ذات المرجعية البروليتارية الأممية أكثر ليونة وتقبلا للعلمانية الديمقراطية، وما لم ينقرض تماما من مستحاثاتها بدأ يأخذ اشكالا أقرب لواقع التطور الذي طرأ على العالم واندمج اليسار بغالبيته في مسيرة التحول الديمقراطي. حتى أن قادة التحولات الديمقراطية في المعسكر الشرقي السابق معظمهم خرج من رحم الشيوعية البائدة. وحدث ذلك بسهولة من خلال العودة للمرجعية الوطنية وفصم التبعية لما سمي آنذالك بالرابطة البروليتارية الأممية.
بديهي أن للشرق خصوصيته ولا تنطبق عليه التجربة الشرقية بحذافيرها، لأن المرجعية السوفياتية توفيت ولم يعد ثمة أمل لها للإستمرار وكان انتقال التيار اليساري لخندق الديمقراطية أكثر اقناعا وواقعية، بينما الأصولية الشرقية وتحديدا العربية، والسورية لا تشذ عن ذاك بشيء، يلاحظ أنها وبشكليها من من أطراف اليمين واليسار باقية على العهد "إلى الأبد !" ليس لأنها أصيبت بالعمى، إنما لاستمرار تغذيتها والمحافظة عليها من قبل الأنظمة أولا لتكون ذريعة تهش بها على العالم الجديد وتلوح بورقتها بمناسبة وغير مناسبة. وتم التركيز على الأصولية الدينية دون غيرها، فهي ذات مرجعية تنتج قرارات لا تقبل النقض على شكل فتاوي وتزخر بألوان ومتناقضات داخلية وتكفر بعضها بعضا، فنتج صراع متباين الأطراف وخليط من تيارات يصعب الفصل بين أدواته وأحصنته لشدة التشابه بالانتماء والأداء.
الانظمة الاستبدادية الشرقية تغذي هذا الخليط وتمده بأسباب البقاء من حيث يدري هذا الأخير أو لا يدري، لأن أسباب وجود التيارين مترابطين عضويا وبزوال أحدهما يزول الآخر. والزوال هنا يأخذ أشكالا مختلفة وفقا لتطورات موضوعية وعوامل ذاتية، فزوال الاتحاد السوفياتي أسقط الفتاوي الشيوعية الجاهزة ولم تعد تُرفع المظلات في العواصم العربية من قبل المتشيعين لها كلما هطل المطر في موسكو، وبالتالي اتخذت اليسارية منحى آخر لسيرورتها وفي كنهها غلب الطابع الديمقراطي على وصمة دكتاتورية البروليتاريا. هذا لا يمكن أن ينسحب في الوقت الحاضر على النخبوية الأصولية الدينية لاعتبارات عديدة، ففي وجودها دعم ومبرر لبقاء الأنظمة الشمولية فامتطى بعيرها انصاف متعلمين ونظّروا للقرن الحادي والعشرين بمنطق قديم ويصرون على معالجة الحاضر المتجدد بأدوات قديمة متجمدة ويصرون على عدم تطويعها لتماشي متطلبات العصر.
يصر مفبروكها جهلا وعلما على وضع العربة أمام الحصان معتبرين العلمانية دين يتعاطى السياسة، وهم يفعلون ما يُنهون عنه، وبذلك تدخل الحوارات دوامة البحث عن اسبقية البيضة أو الدجاجة وتنتهي بهدر حق مكتسب وهبته الطبيعة للإنسان، بما في ذلك إزهاق الأنفس واستباحة المحرمات، فيصير بعضهم وكلاء حصريين للسماء على من في الأرض. وهذا التيار يتنامى لذات المسوغات، ويتراجع التيار المعتدل الذي يؤمن بأن كل النظريات من سماوية ووضعية يفترض أنها جاءت لخير الإنسان ويفترض تآخيها أو عدم تناطحها في أسوأ الأحوال.
يصر التيار الإسلامي الأصولي في غالبيته البسيطة على طرح نفسه كبديل عن كافة التيارات، ومعارضة أي فكرة مهما صغرت يجعلك في تعارض مع السفينة بمجملها وتمهر بختم الخروج عن الملل والنحل. بلا شك نخبهم تدري انهم طعما تستخدمه الأنظمة الشمولية يخيفون به الحضارات، وقد لا يكونون كذلك في مجملهم، لكن نخبهم على يقين أنها ستفقد مواقعها فيما لو أقرت بأن قروسطيتها المغرقة تدعم استمرار الشمولية وتحارب الديمقراطية بكل أشكالها.
الأصوليون على يقين انه لن يتم إشراكهم بالعملية السياسية الفعلية في التغيير الديمقراطي بغثهم وسمينهم ما لم يتخلوا عن السيف والنطع ويقطعون الصلة بماضيهم العنفي، ولا عجب أن يتغير أي تنظيم وينتقل من شيوعي ماركسي-لينيني إلى تنظيم شعبي ديمقراطي بعد أن توفي الاتحاد السوفياتي وبالكاد نتذكر الكوميكون.
ليس سرا أن المسلم والمسيحي واللاديني لهم مصلحة مباشرة بالديمقراطية التي تحافظ على وجود الجميع بالتساوي، وفي ظل هذا الإدراك تخشى النخبة الأصولية المتخشبة من أن يطاح بها باسم الحفاظ على إنسانية البشر، ومساواة الجميع دون وصاية.

* علي الحاج حسين، مغترب سوري - بلغاريا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 116-Al-Baqarah


.. 112-Al-Baqarah




.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ


.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا




.. اتهامات بالإلحاد والفوضى.. ما قصة مؤسسة -تكوين-؟