الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النَزَعات الانتقامية .. والعدالة الناجزة

أماني فؤاد

2014 / 1 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



منذ أن استجاب الجيش الوطني لرغبة المصريين في إنهاء حكم الإخوان ، وعزل الرئيس السابق وتقديمه إلي المحاكمة ، وبعد فض اعتصام رابعة العدوية ، وقتل من قُتل من المصريين من الطرفين ، تحولت بقايا الثورة وموجاتها من فعل اجتماعي سياسي رؤيوي إلي اقتتال يومي ، عداء يتوالي ويزداد عنف درجاته ، علي خلفية قصاص حتمي يعتقده أصحاب ادعاء اليقين الواحدي .
لقد أصبح المجتمع المصري يعاني من حالة تهديد ورعب يومي ، صارت التفجيرات والقنابل وحتي الصواريخ المضادة للطائرات مشهدا معتادا ، التراشق بالاتهامات و الأسلحة والعبوات الناسفة ، استهداف رجال الجيش والشرطة وقتلهم ، ثم التمثيل بجثثهم قصاصا واجبا من الجماعة وأعوانها ، تفجيرات مديريات الأمن ، ومراكز ونقاط الشرطة والجيش إيقاعا متكررا ، دمويا و مجنونا ، اضطراب الجامعات ، ومظاهر الفوضي والعنف والحبس والتحفظ التي تشمل الشباب و تمثل ضياعا للمستقبل ، الآتي الذي بات يحكمه نبرة يأس وانسحاب من قَبَل فصيل كبير من قوي الثورة الشبابية .
لم يكن القتل و دوي الانفجارات من يوميات الواقع المصري ، لكن المراقب للمشهد الأن لابد أن يلاحظ النزعات الانتقامية التي يضمرها التنظيم العالمي للإخوان ، الذي صور ما حدث مع مرسي وجماعته بأنه انقلاب ، فاستعدي القوي الدولية ، و صور معطيات المشهد المصري في الخارج بأن ما حدث من الجيش رغبة في إعادة حكم البلاد إلي حوزة السلطة البرجوازية السياسية العسكرية .
الأمر الذي يدعو للتساؤل الأن : كيف نخرج من هذا النفق المظلم الملوث بالدماء والخراب والإحباط ؟ كيف نقضي علي هذه النَزَعات الانتقامية التي باتت تحكم المشهد في كل أنحاء مصر بجميع محافظتها ؟ فالجميع في هذا الوطن مصريين .
كما أطرح سؤالا أكثر حساسية كيف نساوي بين طرفين : أحدهما يستهدف الحفاظ علي أمن هذا الشعب ، ويسهر علي حمايته من الإرهابيين ومجانين السلطة الذين يفرضون تقديسا علي توجهاتهم ورؤاهم وأصولياتهم ، ويساوون بين تأويلاتهم للنصوص الدينية والدين ذاته ، فريق يعرف معنى الوطن ، استجاب بالفعل لرغبة غالبية المصريين في إسقاط حكم الإخوان ومواليهم ، وفريق آخر يمارس كل أنواع العنف وزعزعة أمن هذه الدولة بكل مقوماتها السياسية والاقتصادية والأمنية ؟ فريق يُحل قتل كل من يختلف معه علي أساس فتاوي قياداته وشيوخه ، الذين لا يعرفون منطق براح الفكر الإنساني وتعدده ، وتطوره لتاريخيته .
أما أن يستحوذون علي رأس السلطة ، وجميع مفاصل الدولة ، ويتم لهم التمكين الذي خططوا له ، أو يسقطون مؤسسات هذا الوطن الراسخة التي تحفظ له تماسكه .
هل يمكن أن يتساوي المجند أو الضابط الذي يقوم بمهمته في الدفاع عن أمن الوطن مع الإرهابي الذي يروع معنى الحياة ؛ لصالح أطماع جماعة جميع أسسها الفكرية بالية وغير عقلانية .
قد نسمع من يتقول بأن الطرفين يتساويان ، وأن العنف يصدر من الجهتين ، لكن قراءة الواقع وأحداثة تثبت أن الجماعة بتنظيمها ، والجماعات التكفيرية التابعة لها هم من يبادرون بالعنف والتعدي علي مفهوم الوطن ومؤسساته ، الوطن الذي استقر مفهوم التعدد والتداول من أهم مقوماته .
كما أن غالبية الشعب المصري بالفعل كان قد لفظهم إبان السنة التي حكموا فيها ، وكان من غير الطبيعي انتظار ثلاث سنوات أخري من التخبط وانعدام الرؤية .
لكن المنطق الإنساني والقدرة علي قراءة الواقع ومعطياته الآنية لن يقبل بالطبع اقتصار الاعتماد علي الحل الأمني للخروج من حرمة الدماء التي تراق بشكل يومي ، التغول الأمني الذي قامت الثورة بموجتيها للقضاء علي انتهاكاته ، وتعديه علي الكرامة البشرية ، فمن غير المقبول اعتقال أكثر من ثلاثة ملايين من الإخوان و المتعاطفين معهم ، أو نبذهم والتغاضي عن أفكارهم التي يؤمنون بها ، حتى وإن ثبتت بالتجربة عدم صلاحيتها وضيق مصالحها ورؤاها ، كما أنه ليس من الطبيعي إقرار التصفية الجسدية لمن يحمل منهم السلاح دون محاولات من الدولة والقائمين علي الأمر فيها ببذل الجهود ، لعقد جلسات نقاش متتالية لإيجاد طرق تفاهم ، ووصول إلي حلول ؛ لتلاشي الصدام المسلح بين كلا الفريقين .
ــ 2 ــ

أين هي العدالة الناجزة التي من شأنها ، مع استحقاقات وإجراءات أخري ، أن تعجَّل بإنهاء هذا المشهد الدموي ؟ والدماء التي تراق من الطرفين .
كيف يخرج علينا القضاه في كثير من القضايا المنظورة لمحاكمة رموز وقيادات الرئيس السابق وجماعته بمقولة :" التنحي إستشعارا للحرج "، أليس هناك حرجا وخطرا في بقاء واستمرار الوضع الدموي الذي تحياه البلد الأن ؟
وهل يأتي الحرج من خوف القضاء من انتقام الجماعة وتنظيمها الدولي من القضاة بتصفيتهم ــ هم أو ذويهم ــ ؟
أم أن الحرج من أن الأسانيد القانونية المقدمة في هذه القضايا غير كافية لإثبات إتهامات قطعية علي هؤلاء الإرهابيين ؟
يبقي الحرج والخطر الحقيقي في أن ينسحب بعض القضاه من مواجهات هي الأخطر من نوعها علي حاضر ومستقبل مصر دولة وشعبا ، سياسة واقتصادا ، فالعدالة الناجزة والحكم بنصوص الدستور وقوانينه المنظمة هو ما يطلبه المجتمع للحد من هذا العنف الموجة ضد المجتمع المصري ومؤسساته .
تتطلب اللحظة أحكاما سريعة لا تخالف حقوق الإنسان ولا الدستور ، لكن إن تطلب الأمر محاكم ثورية تفصل في كل القضايا التي لم يستطع القضاء العادي إثبات أحكام بشأنها منذ 25 يناير 2011 م وحتى الأن ، بداية من عهد مبارك ، فالمجلس العسكري ، ثم حكم مرسي وجماعته ، فلتكن هناك عدالة انتقالية دون مخالفات قانونية ، لكن لسرعة الإنجاز ، أليس لكل سياق مقتضياته ؟ إن خوف السلطة القائمة الأن من الرأي العام العالمي باتخاذ أي إجراءات استثنائية يجعل يد الدولة وحكومتها المرتعشة مغلولة ومقيدة .
كما أنني أعني بالاستحقاقات والإجراءات الأخري الجلوس علي مائدة المفاوضات للوصول إلي صيغ سياسية ، لا تتهاون مع عنف هذا الفصيل الديني السياسي وأعوانه ، لكن تسعي إلي توضيح ضرورة الانتماء لهذا الوطن ، وفق مصالح البلد بكل فصائلها وطوائفها ، ضرورة مراجعة وتوضيح كثير من الأسس الفكرية التي يستندون عليها في رؤاهم القاصرة لطرق وأساليب حكم البلاد ، وتوجيههم لعصرنة تلك الأساليب ، إلي أن تنفتح صياغة وعيهم لمفاهيم الدول الحديثة ، توضيح الخطورة في أولوية الانتماء إلي جماعة لها أهداف مهما اتسعت لا ترقى أن تضم أطياف وفصائل ومؤسسات دولة كبيرة بحجم مصر ، وإلي أن يحدث هذا وهو ما سيتطلب وقتا ومجادلات ونقاشات كثيرة ، لا مجال لخوضهم المعترك السياسي أو الحزبي .
ضرورة إجراء حوارات لا يشوبها اليأس السريع ، بل رغبة حقيقية في التواصل ، وليس لمجرد إبراء الذمة أمام الميديا محليا وعالميا ، وإعلان تلك الحوارات ونتائجها علي المواطنين ، لا بمنطق الجبهتين الإعلاميتين المضللتين أو المبالغتين لكلا الطرفين ، لكن لتوضيح مناهج فكر الطرفين دون مبالغة أو رغبة في التكفير والإقصاء ، ذلك حتي تتضح الحقائق كاملة للرأي العام .
وقت أن يحدث هذا سيصبح الشعب يدا فاعلة ، تدرك سريعا الأقنعة التي تتخفى وراءها كل القوي التي تلعب علي الساحة السياسية وراء العديد من الشعارات ، تكشُّف المعرفة يساعد الدولة وسلطاتها لفضح ولفظ هذا الفكر الإرهابي ثم تقويمه أو إحاطته إن لم يكن هناك أملا في تغيير فكر بعض قيادات هذه الجماعة والموالين لها ، كما من شأنه أن يجعل مؤسسات الدولة ذاتها تراجع أدواتها وأداءها ، أي تطور من منظومة إدارتها وتسعى إلي القضاء علي عناصر الفساد فيها ، إن الحلول الأمنية وحدها لن تكون أبدا هي السبيل الوحيد الناجع لحل الأزمة الفكرية السياسية التي تحياها مصر ، فالسير في مسارات متوازية ومتعددة مجتمعة ، أساسها المعرفة والعقل وتنويره هو الذي سيدفع الجميع لغربلة الأفكار والادعاءات ، وهو ما سيدفع لعدم تعاطف البعض مع هذه الجماعات لمجرد ما يتعرضون له من مواجهات تعتمد علي النهج الأمني سواء بالاعتقال أو التصفية .
إن المعرفة المنفتحة والمتعددة ، وحوار الأفكار ، وقبول فكر الآخر ، وثقافة عدم ادعاء يقين لا وجود لسواه ، هو العاصم اللازم ، مع توافر عدالة ناجزة ، مع منظومة إعلام واع لا يقتصر سعيه علي إشعال معارك متطرفة بين القوي متباينة المصالح ، بل يلتزم بمنهج احترافي لا يخدم توجهات بعينها ، ويعرض للواقع برؤية تتسم بالاعتدال ، في ظل دولة قوية ، تستطيع بعد خوض كل تلك المسارات المتعددة تفعيل قوانينها التي يراعي فيها أمن الدولة بمواطنيها مجتمعين ، وسيادة نصوص دستورها الذي يؤكد علي التعددية والديمقراطية وحقوق الإنسان ، وواجباته تجاه الوطن الذي يضمنا جميعا .
من شأن العدالة الناجزة أيضا أن تسرع بالإفراج عن من لم يثبت عليه تهم جنائية من المتحفظ عليهم ، أو ثبت عدم ضلوعهم في تعكير الأمن العام ، أواستعداء الآخرين والحض علي العنف والفوضى ، ومن المؤكد أن استشعار عدم التجني من الطرف القابض علي السلطة سيعمل علي التخفف من احتقان الوضع العام ، والشعور بالعدل الذي يعيد للأوضاع سوائها تدريجيا .
كما أن الأمر الذي لا استطيع أن أفسره جيدا هو موقف من يتقولون بالنقاء الثوري دون أن يملكوا أدوات تحقيق أحلامهم ، التي غالبا ما تعلو علي سياق الواقع ومعطياته التي تتطلب أحيانا حلولا قاطعة ، تتملكهم المعارضة والسخط من كل المبادرات والمساعي التي تقدمها الحكومات وما تقترحه من مبادرات أو قوانين ، إن المأساة التي دائما ما تواجه الفكر اليساري هي الصراع بين القضايا الضرورية : الحرية والعدالة والمساواة ، وبين الاستحالة العملية لتحقيقها المطلق في التو واللحظة ، بل ويغفلون تماما أن السياق الذي تحياه مصر الأن حرج للغاية ، فانسحابهم من المشهد الأن يأسا ، أو تعاطفا مع من يتعمدون إرهاب الدولة لهو موقف يدعو للحيرة ، دموية وعنف اللحظة لا يحتمل الاعتماد علي الحلول الإقناعية والمراجعات الفكرية وحدها , دعوات الاعتذار والمصالحة إن كانت لمجرد الخروج من المأزق الحالي لن تعود بفائدة ، ليتهم يقدمون بدائل .. !! حلول منطقية وقابلة للتنفيذ علي أرض الواقع شديد التراكب والتعقيد ، ويحمل أولويات لا مجال للجدل حولها .
مع فصيل في المجتمع يتصور أنه إذا لم يتمكن من الحكم سيدمر هذا البلد لن ينجح معه حل وحيد يعتمد علي القمع الأمني فقط ، أو المصالحة والمراجعة فقط ، أو القضاء العادي الذي يستشعر حرجا ، نحن بحاجة أن نعتمد علي كل هذه المحاور مجتمعة ، وتأخذ آفاقا متوازية ؛ لنخرج من هذا النفق الدموي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالأرقام: عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان بعد اغتيال الاح


.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت




.. 81-Ali-Imran


.. 82-Ali-Imran




.. 83-Ali-Imran