الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تركيا وسوريا: الإبن العَاق والإبن المُعاق

سامي حرك

2014 / 1 / 29
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الدروس المستفادة من قراءة أحداث التاريخ بوعي وفهم, تشبه الحصول على تذكرة سفر مخفضة أو مجانية لكل مدن العالم, فما تقدمه تجارب الماضي هي إستشارات متخصصة مجانية أو لوحات إرشادية لازمة لمعرفة إتجاه السير على طريق المستقبل.
وثائق التاريخ ليست مجرد آثار ولفائف ثمينة نغلفها ونحفظها بعناية في المخازن أو نعرضها في المتاحف, بل هي أيضًا دراسات دقيقة في سلوك الأفراد والجماعات, الدول والإمبراطوريات, وليس فقط سيرة "أردوغان" و"بشار"!
ما أن إنحسرت مياه العصر المطير الأول, وبزغ "بن-بن" عالم جديد مكونًا أرض مصر, حتى حظىيت محمية الكنانة تلك بمزيج طلائع البشر الصيادين القادمين من الجنوب تحملهم مياه النهر العظيم, إضافة إلى دفقات المرتحلين من الغرب, وجماعات المتسللين من الشرق, فضلا عن قبائل وقوارب مغامري الشمال, من البر والبحر, حيث ما لبث فريق كناني كبير أن إستقر وإمتزج ببعضه بل إنصهر وذاب في طين أرض "كيميت" مكونًا سبيكة كبيرة إحتوت خريطة جينية وحضارية مستقلة عبر زمن بدأ من خمس وثلاثين ألف سنة, أو تزيد قليلا, وذلك على النحو والتفصيل المبين في كتابنا وسلسلة مقالات "الكنانة"!
عرف الوجود ملامح تلك السبيكة بإسم الجنس المصري, كما أن نتاج عملها هو ما يُعرف بالحضارة المصرية, ومنها تشكلت القومية المصرية وبها يبدو المكون الأساسي للهوية المصرية, بينما شهدت فورات البركان الحضاري الكناني خروج مستمر لمكوناته كهيئة اللّافا من الصخور والمعادن المذابة, في مظاهر حضارية متعددة, عبر كافة الأرجاء.
الآثار الحجرية القليلة في جوبكلي تيبي تركيا و أبلا وماري وأوجاريت سوريا محملة بملامح علامات الإنتماء الحصري للمظاهر الحضارية الكنانية, تمامًا كما يحمل الأبناء جدائل جينات الأجداد قبل الآباء والآمهات!
ثم نلمس في دراما قصة الإبن الضال أو العاق ملامح علاقة دول وحكومات الأتراك, قديمًا وحديثًا, في تعاملهم الإنتهازي ونظرتهم الجشعة إلى أم الدنيا.
كذلك نرى في دراما الفتاة اللعوب حكايات علاقة مصر بالشام, دماء زكية تُراق وأموال تُنفق وجيوش تُجهز لصد التتار وردع المغول ورد الصليبيين بعيد عنها, وطومان باي يُشنق بعد ما سلمته للعثمانيين, ومازال الثعبان الصهيوني يكمن لنا رابضًا مستدفئًا بين أحضانها.
مسيرة التاريخ الطويلة في علاقات "مصر" بشمالها الشرقي, أو ما كان يُعرف بالشام, هي عقد حماية مستدام ورعاية مستمرة, بينما كانت العلاقة مع الأتراك كلها مخالفات وجنح وجنايات سطو وإعتداء على الملكية والحيازة, مجسدة في مطامع سيطرة القمة الشمالية على بقاع المحميات المصرية, أزاحهم عنها تحتمس الثالث بقهره للخيتيين, وصدهم رمسيس الثاني بمعاهدة سلام مع ملك الحيثيين أوقفتهم عند حدودهم شمال سوريا لا يتجاوزوها, كما قبض رمسيس الثالث على متسلليهم وألقى بأمتعتهم ومراكبهم في عرض البحر, وحين شجعوا رحبعام حاكم أورشليم على الإنسلاخ بعيدًا عن السلطة المصرية, أدبهم وأعادها شاشنق.
لم يتوانَ الشمال عن أحلام السطو ومغانم الهيمنة, فقد شهد التاريخ بعد زمن بسماتيك ظهورٍ آشوري وفارسي وإغريقي ثم روماني وعربي, على التوالي, غزوات وتحالفات ومؤمرات عديدة, كان أقسى ما أصابنا منها الإحتلال العثماني, تحت زعم الخلافة أو الوكالة الحصرية للدين, فقد داست سنابك خيول جيوش الأتراك المحميات في الشام, ثم إستولوا على مصر نفسها وإغتصبوا ثرواتها وأهدروا مؤسساتها وعاثوا فيها فسادًا لما يقرب من ثلاثمائة سنة, حيث يحكي التاريخ أنهم قهروا المصريين وأسلموهم للفقر والمرض حتى تناقص عدد السكان في عهدهم ليصبح فقط مليونين ونصف المليون حين أحصاهم نابليون بونابرت, بينما كان الظاهر بيبرس يفاخر الدنيا بملايينها السبع, قبل ذلك الإحتلال الغاشم!
خلاصة: لا تستطيع مصر أن تبقى آمنة إلا بالإنتباه لما يجري في مجالاتها الحيوية, شمالاً وشرقًا وغربًا وجنوبًا, فما هُزمت مصر إلا بالغفلة عن تلك المجالات!
ملحوظة: على عكس تكرار نوبات التسلل والإستنزاف والإحتلال القادم غالبًا من الشمال والشرق, لم تشهد مصر –في الغالب- من أرض الجدود في الجنوب إلا الخير ممثلاً في عملاقها الطيب "حابي", يتقافز نحوها بخطواته الواسعة عبر صخور الجنادل وسط حيواناته وأسماكه وطيوره, حاملاً سلته النهرية المليئة دومًا بأصناف الحبوب والخضار والفواكه!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فولكسفاغن على خطى كوداك؟| الأخبار


.. هل ينجح الرئيس الأميركي القادم في إنهاء حروب العالم؟ | #بزنس




.. الإعلام الإسرائيلي يناقش الخسائر التي تكبدها الجيش خلال الحر


.. نافذة من أمريكا.. أيام قليلة قبل تحديد هوية الساكن الجديد لل




.. مواجهة قوية في قرعة ربع نهائي كأس الرابطة الإنكليزية