الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المختصر فى تاريخ بلاد فارس - الجزء الثانى

محمد عادل زكى

2014 / 1 / 24
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


حينما إجتاح المغول الشرق الأوسط فى القرن الثالث عشر، وتمكن المماليك من الإنتصار عليهم، بركائز شرعية غرسها شيخ الإسلام ابن تيمية، وأكدوا سلطانهم على مصر والشام، تراجع المغول إلى فارس، وقد قرروا تكوين دولتهم فى إيران(1264-1336م) وهنا يتعين أن نلاحظ حدثين مهمين: أولهما: اتخاذ الأسرة المغولية الحاكمة فى إيران للإسلام على مذهب أهل السنة ديناً للدولة بعد مضى ثلاثين عاماً على تأسيس مملكتهم بإيران، فى محاولة منهم إلى الالتحام مع النسيج الاجتماعى المسلم الذى كان يراهم عبدة أوثان كفرة، وربما كمحاولة أخرى كى يقدموا أنفسهم كبديل أفضل بالمقارنة مع حكام مصر والشام الذين كانوا مماليك أرقاء . ثانيهما: تحولهم إلى المذهب الشيعى الإثنى عشرى بعد مضى خمسة عشر عاماً على الخطوة السالفة الذكر. وذلك كى لا يعترفوا بالقاهرة، التى يحكمها المماليك، مركزاً لدار الإسلام، ومن ثم يصيروا، ولو شكلياً، خاضعين للماليك الذين يستطيعون أن يحددوا للخليفة، وهو فى أيديهم، بمن يعترف، وطبيعة الإعتراف، وطبيعة وحدود الألقاب الممنوحة. فمعنى أن المغول لم يستطيعوا إزالة المماليك، فإن الأيديولوجيا السنية التى يمسك المماليك بزمامها لم تعد فى صالحهم، فاقتضى الأمر تغييراً جذرياً سريعاً، فكان التشيع على المذهب الإمامى، وذلك فى عهد أولجاتيو (1304-1316م) ولا شك فى أن تحدر المغول من جنكيز خان، وإحساسهم بأن أسرة جنكيز خان هى صاحبة الحق فى السيطرة على العالم؛ سهل عليهم فهم الأيديولوجيا الشيعية التى تحصر الحق فى السلطة فى الأئمة من آل البيت لذا فإن إنتقال سلاطين المغول من التسنن إلى التشيع، كان يحل مشكلة أيديولوجية لديهم تتعلق بهويتهم، ودورهم الجديد فى دار الإسلام. فقد صار بوسع السلاطين المغول عندما تشيعوا الإدعاء أنهم إنما ينفذون إرادة الله وخطته اللتين تعطلتا عبر التاريخ بسبب السيطرة السياسية لأهل السنة. وهكذا فإن كل السلطات الإسلامية حتى أيامهم هى غير شرعية لأنها أكلت حق الأئمة أو سكتت عن انتهاك هذا الحق. وبمقتضى هذه الرؤية يكون كل الخلفاء السابقين؛ بل والمماليك أيضاً؛ مغتصبين للسلطة والسلطان.
وحينما تمرض دولة المماليك، وتمزق على يد العثمانيين كقوة عسكرية، يظهر إسماعيل الصفوى، ويشرع فى مراسلة ملوك الفرنجة، الذين لم يفقدوا الأول فى بيت المقدس، عارضاً عليهم اقتسام الشرق إذ ما ساعدوه، ولكن السلطان سليم الأول تنبه إلى ذلك، وألحق بالصفويين هزيمة ساحقة فى جالديران 1514. ولم تكن تلك الهزيمة إلا إعادة صوغ لشكل الدولة وحدودها، للمرة الثانية بعد موقعة عين جالوت، إذ تبلورت القومية الفارسية/الإيرانية، وصار الصراع معلناً بين الدولتين العثمانية والفارسية بصفة خاصة حول العراق والعتبات المقدسة، حتى ظهر نادر شاه واستطاع الهجوم على البصرة، ثم احتلال البحرين، كما تطلع إلى ضم عمان فى عام1737م، ونظراً لأن فارس، آنذاك، هى الأكثر حاجة إلى العراق، وإلى العالم السنى، فقد أطلقت على يد نادر شاه أول دعوة للتوفيق بين السنة والشيعة، باعتماد المذهب الجعفرى الذى وضعه الإمام الشيعى جعفر الصادق، ويتميز بأنه وسطى ويحرص على ترك المسائل الخلافية. ولكن فى تلك الفترة أخذ يتشكل على أرض الواقع صراع أيديولوجى جديد بين السلفية الوليدة فى شبه الجزيرة على يد الإمام محمد بن عبد الوهاب، والشيعية الفارسية. فى الوقت نفسه الذى انتقلت التركة الاستعمارية من اسبانيا والبرتغال إلى إنجلترا وفرنسا، بجوار الدولة العثمانية وروسيا، كبلدان إستعمارية توسعية بحكم تكونها التاريخى، وحينما يبسط الفرس سيطرتهم على العراق بقيادة الشاهزاده محمد على والشاهزاده عباس ميرزا، يستنجد السلطان بمحمد على باشا فى مصر، ولكن على ما يبدو أن محمد على لم يكن يرحب بالدخول فى معركة ضد الفرس ونظراً لتفشى الأمراض فى الجيش الفارسى، فقد اضطر الفرس إلى الإنسحاب والعودة إلى فارس، وفضلت الدولتان الإسلاميتان العودة إلى مائدة التفاوض وتوصل الجانبان إلى معاهدة أرضروم الأولى 1823. وإذ تمضى السنون وتأتى الحرب العالمية الأولى بين المحور والحلفاء، وتكون إيران أرض المعركة بشكل واضح، ويبدو جلياً مدى الهيمنة البريطانية، ومدى شقاء الشعب، بل وجوعه، حينما ضربت المجاعات البلاد سنة 1917، تحت رعاية الملكية القاجارية، الأمر الذى قاد إلى ظهور رضا خان (1921-1925) من خلال إنقلاب عسكرى، وبعد رضا خان يتولى زمام السلطة رضا بهلوى (1925-1941) كى تتميز فترة حكمه بالصدام مع رجال الدين، والعمل على المزيد من إدماج إيران، كأحد الأجزاء المتخلفة، فى السوق الرأسمالية العالمية الآخذة فى التشكل. وإذ تنشب الحرب العالمية الثانية تنتهى حقبة رضا بهلوى بالغزو الأنجلو- سوفيتى وتحويل إيران إلى قاعدة لتزويد الحلفاء بالطائرات، وربما بالمقاتلين أيضاً، وفى ظل الإستعمار السوفيتى يتولى الشاه محمد رضا الحكم، وعقب حادثة اغتياله، واتهام التيار الشيوعى، أخذ يعمل على قمع المعارضة وتصفية رموزها ومنها مصدق ومجموعته، وهو الأمر الذى استتبع رد فعل شعبى عنيف، لم يجد أمامه الشاه إلا أن يعين مصدق رئيساً للوزراء، وفور تقلد مصدق زمام الأمور مد جسور التعاون مع الشيوعيين، وقلص مصروفات القصر، وعزل العشرات من الجنرالات الموالين للغرب الإمبريالى، وبدت إيران وكأنها فى طريقها إلى حكم وطنى حقيقى، إذ صار النفط محلاً للتساؤل حول كيف يستفيد الشعب الإيرانى بعوائد هذا الخام؟ وبالطبع لم يكن هذا التوجه كى يرضى أجهزة الإستخبارات الأمريكية، ومن قبلها الإنجليزية، فوضعت الخطة للإطاحة بمصدق، وأرجعت كل السلطات مرة أخرى إلى محمد رضا الذى تعلم الدرس، فأنشأ، برعاية غربية، السافاك بقيادة تيمور بختيار، الذى عمل على قمع أهم زعيمين: على شريعتى، وأية الله الخمينى. والقضاء على أهم تيارين: فدائى خلق، الماركسى. ومجاهدى خلق، التابع لعلى شريعتى. بيد أن القمع المستمر ولّدَ الإنفجار لدى شعب أنهكه الجوع والفقر، فكانت الثورة الإسلامية، كما أطلق عليها، ولكنها تحمل فى طياتها التغيير الإيديولوجى فى عقيدة الشيعة، وبصفة خاصة الإمامة الاثنى عشرية.
فإن مصطلح الشيعة أطلق فى القرن الأول الهجرى على أتباع الإمام عليه السلام، فى مقابل شيعة معاوية أو آل إبى سفيان، أما مصطلح الإمامية فقد أطلق فى القرن الثانى على الشيعة الذين قالوا باشتراط العصمة والنص فى الإمام، وإن أئمة البيت أحق من غيرهم بالإمامة. وأما مصطلح الاثنى عشرية فقد أطلق فى القرن الرابع الهجرى على الشيعة الذين قالوا بولادة ووجود الإمام الثانى عشر(محمد بن الحسن العسكرى) واستمرار حياته إلى يوم الظهور أو العودة من الغيبة. والمصطلح الأخير إنما يعنى سقوط نظرية الدولة، إذ فى عصر الغيبة من المفترض، وفقاً للمعتقد، أن تتوقف الدولة عن ممارسة نشاطها حتى عودة الإمام الغائب. ومن ثم تُعطل الحدود، وتمتنع صلاة الجمعة، وجمع الزكاة، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والجهاد، وإلى غير ذلك مما يستلزم وجود الإمام الغائب. بيد أن الواقع كان أقوى من دوجما العقيدة، فلم تكن الإنتفاضة، فى تقديرى، ضد الشاه التى قادها الخمينى موجهة فحسب ضد نظام حاكم فاسد موالى للغرب الإمبريالى، وإنما ثورة فقهية وفكرية على نظرية "التوقف والانتظار" حتى عودة الإمام من الغيبة، إذ رأى الخمينى ومَن معه مِن المفكرين/الفقهاء أن نظرية الانتظار تكبلهم وتمنعهم من النشاط السياسى الفاعل، ومن ثم كانت ثورتهم الثانية التى وجهت ضد نظرية الغيبة، بأن تم ابتكار نظرية بديلة على مرحلتين: الأولى هى افتراض النيابة العامة للفقهاء عن الإمام الغائب، ثم، ثانياً، تطوير نظرية النيابة إلى نظرية ولاية الفقيه. وهى تعنى، من ضمن ما تعنى: أن ليس للشعب دور فى اختيار الولى الفقيه، وان أهل الخبرة (الصفوة الأخيار) هم الذين يكتشفونه. وأن الولى الفقيه (المصطفى) أهم من القانون الأساسى. وأن حكومة العدل الإسلامية بديل للنظام الجمهورى. وأن تصدير الثورة من مهام الحكومة الإسلامية التى يديرها الولى الفقيه (وهذا المعنى دعائى وغير حقيقى، ويخضع لإعتبارات سياسية بحتة وليس عقائدية أو أيديولوجية) وأخيراً فليس للأحزاب السياسية أن تنحرف عن الخط الذى رسمه الإمام. ولقد نصت المادة الخامسة من الدستور الإيرانى على تلك الهيمنة إذ جاء فيها أن :"فى زمن غيبة الإمام المهدى (عجّل الله تعالى فرجه) تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة فى جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل، المتقى، البصير بأمور العصر، الشجاع القادر على الإدارة والتدبير...".
إن هذا التطور، وهو فى تصورى برجماتى جداً، إنما يبعد شيعة اليوم عن التسمية الموروثة والشائعة (الإمامية) ويمكن أن يسمى الشيعة اليوم بأنهم جعفرية، أى يتبعون فقه الإمام جعفر الصادق، كما يتبع المسلمين الأحناف أو المالكية...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيسي يحذر من خطورة عمليات إسرائيل في رفح| #مراسلو_سكاي


.. حزب الله يسقط أكبر وأغلى مسيرة إسرائيلية جنوبي لبنان




.. أمير الكويت يعيّن وليا للعهد


.. وزير الدفاع التركي: لن نسحب قواتنا من شمال سوريا إلا بعد ضما




.. كيف ستتعامل حماس مع المقترح الذي أعلن عنه بايدن في خطابه؟