الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القديم الجديد: دور المثقف

غياث منهل هادي

2014 / 1 / 27
المجتمع المدني



-لا اطرح نفسي هنا مثقفا, ولكنني امارس حقي في قراءة هذا الدور-
كثيرا ما تأخذنا التأملات و القراءات التجريدية بعيدا عن واقعنا اليومي ليصفعنا الاخير بطريقة او بأخرى, نشرة الاخبار، صياح الاطفال، صوت سيارة الغاز... هذه الصفعة ضرورية بين الحين والاخر لأنها تعيدنا الى واقع ابتعدنا عنه طويلا. كثيرا ما اتساءل عن جدوى ما اقرأه او ما افكر فيه: اين هو المجتمع من كل هذا؟ او بالأحرى: اين انا من مجتمعي؟ من يكترث لكل هذا الهراء التجريدي عن انتاج المعنى ومستويات قراءة النص؟ ما الجدوى الفعلية من كتابة نص لا يقرأه الا الغاوون؟ هل يحتاج احد الى هذا الهراء؟
اعتقد ان المجتمع يحتاج الى هذا. نعم, رغم انه لا يكترث ولكن الحاجة الى الفهم والادراك والمزيد من الوعي ليس لها مكان وزمان محدد. ربما يحتاج الناس الى الخبز اكثر من حاجتهم لتنظير فكري فارغ ولكنهم يحتاجون هذا ايضا. الخبز وحده لا يكفي" والامان هو الاخر, الناس بحاجة الى امنِ ثقافي معرفي. هم بحاجة الى المزيد من الوعي, والتنضير المطلوب هو تنضير ينكر المسلمات و يغاير التقليد. ولكي ينجح المثقف عليه ان ينطلق من الحاجة الحقيقية لا ان ينصب نفسه فوق المجتمع. على المثقف ان يقرأ الواقع قراءة مفكر واع وان يحرك الراكد في الوعي الاجتماعي. لا فائدة من كتابة تحاكي نخبة ولا خير يرجى من خطاب يتجه الى, ويتمركز حول الذات. واذا انطلقنا من قراءة لواقعنا الاجتماعي فإننا نكاد نتفق اليوم على ان مجتمعنا يعاني من اغتراب شديد على مستوى الهوية. فهويتنا الوطنية في مرحلة تشظي والهويات البديلة تطرح كبدائل ترقيعيه. المجتمع في واد ونخبه الثقافية في اودية شتى. هذه النخب التي مازالت تعاني من مرض الفوقية الثقافية لم تستطع ان تنتج فكرا حقيقيا كما فعل علي الوردي يوما او غيره ممن انطلق من قراءة المجتمع الى فضاء الفكر والتنظير. الثقافة وحدها، وخصوصا الثقافة المستوردة، لا تؤتي فعلا ثقافيا منتجا. لكي تشتغل وتتفاعل، عليها ان تنطلق من الارض, من المجتمع من جذور الظواهر لا من قشورها. الى حد كبير اسهمت هذه الثقافة الفوقية المستوردة في انتاج ثقافتنا الشعرية البكائية. فالمثقف مغترب فكريا مهمش اجتماعيا مبعد سياسيا والى حد كبير مضطهد دينيا في مجتمع يفترض ان يكون مسرح فعله الثقافي. لذلك نجده يتباكى على وطن يرفض تناقضاته ويرفض احيانا حتى الانتماء اليه. من جهة اخرى نرى المجتمع فاقدا بوصلة الاتجاه الذي يسلكه, فالمجتمع بلا محركه الثقافي شراع في مهب الريح. فالانا الوطنية المتضخمة كفقاعه (من ابرز امثلتها الاغاني الوطنية الفجة) لم تستطع بعد ان تنتج هوية وطنية حقة. وبدلا عن ذلك نرى المجتمع يتقهقر بالعودة لثقافة القبيلة، والانتماء الضيق الى الطائفة والجماعة العرقية. ومع كل التقدير لما تمثله القبيلة والطائفة في وعينا من اهمية وانتماء اجتماعي وعقائدي فان هذه العودة تمثل اسوء مراحل التقهقر والتفكك للهوية الوطنية. هذه العودة تمثل تراجعا عن مشروع المجتمع المدني. القبيله هي مرحلة بدائية من مراحل التنظيم البشري توجد في واقع اليوم وثقافة القبيلة هي ثقافة رجعية تطرح نفسها كمرجعية بديلة او مكملة للدولة. دولتنا اليوم قبلية بامتياز فالطبقة الحاكمة نتاج للمجتمع المحكوم فالحاكمون والمشرعون والكل هم نتاج ولاءات قبلية طائفية. هذه الثقافة التي نراها تزدهر مع كل تراجع لمشروع الدولة نراها اليوم تتأسس مع هذا المشروع. المشروع الذي ينبري لبناء دولة مشوهة، دولة بملامح قبيلة، ومظاهر عرق وروح طائفة. لا مشكلة في الاعتزاز القبلي والانتماء المذهبي ولكن كل الخطر في ان يكرس الاثنان لتشويه مشروع بناء الدولة.
من مصاديق التراجع الكبير لمشروع الدولة المدنية هو اندثار الطبقة الوسطى في المجتمع العراقي في العقدين الماضيين. هذه الطبقة التي عرف عنها الاسهام الحيوي في تقدم وازدهار مختلف المجتمعات المتقدمة, حطمتها الثقافة القبلية الهمجية لحقبة نهاية البعث الصدامي, وزادت انكسارها الطائفية المقيتة التي كرست انقسامات المجتمع العراقي وأجلت نهضته. اليوم، يعيد التعافي الاقتصادي، رغم تعثره، تكوين ملامح هذه الطبقة من اكاديميين، اطباء، مهندسين.. وغيرهم. هذه الطبقة هي الكفيلة بإعادة الحراك الثقافي المجتمعي الى مساره الصحيح, رغم تشوهاتها نتيجة ما خاضته من صراعات مصيرية في العشرين سنة الماضية.
هنا تتأتى الحاجة الى مثقف منتمي. مثقف يقرأ الواقع، ليفهمه ويسهم في تشكيله. مثقف فوق الطائفية، وخارج القبيلة. مثقف يحمل مشروع دولة تحمي انسانية الانسان. هذا لا يعني الرفض المطلق لهذه الانتماءات الفرعية وانما الانطلاق منها نحو فضاء الوطن والانسان. الطائفية والقبلية عنصران مكونان لواقعنا الاجتماعي والقفز فوق هذا الواقع لا يجدي. والاهم هو افراغ هذين المكونين من شحنتهما السلبية و وتعزيز الفاعلية للانتماء الوطني.
يحتاج التعافي الثقافي الى مرحلة نقاهة للطبقة الوسطى التي ينبغي ان تعيد تشكيل نفسها اليوم, هذه الطبقة التي يعول عليها كثيرا في انتاج وتداول خطاب ثقافي بناء نابع من واقع مجتمعنا وتناقضاته ومتحرك في داخل هذا المجتمع وصانع للتغيير فيه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معاناة مستمرة للاجئين الفلسطينيين بمخيم البقعة في الأردن بعد


.. -النكبة لن تتكرر-... فلسطينيون وأردنيون يحيون ذكرى النكبة أم




.. أخبار الساعة | اعتقال 4 مسؤولين في أنقرة بتهمة التآمر ضد سيا


.. فرحان حق: الأمم المتحدة شكلت لجنة لتقصي الحقائق في الهجوم عل




.. الأونروا تحقق في لقطات نشرها الجيش الإسرائيلي