الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكموكي ما حكوكي.. بين البطل الشعبي ورئيس الجمهورية.

مختار سعد شحاته

2014 / 1 / 27
المجتمع المدني


العرب والبطل الشعبي:
جلست مع الرائعين المخرج "أحمدعيد" والشاعر "وليد علاء الدين"، وكلاهما مبدع بدرجة، وبعد حوارنا قررت كتابة هذا المقال.
يشتهر التاريخ الشعبي للعرب بالزاخر من شخصيات البطل الشعبي، والذي يجيء في دور المخلص بشكل ما، لكنه في النهاية –وغالبًا- لا يمكن أن يتمثل في الحكايات في شخص الحالكم، إلا في نادرها، أو في حكايات متوازية يحقق فيها الحكم غاية تخدم فكرة البطل الشعبي في ذهنية العقل الجمعي الغالب على الحكاية همه وطموحاته التي يجسدها هذا البطل الشعبي.
قد يأتي هذا البطل فيه من الانكسار قدر ما، لكنه انكسار خاص يليق بالأبطال، وهو للحقيقة انكسار نسبي بقدر. فهناك من يرى هذا الانكسار مزية تضاف إلى شخصية البطل الشعبي، وتعطي له بعدًا من الشجن يزيد من محبة الجموع لهذا البطل الذي يحمل بعض شجنهم، ويمثل مزيدًا من تطلعاتهم التي يرونها في أحيان فوق المتخيل والمتصور، فيعزفون عنها ولو في أحلامهم. ربما يبالغون في رسم هذا البطل، ويخلعون عليه من الصفات الكثير، فهو من يمكنه في أقلها حكيًا ان يغلب بضربة سيف ألفًا من هؤلاء الأشرار، أو يطلق من عينيه سهامًا من النار تحرق عالم الشر وتحوله إلى جحيمهم الذي يجيء –عند الجمهمر- شكلا من العدالة التي افتقدوها، وطمحوا الحلم بتحققها شاخصة بين ظهرانيهم.

بطلي الشعبي الذي سقط:
أعرف من تجارب شخصية ما يمكن أن يكون بطلا شعبيًا بقدر ما وفي حدود مجتمعية خاصة لها اعتبارتها وخصوصيتها التي تحكم أسطورة بطلها الشعبي حسبما يتفق مع حكاياتهم تلك، وأذكر في أولى أعوامي في التعليم كيف بدات تختلف تلك الشخوص وتتباين فتنخلع بأسطورتها على الوالد مرة أو الأخ الأكبرة مرة أو مدرس الابتدائية مرة، أو حتى إنها في مرة انخلعت على طالب الصف السادس الذي يقود فريق الإذاعة المدرسية. نعم كلهم كان بطلا بقدر ما في حياتي يشكل من أسطورة البطل الشعبي والمخلص للكثير منا في بلدتنا التي تحترم أبطالها الشعبيين وتخلع عليهم من خوارق الأمور الكثير مما يصدمك حقيقته حين تكبر وحين يبدأ العقل في النضوج رويدًا رويدًا. فأنا وحتى فترة متقدمة مما تلى صفي الأول لم أكن أعرف سبب توتري الشديد كلما وقعت عيني على "فراش" المدرسة هذا الذي اتهمه يومًا مدرسي بأنه "قطع حبل أفكاره"، ربما كرهت هذا "الفراش" المسكين الذي يدخل الفصل لتوزيع "التغذية المدرسية" وبلا مبالاة يعكر مزاج بطلي وأسطورتي ويقطع حبل أفكارها، حتى أن مرة ضبطت روحي تصب اللعنات على رأس هذا المسكين. حين كبرت وشب طوقي، اكتشفت الصدمة وكيف كان بطلي الشعبي المتصور في الابتدائية لا يعدو كونه نصف متعلم ونصف مثقف، ونصف موهوب، ومن يومها كرهت الأنصاف وكرهت أساطيرنا المنسوجة حول الأنصاف، بل رحت لا أطيق في حياتي كل هؤلاء النصف، فكرهت قمر بحيرتنا إلا ليالي بدره. سامح الله بطلي الشعبي في الابتدائية وسامحني لعداوتي للمسكين "فراش المدرسة".


هل السيسي نعتبره بطلا شعبيًا؟:
تأملت حال الناس والعباد، وهي فضيلة تعلمتها وأدرب نفسي عليها مؤخرًا، وحاولت الوصول إلى من يعتبره الناس بطلا شعبيًا في تاريخنا الحديث والآني، فلم أجد في مصر غير شخص عبد الناصر ولكنه فسد تمامًا بما يشنه البعض حول تجربته من مآخذ وسلبيات، ووجدته لا يجوز ان يكون المخلص الذي يمكن ان يكون البطل الشعبي. اما الآن وبعد ثورة هؤلاء المصريين التي تستمر في صدم العالم بما لا يوصف سوى "الاندهاش"، لما تأخذه هذه الثورة من منحيات ودورب، ربما مجرد التفكير فيها يعد خيالا، لكن الأكثر خيالا منه هو طريقة سير هذه الثورة. وبعيدًا عن نجاحاتها وإخفاقاتها التي يختلف حولهما الجميع، إلا أنها في النهاية تمخضت عن بطل شعبي هو شخصية العسكري التي تمثل لها "عبد الفتاح السيسي"، فانتزع اللقب بقدرية أو اقتدار ربما. لكنه الآن بات لدي الكثير من فقراء هذا البلد وبعض الرأسماليين وبعض الأنصاف من عينة أسطورتي الابتدائية، يُعتبر البطل الشعبي باقتدار.

البطل الشعب، ورئيس الجمهورية؛ وخيار صعب:
يأتي كما قلت البطل الشعبي وقد حمله البعض في خيالاتهم من قدراته العجائبية الكثير، لمنحهم من عالم الخيال والحلم كل ما تمنوه مرة، وهو ما يضع حملا ثقيلا وشديد الخطورة حول شخص البطل الشعبي. ربما البطل هذا لا يملك من الامكانات أو الامكانيات ما يسمح له ان يتوافق مع ما جاء من خيالات وتصورات الناس حوله، وهو ما يجعلني أقول بارتياح بان فهم البطل الشعبي لطبيعة الأسطورة حوله يلزمه أمران بالغا الخطورة، الأول يتعلق بالفهم لطبيعة هذا البطل وحدوده وقدراته من وجهة نظر العقل الجمعي، والآخر ما يعرفه هذا البطل عن نفسه وعن مهاراته التي تجعله يدرك مقدرات هذه الشخصية وما تتطلبه او يتوجب عليها أن تتقنه من الآداءات على أرض واقع الأسطورة. لنقل بشكل آخر، أن "على الزيبق" كان يعرف عن طبيعة عدوه "سنقر الحلبي" و"دليلة" الكثير، ويعرف تفاصيل القصر الحاكم، مثلما يعرف حدود وقدرات شخصه، وهو ما جعله يُسطّر كبطل شعبي في النهاية، والامر مثله مع عنترة ومع "أبو زيد الهلالي"، والكثير من هؤلاء الذين عرفوا الأمرين وأدركوا ضرورة تحققهما في آن واحد.
هنا الحالة ربما تختلف بعض الشيء؛ ففي حالة "عبد الفتاح السيسي"، ربما كانت ترقيته العسكرية من فريق أول إلى مشير، قد تدفع خطوة نحو اكتمال الأسطورة، لكنها ومع قرب الانتخابات الرئاسية وبعد الإعلان عنها سابقة لانتخابات البرلمان، تضع البطل الشعبي أمام خيار شديد الصعوبة، فالرجل الىن إما أن يستكمل الفصل الاخير من أسطورته الشعبية التي قربت أن تنتهي وتنضج للأبد، وإما ينهيها نهاية درامية شديدة الأسف إن لم ينتبه. ربما عرف السيسي عن شعب مصر الكثير، ومن الاكيد معرفته لنفسه أكثر من العالمين، لكن الآن وأمام هوس الدفع به إلى منصب رئيس الجمهورية، فهل يدرك أن شخصية البطل الشعبي باتت على المحك، وأنه إما أن يقضي على هذا البطل ويكتفي بكونه رئيسًا وفقط صاحب برنامج سياسي انتخابي، ومهما طال به الامر نهايته إلى الخروج من المشهد، أما يكتفي بصورة البطل الشعبي المخلص، والمراقب بقدر واسع، وطبقا لصلاحيات الدستور الجديد للعملية برمتها، وهو ما عليه خلاف من البعض لكني أراه ضرورة مؤقتة للدفع بالركب نحو حلم الوطن؟! وحده من يملك الخيار بين رئيس جمهورية يحتمل أن يصيب وان يخطيء، لكنه حين يصيب لن تغني له معارضته السياسية، وحين يخفق لن ترحمه لأنها حينها ستعاقب شخص الرئيس لا شخص البطل الشعبي.

في النهاية من يدري!!:
توجد إذن فرصة مزدوجة اما السيسي، إما ان يضرب مثلا في البطولة الشعبية –وفي رأيي هي ما يدوم ولا يُختلف عليها- وإما أن يقفز إلى كرسي الرئاسة في سهولة مطلقة لن تقل عن سهولة انتخابات 2010، أو أخونة مؤسسات الدولة إبان عام الإخوان.
بشكل شخصي أتمناه بطلا شعبيًا –ليس لي، فلي قناعات أخرى- للناس، وأن يعرف عن نفسه أكثر وأكثر، ليقرر إما الاستمرار في صورة البطل الشعبي، والذي قد يُحكى عنه فيما بعد في أساطيرنا أنه بنظرة من عينه كان يسقط طائرات العدو ويغرق مدمراتهم البحرية، وأن صدره كان يرتد عن الرصاص ولا يؤثر فيه النابالم. ربما تعطيه الأسطورة الشعبية للبطل الشعبي خيالا أكثر زخمًا ورشاقة فنجده يطير في الجو، ويغوص البحار، ليعطي للكثيرين صورة جديدة ويكتب فصلا من فصول الأساطير الشعبية لا تقل روعة عن أساطيرنا، حتى ولو ظلت أسطورة أنصاف يختلف حولها الناس. أو من يدري ربما وقع في فخ الكرسي وقرر أن يبقى الرئيس، وقد هداه فكره ان رئيسًا للدولة خير من ألف بطل شعبي. من يدري؟ وغدًا إن لناظره قريب.. في النهاية إن قرر أن يكمل الطريق بطلا شعبيًا أو رئيسًا للبلاد ستتناوله الأغنية المصرية الشعبية كما تناولت غيره من أساطير وأبطال ورؤساء، وستبقى الكلمة:
- "حكموكي ما حكوكي.. برضه المصري مصري.. والمملوكي مملوكي".
ربما كانت مصر في الفترة الماضية من سنوات الثورة تحتاج بطلها الشعبي قدر حاجتها إلى رئيس جمهورية وطني، لكن بين البطل الشعبي ورئيس الدولة بون واسع، فهل يدركه عبد الفتاح السيسي؟

مختار سعد شحاته
Bo Mima
روائي.
مصر/ الإسكندرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اللاجئون السوريون -يواجهون- أردوغان! | #التاسعة


.. الاعتداءات على اللاجئين السوريين في قيصري بتركيا .. لماذا ال




.. الاعتداءات على اللاجئين السوريين في قيصري بتركيا .. لماذا ال


.. الحكم بالإعدام على الناشطة الإيرانية شريفة محمدي بتهمة الخيا




.. طفل يخترق الحكومة التركية ويسرب وثائق وجوازات سفر ملايين الس