الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنسان الديانة التي تسعى إليها الفلسفة

سيومي خليل

2014 / 1 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الإنسان الديانة التي تسعى إليها الفلسفة .
الكاتب : سيومي خليل
ما لي وللناس كم يلحونني ---ديني لنفسي ودين الناس للناس
الحلاج *شهيد الصوفية *
فكرت في مدى صلاحية هذا البيت الشعري لشهيد الصوفية الحلاج كي يكون بداية لمقالي هذا ، تساءلت عن الجدوى من وضع بيت صوفي في مقدمة مقال فلسفي عقلاني ، لكني كنت مترددا في تقديم جواب شاف وحاسم لهذا التساؤل ، إلا أن حدسا ما كان يوقع داخلي رنينا غريبا يجعلني أتصور البيت خلاصة متقدمة للمقال ؛ إنه خلاصة المقال الشعرية ... فكم لخصت أبيات مقتضبة جدا مقالات مطولة .
البيت لا يحيل على ضمير المتكلم ، أو أنا الحلاج الخاصة ، أو ذاته الجوانية فقط ، بل أنه يعنيني أنا ، يعني أناي الخاصة ، ويعنيك أنت ... إنه يعني كل أولائك الذين يضعون أعينهم على أفق إنساني رحب ،, إنه دليل على شساعة القبول ، وعلى احتضان ديانة تحتضن بدورها جميع الديانات الأخرى وتتقاطع فيها ، إنه يتضمن فكرة إنسانية عظيمة ؛ ترك الناس مع أحوالهم العقدية والنفسية والفكرية ... إنه ينتصب كنقيض للوثوقية المولدة للعنف الفكري والجسدي .
لقد سعت الديانات إلى تأسيس لحظات وعي الإنسان بذاته وأصله وعوالمه ... لقد أسهمت بطريقة ما أو بأخرى في تقديم شيء للإنسان ، لكنها في المقابل نزعت عنه أشياء آخرى . إني أتكلم عن الديانات جميعها ، سواء التي ارتبطت بالوحي ، أو التي ارتبطت بفكر الإنسان *تقسيم وحي /عقل *. لقد كانت أسوأ عيوب هذه الديانات أن تابعيها يحولونها إلى إيديولوجيات وثوقية ، ويحولون الإيديولوجيات الوثوقية إلى ديانات ، وينسون أن في أغلبها ما يحيل على عدم إمتلاك الإنسان لتصور شامل للوجود وللحقيقة حتى وإن كان ما يقولونه يستمدونه من الوحي ، لأن الإنسان مولع بالتأويل ،والوحي يصير مع التأويل كأي فكرة عقلية تقبل الصدق والكذب ،والتأويل شر آخر أسوأ .
كل ديانة حملت الورود بيد والرصاص والسيوف والقنابل بيد آخرى ، فالوثوقية التي آمن بها الأتباع لم تستطع أن تحمل في كلتا اليدين الورود فقط ، فكلفت بهذا الإنفصام الإنسانية تأخرا إنسانيا كبيرا ، وكلفت الإنسان ضياع الأرواح والأجساد والأنفس ، واعتاشت كثيرا على دماء الجهل الخصبة .لم يكن الإنسان المؤمن بإلاه مخصوص ومحدد الصفات بقادر على استيعاب واحتضان وقبول إنسان مؤمن آخر يؤمن بإلاه بصفات آخرى مخالفة . لقد أخضع الإلاه لتشريح تفصيلي أقتتلت حوله الأفكار والأشخاص ، وسالت بأسبابه مياه بألونة حمراء ؛ وهذا كله ليس بسبب الله ،بل إنه بسبب تصوراتنا عن الله ...
في خضم صراع الديانات التي تحولت إلى إيديولوجيات وثوقية ومتعفنة وعظيمة التأثير ، والتي نعيش واحدة منها في هذه العصور بشكل مرعب ،وهي ديانة الرأسمالية التي صارت أكبر ديانة ...قلت في هذا الخضم ،كانت الفلسفة تمشى بين قتلى الأرواح والأجساد والأفكار ، لتعطي الدليل على أن هناك ديانة مفتقدة ، وفقدانها هو من ولد كل هذه الفوضى اللا إنسانية ، وفي كلمة بسيطة كانت تنادي بإسم الإنسان .
لا أريد أن أضع كرونولوجيا خاصة بكتابات الفلاسفة حول مفهوم الإنسان ،وحول ما تصوروه في حق هذا الإنسان ،أو حول الأماني العظيمة والكثيرة لديهم التي اتهمت حينها بالطوباوية والجنون ، لكن اليوم صار الكثير منها حقائق واقعة لمن آمن بالإنسان ؛ هذا ليس موضوع المقال على أي حال ...
لأن الفلسفة نادت بالإنسان ولم تنادي يوما بالإيديولوجيا والوثوقيات – رغم أن بعضها تحول بسسب قراءات خاطئة إلى إديولوجيات –كانت كل الديانات ترى الفلسفة بعين غير راضية ، وكانت السياسة لأنها ديانة هي الآخرى ،تخضع الفلسفة لتقلبات براغماتية . لم يكن الجميع راضون عن الفلسفة لأنها لم تكن تتصنع الرضا كي تشكر ديانة على تصورها للإنسان .كانت الفلسفة تعلم جيدا ما سيكلفها ذلك ، خصوصا أنها لم تكن تفكر أو تنوي في تجييش الأتباع والمتعاطفين لكي يدافعوا عنها ، فلإيمانها العميق بالإنسان كقيمة ، لم تكن تفرض عليه أن يتبناها أو أن يحبها ، بل إن مهمتها كانت في أن تحبب للإنسان البحث عن الحقائق . للأسف كانت النتائج كارثية ، لأن الإنسان لم يكن خالصا على الإطلاق ، وكان مقبوضا بكماشات الديانات المختلفة، والتي لم يستطع شعوريا أن يدينها أو يتخلص منها لأنها تملكته، لكنه إستطاع لعن الفلسفة ،والتنكيل بالمشتغلين بها وعليها ،ومع ذلك كان يمارسها هو بدوره حين كان يزيل دم الفيلسوف عن السكين ، لقد مارسها لاشعوريا ، لكنه لم يكن يقوى على مواجهة الديانات العظمى بها ، فالفلسفة كانت بدون رب، في حين توزعت الأرباب بشكل غير محدود على الديانات جميعا .
حين كانت تتمشى بين ضحايا الروح والجسد والفكر متسائلة ،مُحاربة من الذين إنتقدتهم ومن الذين دافعت عنهم على حد سواء ، لم تتردد في قول مغزاها متضمنا في كلمة إنسان . لقد أصرت الفلسفة على ديانة واحدة سامية ، ديانة ستقبل الديانات الآخرى ، شرط أن تقبل هذه الديانات بعضها بعضا . إن هذا الشرط البسيط كان مستحيلا في جميع الأوقات ،واليوم رغم إمكانيته وتحققه، إلا انه يبدو في مناطق معينة ومتوترة بعيد المنال . لقد استطاعت الفلسفة بإصرارها وعمالها البطيء لكن المتقن ،أن تجعل الإنسان يؤمن بنفسه بدل أن يؤمن بالديانة ، ويؤمن بعدم جدوى الإقتتال في سبيل ديانات نمطية .
لقد كانت آخر صراعات الديانات العظمى هي الحرب العالمية الثانية ، وتبعتها بعد ذلك صراعات باردة ملحقة بالحرب النتنة هنا وهنا . لقد كانت الديانات تتقيأ في هذه الحروب وأمثالها الجثث دون توقف . ما زالت إلى اليوم صراعات ذات طابع ديني /عرقي / طائفي / سياسي / لغوي ...إن الحرب لا تفكر كثيرا في الدافع الذي يوقظها، لأنها تعلم أنها نتيجة صراع بين ديانات لا تحب بعضها بعضا كثيرا .هناك صراعات تعود بنا إلى لحظة تيه الإنسان في الوجود أول مرة ؛ سوريا، العراق، القرن الإفريقي، هجمات على المؤسسات والمصانع ، انفجارات ...وهناك أيضا صراع خفي وأقل دموية بين ديانات تخبئ شكلها المسخ وراء النزعات الإنسانية التي نادت بها الفلسفة ، صراعات خفية تبقى قائمة لكنها أفضل لأنها لا ترينا دماء حمراء .
إن هذا التقدم الذي أحرزته مطالب الفلسفة بديانة الإنسان الجديدة ،والتي يكون فيها هو سيد نفسه ،ورب نفسه ،وليست الإيديولوجيات أو الديانات هي من يحدد وجوده الخاص ،هو الرهان الوحيد المتبقي للإنسان كي يتخلص من عفن الحروب والصراعات والإقصاء ,








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائقة تفقد السيطرة على شاحنة وتتدلى من جسر بعد اصطدام سيارة


.. خطة إسرائيل بشأن -ممر نتساريم- تكشف عن مشروع لإعادة تشكيل غز




.. واشنطن: بدء تسليم المساعدات الإنسانية انطلاقاً من الرصيف الب


.. مراسل الجزيرة: استشهاد فلسطينيين اثنين بقصف إسرائيلي استهدف




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش إرهاق وإجهاد الجنود وعودة حماس إ