الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إيران .. السحلية !

علي فردان

2005 / 6 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كثيراً ما ناقشت موضوع الوضع الإيراني الداخلي، الخاص بالدستور والحريات، والخارجي الذي له علاقة بالوضع الشيعي العام، والوضع العالمي، وحتى مع أن العديد ممن "يُحِب إيران" لأنها دولة شيعية، فإن النقد اللاذع لسياساتها داخلياً وخارجياً أصبحت محلّ نقد لا يخلو من الحقيقة.
نقاط تبرز للسطح حين نقاش الوضع الإيراني، أهمّها منصب المرشد الأعلى للثورة والذي هو أيضاً "الفقيه"، فكيف لشخصٍ "غير معصوم"، لم تُرسله الآلهة، وليس منتخباً من الشعب، يحكم طوال حياته دون أن يتعرض للنقد. المحير والمضحك هو أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية بها دستور ينص على تولي رئاستها شخص منتخب من الشعب، لكن سلطة "علي خامنئي" تفوق سلطة رئيس الجمهورية.
إذا ما نزلنا للأسف قليلاً ووجدنا مجلس صيانة الدستور، وهو أيضاً مجلس غريب حيث يتكفل بالتفكير والتقرير عن الأمة، وبديلاً عن القانون، وسلطته هي من سلطة "الفقيه" أو "المرشد الأعلى"، هذا المجلس يقرّر من يحق له الترشيح للانتخابات، فرفض هذا المرة أكثر من ألف مرشح ووافق فقط على 6 أشخاص، وبعد تدخل العناية الإلهية، المتمثلة في "الفقيه"، تم إضافة شخصين آخرين، فأصبح عدد المرشحين ثمانية.
ربما يخفى هذا على البعض، فإيران بشعبها الذي زاد تعداده عن سبعين مليون نسمة أكثره من الشباب، وربما أكثر وُلِد بعد الثورة الإسلامية عام 1979 م، ومتطلبات هذا الشعب أو هذه الفئة تختلف عن سابقتها، خاصةً وأن الاقتصاد الإيراني يعتمد بشكل كبير على النفط ولم يتغير ذلك خلال السنوات الأخيرة، بل زاد، ومستوى دخل الفرد نقص.
لربما تستطيع التيارات الدينية التي يُطلق عليها محافظة، وهي حقيقةً أقرب إلى التطرف منها إلى المحافظة، ربما تستطيع الحديث باسم الدين وباسم الثورة قبل عشرين سنة، أي قبل بلوغ مواليد بعد الثورة السن القانونية، ربما تستطيع حينئذ التحدث باسم التضحيات التي قدّمها الشعب وقدّمتها القيادات الدينية، والتحدث باسم الوطن ككل، وربما تستطيع أيضاً تبرير مواقفها وتربّعها على عرش السلطة، لكن الوضع الآن مختلف.
الوضع مختلف لأسباب عدة، أولها أن هذه الفئة أو هذه التيارات لا يحق لها أن تتربع على عرش السلطة وهي أقلية، حتى لو أنها كافحت في الماضي، هذا لا يعطيها الحق في الحكم، وإلاّ لكان الحق لكل من ينتصر ويصل إلى الحكم، له الحق في حكم البلاد طوال عمره وعمر أبنائه من بعده ليصبح حكماً متوارثاً كما هو الحال في الدول الخليجية والعربية التي تتوارث فيها عائلات الحكم أباً عن جد.
الديمقراطية تعني حكم الشعب للشعب، وكان التسائل بأن هذا الشعب لا يعرف مصلحته، لذلك وجب على "مجلس صيانة الدستور" اتخاذ القرار برفض ترشيح بعض المتقدمين، لأن لديهم ميول "شيوعية" كما ذكر لي بعض المتحمّسين لإيران، وكما ذكرت بعض الدوائر الإعلامية العالمية في حينه.
أذا كان الوضع كذلك، وإذا كان هناك دستور، وإذا كان هناك تهمة ضد أي مرشح، فعلى القانون أن يأخذ مجراه الطبيعي، لا أن يتم منع أحد المتقدمين من الترشيح، بل العكس، لندع الشعب يرفض من لا يناسبه ويختار من يراه مناسباً. إذا كان الشعب "جاهلا وخبيثا" واختار السيئ، فهذا يعني أن الأكثرية ترى ذلك، وهذا يعني أن هناك خللاً كبيراً في المجتمع لم تستطع "السلطة الدينية" من إصلاحه حتى مع تربّعها على عرش الحكومة لسنوات وسنوات.
لا أدري ما هي أهمية وجود رئيس للجمهورية الإيرانية في ظل تكبيل هذا الرئيس بالقيود، فخاتمي الذي انتخبه الشعب مرتين لم يستطع أن يفي بوعوده الإصلاحية، بل أصبح رمزاً للضعف، فعشرات الصحف تم إغلاقها (يُقال أنها زادت على مائة صحيفة) والعديد من الإصلاحيين تم سجنه، وآخرين تم تعذيبهم وآخرين تم اغتيالهم، والصحفية الكندية "الإيرانية الأصل" تم قتلها في إيران دون أن يُعاقب الفاعلين. بل أن العديد من الإصلاحيين والصحفيين والصحفيات ممنوعٌ من السفر، وكأن إيران تحت قيادات العمائم مثلها مثل سوريا أو السعودية التي لم تعترف يوماً بدستور أو بقانون.
دولة بحجم إيران، وبإمكانيات كبيرة نفطية وبشرية تعيش في حال أشبه بحال كوريا الشمالية التي لم تستطع إطعام شعبها، لكنها تصنع صواريخ بعيدة المدى وتطمح إلى الوصول إلى صواريخ حاملة لقنبلة نووية. إيران، وإن كان لها الحق في الحصول على القوة النووية، شأنها شأن أي دولة أخرى، لكنها تعيش هاجس الأمن الخارجي بدل الأمن الداخلي الذي تصنعه احترام حقوق الإنسان والحريات، تصنعه الديمقراطية، ولا تحميه الصواريخ فقط.
الديمقراطية تعني انتخابات حقيقية لرئيس الجمهورية، فإن كان خامنئي يريد أن يكون رئيساً، فلا بأس، فليرشح نفسه، أمّا أن يظل "فوق العرش" كالآلهة، ويحكم من ينتخبه الشعب، فهذا ليس فقط منافي لكل القوانين البشرية، بل حتى الدين الإسلامي يرفض ذلك. الشعب الذي قدّم التضحيات خلال الثورة، وقدّمها مرة ثانية خلال الحرب الظالمة التي شنّها نظام صدام، من حقّه أن يعيش عيشاً كريماً، من حقه أن ينتخب رئيساً لا دمية يحرّكها خامنئي أو غيره، بل يتحرك لمصلحة الأمة، لمصلحة الشعب، لمصلحة الوطن أولاً وأخيراً.
تقييد حرية المواطنين وتقييد عدد المرشحين للانتخابات ليصبح وضع الناخبين في اختيار السيء، وهو علي هاشمي رفسنجاني، أو الأسوأ، وهو محافظ طهران محمود أحمدي، وهذا يذكّرني بقصة شركة فورد الأمريكية عند أول سيارة تم صنعها. قال فورد بأن الناس تستطيع أن تشتري السيارة بأي لون يريدون، طالما أن هذا اللون هو الأسود. وأعتقد جازماً بأن اللون الأسود في هذه الحالة سيكون أكثر سواداً إذا ما استمر الوضع الإيراني على ما هو عليه من الانغلاق وتكميم الأفواه والحريات المنقوصة والتي يوماً سيرى النظام نفسه نسخة من سابقه، فقط الفرق بأنها تحت عمائم رجال الدين.
إن إيران تحتاج لنقلة نوعية تشمل في أولها رفض وصاية "الفقيه" ومنصب "المرشد الأعلى" لأنه لا يوجد شخص في هذا الكون يستطيع أن يُدير أمة دون وجود مستشارين وخبراء وآلاف من الكوادر العملية المتخصصة وآلاف من الدراسات العلمية. حتى لو كان للمرشد دور رمزي، لا يجب الاحتكام إليه بدل الاحتكام القانون، بل ربما يجب توزيع السلطات بشكل يسمح لرئيس الجمهورية التحرك واتخاذ القرارات كأي رئيس منتخب في دول أخرى. كذلك يجب على إيران حل مجلس صيانة الدستور وإبداله بمؤسسة مدنية خاضعة للدستور وليس العكس. يجب أيضاً إطلاق الحريات العامة وعدم غلق الصحف وحجب مواقع الإنترنت، والسجن والتعذيب والمنع من السفر، ومحاسبة كل من له علاقة بأعمال يندى لها جبين الإنسانية، تحت مسميات "الأمن القومي" وخلافه. خلال الأيام الماضية نشرت القنوات الإعلامية خبر أن إيران تعمل على التشويش على القنوات الفضائي، وهذه جهود وأموال كان من الأنسب صرفها على توفير عيشٍ كريم للشعب الإيراني وحماية حقوقه الإنسانية وضمان حرياته.
هذه الحريات تشمل الأقليات، مثل العرب والأكراد، مثل السنة وغيرهم من المذاهب والأديان، حيث يجب أن يمارسوا شعائرهم بحرية وتسهيل عملهم في الحفاظ على هويتهم العرقية والثقافية والدينية، كأن يدرسوا بلغتهم، وأن يتم توزيع الخدمات الحكومية وغيرها بشكل عادل مما يحافظ على هوية البلاد كدولة متسامحة وقابلة للنمو.
يجب على رجال الدين الكفّ عن وصايتهم على الناس والنظر للآخرين بدونية وكأنهم مصنوعون من طينة مختلفة، والتي كانت نتيجتها أن خللاً في عقلية الناس قد كبر واستفحل وأصابتهم عقدة تسمىّ رجال الدين، فما أن يلبس أي رجل لباس الدين إلاّ والتكبير والتجليل والاحترام كان من نصيبه، حتى لو كان خاوياً.
نعود للعنوان، السحلية، فالسحلية حيوان بري يتلون كما البيئة التي يعيش فيها ليسلم من الخطر. السحلية فيلم إيراني يتحدث عن مجرم خطير كان في المستشفى ويرقد معه رجل دين، وما أن دخل رجل الدين دورة المياه، إلاّ وقام المجرم بسرقة ملابسه ولبسها، وخرج تحت أعين الجميع، فالكل يضرب له تحية وسلام. مجرم وقاتل يحظى بالاحترام والتقديس أينما حل، فهل حال رجالات الدين الذين ينظرون إلى الشعب وكأنه غبي يحتاج لمن يقوده مثل السحلية البرية، مثل هذا المجرم في الفيلم الإيراني؟ الجواب نوجهه الشعب الإيراني لأن الفيلم يُعبّر عن واقعه على ما أعتقد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد أنباء سقوط طائرة الرئيس الإيراني.. المرشد الأعلى: لا تعط


.. عالم دين شيعي: حتى القانون الألهي لا يمكن أن يعتبره الجميع م




.. 202-Al-Baqarah


.. 204-Al-Baqarah




.. 206--Al-Baqarah