الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرقص هو الحل!

علي لّطيف

2014 / 1 / 31
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الرقص هو موجز تاريخ بلاغة الحركة في الكائنات الحية التي يعلوها الإنسان .ابتداءً من إشاراتها الوضيعة البدائية المثيرة – إلى إيماءاتها السامية المعبرة المتألقة.

محمد مستجاب*

أريد تعلم الرقص, لطالما أردت ذلك, لكنني ثقيل الحركة, لا أملك أية مرونة, ولا أي توازن يُمّكنني به أن أرقص كراقصي الفلامينغو. لطالما أحببت مشاهدة عروض الرقص, وخاصة العروض الغنائية, بطريقة ما مشاهدتي للرقص تجعلني أستغرق في اليقظة, أشعر كأنني مخدر بجمال الحركات المنتظمة والغير منتظمة, لا يمكنني توقع الحركة القادمة, ليس الأمر مثل محاولتي لتوقع ما يحدث عند مشاهدتي لفيلم ما, أو قراءة رواية, أو لعب دور محلل سياسي في أوضاعنا السياسية الغير مستقرة. هناك شئ غريب يجذبني عند مشاهدة أشخاص يرقصون, ولو كان الرقص عشوائياً وفوضوياً ولا ينم عن خبرة, كأن حياتي تتوقف على هذه الرقصة, أن أرى الفن يُصنع أمام عيني لهو أمر جليل يأسر كل بؤسي, ويجعلني أبتسم كالطفل الصغير السعيد, الذي لم أكن عليه يوماً في ذاكرتي الممتلئة بالمرارة وسوء الحظ.

لن يكون هذا النص دعوةً للبؤس, لن أكون كشوبنهاور ولا نيتشه, ولا كأي مجنون آخر نظر للحياة كما هي, وقال ماهيتها فجُن, سأدعو الجميع للرقص بجنون, سأدعو الجميع كانوا من هُواة الخمر أم من الممانعين له للرقص, سأدعو أبي وأمي والشعوب أجمعين للرقص, لو رقصت شعوب العالم كلها في اليوم دقيقة, لرقص القمر أيضاً تعظيماً لهذه اللوحة الفنية. أتذكر أحد أيام مراهقتي أنني فشلت في إختبار ما, فعدت للمنزل يغمرني الغضب والحزن, دخلت غرفتي ووضعت أحد الأشرطة الموسيقية في مسجل الأشرطة, رفعت صوت المسجل أعلى درجة, وظللت أرقص, جسم ثقيل يرقص بغرابة, بفوضى وبأناركية وبحرية, الأمر كان مشوش ومحير للجدران الأربعة التي كنت أرقص بينها, سلفادور دالي كان سيفخر بي, فهو الذي قال (المهم هو أن ننشر الفوضى, لا أن نقضي عليها), لا أظن أن سلفادور دالي قصد أي شر بقوله هذا, وأظن أنه كان سيكره جيراني الذين أبلغوا فيّ والدي, الذي إتصل بي معاتباً وغاضباً.

الرقص متنفس, يستطيع أي أحد أن يقوم به, ليس عليك أن تتعلم الرقص لترقص, عليك فقط أن تتحرك قليلاً, يمينا ويسارا, قفزة هنا وقفزة هناك, هزة هنا وهزة هناك, الأمر ليس صعباً, إنك تمرح ليس إلا, ولن يشاهدك أحد إن أردت, إختر مكاناً مغلقاً إن كنت خجولاً, ضع موسيقى جيدة وأرقص, لا تجعلهم يُقيدون حياتك بقواعد آخرى, فالمجتمع قيّدك, والدين قيّدك, وكل شئ آخر في حياتك قيّدك, لا تحتاج إلى قيود آخرى. لقد تعبت من القيود في الحقيقة, نشيد بلادي القديم الجديد يقول : لن نعود للقيود, لا يمكنني أن أكذب عليك وأقول لك أنني تحررت من كل القيود, أشعر أنني مقيد أكثر من ذي قبل, لا يمكنني أن أتكلم كما أشاء, يمكنني أن أشتم أعداء القوي فقط, لا أحب الشتائم, لأنني لا أحب أن يشتمني أحد. ستقول أنني جبان لأنني لم أناضل من أجل حقي في الحرية, لكنني لست جباناً, أنا خائف ألا يدعني القبر أرقص, المكان ضيق جداً.

عندما أكون سعيداً أتحرك بعفوية, وأقوم بحركات لا إرادية تعبر عن سعادتي, كلكم تفعلون ذلك, لا داعي أن ينكر أحدكم. أتخيل الفتاة التي أحببت وأحب ترقص هذه اللحظة لأنها تحصلت على ما تريد, تبدو جميلة دائماً وأبداً. الرقص أقدم لغة للسعادة, وأقدم إيماءة للحب, ومن أبهج طقوس عشائر الأولين, ألم يرقص ويغني الإغريق نهاراً وليلاً في أوج عظمتهم؟, مسارحهم المهجورة تنتشر في مختلف أرجاء موطني, مسارح الإغريق تبدو لي أكثر جمالاً من مسارح الرومان, مدرجات المتفرجين أقرب للمسرح, فعندما أراها أتخيل أن الجمهور جزء من المسرحية وليس بمتفرج, يشارك الغناء والرقص والفرح, يتملكني الأسى عندما أتذكر ضياع كل هذه المسارح, بضياعها تضيع بهجة كانت يمكن أن تكون من منالي.

مابين عامي 1346 – 1353 قتل الطاعون ثلثي سكان أوروبا, لا أعلم ما حدث تحديداً, لكن أعلم أن الأرض أكلت الكثير من اللحم. بعد ما حدث بخمسين سنة تقريباً مابين القرن ال14 وال17, أصاب أوروبا مرض جديد أسماه المؤرخون بمرض (هوس الرقص), حيث بدأ الناس بالرقص بدون أي سبب مسبق, بدأ الأمر بعدة أشخاص, فتبعهم في اليوم الأخر أشخاص آخرون, وخلال شهر واحد أصبحوا بالآلاف. في مدينة ستراسبورغ عام 1518 بدأت امرأة تُدعي (فراو) الرقص في الشارع, خلال أربع أيام تبعها 33 شخص, وخلال شهر تبعهم 400 شخص, رقصوا إلى أن سقطوا أرضاً من شدة الإعياء, وظلوا يرقصون ويرقصون إلى أن أصيب أغلبهم بنوبات قلبية وقضوا نحبهم. لا أحد يعلم ما السبب الذي دعا سكان أوروبا للرقص هكذا خلال ثلاثة قرون مستمرة, يمكن أن يكون السبب هو الأثر النفسي الرهيب الذي خلفه وباء الطاعون الأسود على أوروبا, ربما رقص الأوروبيون لحد الإعياء أو للموت, لداعي الخلاص, النسيان, السعادة.. إلخ, أعلم أنني لو كنت هناك لإنضممت لفراو وجولييث وماثيو وإدوارد وكنوت, ولرقصنا لحد الموت والإعياء, وأعتقد أنني سأكون إنساناً سعيداً, الآلاف يرقصون بجانبي ولا يهتمون إن كنت راقصاً جيداً أو كنت أنا, عازفو الموسيقى يعزفون لنا ونحن نرقص, ولربما كان هناك بعض الخمر أو الرَّم أيضاً. وللأسف كأي جنون لطيف, تمت محاربة هذه الجماعات الراقصة من قبل الكنيسة, تم إتهام الراقصين بعبادة الشيطان وبالكفر وبأنهم ملعونون من قبل القديس (فايتز).. إلخ, تم عزل الراقصين, سجنهم, حاولوا طرد الأرواح الشريرة منهم, ولكنهم لم يفلحوا فإستمر الرقص وإزداد عدد الراقصين مع زيادة رقعة إنتشار الهوس في أغلب أوروبا.

في الميثولجيا الإغريقية ألهة الإلهام تسعة, أغلبهن جميلات بالطبع, ولا أظن أن أي حفلة جيدة كانت تخلو من وجودهن مع بعضهن البعض وراء الكواليس وبين الحضور وبين كل إبتسامة, تيربسيشوري – إسمها صعب بعض الشئ لهذا سأدعوها تيرا — كانت إلهة الرقص, أظن أن كل المحتفلين في ذاك الوقت يدعونها قبل بدأ الحفلة بأن تكون هذه الليلة مليئة بالرقص, لأن الرقص هو جوهر كل حفلة, حيث تتوقف الكلمات ويُعير اللسان وظيفة الكلام للجسد كله, فيتكلم الجسد بكلمات لا تفهمها الأذان, ولكن تُبصرها الأعين, ويصبح الرقص في تلك الليلة سماء ربيعية من الأفكار والمشاعر اللاواعية والواعية تُهطل أمطاراً نقية, فتنمو الإبتسامات وتصبح الليلة تلك من أسمى الذكريات.

أنا أصر أن الرقص هو الحل, موسيقى جيدة والرفاق والرفيقات بجانبك, لا يهم كيف تكون حركات الجسد, الأهم أن يتحرك الجسد لتُصبح الروح راقصة, فيُجسد الإنسان فكرة جميلة لا تُسمع بل تُرى. نيشه قال مرة : لولا الموسيقى لكانت الحياة غلطة, لكن نيتشه النوتة الموسيقية الساحرة نسى أن يذكر أن لولا الرقص ما كانت توجد موسيقى. ألن يكون العالم بلا بمعني من غير امرأة راقصة؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف يتصرف الألمان عندما يمرضون؟ | يوروماكس


.. لمى الدوري: -العراق يذخر بالمواقع الأثرية، وما تم اكتشافه حت




.. الهدنة في غزة على نار حامية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مسلسل المانغا - بون- : وحدة تسافر عبر الزمن وتحي الموتى




.. -طبيب العطور- بدبي.. رجل يُعيد رائحة الأحبة الغائبين في قارو